بقلم: - د. لؤيي فتوحي
- د. شذى الدركزلي
- د. جمال نصار
ان السير على الطريق الالهي الى اللّه يجعل الانسان قريبا من اللّه، وان اقترابه من اللّه يحوله تدريجيا الى مرآة صقيلة تعكس الطاقة الإلهية عنه على ما يحيط به، وكلما ازداد هذا الانسان اقترابا من اللّه ازداد مقدار ما ينعكس عنه من الطاقة الإلهية. ان هذا الانعكاس للطاقة الإلهية يتجسد في انواع الظواهر الخارقة للعادة، بما فيها المتزامنات، التي تطال مختلف جوانب حياة السالك نفسه والمحيط الذي يعيش فيه. وهذا يعني ان السير على الطريق الالهي الى اللّه، وبالتالي الاقتراب من اللّه عزوجل، يغير من تركيبة الواقع الذي يعيش فيه الانسان، حيث يبدأ هذا الواقع بالتحول تدريجيا من عالم اسباب مألوفة بالدرجة الاولى، أي عالم تدخل إلهي غير مباشر، الى عالم في الكثير من خوارق إلهية، بعضها من خوارق عالم التدخل الإلهي غير المباشر، كالتي تتضمن تدخلا من عالم الطاقات الفائقة، الا ان معظمها من خوارق التدخل الإلهي المباشر. أي ان واقع الانسان يتغير بشكل جوهري عن واقعة قبل الطريقة والذي كان واقعا مشابها لواقع الناس البعيدين عن اللّه.
ليست المفردات الجديدة التي تبدأ بالظهور في حياة الانسان السالك وفقا لمنهج الطريق مشكلة واقعه الجديد مجرد ظواهر خارقة للمألوف من القوانين والعادات، ولكنها خوارق إلهية المصدر تشير صراحة وعلنا، لاضمنيا ولا سرا، الى خالقها. حيث يبدأ واقع السائر على الطريق الالهي الى اللّه بالتغير من واقع ظاهره اسباب وباطنه اللّه الى واقع ظاهره وباطنه اللّه، من واقع يتجلى فيه اللّه بإسمه « الباطن » من خلال ظواهر سببية الى واقع يتجلى فيه بإسمه « الظاهر » من خلال خوارق «كن فيكون». إن هذا هو جوهر المضمون الرسالي لظواهر التدخل الالهي المباشر التي تبدأ في التجلي في واقع الانسان المسافر على الطريق الالهي الى اللّه، والتي تشكل المتزامنات جزءاً كبيرا منها.
يمثل الظهور المتزايد للخوارق الإلهية في واقع مريد الوصول الى اللّه عملية تعليم فريدة يعلم اللّه من خلالها الانسان النظر الى العالم بمختلف اشيائه وظواهره بشكل مغاير تماما لما كان يألفه قبل ان يسير على الطريق الالهي اليه. فمن خلال تدخل المتزايد باسمه «الظاهر» في حياة الانسان يعلم اللّه عبده ان يراه دائما.
إن ظهور الاسماء والارقام والحيوانات والاماكن ومختلف الاشياء والحوادث في سياقات ظواهر خارقة للعادات والمألوفات كإشارات إلهية تشير بمختلف الاشكال الى خالقها تجعل الانسان يباين وبشكل تدريجي طبعه في النظر الى مفردات الوجود هذه من خلال دلالاتها وخواصها الفيزيائية وعلاقاتها السببية بعضها ببعض ليبدأ في النظر اليها كعلامات ودلائل تشير الى اللّه عزوجل.
إن علم الاشارة الالهية هو احد تجليات علم رؤية الوجود على حقيقته، او «علم الحقيقة»، الذي لابد للانسان من الحصول عليه للوصول الى اللّه. فبينما يجعل علم الاشارة الالهية الانسان يرى تجليات التدخل الالهي المباشر في مفردات لغة الاشارة فإن علم الحقيقة يجعل الانسان يرى هذه التجليات تطال كل شيء وظاهرة من دون استثناء.
فعلم الحقيقة يجعل الانسان يتذكر اللّه كلما وقع بصره على شيء وليس فقط عندما ينظر الى الخوارق من الظواهر، وذلك لأن جوهر علم الحقيقة هو القدرة على النظر الى العالم بنور اللّه الذي يجعل الناظر به يرى كل شيء على حقيقته: موجودا قائما باللّه، دائم الوجود بدوام مدد اللّه له. إن نور اللّه يكشف للناظر به كل شيء ولذلك قال الرسول صلى اللّه تعالى عليه وسلم: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه».
إن الانسان الذي يصل الى علم الحقيقة، أي يكتسب مقام الرؤية بنور الله، يفهم عقليا وعيانيا كذلك سبب إطلاق الله عزوجل في القرآن العظيم تسمية «آيات» لا على المعجزات والكرامات من خوارق «كن فيكون» وعلى كلامه الذي انزله في كتابه العزيز فقط ولكن على كل ظواهر عالم الاسباب ايضا، أي على كل ما في الوجود. إذ ان الواصل الى هذا المقام يرى تدخل الله متجليا في الظاهرة الطبيعية المألوفة ويشهد بأن الارادة الالهية هي القانون الحقيقي الوحيد الذي يسير كل شيء كما يراه متجليا في الظواهر التي يخرق فيها الله القوانين التي وضعها. فالاختلاف بين ظواهر التدخل الإلهي المباشر وظواهر التدخل الإلهي غير المباشر يختفي في عين الناظر الى الوجود بنور الله لأن هذا النور يبين للناظر ان حقيقة وباطن اسباب ظواهر التدخل الإلهي غير المباشر هو تدخل إلهي مباشر هو الذي يديم وجود الاسباب كما اظهرها الى حيز الوجود من بعد ان لم تكن شيئا مذكورا.
المصدر : علم خوارق العادات البارانورمالوجيا
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |