" بوش الجد " والمسيحية الصهيونية.. للكراهية جذور
تحت عنوان (كتاب محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين للقس الأمريكي "جورج بوش" 1769–1895م.. عرض ونقد)، نوقشت في كلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر بالقاهرة الأربعاء 27/5/2009 رسالة ماجستير مقدمة من الباحث محمود محمد بغدادي يوسف.
الرسالة التي أشرف عليها كل من د. عمر عبد العزيز أستاذ الأديان والمذاهب، ود. مصطفى مراد أستاذ الأديان والمذاهب المساعد، وناقشها د. علي السبكي، ود. محمد عمر أستاذا الأديان والمذاهب بكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة، حصل باحثها على درجة ممتاز مع توصية بطباعتها وتداولها بين الجامعات.
والكتاب محل الدراسة ظهرت ترجمته باللغة العربية بعد عام تقريبا من غزو "الولايات المتحدة الأمريكية" لـ"العراق" في قرابة 700 صفحة، لكنه يعد من باكورات كتابات المستشرقين حول السيرة النبوية؛ إذ إنه مطبوع عام 1831.
ومؤلفه هو "جورج بوش" الجد الأكبر للرئيس الأمريكي السابق؛ وكان واعظا بارعا في الجدال والمناظرة، وراعيا لإحدى الكنائس في (إندنايا بولس)، وأستاذا في اللغة العبرية والآداب الشرقية في جامعة نيويورك، وله مؤلفات وشروح في أسفار العهد القديم، ومن أهمها هذا الكتاب الذي يتناول فيه حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقيام الدولة الإسلامية.
وبالرغم من أن القرن التاسع عشر يعد عصر الازدهار بالنسبة للعمل الاستشراقي، وتميز نسبيا بتحرره من سيطرة الكنيسة، فإن "بوش الجد" يبدو -كما ذكر الباحث- أنه لم يكن قد تحرر بعد من الفكر الكنسي المتعصب تجاه الإسلام والمسلمين.
الباحث خلال مناقشة الرسالة |
وتعود أهمية الرسالة إلى أن الباحث قد حاول من خلال تتبعه لما ورد في الكتاب ونقضه للأسس التي قام عليها إلى بيان تهافت المنهج الذي اتبعه "بوش الجد"، وإلى كشف مصادره المزيفة، وقراءته المبتسرة للسيرة النبوية خصوصا.
وعلل ذلك بأن مناهج المستشرقين -رغم ما قد يوجد بينها من تمايز- تظل متقاربة في مجملها عند دراسة ما يتعلق بالإسلام، وأنهم يدعون الموضوعية لكن لا يلتزمون بها، بل يتسمون بالانتقائية في التعامل مع النصوص الإسلامية لإثبات ما يقتنعون به مسبقا.
اتفاق المجمع والسفارة
في عرضه للرسالة ذكر الباحث أن أهم الأسباب التي دعته لاختيار الموضوع تمثلت في أن الكتاب وقت صدور ترجمته اختلفت حوله الرؤى إلى درجة متباعدة؛ ليس فقط بين المسلمين وغيرهم، بل بين المسلمين أنفسهم.
إذ بينما رأى أحد أعضاء مجمع البحوث الإسلامية -الدكتور محمد الشحات الجندي- في تقريره عن الكتاب أنه "ليس فيه مساس بالعقيدة أو إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وغاية الأمر أنه تعرض لمسائل اختلف فيها بعض المسلمين أنفسهم"، رأى فريق آخر أن الكتاب مليء بالأغلاط العلمية والتاريخية والمنهجية الواضحة، والتي من شأنها أن تشوه الصورة الحقيقية للرسول صلى الله عليه وسلم، وللإسلام بصفة عامة.
وأكد هؤلاء أن الكتاب يؤسس للفكر الأصولي المسيحي المتطرف، ويعد أحد أهم مصادر الفكر الغربي والأمريكي العنصري، ويجلي بوضوح حقيقة الخلفية الدينية التي تحرك الولايات المتحدة الأمريكية والغرب تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط؛ ويفسر تجاهلها للحقوق العربية من ناحية، ومساندتها للكيان الصهيوني من ناحية أخرى.
وفي نهاية الأمر انتصر الرأي الأخير، وأوصت إدارة "البحوث والترجمة" بمجمع البحوث الإسلامية بمنع نشر الكتاب، وتوافق ذلك مع اعتراف السفارة الأمريكية ذاتها بأن الكتاب يحمل إساءة بالغة للإسلام؛ وذلك في بيان أصدرته حينما نشرت وكالة "رويترز" تقريرا عن تداوله في الأول من ديسمبر عام (2004م)، مؤكدة أنه:"شوه سمعة العرب والمسلمين، ويصفهم بأنهم أعراق منحطة وحشرات وجرذان وأفاعي".
الجزية شأن سياسي لا ديني
لجنة المناقشة |
فالإسلام في تعامله من الناحية الدينية مع أهل الكتاب لم يتجاوز -بحسب الباحث- دائرة الحوار بأساليبه المختلفة من ترغيب وترهيب ومدح وذم.. وما حدث من مواجهات وحروب بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل الكتاب لم يكن بحال موقفا عقائديا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد من وراء تلك الحروب أن يجبرهم على الدخول في الإسلام، فهذا مبدأ مرفوض في شريعة الإسلام، بل إن ما حدث من مواجهات يمثل موقفا سياسيا جاء كرد فعل لموقفهم من الدولة الإسلامية حينئذ.
ولذلك فإن "الجزية" التي فرضها الإسلام على أهل الكتاب هي من مفردات الموقف السياسي وليس الديني، فهي ليست مقابل الكفر -كما زعم "بوش الجد" وغيره- وإنما هي مقابل حماية الدولة الإسلامية لهم، فضلا عن أنها ليست من مستحدثات الإسلام، ولا تؤخذ إلا ممن يقدر على القتال من رجالهم.. حسب بيان الباحث.
جذور الأصولية المسيحية
يختلف مفهوم "الأصولية" في الثقافة الإسلامية عنه في الثقافة الغربية، فبينما يعني في الأولى العودة إلى الأصول والثوابت، فإنه يعني في الثانية: التفسير الحرفي للكتاب المقدس.
من هنا يشير الباحث إلى أن "الأصولية المسيحية" حركة بروتستانتية أمريكية تؤمن بعصمة الكتاب المقدس وحرفية تفسيره، وتؤمن بالعودة الثانية للمسيح عليه السلام، وترجع جذور التيار الأصولي الحديث إلى تيار قديم هو تيار (الألفية) -أي بقاء المسيح ألف سنة بعد عودته الثانية قبل نهاية العالم- وهو التيار الذي ظهر في ثوبه الجديد بالتزامن مع بداية حركة الإصلاح الديني في أوروبا.
ويذكر الباحث أن الفكر الأصولي انتقل إلى العالم الجديد مع هجرة الأوربيين إلى أمريكا، ثم تنامى مع بدايات القرن العشرين بعد صدور كتب بعنوان "سلسلة الأصول" في أمريكا، واستمر في ازدياده حتى أصبح في دائرة التأثير السياسي وصناعة القرار.
ويدلل على تأثيره في صناعة القرار باعتناق كبار الساسة الأمريكان لهذا الفكر، ويذكر من أبرزهم رؤساء أمريكا في النصف الأخير من القرن العشرين أمثال: رونالد ريجان، وجورج بوش الأب والابن، وجيمي كارتر، الذي أعلن صراحة في خطاب له أمام الكنيست سنة 1979 أن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل هي علاقة دينية في الأساس.
وفي هذا الصدد يؤكد الباحث أن "بوش الجد" من المؤسسين للفكر الأصولي المسيحي؛ فقد برزت أفكاره الأصولية بشكل واضح فيما كتبه في كتابه محل الدراسة، وفي كتابه الآخر: "وادي الرؤيا".. حين ذهب إلى عصمة الكتاب المقدس، وضرورة الحرفية في تفسيره، كما أنه اعتمد على نصوص كتابه المقدس في ادعائه تفوق الجنس اليهودي على غيره من الأجناس.. إضافة إلى أن "بوش الجد" يعتقد أن المجيء الثاني للمسيح لن يتحقق إلا بجمع اليهود في فلسطين، وأن العالم أجمع لا بد أن يدخل في المسيحية وفي ذلك اليهود والمسلمون.
مجمع البحوث والاجتهاد الجماعي
في خاتمة الرسالة يشدد الباحث على أن كل مبررات السماح بنشر وتداول الكتاب التي استند إليها من أجاز نشره في مجمع البحوث الإسلامية ليس فيها مبرر واحد صحيح؛ فقد أنكر "بوش الجد" نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، واعتبره كذابا ومدعيا، ووصفه صلى الله عليه وسلم بما يعف اللسان عن ذكره، واعتبر أن القرآن الكريم من تأليفه، انتحله من الكتاب المقدس وليس بكلام الله.
وهنا يحذر الباحث مما أسماه "استجداء الإنصاف من المستشرقين"، وذلك عن طريق بتر نصوصهم أو اجتزائها لتعبر عن معنى لم يقصده المستشرق، بل قد يكون المقصود عكسه.
لكن المشكلة الحقيقية كما يؤكد الباحث ليست في أن هذا الكتاب اشتمل على بعض الإساءات، بل في أن يصدر عن "مجمع البحوث الإسلامية" التابع لـ"الأزهر الشريف" أن الكتاب: "ليس فيه إساءة أو إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة، وأن ما ذكر فيه كان: مجرد حكي وسرد"، بل "مجرد تساؤلات بريئة، بل إنه في الحقيقة في صالح الإسلام وليس ضده.. وأن تكون تلك الكلمات هي مبررات السماح بنشره وتداوله بين المسلمين".
ولذلك طالب الباحث بألا يعتمد مجمع البحوث الإسلامية في السماح بنشر وتداول الكتب -خاصة التي يثور جدل حولها- على رأي الفرد مهما بلغ قدره وعلمه؛ لأنه بات من الضروري -في واقعنا الذي تشعبت فيه المعرفة- الاعتماد على الاجتهاد الجماعي لا الآراء الفردية، حسب تعبيره.
كما طالب الباحث بضرورة إحياء مشروع "موسوعة الرد على المستشرقين" الذي دعت إليه المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة منذ سنين، إضافة إلى كتابة أعمال موسوعية تعرف بالإسلام بمختلف اللغات، يتم نشرها على أوسع نطاق، وتكون متاحة للباحثين على شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت".
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |