محور العدد الأول
أصالة الإنسان بين شريعتي ومفكري الغرب
" محور العدد الأول من مجلة شريعتي "
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
يسعدنا أن نضع في متناولكم محور العدد الأول من مجلة شريعتي ، الذي سيصدر عما قريب.
آملين أن ينال جميل رضاكم.
نظراً للحراك الفكري الذي تمثّله "أصالة الإنسان" داخل "الذمة العالمية للثقافة"، ارتأينا أن يحمل العدد الأول لانطلاقة مجلة شريعتي محور "أصالة الإنسان بين علي شريعتي ومفكري الغرب".
الإنسان أولاً، أو أصالة الإنسان هي نقطة ركيزية في المنظومة الإفكارية للدكتور شريعتي، عمّقها ورسم مضامينها وشرحها ونثرها عبر دروسه ومكتوباته. لا نقول كثيراً، إن قلنا، أن أصالة الإنسان تمثّل فكر شريعتي بأكمله.
يعتبر شريعتي أن قصة الخلق الأول المرموزة في الكتب السماوية والأديان البدائية، تشير إلى أصالة الإنسان، وأن هذه الأصالة تبلورت في أبعادها الحقيقية بشكل واضحٍ وجلي في تضاعيف ما أورده القرآن الكريم حول قصة الخلق الأول وقصة هابيل وقابيل.
ويعتبر شريعتي، أن الدين له بُعد واحد، هو الإنسان. ومن هذا البُعد تتفرّع وتتشعّب كافة الأصالات الأخرى، من أصالة المجتمع، إلى أصالة الاقتصاد، إلى أصالة الطبيعة، إلى أصالة الروح، إلى أصالة المادة، الخ.. فمحور هذه الأصالات بأجمعها يكتسب أهميته من خلال علاقته بالإنسان.
"سبيل الله" عند شريعتي هو، سبيل "الإنسان" والناس. و"رضا الله" عند شريعتي هو، خدمة "الإنسان" والناس. و"مال الله" عند شريعتي هو، في رفع الفوارق الطبقية من "بين الناس". و"حاكمية الله" عند شريعتي هي، أن يحكم "خليفة الله – الإنسان" بالعدل والحق بين الناس.
"دين الله" عند شريعتي، يعني، الإنسان أولاً، في كل أبعاده مهما تنوّعت وتعدّدت.
يعتبر شريعتي أن أصالة الإنسان لدى مفكري الغرب، تحوّلت إلى شعار "إكوسانتريسم – المحورية الذاتية" الذي يمجّد ثقافة الغرب ويقدّس أطروحاته. فأصالة الإنسان مُسخت إلى "أصالة الغرب".
يقول شريعتي في كتابه تاريخ ومعرفة الأديان: ((إذا نظرنا إلى فكرة المحورية الذاتية "أكوسانتريسم"، رأَيْنا أن لها وجوداً ابتداءً من اليونان ـ أثينا، وبعد ذلك الروم، ثم الجرمان والفرنسيين والإنكليز وفي جميع أوروبا، وهي موجودة الآن في الغرب أيضاً.
كتب "جان بول سارتر" في مقدمة ( (Les Damnes De la Terre ما يدعيه الأوروبيون وبطريقة ساخرة: إن العالم مقسّم بين 500 مليون إنسان - أوروبي - بإضافة مليار وخمسمائة مليون إنسان عادي.
إن مسألة هذا يوناني، وهذا بربري، وغربي وشرقي، وعادي، وأصالة الغربي، نابعة من حب وعبادة الذات والمحورية "أكوسانتريسم"، وإلى يومنا هذا، هذه المسألة متعلقة بأفكار المفكّرين الكبار أيضاً. فمثلاً علماء الاجتماع وحقوق الإنسان ومنهم "زيغفريد" في كتاب (روح الأمم) يقول: إن الله خلق القومية الأوروبية، خلقهم مدبِّرين ومديرين أكفّاء، وخلق أقواماً للعمل تكاثروا على الأرض بسرعة، لأن العمل يحتاج إلى أقل عدد من المسؤولين وإلى أكثر عدد من العمّال، لهذا فمن كل مائة شخص أوروبي في السنة يولد شخص واحد، ومن كل مائة شخص شرقي يولد ستة أفراد، فنحن نزيد بنسبة 1% وهم يزدادون بنسبة 6%ـ لهذا فإن الخالق أو الطبيعة خلقتنا كمسؤولين عن العمل وأولئك هم العمّال.))
ويقول شريعتي: ((إن "أوماتيسم" مدرسة فكرية جذبت إليها الكثير من المثقفين وهي تعتبر من المدارس الفكرية الفلسفية المهمة اليوم حيث إنها تُعرف بمدرسة أصالة الإنسان.
وعلى طول التأريخ كان البحث الموجود دائماً هو أن المحور الأصلي للعالم هل هو الإله - أو الآلهة - أم الإنسان. الأديان تعتقد بأن المحور الأصلي للعالم هو الإله – أو الآلهة - وأن قيمة الإنسان ترتبط بقربه من الإله أو بتقرّبه إلى الإله، وبتكامله في طاعة الإله أو الآلهة، لذا فإن ملاك جميع القِيَم يتربط بالإله أو الآلهة، وهذا ما يعبّرون عنه بـ(تئيسم).
أما في "أومانيسم": فالإنسان هو الأصل، وليس من الضروري أن يجعل من نفسه نسخة من الخالق، لأن الإنسان هو مجموعة من القيم وهي "التعالي ـ الأخلاق ـ الجمال ـ الحُسن".
لهذا نرى أن "أومانيسم" تعطي للإنسان أصالة مقابل الخالق أو الإله وتجعل له قِيماً مستقلة ومشخّصة.
هذه الأصالة للإنسان تأخذ شكلاً واضحاً في الثقافة اليونانية أكثر من أي مكان آخر، وتُعتبر من أهم مشخّصات الفكر الغربي.
في مسألة المحور الذاتي "أكوسانتريسم" قلنا إن السفسطائيين وحسب ما يَرَونه من حق فهو حق وما يرونه باطلاً فهو باطل، والوجود وعدمه متعلّق بوجودهم.. وفي أصالة الإنسان، فالمسألة لا تختلف، فكل ما يراه الإنسان وما يتقبّله فهو حق، وخلافه فهو باطل.)).
أصالة الإنسان بين شريعتي ومفكري الغرب، عنوان محورنا لباكورة عددنا الأول من مجلة "شريعتي.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير
دار الأمير – بيروت / لبنان