بعد النشيد الوطني اللبناني كانت كلمة ترحيبية بالحضور باسم نادي الشقيف ألقاها الأستاذ إبراهيم سرور ثم كلمة الملتقى الثقافي اللبناني ألقاها الأديب الأستاذ كامل رضا وكلمة ملتقى أدب ألقاها الشاعر سعيد ضاهر تلتها كلمة راعي الحفل النائب الأستاذ علي بزي .
بعدها كانت ندوة حول الرواية تناوب على الكلام فيها كل من الدكتورة درية فرحات والشاعر الأستاذ عمر شبلي والشاعر الأستاذ جميل معلّم والمؤلف الدكتور محمد حسين بزي .
وفي الختام وقّع الدكتور بزي رواية شمس للحضور .
كلمة النائب الأستاذ علي بزي
أصحاب الفضيلة ، الحضور الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أي الأبواب تدخل إلى عالم محمد حسين بزي ؟
من باب الفكر ؟ الأدب ؟ الشعر ؟ القصة ؟ الرواية ؟ الفلسفة ؟
أو الإنسانية ؟ أو من باب التاريخ ؟
وهو الذي أمضى أكثر من ربع قرن وهو يحفر في التاريخ وينبشه من تحت التراب، ومن بطون الكتب والمخطوطات .
محمد حسين بزي يطل علينا اليوم متغنياً بمملكة عربيّة قحطانية، وبحضارتها الفريدة، منذ ما قبل ظهور الإسلام ورسالته المحمديّة، لكنها على حد قوله كانت مغيّبة عن كتاب التاريخ العربيّ، شأنها شأن الكثير من الظواهر والمظاهر التي غُيّبت قصداً في كثير من كتب التاريخ العربيّ، أو بالأحرى تمّ تحريف حقائقها وتشويه مضمونها في كتاب التاريخ العربيّ. كما حدث حين درسنا نحن هذا الجيل في الثانويات، وفي الكليات، وفي الجامعات، عن رجال من رجالات هذا المنطقة، عن أدهم خنجر وصادق حمزة وعن محمود الأحمد بزي ، الذين كتب المؤرخون عنهم بأنّهم رجال من رجال العصابات، بينما هم رجال من رجال الحرية والكرامة والمقاومة.
ها هو محمد حسين بزي ينتزع التاريخ من باطن الأرض، ليقول إنّ الشمس هي الضوء الذي يمدنا بالحياة، وهي الشمس الموجودة في بنت جبيل، كما هي موجودة في النبطية وفي الخيام وفي مرجعيون وفي صور وفي صيدا، وفي كل العواصم العربية التي قدمت الدماء والشهداء من أجل أن ترفرف راية الحرية والحق والكرامة والعزّة والسيادة والإستقلال.
فانبش يا صديقي، واحفر يا بن عمي، وأنت القادم من عاصمة المقاومة والتحرير من مدينة بنت جبيل إلى النبطية مدينة الانتفاضات، واكتب فإن شمسك لا بدّ أن تستمر بالشروق، وإن غابت فسوف تشرق مجدداً، تشرق بأسماء الشهداء بأعلامهم ، بدمائهم. وتشرق أيضاً بكل هذه البيئة التي قدمت الكثير الكثير من أجل أن لا تغيب الشمس على الإطلاق.
شكراً لكم، وإلى مزيد من التوفيق والنجاح، وشكراً لـ دار الأمير على هذه الدعوة الكريمة.
كلمة الملتقى الثقافي اللبناني الأديب الأستاذ كامل رضا
لكأنّ " شموس " الصديق الدكتور محمد حسين بزّي تطلع اليوم علينا بضربة قلمٍ، كما يقول المحبّرون، .. بل هي " شموس " تأتي في مواقيت يحدّدها وقْع حروفه ..، إنها شموس اليوم، بل شمس الأديب بزي ولو في عزّ كانون الثاني / فحل الشتاء، كما قال الفلّاحون – وها نحن اليوم، في عزّ كانون، لا حطب ولا نار ولا شراراتٍ طافراتٍ من مواقد الدار ...
فشمسه، بل " شموسه " هي مِرجل لقائنا ونار دفْئنا ...
وكما قال جلال الدين الرومي / الأثير على قلب أديبنا:
إنْ رحل المغنّي حلّ البرد والصقيع
وإذا حضر المغنّي شاعَ الدفء
فأهلاً بك، في هذا الدفء العارم، أهلاً بك باسم الملتقى الثقافي اللبناني ...
ولا تقتربوا كثيراً من شموسه الطالعة إلينا من " دار إمارته " ...
فهو أمير تلك الدار ... يصطلي شموسه كما يشاء:
نثراً وشعراً، روايةً وأغنيةً ... وغوايات ناياتٍ في قونية تشعل الروح لتنثرها ما بين جبل آرارات وثلج حرمون، وعواء ذئاب جبال الأورال ...
طلعت علينا شمس هذا الصباح بلا نايات ميازيبها ...
وانقطعت عن أمسياتنا الأغنيات الشتائية العتيقة التي كانت تستدعي ثلج الجبال، وصراخَ السواقي المعْوِلَةِ حنيناً إلى مصيرها المحتوم ...
لم يمرّ ذئبٌ هذا العامَ في دغَشِ ظلامٍ لأغنيةٍ عابرة ...
لم يهزّ ضبعٌ ذنَبه عند عوسجةٍ ترصدها فأس حطّابٍ عتيقٍ لشتاءٍ قارسٍ، علّه يجني من العوسجة دفْئاً ...
لم يحدث ذلك ... نعم لم يحدث ..
إذْ لم يُبقِ لنا الصديق ما نتداركه خارج روايته " شمس " ...
كلّ تلك العناصر هشّ عليها بشعاع " شمسه " فركضتْ تتسلّق حروفه لتستقرّ في معانيها الوثيرة من ظلالٍ وألوان ...
نعم لم يحدث ذلك ...
النايات الشتائية استقالت من وظيفتها ...
الأغنيات لم تطفئ سواد الخوف من الليل ...
لكن نايات جلال الدين الرومي الستّة والعشرين مازالت معلّقة في قونية ... يمرّ هواؤها في ثقوب الروح، ليوسعها نقاءَ مدارك، ويجعلها تقيمُ على رأس دبّوسٍ خارطة أوجاعنا ... فلا هي تستقرُّ ةلا هي تبارح ...
نعم يحدث ذلك ... في رواية " شمس " في ديوان " أغاني قونية " في ديوان " مرايا الشمس " ...
أقرأ كتاب " شمس " فتندلق عليّ أسراب القراءات التي أسلفت ... فها أنا أتابع " شمْسَهُ " "حارث المياه"، وها أنا أقلّب أسوار قلاع "قناديل ملك الجليل" ... أو ألاحقُ "ليون الأفريقي" .. أو أقلّب كتاب "أسوار أريحا" ...
أو فصولاً من " ألف ليلة وليلة " ...
- والوقت المتاحُ الآن هو خمس دقائق فقط – والشمس هي العالم الخارجي، تمتصّه المرايا وتلاحقه الأعين، والشرق هو الشمس والشرفة التي لا تخفي سرّاً ... والمشرعة على " أهلاً وسهلاً، تفضّلوا " ...
وحكاية الحكايات " شمس " ...
حكاية بيتٍ وجدّةٍ وقرية وكتاب ...
سليكتها قد تبدأ من " حيّ اللوكس "، وقد يكرُّ خيطها – وكا أشرْتَ أنت يا صديقي – من بنت جبيل، من " ذات البهاء " كما رأيتُ أنا ...
تتجه شرقاً أمام حاشية " سوق الخميس " متمهّلاً، تعبر " حارة الجماعنة " الطيبي الذكر والموقف والطويّة ...
تنحرف قليلاً، فتستدعيك مضافة " أبو أحمد " لِما لَكَ فيها من خؤولةٍ مؤثّلةٍ... حيث يَتَضَوّع الهال ...
ولا تُفَكُّ مزاليج صباحات بنت جبيل إلاّ على عطرِ بَنّ " المضافة " وهالها... فيتدارك الأهل والأخوال على قيام وأهلاً وسهلاً ...
هناك تعقد خيط حكايتك، وتشرع مغازلها، لتشمّع الخيط بالكلام والسلام...
وعلى تؤَدةٍ تشرّق ملاحقاً شمسك الطالعة عليك من صوب الشرق ... إلى " حاكورة نص الضيعة " ...
تدخل " أوضة الرجال " كما يُسمّيها " البزّيّون "، في دارة على الحاج حسن بزي ... فيوسعون لك ... إذْ مقامك بينهم ... وتكاد تنعقد الخناصر ... وتنعقد خيطان الحكايات ...
خيطانٌ معقودةٌ منذورةٌ " لحجارة النبيّة " ( الأنبياء كثر .. إلاّ أنّه لا نبيّة إلاً في بنت جبيل ) ... تنعقد الخيطان حول حجارة نبيّتهم .. وتلك الحجارة كفيلة بأنْ تجعل من " ملّمسَ " عليها قادراً على نسج روايات كثيرة ولو كانت من شعاع واحدٍ لشمسٍ، يكفيها أنّها شمس بنت جبيل / " ذات البهاء " ...
وبعد فيا صاحبي:
من أين لك أنْ تُقحمَ علينا في زماننا هذا ممالك جديدةً ... كأنّ " الذي فينا لا يكفينا " ... إذْ طلعْتَ علينا بـ " أوسان " و " كهلان " و " قتبان " ... و " خولان " ... ممالكَ وأفخاذٍ ...
يا صاحبي ... سعيُك مشكورٌ ...
وأنا أعرف أنّ النيّات معقودةٌ في هذا العالم المجزّأ إلى ذرّات ...
أعرف أنّ النيّة معقودةٌ – على أنّه من ذرّات الطحين سيخرج علينا رغيف العيش واحداً شهيّاً –
لكن بعد أن تصهره النار ...
كلمة المؤلف الدكتور محمد حسين بزي
التاريخ بحد ذاته فكرة مؤلمة، والأدب دائماً ما تصحبه الندوب النبيلة، والعشق والعمر كأسان يترعان ولا ندري من الساقي إلّا حين نغادر الأجوبة إلى رحابة الغابة الكثيفة من الأسئلة ..
التأريخ الحقيقي سؤال، والعشق سؤال، والعمر أصعب الأسئلة.
وأجمل ما في السؤال المتاهة، وربما الضياع حتى الرشفة الأخيرة من كأس العمر ..
سل فأنت تفكر، وتساءل فأنت مفكر حتى تصبح السؤال الصعب،عندها ستمسك بياقوت الوقت.
كنا أسئلة، وكانت المواقيت بتاجها الزمني أهلّة وأنجماً وشموساً تشرق في التاريخ؛ وتغيب في معاناة البحث والمباحثة، وفي شغف الفلسفة والتفلسف ومرايا الشعر والشعور .. هكذا بدأت الرواية، وكانت شمس .
أما وقد نوقشت هذه الرواية، وشرحت إلى حد مستحب؛ فإنني أشكر هذه الكوكبة من الأساتذة الذين شرفوني بقراءتها، فقدموها للجمهور على نحو نقدي وتقويم أفدت منه شخصياً، وقد يسعفني العمر في إعادة طباعتها وتكون آراؤهم مصدراً من مصادر التجويد الفني الذي قرّ في ذاكرتي.
كما أتوجه بالشكر لراعي الحفل سعادة النائب الصديق الأستاذ علي بزي ، ولـ نادي الشقيف على حسن استضافتهم لهذه الندوة ، ولـ الملتقى الثقافي اللبناني ، ولـ ملتقى أدب على إسمامهم في إنجاح هذا الحفل .
وختاماً أشكر كل من حضر وشارك وكان بيننا رغم انشغالاته الأخرى لتشرق شمس في النبطية الشموس .