احتجاجات مصر بأقلام كتاب
تشهد مصر منذ 13 يوما احتجاجات عارمة تجتاح مدنها وتطالب بإسقاط رأس النظام الحاكم وحكومته رغم إعلان الأخير عن جملة من التعديلات تمثلت بتعيين عمر سليمان نائبا للرئيس وتكليفه بالتفاوض مع المعارضة، وتعيين أحمد شفيق رئيسا للوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة.
وكانت الجزيرة نت قد استطلعت آراء مجموعة من الكتاب في العالم العربي في أحداث مصر والسيناريوهات المتوقعة، نستعرضها أدناه:
أسامة أبو أرشيد
بعد الشعب التونسي، ها هو الشعب المصري، يؤكد بأن الشعوب العربية لم تمت، حتى وإن طال سباتها. فما جرى في تونس، ويجري الآن في مصر، وقد يجري غدا في دول عربية أخرى، يؤكد بأنه لا يمكن الاستمرار بذات قواعد اللعبة.
فنحن نعيش إرهاصات تغييرات بنيوية وجوهرية في الفضاء العربي.. تغييرات مترتبة على واقع الاستبداد وانعدام الأفق أمام شعوب المنطقة. فأنظمة مرتهنة للخارج كليا خانعة أمامه ومستأسدة على شعوبها، وفوق هذا وذاك متواطئة على ما تبقى في جسد هذه الأمة من ممانعة ضارية للارتهان لأعداء الأمة، لا يمكن لها أن تكون صمام أمان لعيش هانئ لشعوب سأمت الإذلال والإفقار والانتقاص من آدميتها. لقد فشلت جلّ الأنظمة العربية لعقود طويلة إنمائيا وسياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا.. الخ، ومضت بعيدا في سياسات الإقصاء والتهميش والكبت والارتهان للأجنبي وخصوم الأمة، وهاهي اليوم تحصد الفشل، وغدا ستتجرع العلقم ومعها من راهن عليها، فقد "اتسع الرتق على الراقع"، ولابد للفجر أن ينبلج.
لقد دخلت الهبة الشعبية العارمة ضد نظام الرئيس المصري، حسني مبارك، مرحلة حاسمة الآن مع "استجداء" الأخير إكمال مدته الرئاسية التي تنتهي في شهر سبتمبر القادم من دون إمكانية ترشحه مجددا، مع وعد بقيادة تحول سياسي ودستوري وديمقراطي في البلاد. ورفض الغالبية العظمى للمحتجين لعرضه ذاك، وإصرارهم على رحيله فورا من الحكم. وهو ما يثير تساؤلات عن السيناريوهات المتوقعة في الشأن المصري. ويمكن تلخيص السيناريوهات المتوقعة بالتالي:
1- أن تصل الرسالة إلى مبارك بأن رئاسته قد انتهت ويعلن عن رحيله طوعا قبل حدوث انقلاب عليه من داخل النظام، وذلك في سبيل الحفاظ على بنية النظام نفسها. ويبدوا أن هذا هو السيناريو المفضل من قبل المؤسسة المصرية الحاكمة، وفي صلبها الجيش المصري، الذي يبدوا أنه يريد التضحية بمبارك في مقابل المحافظة على النظام نفسه. كما يبدوا أن هذا السيناريو هو المفضل أمريكيا وأوربيا أيضا، خصوصا مع إعلان الإدارة الأمريكية، بدءا من رئيسها، باراك أوباما، ومرورا بوزيرة خارجيتها، هيلاري كلينتون، وليس انتهاء بالناطق باسم البيت الأبيض، روبرت غيبس، بأن على الرئيس مبارك أن يبدأ عملية انتقال سلمي مباشر للسلطة "الآن"، ويسلمها لعمر سليمان لبدء حوار وطني مع المعارضة. ولا شك بأن في اتصال كلينتون مع سليمان، نائب مبارك، لإيصال هذه الرسالة، إشارة واضحة بأن الإدارة الأمريكية لم تعتد تعترف بصلاحية مبارك للحكم.
2- أن يصر مبارك على "عناده" ورفضه التنازل عن السلطة قبل نهاية فترته الرئاسية، مدعوما ببعض قطاعات الجيش و"بلطجية" الأمن والحزب الوطني، وأن يترتب على ذلك إزهاق أرواح، وربما مجازر، خصوصا يوم الجمعة القادم، والتي أطلق عليها المعارضون "جمعة الرحيل". ومما يقوي من حظوظ هذا السيناريو، وقوف الجيش على "الحياد" بشكل مريب أمام عدوان "البلطجية" على المتظاهرين، ودعوة الجيش للمتظاهرين للعودة إلى منازلهم بعد خطاب مبارك، على أساس أن مطالبهم بالإصلاح قد أخذت وضعها على سكة التغيير. ويبدو أن بعض أركان النظام تريد من ناحية ترتيب خروج مشرف لمبارك، وفي الوقت ذاته الحفاظ على بنية النظام ذاتها ومزاوجتها برتوش تجميلية لتنفيس الاحتقان. كما أن هذا السيناريو، استمد مزيدا من القوة بعض خطاب مبارك "العاطفي" في بعض جوانبه، وتأثر بعض المحتجين به، ودعوتهم إلى إعطاء الرجل فرصة لقيادة "تغيير حقيقي" فيما تبقى له من فترته الرئاسية.
3- أن يؤدي إصرار مبارك على عدم التنازل ووقوع صدامات دموية بين كل المعارضين له والمحتجين عليه إلى وقوع انقلاب عسكري يطيح به.
الخيار الذي أرجحه هو أن مبارك سيضطر إن عاجلا أم في الآجل القريب - ولكن ليس قبل محاولة التشبث إلى آخر لحظة بالحكم وعبر سفك الدماء - إلى مغادرة الحكم، ذلك أن الغرب يرى فيها عبئا على مصالحه في المنطقة، ومؤسسة الحكم في مصر ترى فيه خطرا على استمرارها. ويبقى هنا مسألتين، الأولى وجود دولة تقبل باستقبال مبارك (ويقبل بها هو أيضا) وحمايته من أي ملاحقات قانونية مستقبلية، ويبدوا أن هذا ما يتم العمل عليه الآن في الغرف الخلفية. وثانيا، أن يستلم سليمان الرئاسة مؤقتا وأن يشرع في مفاوضات مع قادة المعارضة المصرية حول طبيعة المرحلة القادمة من تاريخ مصر، وهو ما سيؤدي إلى الحفاظ على بنية النظام الحالية ولكن بإخراج جديد وأكثر انفتاحا على القوى المعارضة، بشكل يحافظ على المصالح الغربية والعلاقة مع إسرائيل، وإن بطريقة أذكى وأقل استفزازا للشارع المصري. سبب ترجيحي لهذا الخيار أن المعارضة المصرية غير موحدة في مطالبها ورؤيتها لمرحلة ما بعد مبارك، وثانيا أن الاحتجاجات الجماهيرية تحركت عمليا بدون عقل مخطط.
ولكن هذا لا ينفي إمكانية أن يجترح الشعب المصري معجزة قلب كل التوقعات وتحرير إرادته بالكامل من هذا النظام الفاسد بكليته، وهو المأمول.
د. عماد فوزي الشعيبي، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية/دمشق
اللافت أننا أمام وضع لا يمكن القول عنه إلا أنه ضبابي وخطير. فثمة عدة شرعيات اليوم على الأرض:
الشرعية الدستورية ممثلة بالرئيس مبارك. والشرعية الثورية ممثلة بالشباب. والشرعية الشعبية ممثلة بمن يوالي الرئيس.والشرعية العسكرية ممثلة بالجيش. وهذا يعني أن الاتفاق غير ممكن خصوصاً وأن حركة الشباب بلا قيادة موحدة ولا برنامج سياسياً لها ولا مطالب ذات اتصال بوزن دولة كمصر بخلاف خروج مبارك وتنحيه ومحاكمته ووو وهذه رغم أنها أنها من حق هؤلاء ولا يمكن للمرء إلا أن يحترمها ويدعمها، إلا أن لا مكان لأسئلة تتصل بالدولة المصرية في هذه المطالب: فأين الموقف من المعاهدة مع إسرائيل.؟، بل أليس من المُدهش عدم التعرض للسفارة الإسرائيلية رغم كل الفلتان الأمني؟. وأين الموقف من التدخل الأمريكي في الشؤون المصرية الداخلية وارتهان نظام مبارك لها.؟. واين هو موقف الشارع الثوري من قضايا العرب.
مصر لا يمكن ان تكون مجرد شباب ومبارك. مصر مركز ثقل العالم العربي وأي إغفال لكل ما سبق وغيره يوحي بالقلق مما هو أتٍ؛ فالخيارات ليست أفضل الخيارات:
1. استمرار النظام والشارع بوضعيهما وهذا يعني أن الدولة ستكون وفي مواجهة دائمة واستنزاف قاتل.
2. قيام الجيش بانقلاب عسكري، ورغم صعوبته، إلا أنه احتمال ممكن ، وسيكون إما للاندراج في المطالب الأمريكية بالتغيير السريع، أو للتوافق مع شارع لن يرحل إلى منازله إلا بخروج مبارك.
3. اغتيال مبارك ودخول البلاد في فوضى البديل ، خصوصاً وأن البديل الدستوري كنائب الرئيس ومجلس الشعب غير مقبولين من الشارع.
4. خروج مبارك والبديل الدستوري سابق الذكر في مواجهة مستمرة مع الشارع.
المؤكد أن مصر بكل الأحوال لن تعود دولة قوية ومركزية إلا بعد أن يمر تحت الجسر ما يمر من الماء؛ أي بعد أحداث جسام لن تعرف فيها دولة بإرث مؤسساتي له أكثر من قرن، أي استقرار موضعي حتى تستقر صورتها الإقليمية والعربية والدولية.
الخطير في الأمر أن دولة بوزن مصر عندما ترتج فإن زلزالها له توابع ويصيب كل المحيط بما فيه إسرائيل !. وهذا يعني أن علينا أن نعيد النظر في كل قواعد اللعبة الإقليمية وأن نتهيأ لأحداث جسام في كل المنطقة.
وأود ختاماً أن أسأل سؤالاً ليس بريئاً: تُرى هل يستفيد ويسعّر رباعي المحافظين الجدد (فيلتمان ، سوزان رايس، ألينا روس ليتنن، ومعاونة الرئيس أوباما لشؤون حقوق الإنسان)، ورهط مخفي من عناصرهم في الخارجية والإدارة والكونغرس) ما يحدث من أجل استمرار العماه الخلاق (أو ما يترجم خطأ الفوضى العمياء)Creative Chaos حيث بدأت هذه المرة من الأنظمة الموالية للولايات المتحدة. سؤال يجب عدم إغفاله.
في النهاية نقول إن أي تحليل لن يستطيع أن يلم بغدِّ الثورات، لأنها بالأصل خروج عن المألوف. لكن عقل الاستقرار (النمطي في التحليل) يوحي بأن الغد لم يعد مستقراً.
نوال السباعي
مايجري في مصر في هذه الساعات العظيمة من تاريخنا ، ليس مجرد معركة بين شعب عظيم خرج لتوه من قمقم القهر ، ونظام انكشفت للعالم عمالته ونزوله عند رغبة العدو الصهيوني في التمسك بكرسيه ، لكنها قمة الاستعلاء والنفاق والخديعة، مدعومة بمناورات الولايات المتحدة وأتباعها ، من خلال سياسات الكذب واللعب على الحبلين!!
لايمكن الضحك على الشعوب بهذه الطريقة ، ولاالتعامل مع الشعب وكأنه قاصر لم يبلغ الرشد بعد ، كما لايمكن استعمال استراتيجيات "الانسحاب" في ساحات الحروب والأرض المحروقة ، إنه التعامل مع الشعب على أنه العدو في جبهات القتال!!.
لم يتعامل "مبارك" بذرة وطنية واحدة مع شعبه، وليست شجاعة وكرامة شعبه على المحك فحسب ، إنها مصداقية منطقة كاملة ، فلأول مرة منذ سبعين عاما يقف العالم وقفة احترام وتأييد لهذه الاحتجاجات السلمية الحرة النظيفة في بلادنا ، لقد استرد المصريون الشرفاء ومن قبلهم التوانسة الشجعان كرامة الأمة المهدرة تحت أقدام طغاتها ، لقد أعادوا لنا شعورنا بإنسانيتنا ، وشعورنا بالفخر لانتمائنا إلى هذه الأمة.
المعركة الدائرة الآن في ميدان التحرير ، ليست معركة النخبة المصرية مع الحثالة من فلول النظام ، لكنها معركة الأحرار مع العبيد ، معركة الثوار مع الخانعين ، معركة الأباة مع المنشقين ، معركة الإرادة مع المثبطين ، الذين يتخلفون عن الأمة ، طلبا لمكاسب دنيئة في ركب الطواغيت ، معركة الثبات واليقين مع الإرجاف والانقلاب على الأحرار ساعة المحنة.
إنه فعل مقاومة، مقاومة لهذه الطغمة ، مقاومة للنظام الرسمي العربي الذي يطبق الخناق على مقاطعات المنطقة العربية ، مقاومة للظلمة والظلام والنفاق والشقاق والانفصال والتمزق والشرذمة ، مقاومة للتخلف والارتكاس والعودة إلى مهاوي الاستكانة والمهانة والهوان ، مقاومة لكل فعل ماض ناقص معتل .
إن ثورة طلائع الشعب المصري الأبي -ومهما كانت النتائج التي ستنكشف عنها هذه المعركة- ستدخل التاريخ ، على أنها ثورة الشباب المثقف في سبيل الحرية والكرامة ، ثورة طلائع يجب أن تاخذ بعين الاعتبار تنظيف حديقتها الخلفية وهي تبدأ العمل في البناء، إنها معركة الثقافة ، معركة الهوية ، معركة الانتماء ، التي يجب أن تسير جنبا إلى جنب مع معركة الحرية والكرامة ، إنها معارك أمة نامت طويلا ، وهي الآن تستيقظ ، لتصافح الفجر .
ولكن ومع ذلك يجب أن نعي أن هذه الثورة وإن قام بها الشباب ، ولكنها ثورة أمة ، سلّمت فيها الأمانة أجيال متتالية من الثوار والأحرار ، من كتاب ومفكرين وأدباء وشعراء وإعلاميين ، لم يسكتوا عن الحق ، ودفعوا حياتهم أو حريتهم أثمانا لكي تصل الأمانة إلى هذا الجيل ، الذي عرف كيف يقرأ العصر ، وكيف يحول الأمانة والأفعال الفردية إلى فعل جماعي حاضر في الضمائر وفي ميدان التحرير.
ولذلك فإن على الشباب في ميدان التحرير أخذ آراء الجيل السابق بعين الاعتبار ، وانتخاب مجموعة يثق بها الجميع ، وتعلن أسماؤهم في الجزيرة – المصدر الوحيد الذي تثق فيه الأمة بما يتعلق اليوم بهذه الثورة – ومقاومة تعنت النظام بفعل المقاومة السلمي هذا ، ويجب أن يعدوا العدة ، ليكون طويل المدى ، ومن هذه العدة تجهيز الرأي العام المصري والعربي لذلك.
ان تكون المعركة سهلة ألبتة ، لأنها ليست معركة الشعب المصري مع نظام فاسد ساقط ، إنها معركة الأمة مع كل أعدائها ، بدءا من أنظمة الحكم المتسلطة على الرقاب ، مرورا بالمستوطن الاسرائيلي المتغول ، وانتهاءا بالولايات المتحدة ، التي تشهد زلزلة الأرض تحت قدميها هي وبريطانيا العظمى وكل القوى الغربية ، التي تحكم الخناق علينا من خلال هذه الأنظمة العميلة.
عزمي بشارة
لقد أخرجت الثورة المصرية من الشعب أفضل ما فيه، وأظهرت صورة من التمدن والتنوع والحوار والتواضع غير مألوفة في الحياة السياسية المصرية في ظل النظام. فمنذ زمن بعيد لا يذكره الكثيرون لم يسمع الناس خطيبا يوم الجمعة يتحدث عن ملايين المصريين والمصريات، أو يتحدث عن أخلاق الإسلام والمسيحية، ولم يروا هذا الكم من الرجال والنساء المحجبات وغير المحجبات دون ظواهر التحرش، والملايين تُنشد سوية وتسير في مظاهرات منظمة من دون فوضى؟.
هذه الأنظمة المستبدة تخرج أسوأ ما في مجتمعات العرب عن تعصب وطائفية وجريمة في ظلها. وقد رأينا عينات من سائبة "البلطجية" التي أطلقها النظام أو رجالاته ضد المتظاهرين، فظهرت وجوه النظام المتخلف والبدائي في مقابل الشعب المتحضر، وذلك خلافا لما يروج هو عن شعبه في الغرب الذي يحتاج برأيه إلى حكم الاستبداد لأنه متخلف.
أما حين يخرج الشعب ضدها فكأنه يمر بعملية تطهّر من أوساخ وقذارات ثقافة هذه الأنظمة الاستبدادية. لم يبق إنسان مصري أو عربي إلا وانفعل وأبدى انفعاله من مظاهر الزهو والفرح التي رافقت مظاهرات يوم الثلاثاء (1 فبراير/شباط) أو يوم الجمعة (4 فبراير/شباط)، في مقابل وحشية وتخلف ما فعله النظام يومي الأربعاء والخميس( 2 و3 فبراير/شباط).
لقد عاد الشعب إلى ذاته، وعادت مصر متصالحة مع ذاتها، ويبدو أن العرب في المرحلة الحالية إنما يتصالحون مع ذاتهم عندما يخرجون ضد الأنظمة الاستبدادية الحاكمة.
المصدر: موقع الجزيرة نت
http://www.aljazeera.net/nr/exeres/fe26e670-273c-48ab-a016-156e6e9d75b3.htm
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |