ليلى المُضاءة وسِحر الكُهان
محمد حسين بزي
الكويت 28/10/2009
اللوحة الأولى
هذه الحياة قليلة أيامها؛ لكنها جميلة، وتحبها ليلى..
ما الذي أحتاجه للنهوض بواجب الوقت ؟ سألتْ، وصمتت ليلى..
«إننا لسنا بعد أهلاً للكلام، فيا ليتنا كنا أهلاً للإصغاء»
كان شيخ الكَتَبَة منكباً فوق وجهه..
وكان ثمة حانة ملقاة على كأس متألمة من جهر النشوان..
وكانت ليلى تهجر كل الليل المُضَاء بأحلامها الموزعة بين نجمات العمر في سماء الفكر
والتفكر والتدّبر والعشق والتألّه...
ليلى المُضَاءة بالموج الصاعد؛ وبكل المقدسات ما زالت تنهض بين السماوات ظليلة جميلة
كأبهى النساء في النون والألف الممدودة إلى الكأس صعوداً..
كنايات الحروف تجترحها ليلى من وجع الفقراء، وآلام قطة هاربة جائعة تحت جنح ظلام
حزين، وتبادر، "ليس في الجُبّة غير الله.." وتحتضنها برحمة وحب، وتتابع:
وليس مع الله سوى الفقراء والمعذبين والمهمشين.. والمنبوذين من بشر ومخلوقات أليفة
مألوفة وغير مألوفة..
والموزَعين بين جداريات البحث وأعياد الموسيقى على الجدول الفضّي الصغير.
وكانت ليلى ككُلّ النساء تحلم قبل الحلم وأثناءه وبعده..
كأي أنثى تشرق بالحلم أكثر من نهارات الأيام..
وتهمس أنّ هناك شمساً تُغْمِضُ بعين من أبصر.!
وأنّ "الشمس" الموعودة (في عالم المعنى) مراياها من حديد القلب؛
وتتجلّى ليوم الدين من نِقاب الحُسن بلا حِجاب.
تجلّت ليلى، وجاءت لحظة نفير القلب الرابض بين أزمات الاجتماع الموروث والوافد..
المُعاش والمنتظر، والمصفوف حقباً بين الأضلاع شبه المهشمة.
أضلاع رأيتها تحتضن قبر الوالدة (والدتها) حين زرتها بصمت مهيب..!
كالخديج الذي يحن للصراخ الأمومي لحظة ولادة.. ولا أُمْ !
ما شأن هذا القبر يحاكيني بلا واسطة ؟
هل كان إذناً بالقبول ؟
أم أدباً رفيعاً مع زائر لطيف يتلو سورة الكوثر قدر ما تدفقت، ويختم بوردة بيضاء كقلب
ليلى رغم تناوب "العقل" وتراتيل الكهنة ؟!
وكيف أنطقه الله بعد عمريّن تائهيّن بين الدساكر العتيقة والبساتين اليتيمة، وبعد حلميّن لم
يكتملا بعد ؟
سأحفظها برمش العين وبالأحداق أجبتُ ذلك القبر المؤنس بعد رعشة رهبة، وخشوع..
هكذا فرَّ الجواب مني وانساب داخل القبر للأعلى !
ومضيت أتساءل..
هل تُسحب ليلى من شَعرها هذه المرة، بعد أن سَحبت كل مرايا القلب المقابلة ؟!
وهل تنسى لعبها الوردية ساعة جد ووجد ؟
وهل تُطل من بقايا وجه الحُقب وترسم لوحتها بيمينها العاجية التي ما كلت تُدوّر رحى
الحياء ؟
وهل تُلملم موعداً كاد أن يكون قريباً على قارعة العمر الذي لا ينتظر؛ لولا اعتداءات
مسارب القيل والقال والأناجيل المزيفة ؟
ومتى أقرأ باسم ليلى ليبدأ كتابي الموعود في حلم أمي ؟
أسئلة تفضي إلى غابة مرصودة بسحر كهنة المعبد التي تخشاهم ليلى كثيراً ..
لكن ليلى التي في قلبي ما برحت تتزايد في عين الليل..
وتتأجج ياقوتاً أحمر.. وتتوهج كلما أزف الرحيل..
وكم مرة كان قد أزف ؟!
في الأسحار كانت ليلى تنمو أكثر.. فيعشوشب الليل بخُضرة مستحيلة السحر، فليت
الأسحار كانت تدوم.. وليت رمضان ليلى كان كل العمر، حيث خطاب الفصل بين
الوصل والوصال..
وليتَ عمري كان كله ليل، لتستمر ليلى في رواية الليل المُضاء بموعد العمر؛ والنجوم
حروف ما برحت ليلى تحفرها في كلمات الحلم.. عند كتابي الموعود في حلم أمي.. !
كبرت ليلى، وصارت (طفلة)، وسِحر الكُهان لا زال يعبث بالخُضرة.. لكن ليلى دخلت
الحضرة، فهل حقاً دخلت ليلى..؟ جواب في سؤال؛ ولا تنتهي الحكاية.
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |