«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرة
نسرين بلوط *
تقدّم درية فرحات في مجموعتها القصصية «إحكي يا شهرزاد» الصادرة حديثاً عن دار الأمير للثقافة والعلوم، تقييما جذرياً لهموم المرأة العربية المعاصرة، وتربطها بحكايات يومية روتينية، ولكن لها عظيم الأثر في تعقيد أمورها مع نفسها ومع الآخرين، كما تنفخ في بوق الشكوى من التراكمات التاريخية الظالمة من المجتمع بحق النساء.
في حكايات درامية قصيرة (بعضها يشبه الخواطر الذاتية التي قد تكون تعرّضت لها الكاتبة في سياق حياتها)، تتوالى علينا وجوهٌ للنساء، بعضهنّ آثرن التستّر في حلك الليل العظيم، والانزواء في دائرة التساؤل والتعتيم، وبعضهن جابهن العتمة بتجديفٍ متين، وفي الحالتين، في حالة المرأة الضعيفة والمرأة القوية، لم تستطع إحداهنّ أن تعطينا حلّا لما قد يحدث في حياة كلّ النساء من المشاكل والتعقيدات. فمثلا في حكاية «تعويض»، تتحفّز الكاتبة لوثبة قويّة في عالم النساء وتخصّ بطلتها بقصّة مميّزة، فقد حثّث السعي في أن تجد شريكا لحياتها يتفهّمها، وعندما وجدته وأوشكا على الارتباط، انسلّ من بين أصابعها كالماء، بحجّة الحرب والأوضاع السياسية، متعذّرا بالمؤتمرات والأعمال، فرفعت قضية «عطل وضرر» بما أنّ الشريك «أخلّ بعقد الشراكة» حسب تعبيرها، فوجدت قضيتُها الأثرَ في عالم الصحافة التي حاصرتها باهتمامها، ويبقى الحلّ مفقودا رغم غرابة المسألة.
في حكاية «في الأربعين»، تهكّمٌ ظاهرٌ على عقلية معظم الرجال الشرقيين الذين يأنفون عن إنشاء علاقة مع امرأة في الأربعين، لأنهم يؤثرون المرأة الصغيرة السن التي تشعرهم بأنّهم ما زالوا في ريعان الشباب. إذ تعرض قصة فتاة في الأربعين تقيم علاقة مع رجلٍ ناضجٍ سنّا وفكرا، ويكاد يتقدّم لخطبتها، ولكنه يزهد فيها عندما تصارحه بأنّها في الأربعين من عمرها. وهي حكاية واقعية لا تجنح فيها الكاتبة للخيال أو الميثولوجيا التي لا وجود لها في كلّ قصصها، وتقدّمها لنا بحذافيرها وتفاصيلها الصغيرة.
ي حكاية «العيون الحائرة»، تلخّص الكاتبة الحرب في عيون طفلٍ صغير التقت به في المطار وقد هُجّر من وطنه، وأصبح يبيع الحلوى ويتعرّض لشتّى أنواع الإهانة، ولكنه مع هذا، يؤمن بأنّه مازال يمتلك وطنه الضائع من أقصى جنوبه لأقصى شماله، وقد اختصرت رحلة معاناته كامرأة تمتلك رهافة الإحساس بقولها: «أمّا البطولة.. أمّا الحقيقة فهي في الحلوى». في قصة «موت عصفور» انتقادٌ حاد لمفهوم العشائر التي تبيح هدر دماء الفتاة إن أخطأت أو اغتصبت، ولا تحاكم الرجل المسبّب. تتطرّق الكاتبة إلى مثالٍ عن عصافيرها التي حلمت بها، والتي قتلت العصفور الأكثر شبابا وحظّا لأنه حاول الاعتداء على عصفورة مسكينة لم تبلغ سنّ الرشد. وتتساءل عند يقظتها عن الظلم المروّع في حقّ الفتيات الشرقيّات البائسات اللواتي يعدمْن على أيدي أقرب الناس إليهن بظلمٍ وإجحاف.
هناك بعض القصص التي كتبت بشكلٍ انطباعي ظاهر، مثل حكاية «صاحب الصورة» الذي يمثّل لها رمزا سياسيّا أو دينيّا كبيرا، أو قصة «صدى الماضي» الذي قد يكون تجربة شخصية للكاتبة أو لامرأةٍ تأثرت بحكايتها، وتبقى في دائرة اللغز الشائك، الذي يطرحُ علامات استفهام، ما هي الحلول للمطبّات الدامية السائدة في مجتمعنا الشرقي التي تزلّ فيها أقدام المرأة، وهل من منافذ للحريّة المفقودة التي أغلقت دونها قلوب الرجال؟ يحتوي الكتاب أيضا على قصص قصيرة جدا، وهو فنٌّ صعبٌ وخطير، لم تستطع الكاتبة التطرّق إلى حواشيه بشكلٍ مكثّف ومختصر في آنٍ، ولكنّها صوّبت فكرها فيه على نحوٍ يكفي لأن يدرك القارئ مغزى النهاية.
درية فرحات، نسجت في قالبٍ درامي مؤثّر، يحتوي على خواطر ذاتية، وتشنّجات وآلام كثيرة، وغصّات في حلق المجتمع تجاه المرأة، قصصا متنوّعة، تتصارعُ مع نفسها في تسريبٍ قاحلٍ لشوائب المجتمع العربي وتقمّصه دور السجّان في حياة المرأة، إذ يهوّل عليها بالمفهوم المعظّم للرجل، وكأنّ الأخير يقتات بالعذاب الصارخ في حقّها، ولكنها أخفقت في إيجاد الحلول، حتى تغدو المشانق الاجتماعية أراجيح شيّقة في حياة النساء، أو نعثر على المفاتيح المفقودة لمجتمعٍ لم يتغيّر منذ عصر الجاهلية.
٭ نسرين بلوط كاتبة لبنانية
المصدر: موقع القدس العربي الإلكتروني