أنني أتلهف لو أستطيع أن أكون معكم لأقدّم دمي وروحي
الأمين العام لحزب الله: ثورة الشعب المصري توازي إنتصار المقاومة في 2006 وصمود غزة في 2008
السيد نصرالله في خطابه للشباب المصري: شعوبنا المظلومة تعلّق عظيم الآمال عليكم وعلى ثباتكم وعلى إنتصاركم الحاسم
تحدث الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في الاحتفال التضامني الذي أقيم في بيروت دعماً للشعب المصري وثورته، ومما جاء في كلمة سماحته:
هذا اليوم نلتقي وهدفنا واضح، نحن نجتمع هنا لنعلن تضامننا ووقوفنا إلى جانب شعب مصر، وشبابها. ومن قبل إلى جانب شعب تونس وشبابها، ولكن قبل أن أتطرق إلى بعض النقاط اللازمة وأنا حريص جدا على وقتكم وعلى عدم تكرار ما تفضل به السادة الخطباء قبلي.
أتوجه الى شعب تونس والى شعب مصر بالإعتذار لأننا تأخّرنا بضعة أيام عن هذه الوقفة، لا لتردد ولا لحيرة ولا لتأمل، ونحن في الأحزاب اللبنانية التي لها كل هذا التاريخ في مقاومة المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة لا يمكن أن نقف على التل عندما يكون الصراع بين الحق والباطل وبين المظلوم والظالم، وإنما الحرص عليكم وعلى أن لا تتهموا، وقد أتهمتم الآن هو الذي دعانا الى التريّث في الفترة الماضية.
لو قامت هذه الحركة كان سيقال أن المعتصيمين في ميدان التحرير والمتظاهرين في مدن مصر تحركهم خلايا تابعة لحزب الله او لحماس أو للحرس الثوري الايراني، وسيتحوّل التحرك الوطني الأصيل الى متهم بأنه يخدم أجندة خارجية، ولنا تجربة مؤلمة مع النظام في مصر، لأنه عندما أعتقل أخ من إخواننا وكان يتعاون مع عدد من الشباب المصريين والفلسطينيين سميت حينها بخلية حزب الله وإتهمت بأنها تعمل من أجل إسقاط النظام في مصر وتغيير صورة مصر وتحويل مصر الى التشيّع، وتتذكرون حجم التهم التي ألقيت على أخ واحد يتعاون مع عدد قليل من المصريين والفلسطينيين لدعم المقاومة في غزة. ولذلك نحن تريثنا.
وأنا لا أخفيكم أننا قمنا في الأيام الأولى بعملية إستشارة واسعة مع الأخوة المصريين الموجودين في الساحة وهم نصحوا بالتريّث لأن الجميع يعلم أن هناك حساسية بالغة في هذا الموضوع ونحن أردنا أن نراعي هذه الحساسية. اما اليوم فقد إنتهى كل شيء.
اليوم نحن نعلن تضامننا مع الشعب المصري واحد أوجه التضامن هو الدفاع عن هذه الثورة وهذه الانتفاضة وهذه الحركة الشعبية التاريخية العارمة وأحد مسؤوليات هذه الثورة تبيين صورتها الحقيقية .
تارة نتحدث عن أحلامنا وما نتوقعه وتارة ننطلق من نظريات نحن نفترضها وتارة نتصل بالميدان بالساحات ونتحدث إليهم ونستمع الى شعاراتهم الى كلماتهم وتصريحاتهم الى ما تنقله الفضائيات ووسائل الإتصال، فهم الأقدر على ان يشرحوا لنا حقيقة وأهداف ثورتهم. لكننا اليوم سنوضح بعض الجوانب من حقيقة هذه الثورة التاريخية :
- أولاً - نحن أمام ثورة شعبية حقيقية مصرية وطنية يشارك فيها المسلمون والمسيحيون، ويشارك فيها تيارات إسلامية وعلمانية وقومية وفكرية متنوعة، وتحضر في ساحاتها كل فئات الشعب، من الصغار والكبار والنساء والشيوخ والعلماء والمثقفين والنخب والفلاحين، لكن العنصر الأهم والأقوى في الحضور هو عنصر الشباب إذن نحن أمام ثورة كاملة.
- ثانيا - هذه الثورة هي نتاج إرادة هذا الشعب وتصميممه وعزمه، هو الذي يتظاهر ويقدّم الشهداء والجرحى ويبيت في العراء، وهو الذي يقرر ماذا يفعل وإلى أين يريد أن يصل وأي نظام يقبل وهو صاحب القرار في كل ما يقول وما يفعل.
- ثالثا - جوهر ومضمون وماهية هذه الثورة والإنتفاضة، هل هي إنتفاضة خبز وجوع أم انتفاضة عدالة إجتماعية أم إنتفاضة حرية ديقمراطية أم إنتفاضة سياسية حول موقع مصر في المنطقة والامة والعالم؟. لقد سمعنا الكثير من التفسيرات والتحليلات وكل يحاول أن يأخذ الأمور في إتجاه محدد وأصدقاء أميركا من المثقفين والنخب ووسائل الإعلام تريد إقناع العالم أن ما يجري في مصر هو ثورة خبز وجوع وطعام، الحقيقة نقولها للعالم كله - تقولها شعاراتهم ومواقفهم، وهي تقول لنا انها كل ذلك، هذا يعني أننا ايضاً امام ثورة كاملة في المضمون والجوهر والماهية - هي ثورة الفقراء وثورة الأحرار وثورة طلاب الحرية وثورة رافضي المهانة والذل الذي أنكس فيه هذا البلد بفعل الاستسلام لأميركا و"إسرائيل"، هي ثورة على كل شيء، الظلم والفساد والقمع والجوع وسياسات النظام في الصراع العربي الاسرائيلي.
- رابعا- من واجبات التضامن مع ثورة مصر الشعبية، تنزيهها عن كل ما يريدون أن يلصقوا بها من تهم، ومن أسوأ التهم التي سمعناها منذ البدايات وقد سمعناها في تونس أيضاً أن هذه الثورة هي صنيعة الإدارة الأميركية، وأن أجهزة المخابرات الأميركية هي التي حرّكت هؤلاء الشباب، وهي على تنسيق كامل معهم وهي التي تقود وتدير هذه الثورة.
في يوم التضامن يجب أن نقول هذا ظلم كبير وعظيم وإهانة كبيرة لعقول وإرادات ووعي وثقافة وفهم هؤلاء الشباب وهذه الشعوب، من يمكن أن يصدق ان امريكا تعمل على إسقاط نظام يؤمّن لها كل ما تريد من خدمات ويعمل صادقاً مخلصاً في حماية مشروعها على مستوى المنطقة والعالم. لو إستمعنا الى الأميركيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وما كالوه من مديح الى رأس النظام وما ذكروه من خدمات عظيمة واستراتيحية قدمها النظام لأميركا، هل يمكن ان يفكر أحد بأنها تعمل على إسقاط هذا النظام. في الثورة الاسلامية في إيران كثير ما قيل بأن أميركا هي التي تدير الثورة في قم ومشهد وطهران، الامام الخميني كان الامام المخلص الصادق الوفي لشعبه ولتطلعات الأمة، وهذا هو حال شعب مصر وشعب تونس هذا اليوم.
الأميركييون يحاولون اليوم ركوب الموجة، وإستيعاب الثورة، وإحتوائها وتحسين صورتهم البشعة في عالمنا العربي والاسلامي، وتقديم أنفسهم كمدافعين عن الشعوب وحقوقها وحريتها وإرادتها بعد عقود من الزمان من الحماية المطلقة لأسوأ ديكتاتوريات العالم العربي.
الادارة الاميركية قامت بالكثير من الدراسات وإستطلاعات الرأي في منطقتنا وكانت تريد أن تعرف إتجاهات الرأي العام لدينا، وقد جاءت النتائج واضحة، أن الأغلبية الساحقة من شعوبنا العربية والاسلامية تعادي السياسات الأميركية وترفضها، ويمكن مع الوقت ان نكتشف أن الغالبية من الشعب الاميركي هم مساكين ولا يعرفون ما يجري في العالم،
الاغلبية الساحقة من شعوبنا هي ضد السياسة الاميركية بسبب:
- تبني اميركا المطلق لإسرائيل ولحروب اسرائيل
- تبني اميركا المطلق لأنظمة ديكتاتورية فاسدة
- حروب اميركا في العراق وافغانستان وغيرها في عالمنا العربي والاسلامي
- انكشاف السياسات والكذب الأميركي في موضوع الحرية وحقوق الانسان .
وتبين من خلال الدراسات واستطلاعات الرأي أن هناك تحوّلات كبرى قادمة في المنطقة وهذا ما أشارت إليه كلينتون قبل أسابيع
وتبيّن أن الأنظمة الخارجة على شعوبها في علاقتها مع "اسرائيل" لن تستطيع أن تمنع شعوبها من التغيير، وكشفت إستطلاعات الرأي أن هذه الأنظمة لا تملك أي شعبية وأي احترام لدى شعوبها، في الوقت الذي كانت تقدّم فيه إستطلاعات الرأي زعماء وشخصيات أخرى تقبلها الجماهير بسبب مواقفها.
هذا لا يعني أن أميركا خططت لإسقاط الأنظمة، ولكنها تحضّرت، فإذا قام شعب ما بالتحرك، دخلت أميركا بالمواجهة مستفيدة من تجربتها في إيران، لا تدخل في مواجهة دموية لأنها تعلم أن المواجهة الدموية ستكون سلبية عليها، وهي تحاول أن تقدّم نفسها أنها حامية للشعوب وتحاول أن تؤمن إنتقالاً ما للسلطة وتحاول الحفاظ على مشاريعها ومصالحها في المنطقة. ما يهم أميركا هو مصالحها ومصالح "اسرائيل" في المنطقة، وليس مهما من يكون في السلطة، المهم هو الإلتزامات هل يلتزم مصلحة أميركا هل يلتزم مصلحة "اسرائيل".
لذلك يجب أن ننزه الثورة المصرية ولا يجوز أن يستدل البعض بالموقف الأميركي الوسطي ظاهراً بأنه هو الذي كان يقف خلف هذه الثورة وهو الذي يديرها ويحركها.
يجب أن نبيّن وأن يتأكد شعب مصر وشبابها من عظمة وتأثير هذه الثورة على معادلات العالم والمنطقة، فقد فرضت نفسها في الأيام الماضية حدثاً أولاً بامتياز يكفي لشعب مصر وشهدائها أن يشهدوا هذا الإرتباك الشديد لدى إدارة القوى العظمة الوحيدة في العالم وحلفائها الغربيين والتخبّط إزاء فهم هذه الثورة والتعاطي معها.
إنظروا الى ما أحدثه فقط 14 يوماً من تحرك الشباب المصري السلمي، من هلع اسرائيلي، وذعر حقيقي. حيث بدأت دعوات بالمسارعة لإعادة النظر باستراتيجيات الأمن القومي، وسارع نتنياهو الى بناء الجدار الألكتروني بين مصر وغزة، وبدأت دعوات لإعادة سيطرة اسرائيل على الحدود مع قطاع غزة.
اسرائيل اليوم تتحدث بحزن شديد عن خسارتها لآخر حليف استراتيجي قوي في المنطقة بعد أن خسرت الشاه في ايران وخسرت بنسبة كبيرة تركيا اليوم "اسرائيل" تندب حظها الاستراتيجي عندنما تتحدث عن آخر حليف قوي لها في المنطقة . هناك اجماع اسرائيلي على حماية النظام وحماية رأس النظام . والاسرائيليون بكل وقاحة أعلنوا أن الذي يحمي "اسرائيل" هو الديكتاتوريات وليس الديمقراطية في المنطقة وقالوا للأميركيين ماذا تفعلون انتم تلعبون لعبة خطرة.
هناك نظام تريد اسرائيل بالإجماع وتعمل في الليل وفي النهار وتضغط على دوائر القرار السياسي في العالم من أجل حمايته والدفاع عنه، وهناك نظام يريد شعبه إسقاطه، وقد ملأ الساحات بالملايين وقدم حتى الآن مئات الشهداء وآلاف الجرحى، السؤال لكل المرجعيات، لعلماء الدين والمثقفين والنخب في كل المجالات لأحرار العالم، في أي جبهة يجب أن تقفوا وأن تكونوا ؟
في جبهة إسرائيل المدافعة عن النظام أم في جبهة الشعب المصري الذي يريد إسقاط هذا النظام ؟
اليوم أي مقاربة صحيحة ودقيقة وصادقة للصراع القائم في أرض الكنانة هي هذه المقاربة.
أقول لعلماء الدين والمشايخ والمتدينين ولك الذين يؤمنون بيوم الحساب، غداً سيسألنا الله عن هذا الموقف في هذه اللحظة التاريخية وسيكون الحساب عسيراً جداً جداً.
هي قضية شعب ومصير ومقدسات وتاريخ ومستقبل، الذين يقفون اليوم على الحياد أو في الجبهة الأخرى سيحاسبون على كل النتائج التي ستحصل والذين يقفون في الجانب الإيجابي ستحفظ كرامتهم وسيكون لهم ثواب عند الله.
اقول لكل المؤمنين بالعدالة الانسانية بالضمير بالوجدان، يجب أن تحسموا موقفكم أيضاًَ إلى جانب الشعب المصري الوفي والشجاع.
لشباب مصر الشجاع نقول، لن نتدخل في حركتكم، ولكن كأحبة لكم وأصدقاء وأخوة، نريد ان نعبّر لكم عن إيماننا بكم
إن ما تقومون به عظيم جداً، ومفصل من أهم مفاصل تاريخ هذه الأمة والمنطقة، إن حركتكم وإنتصاركم سيغيّر وجه هذه المنطقة بالكامل لمصلحة شعوب المنطقة وخاصة فلسطين. أنتم تستعيدون اليوم بحناجركم كرامة الانسان العربي التي أذلها وأهانها بعض حكامه في هذا الزمن بالإستسلام والهزيمة، إن ما قمتم به هذا اليوم لا يقل أهمية عن الصمود التاريخي للمقاومة الاسلامية في لبنان عام 2006 وللصمود التاريخي للمقاومة الفلسطينية في غزة عام 2008، إننا نرى في وجوه شهدائكم وجوه شهدائنا وفي أنين جرحاكم أنين جرحانا، ونشهد في صمودكم في الساحات صمود الأبطال المقاومين في لبنان وفلسطين في مواجهة كل الحروب والأخطار.
يا شعب مصر وشبابها إن شعوبنا المظلومة تعلّق عظيم الآمال عليكم وعلى ثباتكم وعلى إنتصاركم الحاسم. لطالما قيل بحق إن مصر هي أم الدنيا وأنتم بالميادين شعبها العظيم الذي يستطيع بصلابته وإيمانه أن يغيّر وجه الدنيا. نحن واثقون من قدرتكم الهائلة على صنع التغيير ونتطلّع الى اليوم الذي تستعيدون فيه لمصر موقعها التاريخي والمتقدّم في حياة هذه المنطقة.
يا شباب مصر الغالي، من بيروت ماذا يمكن أن نقول لكم في ختام الكلمة، يا ليتنا نستطيع أن نكون معكم، في ميدان التحرير وساحات القاهرة وشوارع الاسكندرية والاسماعيلية والسويس وغيرها من مدن مصر العظيمة، يشهد الله أنني أتلهف لو أستطيع أن أكون معكم لأقدّم دمي وروحي كأي شاب في مصر من أجل هذه الأهداف الشريفة والنبيلة.
إنني اليوم بإسم حزب الله في لبنان وبإسم كل فصائل المقاومة الاسلامية اللبنانية وبإسم الأحزاب الوطنية اللبنانية وبإسم المحتشدين الكرام نضع كل إمكانياتنا بتصرف شعب مصر وشبابها، وكلنا دعاء وأمل أن ينصركم الله ويثبت أقدامكم ويعز الله بكم كل المستضعفين في العالم.
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |