هل التكفير ظاهرة إسلاميّة؟
الاب الدكتور جورج مسوح *
يعكف الشيخ أكرم بركات في كتابه الصادر حديثاً "التكفير، ضوابط الإسلام وتطبيقات المسلمين" (دار الأمير، بيروت) على دراسة ظاهرة التكفير في الإسلام، فيعرض لهذه الظاهرة منذ نشأة الإسلام إلى يومنا الحاضر. وهذا الكتاب يأتي في أوانه من حيث تنامي الحركات التكفيرية في كل بلاد المسلمين، ولا سيما في سوريا والعراق.
اللافت في العنوان هو تمييز الكاتب بين ما يقوله الإسلام في نصوصه التأسيسية كما فهمها المسلمون وطبّقوها عبر التاريخ، وبين تطبيقات المسلمين، أو بعضهم، في العصر الحالي. كما يؤدّي الكتاب خدمة كبرى للبحّاثة في الدراسات الإسلامية، إذ يجمع بين دفتيه أهم ما ورد عن هذا الموضوع في القرآن والسنّة والتراث الإسلامي القديم والفكر الإسلامي الحديث. ينجح الكاتب في إزالة الكثير من الالتباسات المتعلقة بالأحكام الناجمة عن التكفير. فهو يقول مثلاً إن الكفر بذاته لا يبرّر القتل ولا الحرب، ولا تجوز محاربة الكافر إلا في حال اعتداء الكافر على المجتمع الإسلامي وإعلان الحرب ضدّه.
ويدعو الشيخ بركات إلى وضع ضوابط واضحة لمنع الغلوّ والتطرّف في الإسلام، وأهمها الحرية في النقاش والاجتهاد، مما ينسجم مع سماحة الإسلام ورحابته. وقد عالج الكاتب هذه المسائل كلها ملتزماً التأصيل العقيدي والفقهي المقارن للتكفير في الإسلام.
التكفير ليس حقبة تاريخية انقضت، بل يشكّل الأزمة الكبرى في الفكر الإسلامي المعاصر وفي سلوك المسلمين بعضهم تجاه بعض، وتجاه غير المسلمين. فالتكفيريون لا يميّزون في غزواتهم ما بين مسلم وغير مسلم، ذلك أن كل مَن ليس معهم فهو ضدّهم، وإن شهد الشهادتين، وصلّى خمس مرات في اليوم، وأدّى الزكاة، وصام شهر رمضان، وحجّ إلى بيت الله الحرام.
نحن نرى أن الظاهرة التكفيرية ليست ظاهرة دينية، بل هي ظاهرة دهرية من حيث المضمون والنتائج. هي ليست ظاهرة دينية لأن معظم الفقهاء، قديماً وحديثاً، يرفضونها. هي ظاهرة دهريّة، لأنها تصادر الله وتحتكره لنفسها، وتنفي سلطة الله على الكون والناس، وتقضي على حضوره في الدنيا، وتؤدّي شهادة ضدّه. تخلعه عن عرشه وتجلس مكانه، لذلك هي دهريّة.
الظاهرة التكفيرية دهرية، لأنها مدعومة من قوى هذا الدهر وطواغيته. تنسى العدوّ الحقيقيّ للمسلمين جميعاً، مَن طرد المسلمين من فلسطين وبيت المقدس، ومَن يسعى إلى تهويدها وهدم المسجد الأقصى... وتوجّه قدراتها وقواها ضدّ المسلمين من مختلف المذاهب، وغير المسلمين، وتمارس القتل والتدمير وارتكاب المجازر... ثمّ يريدوننا أن نقتنع بأنها ظاهرة إسلاميّة! أما مواجهة هذا الفكر، أو اللافكر، التكفيري فلن تفلح إلا بالتزام المسلمين جميعاً عدم الانجرار وراء ظاهرة لن تؤدّي إلاّ الى تشويه الدين الإسلامي والإمعان في تمزيقه وتشتيته، والإسهام في دوام الانحطاط لدى المسلمين. كما أنه لا بدّ من العمل الجدي في سبيل اجتهادات معاصرة جريئة في شأن النظرة الإسلاميّة إلى نظام الحكم وموقع الشريعة الإسلاميّة في هذا النظام.
قدّم الشيخ أكرم بركات في كتابه الموسوعي الشامل، وبموضوعيّة الباحث العلميّ، أصل البلاء في الفكر الإسلاميّ المعاصر. أما العلاج لهذا الوباء المستفحل فيكمن في تضافر جهود المسلمين كافة، ومعهم غير المسلمين الغيارى على بلادهم ونهضتها، لاستئصال هذا الورم الخبيث الذي يكاد يقضي على كل بارقة رجاء بغد مشرق.
* الأب الدكتور جورج مسوح: مدير مركز الدّراسات المسيحيّة الإسلاميّة في جامعة البلمند
اللافت في العنوان هو تمييز الكاتب بين ما يقوله الإسلام في نصوصه التأسيسية كما فهمها المسلمون وطبّقوها عبر التاريخ، وبين تطبيقات المسلمين، أو بعضهم، في العصر الحالي. كما يؤدّي الكتاب خدمة كبرى للبحّاثة في الدراسات الإسلامية، إذ يجمع بين دفتيه أهم ما ورد عن هذا الموضوع في القرآن والسنّة والتراث الإسلامي القديم والفكر الإسلامي الحديث. ينجح الكاتب في إزالة الكثير من الالتباسات المتعلقة بالأحكام الناجمة عن التكفير. فهو يقول مثلاً إن الكفر بذاته لا يبرّر القتل ولا الحرب، ولا تجوز محاربة الكافر إلا في حال اعتداء الكافر على المجتمع الإسلامي وإعلان الحرب ضدّه.
ويدعو الشيخ بركات إلى وضع ضوابط واضحة لمنع الغلوّ والتطرّف في الإسلام، وأهمها الحرية في النقاش والاجتهاد، مما ينسجم مع سماحة الإسلام ورحابته. وقد عالج الكاتب هذه المسائل كلها ملتزماً التأصيل العقيدي والفقهي المقارن للتكفير في الإسلام.
التكفير ليس حقبة تاريخية انقضت، بل يشكّل الأزمة الكبرى في الفكر الإسلامي المعاصر وفي سلوك المسلمين بعضهم تجاه بعض، وتجاه غير المسلمين. فالتكفيريون لا يميّزون في غزواتهم ما بين مسلم وغير مسلم، ذلك أن كل مَن ليس معهم فهو ضدّهم، وإن شهد الشهادتين، وصلّى خمس مرات في اليوم، وأدّى الزكاة، وصام شهر رمضان، وحجّ إلى بيت الله الحرام.
نحن نرى أن الظاهرة التكفيرية ليست ظاهرة دينية، بل هي ظاهرة دهرية من حيث المضمون والنتائج. هي ليست ظاهرة دينية لأن معظم الفقهاء، قديماً وحديثاً، يرفضونها. هي ظاهرة دهريّة، لأنها تصادر الله وتحتكره لنفسها، وتنفي سلطة الله على الكون والناس، وتقضي على حضوره في الدنيا، وتؤدّي شهادة ضدّه. تخلعه عن عرشه وتجلس مكانه، لذلك هي دهريّة.
الظاهرة التكفيرية دهرية، لأنها مدعومة من قوى هذا الدهر وطواغيته. تنسى العدوّ الحقيقيّ للمسلمين جميعاً، مَن طرد المسلمين من فلسطين وبيت المقدس، ومَن يسعى إلى تهويدها وهدم المسجد الأقصى... وتوجّه قدراتها وقواها ضدّ المسلمين من مختلف المذاهب، وغير المسلمين، وتمارس القتل والتدمير وارتكاب المجازر... ثمّ يريدوننا أن نقتنع بأنها ظاهرة إسلاميّة! أما مواجهة هذا الفكر، أو اللافكر، التكفيري فلن تفلح إلا بالتزام المسلمين جميعاً عدم الانجرار وراء ظاهرة لن تؤدّي إلاّ الى تشويه الدين الإسلامي والإمعان في تمزيقه وتشتيته، والإسهام في دوام الانحطاط لدى المسلمين. كما أنه لا بدّ من العمل الجدي في سبيل اجتهادات معاصرة جريئة في شأن النظرة الإسلاميّة إلى نظام الحكم وموقع الشريعة الإسلاميّة في هذا النظام.
قدّم الشيخ أكرم بركات في كتابه الموسوعي الشامل، وبموضوعيّة الباحث العلميّ، أصل البلاء في الفكر الإسلاميّ المعاصر. أما العلاج لهذا الوباء المستفحل فيكمن في تضافر جهود المسلمين كافة، ومعهم غير المسلمين الغيارى على بلادهم ونهضتها، لاستئصال هذا الورم الخبيث الذي يكاد يقضي على كل بارقة رجاء بغد مشرق.
* الأب الدكتور جورج مسوح: مدير مركز الدّراسات المسيحيّة الإسلاميّة في جامعة البلمند
المصدر: موقع جريدة النهار الإلكتروني
newspaper.annahar.com/article/142724
للإطلاع على تقرير الندوة وحفل التوقيع ( اضغط هنا )
newspaper.annahar.com/article/142724
للإطلاع على تقرير الندوة وحفل التوقيع ( اضغط هنا )
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |