حياة وأعمال وإبداعات الفيلسوف المتألّه شهاب الدين السهروردي
بقلم: أنور محمد
يتناول كتاب « فلسفة الوجود عند السهروردي/ دراسة »، لمؤلفه محمد حسين بزي ، والصادر عن دار الأمير - بيروت 2009 م، قصة حياة وأعمال وإبداعات المفكر والعالم شهاب الدين السهروردي.
حيث يتطرق الكاتب بزي إلى الحديث بالتفصيل عن محطات حياته وماهية إبداعاته، فيعرفنا بداية على انه ولد في عام 545 هجري - 1150 ميلادي، في قرية سهرورد، وهي بلدة كردية في شمال غرب بلاد فارس، قرب همدان في منطقة ميديا القديمة. وأن اسمه الحقيقي هو ( يحيى بن حبش بن أميرك ) وكنيته أبو الفتوح، ولقبه شهاب الدين، ولقِّب بالمقتول وبالشهيد الحكيم.وكان السهروردي أمضى سني حياته الأولى في بلدته سهرورد، وفيها تلقَّى ثقافته وعلومه الأولية. ثمَّ قام برحلات علمية عديدة، إذ كان يُكثر الترحال، وكان كلَّما حلَّ ببلد يبحث عن العلماء والحكماء فيه، فيأخذ عنهم، ويصاحب الصوفية.
ثمَّ رحل إلى سوريا فزار دمشق، واستقرَّ به المقام أخيراً في مدينة حلب عام 579 هجري. إذ ظهرَ فيها كشيخ للفلسفة والتصوف على نحو غير مألوف، وسرعان ما ذاع علمه، وخلبت تعاليمه وآراؤه أفئدة وعقول الناس، فانتشرت بينهم انتشاراً مقلقاً لا مثيل له. تلك الآراء التي أشار إليها « بروكلمان » في تاريخه بأنها آراء غنوصية، قائمة على أساس الأفلاطونية الجديدة والفيثاغورثية الجديدة، التي تقول بأنَّ ثمة نوراً روحياً يتخلَّل الكون كإشراق لدنيِّ، وهو جوهر الأشياء جميعاً. وبمعنى آخر ووفق اعتقاد السهروردي: « إنَّ النور هو مبدأ الوجود الوحيد وأصل كل الأشياء، وأن الله هو نور الأنوار ».
ويبين بزي أنه امتاز السهروردي بالجمع بين الجانب الفلسفي والجانب الصوفي، وذُكرت عن السهروردي مجموعة من الكرامات تتصل بالتصرف بالطبيعة والسحر، وقد كان ذا مظهر زهدي واضح، يهمل ثيابه وجسمه وقوته والمال، ويبرر ذلك بأن له هدفاً أسمى من هذه المطالب المادية. وفي حلب كتب أهم أعماله: حكمة الإشراق، كتاب اللممات، كتاب المقاومات، كتاب المطارحات.. وغيرها.
وكان له جرأة مفرطة في التعبير عن أفكاره الصادمة للوعي العام السائد.لقد كان شيخ الإشراق ( السهروردي ) يتصف بمجموعة من الصفات الشخصية هي: جرأة الشباب، ثقة في النفس، اعتداد بالذات، شجاعة في الحق وإقدام فكري. وكان من الطبيعي أن يقع التصادم بين السهروردي الفيلسوف الصوفي الإشراقي، وبين فقهاء الأشاعرة الذين كانوا يعادون الحرية الفكرية، وتوجسوا شراً من عودة الفكر المعتزلي الذي يقدم العقل على النقل.
ويرى بزي أيضاً أنَّ ( النور ) يمثل حجر الزاوية في فلسفة السهروردي، وعلى أساس النور قامت فلسفته، سواء في الوجود أو في المعرفة أو في القيم، والنور هو المبدأ وهو الصراط وهو المنتهى.
بل هو مبدأ وجودي عند السهروردي والمبتدأ الأوحد. والنور الذي يتحدث عنه السهروردي هو نور أصل. إشراق نور الوجود في ظلمة العدم، فهو حضور من غيابها في المغرب، والمغرب في الصوفية الإشراقية هو عالم الظلام، والنور الموصوف بأنه هو الوجود، هو الخلق وهو هداية التائهين في قعر الهلاك، ويقتضي العبادة والذكر.وعلى أساس النور أيضاً قامت فلسفة السهروردي في الأخلاق، فانطلاقاً من إيمانه بكون النفس الإنسانية حبيسة الجسد، يقيم شيخ الإشراق فلسفته الأخلاقية على جهاد النفس، سلوكاً وعملاً، لتخليصها من اللذات الحسية وأدران الجسد، كمنطلق جوهري لنظريته الإشراقية في الشهود. يقول السهروردي:
«ظنَّ العامة أن لا لذة غير الحسِّية، ولم يعلموا أن لذة الملائكة بجوار الله تعالى وشهود جلاله، أعظم مما للبهائم ومطالبها». ويقول أيضا:» وعديم الذوق قد لا يشتاق إلى اللذة وإن صحَّ عنده وجودها، كالعنِّين الغافل عن لذة الجماع».
وبين أسمى الأنوار والظلمة المطلقة يضع السهروردي سلسلة من مراتب الكائنات، أو درجات النور، الذي يشتد أو يضعف كلما اقترب من كل من الطرفين.
وفي رسم درجات هذا السلم تلعب النظرية الزارادشتية الخاصة بالملائكة دوراً هاماً، فنقطة انطلاقه المباشر هي قوانين العالم كما يحددها ابن سينا، أخذاً عن أرسطو. ومن الملاحظ وجود علاقة واضحة بين نظرية الوجود ونظرية المعرفة عند السهروردي، فدرجات المعرفة تتطابق مع المستوى الوجودي للكائنات، والسهروردي يقبل أساساً أربع قوى للمعرفة، هي:
الخاصة « بالإدراك بحسن البصر »، الخاص بإدراك الأشكال الخارجية(المسافة، اللون، إلخ..)، ثم «الخيال» وهو الذي يدرك الصور المستقلة للأشكال الخارجية، ثم «الوهم» ووظيفته هي إدراك معاني الأشياء المحسوسة، وهو أكثر نفاذاً من القوتين السابقتين، لكنه لا يقوم بدوره مستقلاً عن المادة. وأخيراً «العقل» ومقرُّه طبقاً للتقاليد الصوفية هو القلب، ووظيفته هي وصل الإنسان بالعالم الذهني. ومهمة هذا العقل هي تعلم الحقائق الذهنية وعالم الملائكة وروح الأنبياء والعلماء.
الكتاب: فلسفة الوجود عند السهروردي دراسة
تأليف: محمد حسين بزي
الناشر: دار الأمير
بيروت 2009
الصفحات:232 صفحة
القطع: الكبير
المصدر: موقع جريدة البيان - دبي - الإمارات العربية المتحدة
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |