الصفحة الرئيسة البريد الإلكتروني البحث
سيّد الاستثناء النضيرالهبوط الآمن في صحراء شريعتيعلي شريعتي/ العرفان الثوريهبوط في الصحراء مع محمد حسين بزيهوية الشعر الصّوفيالمقدس السيد محمد علي فضل الله وحديث الروحعبد المجيد زراقط في بحور السرد العربيقراءة في كتاب التغيير والإصلاحبرحيل الحاجة سامية شعيب«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرةالنموذج وأثره في صناعة الوعيتبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصهالشيعة والدولة ( الجزء الثاني )الشيعة والدولة ( الجزء الأول )الإمام الخميني من الثورة إلى الدولةالعمل الرسالي وتحديات الراهنتوقيع كتاب أغاني القلب في علي النَّهريحفل توقيع كتاب أغاني القلبإصدار جديد للدكتور علي شريعتيصدور كتاب قراءات نقدية في رواية شمسحريق في مخازن دار الأميردار الأمير تنعى السيد خسرو شاهيإعلان هامصدر حديثاً ديوان وطن وغربةعبد النبي بزي يصدر ديوانه أصحاب الكساءتوزيع كتاب هبوط في الصحراء في لبنانإطلاق كتاب هبوط في الصحراءصدور هبوط في الصحراءمتحدِّثاً عن هوية الشعر الصوفينعي العلامة السيّد محمد علي فضل اللهندوة أدبية مميزة وحفل توقيعاحكي يا شهرزاد في العباسيةفي السرد العربي .. شعريّة وقضايامعرض مسقط للكتاب 2019دار الأمير تنعى د. بوران شريعت رضويالعرس الثاني لـ شهرزاد في النبطيةصدر حديثاً كتاب " حصاد لم يكتمل "جديد الشاعر عادل الصويريدرية فرحات تُصدر مجموعتها القصصيةتالا - قصةسِنْدِبادِيَّات الأرز والنّخِيلندوة حاشدة حول رواية شمسندوة وحفل توقيع رواية " شمس "خنجر حمية وقّع الماضي والحاضرمحمد حسين بزي وقع روايته " شمس "توقيع رواية شمستوقيع المجموعة الشعرية قدس اليمندار الأمير في معرض بيروتتوقيع كتاب قراءة نفسية في واقعة الطفدار الأمير في معرض الكويتمشاكل الأسرة بين الشرع والعرفالماضي والحاضرالفلسفة الاجتماعية وأصل السّياسةتاريخ ومعرفة الأديان الجزء الثانيالشاعرة جميلة حمود تصدر دمع الزنابقبيان صادر حول تزوير كتب شريعتي" بين الشاه والفقيه "محمد حسين بزي أصدر روايته " شمس "باسلة زعيتر وقعت " أحلام موجوعة "صدر حديثاً / قراءة نفسية في واقعة الطفصدر حديثاً / ديوان جبر مانولياصدر حديثاً / فأشارت إليهصدر حديثاً / رقص على مقامات المطرتكريم وحفل توقيع حاشد للسفير علي عجميحفل توقيع أحلام موجوعةتوقيع ديوان حقول الجسدباسلة زعيتر تُصدر باكورة أعمالهاالسفير علي عجمي يُصدر حقول الجسدصدر حديثاً عن دار الأمير كتاب عين الانتصارجديد دار الأمير : مختصر كتاب الحج للدكتور علي شريعتيصدر حديثاً كتاب دم ابيضاصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي
الصفحة الرئيسة اّخر الإصدارات أكثر الكتب قراءة أخبار ومعارض تواصل معنا أرسل لصديق

جديد الموقع

سيّد الاستثناء النضيرالهبوط الآمن في صحراء شريعتيعلي شريعتي/ العرفان الثوريهبوط في الصحراء مع محمد حسين بزيهوية الشعر الصّوفيالمقدس السيد محمد علي فضل الله وحديث الروحعبد المجيد زراقط في بحور السرد العربيقراءة في كتاب التغيير والإصلاحبرحيل الحاجة سامية شعيب«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرةالنموذج وأثره في صناعة الوعيتبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصهالشيعة والدولة ( الجزء الثاني )الشيعة والدولة ( الجزء الأول )الإمام الخميني من الثورة إلى الدولةالعمل الرسالي وتحديات الراهنتوقيع كتاب أغاني القلب في علي النَّهريحفل توقيع كتاب أغاني القلبإصدار جديد للدكتور علي شريعتيصدور كتاب قراءات نقدية في رواية شمسحريق في مخازن دار الأميردار الأمير تنعى السيد خسرو شاهيإعلان هامصدر حديثاً ديوان وطن وغربةعبد النبي بزي يصدر ديوانه أصحاب الكساءتوزيع كتاب هبوط في الصحراء في لبنانإطلاق كتاب هبوط في الصحراءصدور هبوط في الصحراءمتحدِّثاً عن هوية الشعر الصوفينعي العلامة السيّد محمد علي فضل اللهندوة أدبية مميزة وحفل توقيعاحكي يا شهرزاد في العباسيةفي السرد العربي .. شعريّة وقضايامعرض مسقط للكتاب 2019دار الأمير تنعى د. بوران شريعت رضويالعرس الثاني لـ شهرزاد في النبطيةصدر حديثاً كتاب " حصاد لم يكتمل "جديد الشاعر عادل الصويريدرية فرحات تُصدر مجموعتها القصصيةتالا - قصةسِنْدِبادِيَّات الأرز والنّخِيلندوة حاشدة حول رواية شمسندوة وحفل توقيع رواية " شمس "خنجر حمية وقّع الماضي والحاضرمحمد حسين بزي وقع روايته " شمس "توقيع رواية شمستوقيع المجموعة الشعرية قدس اليمندار الأمير في معرض بيروتتوقيع كتاب قراءة نفسية في واقعة الطفدار الأمير في معرض الكويتمشاكل الأسرة بين الشرع والعرفالماضي والحاضرالفلسفة الاجتماعية وأصل السّياسةتاريخ ومعرفة الأديان الجزء الثانيالشاعرة جميلة حمود تصدر دمع الزنابقبيان صادر حول تزوير كتب شريعتي" بين الشاه والفقيه "محمد حسين بزي أصدر روايته " شمس "باسلة زعيتر وقعت " أحلام موجوعة "صدر حديثاً / قراءة نفسية في واقعة الطفصدر حديثاً / ديوان جبر مانولياصدر حديثاً / فأشارت إليهصدر حديثاً / رقص على مقامات المطرتكريم وحفل توقيع حاشد للسفير علي عجميحفل توقيع أحلام موجوعةتوقيع ديوان حقول الجسدباسلة زعيتر تُصدر باكورة أعمالهاالسفير علي عجمي يُصدر حقول الجسدصدر حديثاً عن دار الأمير كتاب عين الانتصارجديد دار الأمير : مختصر كتاب الحج للدكتور علي شريعتيصدر حديثاً كتاب دم ابيضاصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي

أقسام الكتب

مصاحف شريفة
سلسلة آثار علي شريعتي
فكر معاصر
فلسفة وتصوف وعرفان
تاريخ
سياسة
أديان وعقائد
أدب وشعر
ثقافة المقاومة
ثقافة عامة
كتب توزعها الدار

الصفحات المستقلة

نبذة عن الدار
عنوان الدار
About Dar Al Amir
Contact Us
شهادات تقدير
مجلة شريعتي
مواقع صديقة
هيئة بنت جبيل
اصدارات مركز الحضارة

تصنيفات المقالات

شعراء وقصائد
قضايا الشعر والأدب
ريشة روح
أقلام مُقَاوِمَة
التنوير وأعلامه
قضايا معرفية
قضايا فلسفية
قضايا معاصرة
الحكمة العملية
في فكر علي شريعتي
في فكر عبد الوهاب المسيري
حرب تموز 2006
حرب تموز بأقلام اسرائيلية
English articles

الزوار

13268589

الكتب

300

القائمة البريدية

 

الشاعر أحمد مطر

((شعراء وقصائد))

تصغير الخط تكبير الخط

 الشاعر أحمد مطر

الشاعر الإنتحـاري: بقلـم : رؤوف شحـوري.ahmadmatar_360

عن الشاعر .

شاعر جديد يلفت الأنظار: بقلـم : رجـاء النقـاش.

 

الشاعر الإنتحـاري

بقلـم : رؤوف شحـوري

1 - هذا شاعر لا يقف في "الطابور". لا يضيع في الزحام. لايشبه الآخرين. لم يحمل "كشة"، ولم يفتح دكانا ولا سوبر ماركت. ولا يبيع بضاعة من نوع الألف صنف وصنف. ولا يغريك بتنويع البضاعة ولا بالتّفنن في تغليفها بورق الهدايا وأشرطة الحرير الملونة. لايدعوك إلى قصيدة غزل في جلسة خبز وخمر وحشيش وقمر. ولا إلى قصيدة مدح على باب صاحب سلطان. ولا إلى قصيدة فخر " لنجهل فوق جهل الجاهلينا". ولا إلى قصيدة رثاء يلعب فيها دور النائحة لاستدرار الدموع. إنه خارج الطابور. يقف وحيداً في جانب، ويقف الشعراء جميعا في جانب آخر. متفرّد. متميز. استثنائي.

2 - هذا شاعر لا يرتدي السموكن. لا يسكن القصور ولا يرتادها. لا يستلهم الوحي من تعاطي عقاقير الهلوسة أو كؤوس المنكر. لايملك رصيداً في البنوك، لكنه من أصحاب الملايين في بورصة الكلمة. لا يملك عقاراً محدداً بعينه، لكنه سجل على اسمه ملكية أراضي الأوطان العربية كلها في "السجل الشعري" لا في السجل العقاري. لايهوى السياحة والتنقل في مقاعد الدرجة الأولى، ولا يسافر إلاّ إذا كان مرغماً على التسفير، ولا يرحل إلا إذا كان مجبراً على الرحيل. ومع ذلك فهو يرحل كل يوم إلى كل الضمائر ويسافر إلى كل القلوب بجواز سفر اسمه " لافتات" ، أصدرته دولة اسمها الشعر، وختمته بخاتم إسمه الموهبة، وأرفقته بعبارة "رجاء تسهيل مهمة حامله"...

3 - هذا شاعر يرتدي الملابس المرقطة. يسري ليلاً في مهمات غامضة. يرتاد أقبية المقهورين وكهوف المظلومين. يحاورهم. يأخذ منهم صكّ توكيل. يستجوبهم. ويحرر معهم وباسمهم مذكرات جلب وإحضار بحق المطلوبين إلى العدالة أمام محكمة التاريخ...فوراء كل مقهور قاهر. ووراء كل مظلوم ظالم. ووراء كل فقير ثري سرق منه حصته في الحياة. ووراء كل هزيمة "منتصر" يتمتع بالسلطة والجاه والثروة والشهرة.ووراء كل جدار مخبر. وتحت كل حجر تقرير سري إلى " سيدي الوالي المبجل ".

-4  هذا شاعر يخوض وحيداً حرباً ضد كل قوى القهر باسم كل المقهورين دون أن يعقد حلفاً مع أحد. وهي حرب لا متناهية في القدم، لا متناهية في الإستمرار. خاضها قبل أن يولد ويتابعها بعد أن يرحل. لا هدنة فيها، ولا تسوية، ولا تنازل، ولا صلح، ولا اعتراف، ولا "كامب". وليس فيها إلا غالب ومغلوب، منتصر ومهزوم.

5 - هذا شاعر انتحاري ذهب إلى الحرب متخليا عن الأسلحة التقليدية. لا مدفعية ثقيلة بعيدة المدى. ولا راجمات، ولا قاذفات عابرة للمحيطات، ولا صواريخ عابرة للقارات، ولا قنابل عنقودية أو جرثومية أو كيميائية أو ليزرية أو فراغية. يمتشق سلاحاً فتاكاً صنعه بنفسه، ويعرف سره هو وحده، ولا يحل شفرة معادلته وتركيبته غيره. يصنع كبسولات صغيرة من الشعر النووي شديد الإنفجار، والقصائد المفخخة، يوزعها بعناية على أهدافه الإستراتيجية...واحدة تحت كل عمود من عواميد "الأنظمة"، وواحدة تحت كرسي "الرقيب"، وواحدة خلف مقعد "الوالي"، وواحدة يدسها سراً في جيب "المخبر" السري، وواحدة قرب جدار "السجان"، وواحدة في " جبن الإنسان"، وواحدة في حقيبة " القائد العميل"، وفي حلوق أبطال النفاق، وفي فوهة " كاتم الصوت "، وفي جعبة "الجند" الذين أطلقوا سراح الجثة وصادروا الرأس فقط...وواحدة يخصصها أيضاً لهدف لا يخطر على البال...

(...لعنتُ كل شاعرْ
يغازلُ الشفاه والأثداء والضفائر
في زمن الكلاب والمخافرْ
ولايرى فوهة بندقيةٍ
حين يرى الشفاه مستجيرهْ!
ولا يرى رمانةً ناسفةً
حين يرى الأثداء مستديرهْ!
ولايرى مشنقةً .. حين يرى الضفيرهْ!
**
في زمن الآتينَ للحكم على دبابة أجيرهْ
أو ناقة العشيرهْ
لعنتُ كل شاعرٍ
لايقتني قنبلةً
كي يكتب القصيدة الأخيرهْ! )

ولكن ماذا عنك أنت أيها الشاعر أحمد مطر؟ يجيب:

( قلمي وسط دواة الحبر غاص
ثم غاص
ثم غاصْ.
قلمي في لجّة الحبر اختنقْ
وطَفَتْ جثّتهُ هامدةً فوق الورقْ
روحهُ في زبَد الأحرف ضاعت في المدى
ودمي في دمهِ ضاع سُـدى
ومضى العمرُ ولم يأتِ الخلاصْ.
آه .. ياعصرَ القصاصْ
بلطةُ الجزّارِ لا يذبحُها قطرُ النـدى
لا مناصْ
آن لي أن أتركَ الحبرَ
وأن أكتبَ شعري بالرّصاصْ !)

* مجلة الوطن العربي - باريس - العدد (29) الجمعة 2-10-1987

عن الشاعر

* ولد أحمد مطر في مطلع الخمسينات، ابناً رابعاً بين عشرة أخوة من البنين والبنات، في قرية (التنومة)، إحدى نواحي (شط العرب) في البصرة. وعاش فيها مرحلة الطفولة قبل أن تنتقل أسرته، وهو في مرحلة الصبا، لتقيم عبر النهر في محلة الأصمعي.
وكان للتنومة تأثير واضح في نفسه، فهي -كما يصفها- تنضح بساطة ورقّة وطيبة، مطرّزة بالأنهار والجداول والبساتين، وبيوت الطين والقصب، واشجار النخيل التي لا تكتفي بالإحاطة بالقرية، بل تقتحم بيوتها، وتدلي سعفها الأخضر واليابس ظلالاً ومراوح.
وفي سن الرابعة عشرة بدأ مطر يكتب الشعر، ولم تخرج قصائده الأولى عن نطاق الغزل والرومانسية، لكن سرعان ما تكشّفت له خفايا الصراع بين السُلطة والشعب، فألقى بنفسه، في فترة مبكرة من عمره، في دائرة النار، حيث لم تطاوعه نفسه على الصمت، ولا على ارتداء ثياب العرس في المأتم، فدخل المعترك السياسي من خلال مشاركته في الإحتفالات العامة بإلقاء قصائده من على المنصة، وكانت هذه القصائد في بداياتها طويلة، تصل إلى أكثر من مائة بيت، مشحونة بقوة عالية من التحريض، وتتمحور حول موقف المواطن من سُلطة لا تتركه ليعيش. ولم يكن لمثل هذا الموقف أن يمر بسلام، الأمر الذي اضطرالشاعر، في النهاية، إلى توديع وطنه ومرابع صباه والتوجه إلى الكويت، هارباً من مطاردة السُلطة.
وفي الكويت عمل في جريدة (القبس) محرراً ثقافياً، وكان آنذاك في منتصف العشرينات من عمره، حيث مضى يُدوّن قصائده التي أخذ نفسه بالشدّة من أجل ألاّ تتعدى موضوعاً واحداً، وإن جاءت القصيدة كلّها في بيت واحد. وراح يكتنز هذه القصائد وكأنه يدوّن يومياته في مفكرته الشخصيّة، لكنها سرعان ما أخذت طريقها إلى النشر، فكانت (القبس) الثغرة التي أخرج منها رأسه، وباركت انطلاقته الشعرية الإنتحارية، وسجّلت لافتاته دون خوف، وساهمت في نشرها بين القرّاء.
وفي رحاب (القبس) عمل الشاعر مع الفنان ناجي العلي، ليجد كلّ منهما في الآخر توافقاً نفسياً واضحاً، فقد كان كلاهما يعرف، غيباً، أن الآخر يكره ما يكره ويحب ما يحب، وكثيراً ما كانا يتوافقان في التعبير عن قضية واحدة، دون اتّفاق مسبق، إذ أن الروابط بينهما كانت تقوم على الصدق والعفوية والبراءة وحدّة الشعور بالمأساة، ورؤية الأشياء بعين مجردة صافية، بعيدة عن مزالق الإيديولوجيا.
وقد كان أحمد مطر يبدأ الجريدة بلافتته في الصفحة الأولى، وكان ناجي العلي يختمها بلوحته الكاريكاتيرية في الصفحة الأخيرة.
ومرة أخرى تكررت مأساة الشاعر، حيث أن لهجته الصادقة، وكلماته الحادة، ولافتاته الصريحة، أثارت حفيظة مختلف السلطات العربية، تماماً مثلما أثارتها ريشة ناجي العلي، الأمر الذي أدى إلى صدور قرار بنفيهما معاً من الكويت، حيث ترافق الإثنان من منفى إلى منفى. وفي لندن فَقـدَ أحمد مطر صاحبه ناجي العلي، ليظل بعده نصف ميت. وعزاؤه أن ناجي مازال معه نصف حي، لينتقم من قوى الشر بقلمه.
ومنذ عام 1986، استقر أحمد مطر في لندن، ليُمضي الأعوام الطويلة، بعيداً عن الوطن مسافة أميال وأميال، قريباً منه على مرمى حجر، في صراع مع الحنين والمرض، مُرسّخاً حروف وصيته في كل لافتـة يرفعها.

(هذه النبذة مقتطفة -بتصرّف - من كتاب : عناصر الإبداع الفني في شعر أحمد مطر- تأليف كمال أحمد غنيم)

شاعر جديد يلفت الأنظار

بقلـم : رجـاء النقـاش.

أحمد مطر .. شاعر جديد بدأ اسمه يلمع منذ سنوات قليلة، وأصبح اليوم واحداً من أبرز الشعراء العرب المعاصرين، رغم أن صوته الشعري لم يصل إلى مصر حتى الآن، بل لعله لم يصل إلى كثير من العواصم العربية الكبيرة، وذلك لأنه يعيش مغترباً منذ بداية حياته الأدبية، وهو الآن يعيش في لندن، ويعمل محرراً ثقافياً للطبعة الدولية من جريدة " القبس " الكويتية، وعندما فكرت في الكتابة عنه، لم أجد أي معلومات عن حياته، ولم أجد أمامي سوى ديوانه الوحيد ( لافتات )، وبعض قصاصات من قصائده التي تعودت على جمعها من الصحف، منذ أن لفت نظري شعره الجميل، وقد التقيت بالشاعر مرة واحـدة سنة 1984 في الكويت، في بيت أحد الأصـدقاء، وسمعت منه بعض شعره، وكانت قصائده كما أعرفها حادة وغاضبة، أما هو فقد كان شاباً وديعاً بالغ التهذب والحياء ، مما جعلني أزداد يقيناً بأن الأفكار العاصفة والمشاعر العنيفة ليست بحاجة إلى إنسان صاخب شديد الصراخ لكي يعبر عنها، فعواصف الفكر والفن مكانها القلوب والعقول، وليس مكانها تشنجات في الصوت أو في اليد والوجه كما يفعل بعض الأدعياء.
وكنت قد سمعت من البعض أن الاسم الذي يوقع به الشاعر ( أحمد مطر ) ليس اسماً حقيقياً وإنما هو اسم مستعار، ولم أستطع خلال لقائي السريع الوحيد معه أن أعرف شيئاً واضحاً عنه، ولذلك فقد اتصلت به في لندن بعد أن انتقل إليها من الكويت، وطلبت منه أن يكتب لي شيئاً موجزاً عن حياته، وسرعان ما تلقيت منه رسالة هي قطعة من الأدب الجميل، بالإضافة إلى ما توجزه من المعلومات الخاصة بالشاعر نفسه.

وفي هذه الرسالة يقول أحمد مطر:

أخي العزيز .. أبتديك بتحية فيها سلام، معترفاً بجميل فضلك في السؤال عني، بعد مرور وقت طويل على لقائنا الذي لا تزال ذكراه منتصبة في قلب الذاكرة.
وما بين ذاك اللقاء وهذا اللقاء عالم مضطرب بالحوادث والمتغيرات، التي مست الأوطان والأبدان، لكنها - وهذا هو المهم - لم تمس جوهر الإنسان.
لقد تركتني وأنا شيطان رجيم في " جهنم اللاهبة " وها أنت تجدني شيطاناً رجيماً في " جهنم الباردة".
( ملحوظة: يشير الشاعر هنا إلى انتقاله من حر الخليج إلى برودة لندن )
أسعدني جداً أن أسمع صوتك، غير أنني لم أُدهش من كيفية عثورك علي، ذلك لأنك ناقد ومهمتك هي العثور على الشاعر بين ملايين وملايين الكلمات .. وكذلك تفعل عندما تبتغي العثور على شاعر بين قارتين !
أخي الحبيب .. يبدو لي دائما أنني طويل اللسان، لكنني أُفاجأ - دائماً أيضاً - بقلة حيلتي كلما تطلب الأمر مني أن أتحدث عن خصوصياتي الصغيرة.
ربما مرجع ذلك إلى أننا -نحن الفقراء- ليس في سيرتنا الشخصية أية تفاصيل غير عادية، فسيرة الواحد منا - عادة - تمتد من المهد إلى اللحد، وأعني أنه يخرج رجله من المهد ليضعها في اللحد، هذا إذا كان لائقاً بكرامة اللحد أن يستعار كوصف لحياتنا الخالية من الكرامة.
لكنني على أية حال، سأبعث إليك قريباً، صفحات كثيرة عن حياتي ، منذ ميلادي حتى وفاتي (!)فسيرتي كما أعتقد ليست خالية تماماً مما يثير الضحك والسخرية .. والإفتخار أحياناً.
أما الآن، وعلى هذه العجالة، فيمكنني أن اجتزىء ما أعتقد أنه نافع بالنسبة لما أنت في صدده:
- أول شيء هو أن الكثيرين يعتقدون بأن " أحمد مطر " هو اسم مستعار، وكأنهم يستكثرون على المواطن العربي أن يذكر اسمه الصريح حتى إذا أراد أن يعلن عن شهيقه وزفيره !
وعليه فإنني أؤكد لك هنا أن " أحمد مطر " هو اسمي القح !
- الأمر الآخر هو أن الكثيرين ، وخصوصاً ممن كتبوا عن شعري ، لم يتفقوا حتى الآن على جنسيتي، وإن كانوا يتفقون على أنني أستعرض الوجع العربي بشكل عام، وأحرض الموجعين على الإنعتاق.
ولا تدري كم أنا سعيد بهذا، فجميل جداً أن يكون المرء شاعراً في خدمة أمّـة لا ممثلاً لقبيلة معينة.
كتبوا أنني كويتي، ولبناني، وفلسطيني، ومصري، وسوري، وسعودي، لكن واحداً فقط، هو الدكتور عبده بدوي، قال إنني عراقي.. وهذا هو الصحيح، من حيث بطاقة الهوية وشهادة الجنسية، أما إذا شئت الدقة حقاً ، فأنا جميع هؤلاء يضاف إليهم العرب الآخرون.
لك محبتي الخالصة، ولي أمل بأن يجمعنا لقاء قريب هنا أو هناك.
**
تلك هي رسالة أحمد مطر الجميلة وفيها كل ما أعرفه عنـه وعن حياته.
أما عن قصائده، فإن هذه القصائد تقدم إلينا أحمد مطر، شاعراً سياسياً من الدرجة الأولى، وهو يعلن عن ذلك في صراحة ووضوح، عندما يقول:
فأنا الفن ،
وأهل الفن ساسـه.
فلماذا أنا عبـدٌ
والسياسيون أصحاب قداسه ؟
وأحمد مطر في هذه الأبيات يذكرنا بأعظم شاعر سياسي في الأدب العربي، وهو أبو الطيب المتنبي، الذي عاش حياته متنقلاً مغترباً ومات قتيلاً، لإصراره على أن الشاعر ينبغي أن يكون مكانه مساوياً لمكان السياسيين وأصحاب السلطة، وفي ذلك يقول المتنبي بيته الشهير وفؤادي من الملوكِ وإنْ .... كان لساني يُرى من الشعراء).
فالفكرة التي يحملها أحمد مطر في قلبه، هي نفسها فكرة المتنبي، وهذه الفكرة هي أن الكلمة ترفع صاحبها إن كان موهوباً إلى مصاف الحكام وأصحاب السلطة والقرار، والكلمة ترفع صاحبها أكثر وأكثر، إذا كان ينطق بالحق ويقول الصدق ويرعى أمانة الضمير.. وندعو الله أن يحفظ أحمد مطر، وألاّ يكون مصيره هو مصير المتنبي، فيطعنه أحد الحاقدين في الظهر أو في الصدر ويقضي عليه !
وكل شاعر سياسي لابد أن تكون له قضية واضحة محددة، فهذه القضية لو كانت غامضة ومعقدة، فإنها تفقد أهميتها وقيمتها وقدرتها على التأثير، كما أن الشاعر ينتقل بالتعقيد والغموض إلى (متصوف) أو إلى (فيلسوف) أو أي شيء آخر غير أن يكون شاعراً سياسياً له جماهير كبيرة تتأثر به وتنصت إليه، وكل الشعر السياسي في الأدب العربي والأدب العالمي ، هو " شعر القضايا الواضحة المحددة " ، حيث لا يجد القارىء - مع هذا الشعر - صعوبة في فهم القضية أو التعرف على ملامحها المختلفة، وذلك ما نجده في شعراء المقاومة الفلسطينية من أمثال محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، وذلك ما نجده عند الشعراء السياسيين في العالم من أمثال " مايكوفسكي " في روسيا و " والت ويتمان " في أمريكا الشمالية، و " بابلو نيرودا " في أمريكا اللاتينية، و "ناظم حكمت " في تركيا، و " أراجون " في فرنسا، وكلهم من الشعراء الذين ترجموا إلى العربية، ويعرفهم القارىء العربي معرفة تسمح لنا بالحديث عنهم والإشارة إليهم .. وهؤلاء جميعاً يكتبون عن قضايا واضحة محددة امتلأ بها وجدانهم وامتلأت بها عقولهم وأرواحهم.
فما هي قضية أحمد مطـر ؟
قضيته تلخصها كلمة واحدة (الحرية) .. حرية الإنسان في أن يقول ما يؤمن به، ويعلن ما يراه، دون قيد أو خوف .. وإذا أردنا أن نستخدم المصطلحات السياسية فإننا نقول إن قضية الشاعر هنا هي ( الديموقراطية وحقوق الإنسان) .
وهذه القضية الرئيسية هي مصدر الإنفجار الشعري عند أحمد مطر .. فلن يكون هناك مجتمع عربي سليم إلا إذا تحققت حرية الإنسان، ولن نتخلص من قيود التخلف والإستعمار بإشكاله المختلفة، ولن نقضي على مرارة الهزائم التي تلاحقنا من ميدان إلى ميدان ومن عصر إلى عصر إلا إذا تحققت هذه الحرية للإنسان العربي، فلا يحس في عقله وقلبه بأن هناك من يهدده أو يخيفه أو يتوعده بأن يدفع ثمن حريته .. إن الشاعر هنا لا يريد أبداً أن يكون الإنسان العربي مجرد صدى لرأي قاهر أو قوة مخيفة يردد ما يقال له ترديداً أعمى، ولا يخرج على نطاق الحدود التي ترسمها له هذه القوة المفروضة عليه.
إن القضية المحورية في شعر أحمد مطر هي حرية التعبير عن النفس بلا خوف من العقاب.. ولقد تحولت هذه القضية عند الشاعر إلى كابوس عنيف شديد القسوة، فشعره يقوم على رفض كل قيد يعوق استقلال الإنسان العربي وحقه في النقد والإعتراض، والشاعر يدرك أنه لا يستطيع أن يقول شعره داخل العالم العربي بهذه الحدة وهذا العنف، ثم يعيش بعد ذلك آمناً ، ولعل الشاعر هو واحد من المؤمنين بكلمة " جوركي " التي يقول فيها ( لقد جئت إلى العالم .. لأعترض ).
وهذا الكابوس الذي يحمله أحمد مطر -كالجمرة- في روحه وشعره، هو الذي دفعه إلى كتابة قصيدته " مدخل " التي قدم بها ديوانه الشعري المثير " لافتات " ، وفي هذه القصيدة يقول عن قصائده " السبعين " التي يضمها ديوانه :
سبعون طعنةً هنا موصولة النزفِ
تُبـدي ولا تخفي
تغتال خوف الموت في الخوفِ
سميتها قصائدي
وسمها يا قارئي : حتفي
وسمّني منتحراً بخنجر الحرفِ
لأنني في زمن الزيفِ
والعيشِ بالمزمار والدّف
كشفت صدري دفتراً
وفوقـهُ ..
كتبتُ هذا الشعر بالسيفِ !
والقصيدة كما هو واضح تصور " جواً مأساوياً " ويكفي أن نلتفت إلى " قاموسها اللغوي " لنجدها مليئة بألفاظ مثل : الطعنة، النزف، الخنجر، الإغتيال، الموت، الإنتحار، الخوف، السيف. كل ذلك رغم أن القصيدة لا تزيد على أحد عشر بيتاً .
وقضية الحرية عند الشاعر تتصل أشد الإتصال بما عاناه العقل العربي والوجدان العربي من شخصية " الرقيب " ، وهو ذلك الكائن المفترس، الذي تعود على أن يحذف كل كلمة تثير الشك أو توحي بالمعاني الحرة التي لا يرضى عنها الرقباء الأشداء، ومن كثرة ما عانى الإنسان العربي من هذا كله أصبح الرقيب كائناً داخلياً، يعيش في عقل الإنسان وقلبه ، ويشاركه في الطعام وغرفة النوم. وهنا نجد تجسيداً فنياً جميلاً لحالة الإنسان الخاضع للرقابة والقهر العقلي والنفسي في قصيدة أحمد مطر التي يقول فيها :
قالَ ليَ الطبيب
خُذ نفساً
فكدت - من فرط اختناقي
بالأسى والقهر - أستجيب.
لكنني خشيت أن يلمحني الرقيب
وقال : ممَ تشتكي ؟
أردتُ أن أُجيب
لكنني خشيت أن يسمعني الرقيب
وعندما حيرته بصمتيَ الرهيب
وجّه ضوءاً باهراً لمقلتي
حاولَ رفع هامتي
لكنني خفضتها
ولذت بالنحيب
قلت له : معذرة يا سيدي الطبيب
أودّ أن أرفعَ رأسي عالياً
لكنني
أخافُ أن .. يحذفه الرقيب !
فالرقيب عند أحمد مطر لا يحذف الكلمات فقط، ولكنه يحذف الرؤوس أيضاً.
والرقيب ليس شخصاً ولكنه " حالـة " يعيش فيها الإنسان العربي ويئن تحت وطأتها ويعاني منها أشد المعاناة، وهذه الحالة هي بالنسبة للشاعر أحمد مطر موقف ماساوي كامل يشل الإنسان ويحول بينه وبين ممارسة دوره في الحياة، فكيف يمكن لإنسان خائف مشكوك في أمره، مراقب من الداخل والخارج على الدوام، أن ينتج أو يساهم في بناء الحضارة ؟
وهذه الصوة المأساوية الكابوسية هي التي يصورها أحمد مطر مرة أخرى في قصيدته " صدمـة " حيث يقول :
شعرتُ هذا اليوم بالصدمه
فعندما رأيتُ جاري قادماً
رفعتُ كفي نحوهُ مسلماً
مكتفياً بالصمت والبسمه
لأنني أعلم أن الصمت في أوطاننا .. حكمـهْ
لكنهُ رد عليَّ قائلاً :
عليكم السلام والرحمـه
ورغم هذا لم تسجل ضده تهمه .
الحمد لله على النعمـه
مـن قال ماتت عنـدنا
حُريّــة الكلْمـهْ ؟!
إن الشاعر هنا يعيش في صراع حاد بين إصراره العميق على أن يكون مستقلاً يعبر عن نفسه بحرية وصـدق، ودون أن يشعر أنه مجرد كائن يتلقى أوامر وتعليمات عليه أن ينفذها رغم إرادته ودون تفكير .. يعيش الشاعر في صراع بين هذه الرغبة العميقة في داخله وبين ما يمكن أن نسميه باسم " أدب الدعاية" الذي يتحول فيه الفنان إلى أداة يستخدمها الآخرون ويوجهونها، والشاعر هنا يدرك صدق ما قاله الروائي الإنجليزي " جورج أورويل " من أن كل الدعاية كذب حتى عندما ينطق الداعية بالصدق . وهذا الصراع بين " الأدب الصادق " و "الدعاية " .. هو مشكلة حقيقية يعاني منها الفن العربي المعاصر أشد المعاناة، وهي معاناة ظاهرة يحس بها الجميع ، وليس أحمد مطر في شعره الغاضب المتألم إلا ثمرة حية من ثمار هذه المعاناة. إن الفن العظيم يرفع صاحبه إلى مستوى القيادة، ومن هنا فإن الفنان الحقيقي لا يمكن أن يكون تابعاً على الإطلاق، لأن حالة التبعية هذه تتناقض جوهرياً مع روح الفن .. والفن العظيم المؤثر لا يولد إلا إذا كان الفنان حراً، وكانت حريته هذه عميقة في داخله، بحيث لا يشعر أن أحداً يفرض عليه شيئاً أو يخيفه أو يؤذيه، فلحظة الإبداع الفني هي نفسها لحظة الحرية في داخل الفنان .. وإذا عجزت المجتمعات أو النظم السياسية عن فهم هذه الحقيقة فإن الفن يتدهور وينهار ويضيق أمامه الأفق إلى أبعد الحدود، أما الحضارات التي تقدر هذا المعنى الكبير، وهو أن الفن حرية داخلية عند الفنان، لا تحيط بها قيود أو مخاوف ومحاذير، فأن هذه الحضارات هي التي تنعم بالفن العظيم القادر وحده على التاثير في الإنسان .. ولقد فشلت كل المؤسسات التي حاولت أن تجعل من الفنان أداة تابعة في أن تخلق أدباً رفيعاً له قيمة حقيقية، وقد فشلت هذه المؤسسات في جميع أنحاء العالم، شرقاً وغرباً، سواء كانت هذه المؤسسات جمعيات رسمية أو منظمات سياسية أو أجهزة أمن. فالحرية واستقلال الفنان ثم انتماؤه الإختياري إلى ما يؤمن به من المواقف والقضايا والآراء .. تلك كلها شروط لا يولد بغيرها فن ولا يزدهر أدب أو ثقافة.
**
ونواصل رحلتنا بعد ذلك مع أحمد مطر وشعره السياسي، فالشاعر السياسي، إلى جانب قضيته الأساسية، لابد أن تكون له صلة قوية مع جمهور من الناس يخاطبهم ويكتب لهم، بينما نجد الشاعر الذي تشغله أمور الفكر أو الفلسفة أو الحالات النفسية المعقدة، لا يعبأ كثيراً بالجمهور الكبير، وقد لا يحزنه أو يؤذيه أن يرى جمهور شعره قليلاً محدوداً، بل ربما وجد في الجمهور المحدود ميزة وقيمة .. فهو شاعر صفوة " ونخبة وأقلية ذات فكر رفيع وثقافة عالية " .. وعندما نقارن بين شاعر مفكر مثل " إليوت " وشاعر سياسي محرض مثل " مايكوفسكي " نحس بالفرق.. فقد كان " إليوت " في قصائده الكبرى مثل قصيدته " الأرض الخراب " يتوجه إلى الصفوة، لذلك لم يكن يعنيه أو يؤلمه أن تكون دائرة قرائه محدودة وضيقة .. بينما كان " مايكوفسكي " يلقي شعره في الميادين العامة ، يستمع إليه الآلاف من الناس ويتجاوبون معه ومع قصائده بحرارة، ومن هنا كانت علاقة الشاعر السياسي بجمهوره الكبير الواسع أمراً يفرض عليه العناية الشديدة بما أشرنا إليه من الوضوح، فلا يمكن مخاطبة الآلاف من البشر عن طريق الصور الغامضة والأفكار المعقدة .. ومن ناحية أخرى فلا بد للشاعر السياسي مادام يضع في حسابه الجمهور الكبير وضرورة مخاطبته والتأثير عليه أن يستخدم " موسيقى شعرية " ظاهرة، لأن الإيقاع الحاد هو عنصر أساسي من عناصر التأثير في الشعر السياسي ذي الجمهور الواسع العريض .
وهذه الملامح كلها متوافرة في شخصية أحمد مطر الشعرية . فبالإضافة إلى وضوح شعره فإنه يتميز بالموسيقى الحادة القوية والإهتمام بالقافية القاطعة العنيفة .. إن أحمد مطر لا يلقي شعره في الميادين العامة، ولكنه يفعل شيئاً مشابهاً، فكل أشعاره منشورة في الصفحة الأولى من جريدة صباحية يومية جنباً إلى جنب مع المقال السياسي وافتتاحية الجريدة التي تعلق فيها على الأحداث الجارية.
وهذا نموذج آخر من شعر أحمد مطر، يكشف لنا إلى جانب النماذج السابقة، ما في هذا الشعر من وضوح وسلاسـة وسهولة وتركيز وموسيقى حادة ظاهرة، ففي قصيدته " قلـم " يقول أحمد مطر :
جس الطبيب خافقـي
وقال لي :
هل هاهُنا الألـم ؟
قلت له : نعم.
فشقّ بالمشرط جيب معطفي
وأخرج القلم !
هـزّ الطبيبُ رأسهُ .. ومال وابتسم
وقال لي :
ليس سوى قلم
فقلتُ : لا يا سيـدي
هذا يـدٌ .. وفـم
رصاصـةٌ .. ودم
وتهمـةٌ سافرةٌ ..تمشي بلا قـدمْ !
فالقصيدة هنا واضحة، قصيرة، وشديدة التركيز .. موسيقاها يسيطر عليها الإيقاع العنيف والقافية الحادة، وهذه الخصائص كلها تسهل لهذا الشعر الإنتشار حتى لو تعرض للمصادرة، فمن السهل حفظ هذه القصيدة ونقلها من مكان إلى مكان عن طريق الرواية الشفوية.
**
نلتقي بعد ذلك بعنصر أخير هام في شعر أحمد مطر، ذلك هو العنصر الذي يجمع بين السخرية التي تشبه ما نسميه بالكوميديا السوداء، وبين الإدهاش ومفاجأة القارىء بالصور التي تصدمه فتوقظ عقله ووجدانه، وهو يعتمد في ذلك كله على كشف التناقض بين ما هو واقع وبين ما هو قائم في النفس والعقل، فالكرامة عندنا - كما هو مألوف - مقدسة ونبيلة، ولكن الشاعر، يصدمنا ويدهشنا ويجرحنا ويفاجئنا في قصيدته " طبيعة صامتـة " :
في مقلب القمامـه
رأيتُ جثـة لها ملامـحُ الأعراب
تجمعت من حولها " النسور" و " الدِباب"
وفوقها علامـه
تقولُ : هذي جيفـةٌ
كانت تسمى سابقاً .. كرامـه !
وفي قصيدة أخرى يقول بنفس الأسلوب والتركيز :
لقد شيّعتُ فاتنـةً
تسمّى في بلاد العُربِ تخريباً
وإرهابـاً
وطعنـاً في القوانين الإلهيـه
ولكن اسمها
واللـه
لكن اسمها في الأصل .. حريه !
إن أحمد مطر شاعر جديد يلفت الأنظارَ حقـاً، وهو مليء بالغضب الساطع الصادق ضد ما يعانيه الإنسان العربي من قهر وظروف قاسية، فأحمد مطر هو ثمرة الوضع الذي جاع فيه العربي في المخيمات الفلسطينية حتى أكل لحم القطط والكلاب، وأوشك أن يأكل لحم أخيه ميتاً، والشاعر هو ثمرة الإغتيالات التي يتعرض لها المثقفون والمفكرون وأصحاب الراي، منذ أن قتل الفنان غسان كنفاني في انفجار سيارته التي كان يقودها في الطريق إلى عمله، إلى أن قتل الناقد الباحث حسين مروة وهو في السابعة والسبعين من عمره بين أولاده وزوجته، عندما دخل القاتل عليه بيته وأطلق الرصاص على صدره وأهل البيت ينظرون في ذهول إلى ما يجري أمامهم .. .. .. وهو ثمرة هذا العصر الذي يموت فيه الآلاف من العرب - بسبب الجفاف - بحثاً عن قطرة ماء يشربها الظمآن ، وطلباً لقطعة خبز يأكلها الجائع.
إنه شاعر مأساة حقيقية .. وهو يصرخ بشعره في البرية .. طلباً للكرامة والحرية .. ولعل شعره الصادق الصارخ يكون إنذاراً بوضع حد للمأساة التي يعيشها الإنسان العربي.
وبعد .. فإن ديوان لافتات لأحمد مطر لم يدخل سوى عاصمتين عربيتين فقط من بين اثنتين وعشرين عاصمة، فقد طبعته الكويت وسمحت له القاهرة بالدخول .. ويوم أن يتاح لمثل هذا الشعر أن يدخل كل العواصم العربية فسوف يكون ذلك إشارة إلى أن عصراً عربياً جديداً قد بدأ .

* مجلـة المصـور - القاهرة- 17-4- 1987

 الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم.

23-05-2008 الساعة 06:52 عدد القراءات 4240    

الإسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد


جميع الحقوق محفوظة لدار الأمير © 2022