رسائل إخوان الصفاء هويَّتها ومحتواها
بما أنها كانت متخفِّية برداء السرِّية منذ بداية ظهورها، بقيت الرسائل توفر نقاط جدال عديدة ومصدر خلاف بين كلٍّ من علماء الإسلام والغرب على حدٍّ سواء. [1] كما بقيت مسألة هوية المؤلِّفين (أو ربما المؤلِّف الواحد)، ومكان وزمان تدوين أعمالهم ونشرها، وطبيعة هذه الأخوية السرية ومظهرها الخارجي المتمثل بالـرسائل، وغيرها من المسائل الثانوية، من دون أجوبة تاريخية محددة.
وتذكر مصادر إسلامية عديدة أسماء جماعة من علماء البصرة على أنهم مؤلِّفو الرسائل. فابن القفطي يذكر في كتابه أخبار الحكماء،[2] نقلاً عن أبي حيان التوحيدي، أن مؤلِّفي الرسائل هم أبو سليمان محمد بن معشر البسطي، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني، وأبو أحمد المهرجاني، وعوفي البصري، وزيد بن الرفاعي. وقد أوْرَدَ الشهرزوري، من ناحية أخرى، قائمة من المؤلِّفين، مختلفة نوعًا ما،[3] ذكرها في كتابه نزهة الأرواح، وتضم كلاً من أبي سليمان محمد بن مسعود البسطي المعروف بالمقدسي، وأبي الحسن علي بن هارون الصابي، وأبي أحمد النهرجوري، وعوفي البصري، وزيد بن الرفاعي. ويزعم أبو حيان التوحيدي نفسه أن الوزير أبو عبد الله السعدان، الذي قُتِلَ سنة 375/985، استخدم جماعة من العلماء تضم كلاً من ابن زرعة (331/942-398/1003)، ومسكويه الرازي (ت. 421/1029)، وأبي الوفاء البوزجاني، وأبي القاسم الأهوازي، وأبي سعيد بهرام، وابن شاهويه، وابن بكر، وابن حجاج الشاعر، وشوخ الشيعي (ت. 391/1000)، وابن عبيد الكاتب، وأن أقوال هؤلاء جُمِعَتْ وصُنِّفَتْ لتشكِّل الرسائل. [4] وذكر أبو حيان، نقلاً عن أحد المؤلِّفين المزعومين – زيد بن الرفاعي – قوله إنه “لا تربطه أيُّ علاقة محددة مع أية طريقة. وهو يعرف كيف يكوِّن مذهبه من جميع الأطراف […]. فإذا ما استطاع أحد الجمع بين الفلسفة اليونانية وبين شريعة الإسلام فإنه يصل، بنظر الأخوان، إلى كمال الإيمان. وبهذا الشكل كتبوا خمسين كراسًا في جميع فروع الفلسفة” [5] .
ولم يقتصر اختلاف وجهات النظر على مؤلِّفي الرسائل فقط، بل شمل أيضًا أمر انتمائهم المذهبي داخل الجماعة الإسلامية. [6] فقد وجدت المناقشات الحديثة صدًى لها بين باحثي العصر الوسيط المسلمين أنفسهم. [7] فابن القفطي يبدي وجهة نظره حول الموضوع، ويرى أن أخوان الصفا هم من أتباع المدرسة المعتزلية ذات المنهج العقلاني. [8]
لكن إذا ما أخذنا الاحترام الكبير الذي يكنُّه الإسماعيليون للـرسائل [9] واستخدامهم الواسع لها، وخاصة في اليمن، وحقيقة أن هذا “العمل يتقبَّله الإسماعيليون كجزء من مذهبهم، ولا يزال يُعتبَر باطنيًّا” [10] ، بعين الاعتبار، فلن نُدهَش حين نجد معظم العلماء المحدثين – من المسلمين وغير المسلمين – يزعمون إسماعيليةَ مؤلِّفي هذا العمل. فقد أوْرَدَ عارف تامر، على سبيل المثال، رواية مفصَّلة ومقنعة حول الطبيعة الرسائل الإسماعيلية، مُطلِقًا على محتوياتها تسمية “الفلسفة الإسماعيلية”. [11]
ويعتمد عادل العوا منهجًا مختلفًا نوعًا ما، مبنيًّا على الدراسة التحليلية للـرسائل. فبدلاً من ربط أخوان الصفاء بأية جماعة معينة، نراه يطلق عليهم اسمًا غامضًا هو “ما بعد المعتزلة” [12] – أوهو يوافق في هذا الرأي – ولو موافقة غامضة – بعض تلامذة أخوان الصفاء الغربيين المبكرين.
تجلَّى اهتمام علماء الغرب الجدي بالترجمة التي قام بها ديتريتشي Dietrici والتي شملت معظم الرسائل، لكن بطريقة حرة نوعًا ما وغير منتظمة، خلال فترة تربو على الثلاثين عامًا في القرن التاسع عشر. [13] وقد أدرك في كتاباته المبكرة دور أخوان الصفاء الهام في جمع معظم المعارف الإسلامية جمعًا موسوعيًّا، وفي توحيد مختلف العلوم في وجهة نظر عالمية موحَّدة. [14] وتُعتبَر مقالة فلوغل Flügel حول أخوان الصفاء [15] من الدراسات الألمانية المبكرة التي لعبت دورًا مؤثرًا في العقود التالية، حيث أكد فيها طبيعة الرسائل العقلانية والمعتزلية. لكن إذا ما أخذنا باهتمامات المعتزلة وميولها العقلانية، من جهة، وبآراء أخوان الصفاء حول علوم الكونيات وما وراء الطبيعة، من جهة أخرى، فإن رأي فلوغل يصبح من أصعب الأمور قابلية للفهم. ومع ذلك، فقد أيَّد هذا الرأي علماء من القرن العشرين، مثل براون [16] Browne ونيكلسون [17] Nicholson، بينما رأى ميغيل آثن بلاثيوس [18] M.A. Palacios أن الرسائل هي عبارة عن مزيج بين وحي وإلهام كلٍّ من الشيعة والمعتزلة. وبطريقة مشابهة، يزعم باينز Pines، في أثناء الإشارة إلى دور النبي، أن “رسائل أخوان الصفاء هي، في هذه الحالة، كما في حالات أخرى عديدة، محاولة لردم الفجوة بين تيارين من التفكير: فهي، من جهة، مُشرَّبة بالعقائد الشيعية، وخاصة الإسماعيلية، ومن جهة أخرى، تتبع عن كثب، أو تنتحل بالأحرى، نظرية الفارابي السياسية” [19] .
يُعتبَر قيام الحركة الإسماعيلية الأولى، إضافة إلى الحركة الفاطمية والعلاقات بين الإسماعيلية والباطنية والقرامطة، من المسائل الأكثر غموضًا وتعقيدًا في التاريخ الإسلامي. لكن من المناسب لهدفنا هنا، إن لم يكن صحيحًا تمامًا، توحيد الحركات والأحزاب السابقة تحت تسمية واحدة ندعوها بها، وهي الإسماعيلية. [20] بهذا التعميم، يمكننا الجزم باطمئنان بأن الأكثرية العظمى من علماء الغرب ترى أن لأخوان الصفاء ورسائلهم علاقة بالحركة الإسماعيلية. وقد دافع كازانوفا [21] Casanova عن هذا الموقف منذ العام 1915؛ تلاه في ذلك كلُّ من غولدتسيهر [22] Goldziher وماكدونالد [23] MacDonald ولين بول [24] Lane-Poole وماسينيون [25] Massignon وإيفانوف [26] Ivanov؛ وهؤلاء هم من أشهر الباحثين المعروفين في هذا الميدان.
وهناك عدد ضئيل من العلماء الغربيين – مثل شتيرن Stern وسارطون Sarton – ممَّن أخذوا برأي الكتاب المسلمين الأوائل فيما يتعلق بنسبة مؤلِّفي الرسائل، فنسبوا العمل إلى جماعة من العلماء، ربما كانوا من البصرة. وقد عاد شتيرن إلى هذا الرأي بعد أن تخلَّى عنه لفترة، وذلك بعد نشر كتاب الإمتاع لأبي حيان التوحيدي الذي ذكر فيه أسماء جماعة العلماء. [27] وفي دراسته المستفيضة حول العلاقة بين الصابئة والإسماعيلية المنشورة حديثًا، عرَّف كوربان Corbin أخوان الصفاء بأنهم جماعة أو جمعية من رجال العلم الذين كانوا، في الوقت نفسه، صوت الحركة الإسماعيلية. [28]
ومن الأفضل، قبل إصدار حكم حول مسألة نسبة مؤلِّفي الرسائل المعقدة، العودة إلى الرسائل ذاتها طلبًا للمساعدة. إذ بما أن الجميع متفقون على أن الرسائل قد كتبها أخوان الصفاء، فكل ما يخبرنا به الأخوان عن أنفسهم وأهدافهم وتشكيل أخوانيتهم هو، في الوقت نفسه، معلومات تخص مؤلِّفي الرسائل. وقد كتب أخوان الصفاء في إحدى رسائلهم يقولون: [29]
وينبغي أن تعلم أن العلَّة التي تجمع بين أخوان الصفاء، وهي أن يرى ويعلم كلُّ واحد منهم أنه لا يتم له من صلاح معيشة الدنيا ونيل الفوز والنجاة في الآخرة إلا بمعاونة كلِّ واحد منهم لصاحبه.
يبدو، إذًا، أن هدفهم لم يكن جمع الحقائق، ولا رغبتهم في أن يكونوا تلفيقيين أو إبداعيين؛ ولذلك كثيرًا ما أطلق أولئك الذين كانوا متشوِّقين إلى إيجاد الإبداع في عملهم، فوق أيِّ شيء آخر، صفة التلفيقية وعدم الإبداع على أعمال أخوان الصفاء. [30]
إن هدف أخوان الصفاء، وفقًا لتعريفهم الخاص بهم، هو هدف “تربوي”، بكلِّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى؛ أي الوصول بملَكات الإنسان الكامنة إلى مرحلة التفتح والكمال، كي يتمكن من النجاة ونيل الحرية الروحية. ونجد، من ناحية عملية، أن كلَّ فصل من فصول دراستهم الطويلة يُذكِّر القارئ بأنه سجين في هذا العالم، وأن عليه تحرير نفسه عن طريق المعرفة. إن جميع العلوم التي تناولوها – الفلك والأوعية الدموية وعلم الأجنَّة – قد تمَّتْ مناقشتُها ليس لغرض نظري بحت أو مماحكة فكرية، ولا حتى من أجل تطبيقاتها العملية، بل من أجل حلِّ العُقد الموجودة في نفس القارئ عن طريق جعله واعيًا لعظمة انسجام العالم وجماله، من جهة، وضرورة أن يذهب الإنسان إلى ما بعد الوجود المادي، من جهة أخرى. لهذا فقد جمع أخوان الصفاء في تربيتهم المثالية فضائل أمم عديدة من أجل الوصول إلى تلك الغاية.
وكان أخوان الصفاء قد عرَّفوا الإنسان المثالي، الكامل خُلقيًّا، على أنه شرقي فارسي النشأة، ذو تربية عراقية – أي بابلية، تلميذ المسيح في سلوكه، عربيًّا في إيمانه، عبريًّا في دهائه، تقيًّا كراهب سرياني، يونانيًّا في العلوم الفردية، هنديًّا في تفسيره للألغاز، وأخيرًا – وبشكل خاص – صوفيًّا في مجمل حياته الروحية. [31]
وإذا أخذنا هدف الرسائل، عوضًا عن مصادرها، بعين الاعتبار، فإننا سنجد صعوبة في شرحها ووصفها بالتلفيقية، لأن ما يبدو، تاريخيًّا، على أنه مأخوذ من مصادر متنوعة، قد تمَّ جمعه وتوحيده في وجهة نظر نهائية ووحيدة. وبما أن تلك النهاية تنسجم مع الحديث النبوي “الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر” انسجامًا كاملاً تقريبًا، فإننا نجد صعوبة أكبر في وصمها بأنها “غير إسلامية” بأيِّ شكل كان، وذلك إذا ما قبلنا تعريف كلمة “إسلامي” الوارد في التمهيد.
ولم يقرن أخوان الصفاء أنفسهم روحيًّا بالتصوف فقط – وهو الذي يهدف في النهاية إلى إيقاظ المريد من “غفلة النسيان” من خلال تربية ورياضة روحانيتين – بل إن حديثهم عن جمعيتهم يطابق – من ناحية ظاهرية واجتماعية – الطرق الصوفية. وقد قسموا أنفسهم إلى مراتب أربعة هي:
1. مَن يملكون صفاء جوهر نفوسهم وجودة القبول وسرعة التصور. ولا يقل عمر العضو فيها عن خمسة عشر عامًا؛ ويُسمَّوْن بالأبرار والرحماء، وينتمون إلى طبقة أرباب الصنائع.
2. مَن يملكون الشفقة والرحمة على الأخوان. وأعضاؤها من عمر ثلاثين فما فوق؛ ويُسمَّوْن بالأخيار الفضلاء، وطبقتهم ذوو السياسات.
3. مَن يملكون القدرة على دفع العناد والخلاف بالرفق واللطف المؤدِّي إلى إصلاحه. ويمثل هؤلاء القوة الناموسية الواردة بعد بلوغ الإنسان الأربعين من العمر، ويُسمَّوْن بالفضلاء الكرام، وهم الملوك والسلاطين.
4. المرتبة الأعلى هي التسليم وقبول التأييد ومشاهدة الحق عيانًا. وهي قوة الملكية الواردة بعد بلوغ الخمسين من العمر، [32] وهي الممهِّدة للصعود إلى ملكوت السماء؛ وإليها ينتمي الأنبياء، مثل إبراهيم ويوسف وعيسى ومحمد، والحكماء مثل سقراط وفيثاغورس. [33]
يرى المرء في هذا التصنيف التقسيم المعروف بين الحرفيين والملكيين والمريدين الكهنوتيين الذي ساد في أوروبا في العصور الوسطى. كما تتضح فيه وحدة الهدف النهائي من خلال تراتُب مختلف الدرجات. والشيء الذي دفع بعض الناس إلى اتهام أخوان الصفاء بالتلفيقية لم يكن على كلِّ حال هو هذا الشكل من التوحيد، بل ذكرُهم للحكماء القدماء إلى جانب الأنبياء.
وقد سبق لنا في غير مكان توضيح صحة الإجراء الذي يقبل بـضمِّ كلِّ مَن يقول بوحدة المبدأ الإلهي إلى الإسلام. ونجد عند المسلمين في الواقع – وخاصة لدى الصوفية منهم – أن الفكرة القائلة بأن الله أنزل الحقيقة في بعض صورها على جميع الناس هي نتيجة واضحة للتنزيل القرآني نفسه. وبالمثل، كما يقول الطيباوي، “يعتقد أخوان الصفاء أن الحق واحد، دون أن يكون عملاً فرديًّا لأحد بعينه. وقد أرسل روحه إلى جميع الناس: إلى النصارى كما إلى المسلمين، وإلى السود كما إلى البيض” [34] .
ويرى مؤلِّفو الرسائل أن الفردية هي مصدر الحيرة والخطأ. ورؤية أسماء حكماء قدماء – إغريق أو غيرهم – في كتابات أخوان الصفاء لا تقوِّض غايتهم في التربية عن طريق الضمِّ باتجاه الهدف النهائي الذي هو تحرير تلامذتهم من السجن الأرضي، ولا تجعلهم، من جهة أخرى، تلفيقيين بأيِّ مفهوم كان، ما عدا المفهوم التاريخي.
وفي أحد الفصول البارزة والمثيرة يقرن أخوان الصفاء أنفسهم بالدين الأساس – أو الشامل – والفلسفة الخالدة Philosophia Perennis التي سعوا إلى نشرها في أقصى مراحل تفتحها، وذلك فقط بعد أن قام آخر الأنبياء بإبلاغ رسالته إلى العالم: [35]
اعلم، أيها الأخ البار الرحيم، أننا نحن جماعة أخوان الصفاء، أصفياء وأصدقاء كرام، كنا نيامًا في كهف أبينا آدم مدة من الزمان، تتقلَّب بنا تصاريف الزمان ونوائب الحدثان، حتى جاء وقت الميعاد بعد تفرُّق في البلاد في مملكة الناموس الأكبر، وشاهدنا مدينتنا الروحانية المرتفعة في الهواء […].
يسعى أخوان الصفاء، طبقًا لمفهومهم الخاص إذًا، إلى نشر الحكمة الخالدة، أو ما أطلق عليه السهروردي فيما بعد اسم “الحكمة اللدُنِّية”، التي امتلكها الإنسان بصورة ما على الدوام، ولكنها تنتشر الآن إلى أقصى مدى على يدي الأخوان، بعد أن بقيت مستترة في “الكهف” طوال الأدوار السابقة لتاريخ الإنسانية. وإذا ما ادَّعى أخوان الصفاء أنهم يستمدون عقائدهم، بعد ظهورهم الزمني، من مصادر قديمة، فإنهم لم يفعلوا ذلك بقصد تجميع “متحف”، بل لبناء قلعة موحِّدة، ولهداية تلامذتهم إلى حقيقة وحيدة يرون أنها أساس جميع المصادر المتنوعة التي استقوا منها علومهم وإلهامهم. كما رأوا أن البركة النهائية تأتي، في جميع الأحوال، من الإسلام الذي هو التنزيل الأخير للحقيقة في الدور الحالي للإنسانية.
1. أخوان الصفاء والفلسفة
بينما رأى بعض العلماء أن غاية أخوان الصفاء تمثَّلت في قلب الحالة السياسية السائدة عن طريق إحلال نظام فلسفي قادر على أن يكون أساسًا للحياة، [36] اعتقد معظم مَن درسوا عقائدهم أن هدفهم هو الجمع بين الدين والفلسفة. [37] وفي الواقع، كثيرًا ما تكلَّم الأخوان أنفسهم عن فضائل الفلسفة كطريقة في البحث عن الحقيقة، وعن الجمع بينها وبين ناموس الأنبياء الإلهي. [38] لكن هدفهم لم يكن، على كلِّ حال، مشابهًا لهدف ابن رشد أو توما الأكويني؛ إذ إنهم أعطوا كلمة “فلسفة” دلالة تختلف كثيرًا عن المعنى العقلاني القياسي الذي أضفاها عليها الأرسطيون. فهم، في المقابل، يقرنون الفلسفة بـ”الحكمة” [39] – مخالفين بذلك غالبية جمهور الكتَّاب المسلمين ممَّن استخدموا الفلسفة كمرادف يقترب في معناه من الحكمة الإنسانية المحضة – التي تجد مصدرها النهائي في التنزيل الذي نزل على الأنبياء القدماء. فالفلسفة، بنظر أخوان الصفاء، هي “تشبُّه الإنسان على قدر الطاقة مع الله”؛ إنها “السبيل الذي يقرِّب النخبة، أو الملائكة على الأرض، مرة أخرى من الباري سبحانه وتعالى” [40]؛ واستخدامها هو من أجل [41]
الحصول على الفضيلة الخاصة بالجنس البشري، تلك التي تنقل إلى الفعل جميع العلوم التي يمتلكها الإنسان بالقوة […]. وبالفلسفة التي هي الحكمة يحقق الإنسان جميع الخصائص الفاضلة لجنسه الإنساني، ويكتسب بذلك صورة شريفة ملكية يرتقي بها إلى درجات الجنان، ويدخل في زمرة الملائكة، حتى إذا ما عبر الصراط المستقيم والمسلك الصحيح صار ملكًا […].
يتبين المرء بسهولة إذًا أن هناك صلة بين مفهوم الفلسفة هذا وبين الغاية من تطهير النفس الإنسانية عند فيثاغورس وسقراط، التي هي أعمق مما هو مع المنطق المشائي. [42]
وأدرك أخوان الصفاء أيضًا خصائص نمط الفلسفة الذي يختلف عن “الحكمة”، وتعاملوا معه بطريقة مشابهة لتلك التي تعامل بها الفقهاء المسلمون. ففي النقاش الذي دار بين الإنسان والحيوانات في نهاية الفصل الخاص بعلم الحيوان، خوطِب الإنسان على لسان الببغاء: [43]
وأما متفلسفوكم والمنطقيون والجدليون فإنهم عليكم لا لكم […]، لأنهم هم الذين يضلونكم عن المنهاج المستقيم وطريق الدين وأحكام الشرائع بكثرة اختلافاتهم وفنون آرائهم ومذاهبهم ومقالاتهم، وذلك أن منهم من يقول بقِدَمِ العالم، ومنهم من يقول بقِدَمِ الهيولى، ومنهم من يقول بقِدَمِ الصورة […].
إن السمة البارزة بروزًا خاصًّا فيما يتعلق بمعالجة أخوان الصفاء لعلاقة الفلسفة بالإسلام هي ربطهم للإيمان، أو الجانب الباطني للإسلام، بـ”الخدمة الإلهية للفلاسفة” [44]. ويشبه هذا التفريق التمييز الذي جعلته الصوفية بين كلٍّ من “الإسلام” و”الإيمان” و”الإحسان” كمراتب ثلاثة للدين: المرتبتان الأخيرتان عندهم ليستا إيمانًا بسيطًا وحسب، بل حكمة ومعرفة أيضًا. [45] ومع ذلك، فهناك اختلاف [بين المذهبين] هو كالتالي: بينما تستمد الصوفية طقوسها المتعلقة بالإيمان والإحسان من شريعة النبي، تبدو الطقوس الموسومة من قبل إخوان الصفاء مرتبطة بدين ورثة النبي إدريس، أي الحرَّانيين، الورثة الرئيسيين لما كان يُسمَّى في الشرق الأوسط بـ”الفيثاغورية الشرقية”، وحماة الهرمسية ودعاتها في العالم الإسلامي. وكانت طقوس أخوان الصفاء الفلسفية تقام ثلاث أمسيات في الشهر، في بدايته ووسطه، وأحيانًا ما بين الـ25 ونهاية الشهر. كان طقس الليلة الأولى يتضمن خطبة شخصية؛ والليلة الثانية قراءة نصٍّ كوني تحت قبة السماء المليئة بالنجوم، على أن يكون القارئ متوجهًا نحو نجم القطب؛ وفي الليلة الثانية ترنيمة فلسفية (تتضمن موضوعًا من موضوعات ما بعد الطبيعة أو ما بعد الكون)، وهي إما “صلاة أفلاطون” أو “ابتهال إدريس” أو “ترنيمة أرسطو السرية”. يضاف إلى ذلك وجود أعياد فلسفية ثلاثة كبرى في كلِّ عام عند دخول الشمس كلٍّ من برج الحمل وبرج السرطان وبرج الميزان. وقد ربط أخوان الصفاء بينها وبين الأعياد الإسلامية الثلاثة: الفطر في نهاية رمضان، والأضحى في العاشر من ذي الحجة، والغدير في الثامن عشر من الشهر ذاته: وهو اليوم الذي نصَّب فيه النبي محمد عليًّا بن أبي طالب خليفة له في غدير خم؛ ويُعتبَر أحد أيام احتفاءات الشيعة الكبرى، حيث جعلوه رمزًا لاحتفاء الاعتدال الخريفي. أما في فصل الشتاء فقد كان هناك يوم طويل من الصيام يقابل الوقت الذي كان فيه “النيام السبعة نائمين في الكهف” [46] .
ويؤدي الربط بين الفلسفة والطقوس الدينية والحكمة إلى وضع الأخوان في خطٍّ هو أقرب ما يكون إلى ورثة الهرمسية وما سُمِّي بـ”الفيثاغورية المحدثة” التي دخلت في وقت مبكر من تاريخ الشيعة الإسلامية. ومهما تكن مثل هذه العلاقة جزئية، أو تبدو غير محددة تاريخيًّا تحديدًا دقيقًا، فإنها أكثر قبولاً، من حيث طبيعة المعتقدات، من النظرية التي تبناها أخوان الصفاء والتي هي مجرد فلسفة “نظرية” و”أكاديمية” أضيفت إلى الشريعة من غير أن يكونوا قادرين على الاستمرار ملتزمين بإحداهما.
2. هوية أخوان الصفاء وأهميتهم
بعد هذا البحث المطوَّل في هوية أخوان الصفاء وأهميتهم، نجد أنفسنا في مواجهة عدد كبير من الآراء المتناقضة للمهتمِّين بالموضوع. ومع ذلك، يمكن التأكد باطمئنان إلى أنه إذا ما رجَّحنا الجانب الكوني والرمزي على الجانب العقلاني عند أخوان الصفاء، لوجب علينا استبعادُهم من مدرسة المعتزلة ومن المشَّائين من أتباع أرسطو. وللأسباب ذاتها، ولأسباب أخرى سوف تناقَش فيما بعد لعلاقتها بمصدر الرسائل، يمكن ربط الأخوان بالعقائد الفيثاغورية–الهرمسية التي اشتهر معظمها في الإسلام باسم مجموعة جابر بن حيان. يضاف إلى ذلك أنه إذا أخذنا استعمال الإسماعيلية الواسع للـرسائل في القرون التالية، ووجود بعض الأفكار الرئيسية، كالتأويل، عند الطرفين بعين الاعتبار، ربما أمكننا ربط الأخوان، ولو ربطًا هشًّا، بالإسماعيلية، وخاصة بما كان يُسمَّى “بالمعرفة الإسماعيلية”. وربما كان من الأهمية بمكان اعتبارهم – خاصة فيما يتعلق بمعتقداتهم الكونية – جماعة شيعية ذات ميول صوفية، قُدِّرَ لشروحهم للعلوم الكونية أن تؤثر في مجمل الأمة الإسلامية في القرون التالية. كما لعب مفهومُهم عن الطبيعة دورًا مؤثرًا لدى الشيعة الإثني عشرية يماثل الدور الذي لعبه عند الإسماعيلية. وتجدر الإشارة أيضًا إلى وجه الشبه الكبير بين مضمون معظم الرسائل وبين التصوف، وخاصة فيما يتعلق بعلم الكونيات، التي منها استقى كلٌّ من الغزالي وابن عربي الكثير من صياغاتهما.
وسرعان ما اكتسبت الرسائل شهرة واسعة وأهمية واضحة عند الشيعة، التي رأت فيها محاولة للتأليف العقلي [47] في القرن الرابع الهجري. [48] وتبدو الرسائل، من خلال ما تحتويه في الواقع، موسوعة موجزة للفلسفة العربية في القرن العاشر. وتكمن قيمتها في كمالها، وفي تنظيمها لنتائج الدراسات العربية. [49]
وقد درس الرسائل على نطاق واسع معظمُ علماء العصور التالية، بمن فيهم الغزالي وابن سينا [50]؛ واستمرت دراستها حتى زمننا الحالي، كما تُرجِمَتْ إلى الفارسية والتركية والهندوستانية. ويتبيَّن، من خلال ما وجدناه من مخطوطات في مختلف مكتبات العالم الإسلامي، أنها كانت من أكثر الكتابات العلمية الإسلامية شعبية. [51] لكن العمل لم يكن “شعبيًّا”، بمعنى أنه كان متوفرًا لكلِّ إنسان – كما قيل في أكثر من مناسبة – بل لأنه احتوى العديد من الأفكار الكونية والميتافيزيقية العميقة المكتوبة، في الغالب، بلغة سهلة وأسلوب رمزي جعلها تبدو، إلى حدٍّ ما، من وجهة نظر من اعتاد المناقشات المعقدة والمطوَّلة، “شعبية” و”ساذجة”. يضاف إلى ذلك أن أخوان الصفاء قدموا في رسالة الجامعة وجامعة الجامعة النادرة[52] معتقداتهم بأسلوب أوجز وأكثر استتارًا وباطنية، على الرغم من أنهم لم يخرجوا في العادة عن الموضوع العام للـرسائل.
وإذا ما أُخِذَتْ كتابات أخوان الصفاء على وجه الإجمال، فإنها تعطينا مفهومًا عن الكون الذي في ظلِّه عاش جزء كبير من العالم الإسلامي فترة تتجاوز الألف العام. ومع أنها لم تحتوِ على علوم محي الدين بن عربي أو محي الدين البوني الباطنية احتواءً صريحًا، إلا أنها تشرح، بلغة سهلة وجميلة في معظم الأحيان، الخطوط الرئيسية لمفهوم الطبيعة الذي نجده في الكثير من كتابات المسلمين في مختلف العصور.
3. مصادر الرسائل
إن افتقار حياة وعقائد ما يسميه بروكلوس Proclus بالسلسلة الذهبية للفلاسفة الفيثاغوريين، [53] وما يُسمَّى في العالم الإسلامي بالمجموعة الجابرية، إلى الشواهد التاريخية، يجعل أمر تتبُّع مصادر الرسائل تستمد من المصادر الفيثاغورية والجابرية الكثير من المعارف الكونية. ويزعم أخوان الصفاء، المرة تلو المرة، أنهم من أتباع فيثاغورس ونيقوماخوس، [54] وخاصة فيما يتعلق بدراستهم للأعداد واعتبارها مفتاح فهم الطبيعة، وتفسيرهم الرمزي الميتافيزيقي للحساب والهندسة. وهم، إضافة إلى ذلك، يقرنون فيثاغورس بالحرَّانيين الذين تربطهم بالأخوان، كما بينَّا سابقًا، وشائج عديدة. [55]
وفيما يتعلق بعلاقة أخوان الصفاء بجابر بن حيان، فقد أشرنا إلى أن الرسائل هي “موسوعة علمية ذات طبيعة فيثاغورية الميول، مقدمة بأسلوب إسماعيلي–باطني، وتحاكي الكتابات الجابرية” [56]. وكان جابر نفسه قد زعم بأنه لم يمتلك معارف حكماء اليونان، وخاصة معارف فيثاغورس وأبولونيوس التياني (بالينوس) [57] فقط، بل إنه تعلم حكمة اليمنيين القدماء التي قيل أنه أخذها عن حربي الحميري، [58] إضافة إلى اطِّلاعه على علوم الهندوس أيضًا. ومهما تكن أهمية هذه المصادر، فمما لا شكَّ فيه أن المجموعة الجابرية تضم عددًا من العناصر ذات الأصول الفيثاغورية والهرمسية، وبعض الأفكار المنسوبة إلى الفرس والهنود، وحتى الصينيين.
إن العلاقة الوطيدة القائمة بين الرسائل والمجموعة الجابرية [59] تجعل مصادر جابر هي، بشكل طبيعي، مصادر أخوان الصفاء أيضًا.[60] وتؤكد محتويات الرسائل في الواقع المصادر العامة ذاتها؛ إذ يرى المرء فيها الارتباط المتين للأثر الفيثاغوري–الهرمسي بعقائد الحرانيين وممارساتهم، إضافة إلى أثر الفلسفة المشَّائية في بعض الموضوعات أيضًا. [61] إلا أنه لا يمكن اعتبار ذلك الأثر، من وجهة نظر قياسية، الأثر الوحيد؛ إذ يوجد أثر فارسي وآخر هندي، يظهران ظهورًا واضحًا في بعض الأقسام المتعلقة بالجغرافية والبيئة والموسيقى واللسانيات –
على غرار آثار ابن المقفع والجاحظ. كما أن هناك، أخيرًا، أثر القرآن الذي يشمل مجمل منظور أخوان الصفاء، حيث فسَّروا بعض أقسام علم الكونيات القديم باستخدام مصطلحَيْ الكرسي والعرش القرآنيين؛ كما أن لهم إشارات دائمة إلى الوحي الملائكي الإسلامي المبني على القرآن.
لكن من الواجب ألا نعتبر مصادر أخوان الصفاء نصوصًا تاريخية فقط؛ إذ إنهم يخبرون القارئ في إحدى الفقرات المطوَّلة عن شمولية مصادرهم، التي ضمت التنزيل والطبيعة إلى جانب النصوص المخطوطة يقولون: [62]
وقد ذكرنا في الرسالة الثانية أن علومنا مأخوذة من أربعة كتب: إحداها الكتب المصنفة على ألسنة الحكماء والفلاسفة من الرياضيات والطبيعيات؛ والآخر الكتب المُنزَلة التي جاءت بها الأنبياء – صلوات الله عليهم – مثل التوراة والإنجيل والفرقان وغيرها من صحف الأنبياء المأخوذة معانيها بالوحي من الملائكة، وما فيها من الأسرار الخفية؛ والثالث الكتب الطبيعية، وهي صور أشكال الموجودات مما هي عليه الآن من تركيب الأفلاك وأقسام البروج، وحركات الكواكب ومقادير أجرامها، وتصاريف الزمان، واستحالة الأركان، وفنون الكائنات، من المعادن والحيوان والنبات، وأصناف المصنوعات على أيدي البشر […]؛ والنوع الرابع الكتب الإلهية التي لا يمسها إلا المطهرون الملائكة التي هي بأيدي سفرة كرام بررة، وهي جواهر النفوس وأجناسها […].
يوجد إذًا أربعة “كتب” استقى منها أخوان الصفا علومهم، وهي: كتب الرياضيات والعلوم التي كُتِبَتْ قبلهم، والكتب المقدسة، والمُثُل أو “الأفكار” الأفلاطونية لأشكال الطبيعة، وكتب الوحي من الملائكة، أو ما يُسمَّى بـ”الكشف العقلي” في المصطلح المعاصر. وتشابُك هذه المجالات، الذي يعتبر حاليًّا أمرًا منفصلاً ومميزًا، هو، في حدِّ ذاته، مفتاح فهم الرسائل باعتبارها نتيجة أخرى لوجود الحقيقة الواحدة التي هي أساس جميع الأشياء. وإذا ما اعتُبِرَتْ الكتب المقدسة، أو الوحي من الملائكة، هنا مصدرًا للمعرفة الكونية، فإن ذلك بسبب عدم التمييز الواضح بين الطبيعة وبين ما فوق الطبيعة. ويمكن القول بأن هناك جانبًا “طبيعيًّا” في كلِّ أمر ما فوق طبيعي، تمامًا كما أن هناك جانبًا “ما فوق طبيعي” في كلِّ أمر طبيعي. هذا إلى جانب أن استخدام التنزيل والكشف العقلي، إضافة إلى ملاحظة الطبيعة وقراءة المزيد من الكتب القديمة حولها، تنبع كلُّها من الغرض النهائي لأخوان الصفاء، وهو “رؤية” وحدة الطبيعة وتحقيقها. [63] ولتوضيح هذه الوحدة، لجأ الأخوان – باستمرار – إلى تلك القوى والملَكات الموجودة في الإنسان، التي هي نفسها تمتلك قوى الجمع والتوحيد، كي يكون بإمكانها بناء النشاط الخارجي المتعدد لملَكات الملاحظة وضمُّه إلى رؤية “العقل” [64] الأساسية الموحِّدة.
4. تنظيم الرسائل
وعلى الرغم من الصفة التكرارية لبعض أفكار الرسائل، فإن أسلوب تقديم موضوعاتها يتفق مع فلسفة أخوان الصفاء، ويعكس الأهمية التي يعلِّقونها على دراسة الطبيعة بالمقارنة مع اللاهوت، من جهة، ومع الرياضيات والمنطق، من جهة أخرى. إنهم يصنِّفون العلوم ويقسمونها إلى ثلاثة أنواع:
1. العلوم الرياضية
2. العلوم الشرعية والوضعية
3. العلوم الفلسفية الحقانية
وقُسِّمَتْ هذه الأنواع بدورها إلى:
أ. العلوم الأساسية:
1. القراءة والكتابة
2. النحو والمعجمات
3. المحاسبة والمعاملات التجارية
4. العروض والقياس
5. عقائد طالع الخير وطالع الشر
6. عقائد السحر والتنجيم والتمائم والحيل وما شابهها
7. الأعمال والحِرَف
8. التجارة والزراعة وما شاكلها
9. القصص والسير الذاتية
ب. العلوم الدينية:
1. علم التنزيل
2. علم التفسير
3. الحديث
4. القانون والتشريع
5. الزهد والتصوف
6. تفسير الأحلام
ت. العلوم الفلسفية:
1. الرياضيات المكونة من الرباعيات (أو المربعات)
2. المنطق
3. العلوم الطبيعية؛ وهذه تُقسَم إلى سبعة أجزاء هي:
أ. علم المبادئ الجسمانية: ويهتم بالمبادئ التي تحكم الأجسام، ويتكون من معرفة الهيولى والصورة والزمان والمكان والحركة.
ب. علم السماء: ويتكون من علوم النجوم وحركة الكواكب وأسباب صفة استقرار الأرض وغيرها.
ت. علم الكون والفساد: ويتكون من معرفة الأركان الأربعة وتغيرها، والمعادن والنبات والحيوان التي منها تأتي إلى الوجود.
ث. علم الحوادث الجوية: ويتكون من معرفة تغيرات الطقس بتأثير النجوم والرياح والرعد والبرق وغيرها.
ج. علم المعادن
ح. علم النبات
خ. علم الحيوان
د. العلوم الإلهية:
أ. علم الروحانيات
ب. علم النفسانيات
ت. معرفة الله وصفاته
ث. علم السياسة: ويتكون من علم النبوة، والرياسة العامة والخاصة، والإنسان نفسه. [65]
واعتمادًا على هذا التصنيف، نظَّم أخوان الصفاء رسائلهم تنظيمًا يضمن شمولَها لجميع حقول المعرفة، بدءًا من العلوم الرياضية والمنطق، مرورًا بالعلوم الطبيعية والجسمانية، ومنها إلى العلوم النفسانية، وانتهاءً بالعلوم اللاهوتية.
ومن خلال المحافظة على هذا الهدف في أذهانهم، فإنهم قسَّموا الرسائل الاثنتين والخمسين، ما عدا الرسالة الجامعة، التي تأتي في النهاية كتلخيص عام، إلى كتب أربعة، وفق ما يلي:
أولاً: الرسائل الرياضية التعليمية، وتشمل:
1. خواص الأعداد؛ 2. الهندسة؛ 3. النجوم؛ 4. الجغرافية؛ 5. الموسيقى؛ 6. القيمة التعليمية لهذه الموضوعات؛ 7 و8. الصنائع العلمية النظرية والعلمية والمهنية؛ 9. أفعال وأقوال الأنبياء والحكماء وأقوالهم؛ 10-14. المنطق (ويتضمن الإيساغوجي، الأقوال العشر، الباريمانياس، والأنالوطقيا الأولى والثانية).
ثانيًا: العلوم الجسمانية الطبيعية:
1. الهيولى والصورة وماهيتهما وما الزمان والمكان والحركة وغيرها؛ 2. السماء والعالم؛ 3. الكون والفساد؛ 4. الآثار العلوية؛ 5. تكوين المعادن؛ 6. ماهية الطبيعة؛ 7. أجناس النبات؛ 8. أجناس الحيوان وغرائب تكوينها؛ 9. تركيب الجسد؛ 10. الحاس والمحسوس والغرض منهما؛ 11. مسقط النطفة؛ 12. الإنسان عالم صغير؛ 13. كيفية نشر الأنفس الجزئية في الأجساد البشرية؛ 14. بيان طاقة الإنسان في المعارف؛ 15. ماهية الموت والحياة؛ 16. ماهية اللذات والآلام الجسمانية والروحانية؛ 17. علل اختلاف اللغات ورسوم الخطوط.
ثالثًا: العلوم النفسانية العقلية:
1. المبادئ العقلية على رأي الفيثاغوريين
2. المبادئ العقلية على رأي أخوان الصفاء
3. أن العالم إنسان كبير
4. العقل والمعقول
5. الأكوار والأدوار
6. ماهية العشق
7. ماهية البعث والنشور
8. كمية أجناس الحركات
9. العلل والمعلولات
10. الحدود والرسوم
رابعًا: العلوم الناموسية والإلهية:
1. الآراء والمذاهب
2. ماهية الطريق إلى الله عز وجل
3. بيان اعتقاد أخوان الصفاء
4. كيفية عِشرة أخوان الصفاء
5. ماهية الإيمان وخصال المؤمنين
6. ماهية الناموس الإلهي وشرائط النبوة وكمية خصالهم
7. كيفية الدعوة إلى الله عز وجل
8. كيفية أفعال الروحانيين
9. كمية أنواع السياسات
10. كيفية نضد العالم
11. ماهية السحر والطلسمات
ترجمة: سيف الدين القصير
مراجعة: ديمتري أفييرينوس
تنضيد: نبيل سلامة
المراجع والهوامش:
[1] حول اشتقاق اسم “أخوان الصفاء” انظر: أبو نصر السراج الطوسي، كتاب اللمع (لندن، 1914)، ص 26.
[2] ابن القفطي، أخبار الحكماء (القاهرة، 1326)، ص 58-63. وانظر: ظهير الدين البيهقي، تتمة صيوان الحكمة (لاهور، 1351)، ص 21.
[3] من مخطوط تاريخ الحكماء للشهرزوري، نقلها جلال الهمائي، غزالي نامة (طهران، 1936)، ص 35.
[4] التوحيدي، رسالة في الصداقة والصديق (القسطنطينية، 1301)، ص 31-33.
[5] المصدر السابق.
[6] S. Lane-Polle, Studies in a Mosque, 2nd ed. (London, 1893), pp. 193-194
[7] حول مناقشة مختلف هذه الآراء، انظر:
A.L. Tibawi, “Ikhwān as-Safā and their Rasā’il,” Islamic Quarterly, 2: 28-64 (1955)
[8] A. ‘Awa, L’esprit critique des Frères de la Pureté : Encyclopédistes arabes du IVe-Xe siècles (Beyrouth, 1948), p. 48
[9] بعض الإسماعيلية يطلق عليها اسم “القرآن بعد قرآن”. انظر:
A. Tamir, La Réalité des Ikhwān as-Safā wa Hullān al-Wafā’ (Beirut, 1957), p. 17
[10] V.A. Ivanov, The Alleged Founders of Ismailism (Bombay, 1946), p. 146
[11] A. Tamir, La réalité…, p. 8
وهذه الفلسفة هي بالحقيقة الفلسفة الإسماعيلية التي بذر بذورها أخوان الصفاء. انظر أيضًا مقدمة عارف تامر التي عقدها على رسالة جامعة الجامعة (بيروت، 1959)، ص 1-58، حيث يوضح حقيقة أن عدد الرسائل الـ52 هو القيمة العددية لاسم مؤلِّفها عبد الله بن محمد؛ كما يناقش زكي باشا في مقدمته لطبعة القاهرة (1928) من الرسائل الأصل الإسماعيلي لهذه الرسائل. راجع أيضًا:
H.F. al-Hamdani, “Rasā’il Ikhwān as-Safā in the Literature of the Ismaili Taiyibi Da‘wa,” Der Islam (Berlin), 20: 291 ff. (1932); “Ikhwān as-Safā and their Rasā’il,” Islamic Quarterly, 2: 33 (1955); “The Idea of Guidance in Islam,” Islamic Quarterly, 3: 148 (1956)
[12] L’esprit critique…, p. 49
[13] F. Dieterici, Die Philosophie der Araber im X. Jahrhundert, vol. II (Leipzig-Berlin, 1958-1891)
[14] Dieterici, Die philosophie der Araber, Vol. III: Makrokosmos (1876)
[15] G. Flügel, “Über Inhalt un Verfasser der arabischen Encyclopädie,” Zeitschrift der deutschen morgenländischen Gesellschaft, 13: 1-43 (1859)
[16] E.G. Browne, Literary History of Persia, I (London, 1909), p. 292
[17] R.A. Nicholson, Literary History of the Arabs, (London, 1956), p. 370
[18] M. Asin Palacios, El origina arab de la disputa del asno contra Fra Anselmo Turmeda (Madrid, 1914), p. 11
[19] S. Pines, “Some Problems of Islamic Philosophy,” Islamic Culture, 11: 71 (1937)
[20] يعرِّف ماسينيون بالقرامطة على أنهم: 1: حركة إصلاحية عامة قامت في القرن الثالث، وانتهت بإنشاء الدولة الفاطمية في العام 297/910، و2: جماعة من الأعراب والنبط من جنوب ما بين النهرين، تجمعوا بعد حرب الزنج. انظر:
L. Massignon, « Esquisse d’une bibliographie Karmate », in Essays Presented to E.G. Browne (Cambridge, England, 1922), pp. 329 ff
[21] P. Casanova, « Notice sur un manuscrit de la secte des Assassins », Journal Asiatique (1898), pp. 151-159
[22] يعتقد غولدتسيهر أن الرسائل كانت مصدرًا هامًّا استقت منه الإسماعيلية الشيء الكثير. انظر:
I. Goldziher, Le dogme et la loi de l’Islam (Paris, 1920), p. 202
[23] يقارن ماكدونالد الأخوان بالمحافل الماسونية، وينسبهم إلى القرامطة. انظر:
D. MacDonald, The Development of Muslim Theology, Jurisprudence, and Constitutional Theory (New York, 1903), p. 188
[24] Lane-Poole, Studies in a Mosque…, p. 186
[25] وينسب ماسينيون الأخوان إلى القرامطة أيضًا. انظر:
« Esquisse d’une bibliographie Karmate », p. 329
[26] يرفض إيفانوف وجود جماعة العلماء من البصرة رفضًا قاطعًا، انظر:
Ivanov, The Alleged Founders of Ismailism, pp. 146-147
بل إنه يعتقد أن الرسائل قد كُتِبَتْ تحت رعاية فاطمية. انظر كتابه:
A Guide to Ismaili Literature (London, 1933), p. 31
[27] M. Stern, “The Authorship of the Epistles of the Ikhwān as-Safā,” Islamic Culture, 20: 367-372 (1946)
[28] انظر:
H. Corbin, « Rituel sabéen et exégèse ismaélienne du rituel », Eranos Jahrbuch, 19 : 187 (1950)
[29] أخوان الصفا، الرسائل (القاهرة، 1928) ج 4، ص 218.
[30] انظر:
M. von Horten, Die Philosophie des Islam (Munich, 1923), p. 261
[31] Tj. de Boer, The History of Philosophy in Islam, trans. E.R. Jones (London: Luzac & Co., 1933), p. 95
وانظر أيضًا:
A.L. Tibawi, “Jamā‘ah Ikhwān as-Safā,” Journal of the American University of Beirut (1930-1931), p. 14; Dhabihallah Safa, Ikhwān al-Safā (Teheran, 1930), p. 13
[32] من الواجب عدم الأخذ بهذه الأعمار حرفيًّا؛ إذ إن هناك الكثير من الحكماء ممَّن بلغوا أعلى الدرجات قبل أن يبلغوا الخمسين من العمر.
[33] الرسائل، ج 4، ص 119 وما يليها. وانظر:
‘Awa, L’esprit critique…, pp. 261-263
[34] A.L. Tibawi, “Jamā‘ah Ikhwān as-Safā,” p. 60
[35] الرسائل، ج 4، ص 85.
[36] طه حسين، مقدمة الرسائل، ص 8.
[37] يرى جلال الهمائي أنه كان لهدفهم وجهان: الأول، تطهير الشريعة من أدرانها عن طريق ربطها بالفلسفة، والثاني، تلقين الحقائق الفلسفية الأساسية بالعودة إلى المصادر الأصلية (غزالي نامه، ص 82).
[38] حول معاني كلمة “ناموس” انظر الموسوعة الإسلامية، مادة “ناموس”.
[39] الرسائل، ج 3، ص 324.
[40] المصدر السابق، ج 1، ص221.
[41] رسالة الجامعة، بتحقيق ج. صليبا (دمشق، 1949)، ج 1، ص 101.
[42] كان لهذا المفهوم صدى في كتابات بعض الحكماء الفرس من أتباع السهروردي، ومنهم مير داماد وملا صدرا الشيرازي، بعد ذلك بعدة قرون.
[43] أخوان الصفاء، “تداعي الحيوان على الإنسان”، بترجمة بلاتس Platts (لندن، 1869)، ص 202.
[44] الرسائل، ج 4، ص 301-302. وانظر أيضًا:
Corbin, « Rituel sabéen… », Eranos Jahrbuch, 19: 208 (1950
[45] حول التمييز بين الإسلام والإيمان والإحسان في المفهوم الصوفي انظر:
F. Schuon, L’œil du cœur (Paris, 1950), pp. 150-156
[46] Corbin, « Rituel sabéen… », pp. 210-211
[47] Tibawi, “The Idea of Guidance…,” Islamic Quarterly, 3: 148 (1956
[48] حول تاريخ كتابة الرسائل، المرجَّح أنه القرن الرابع الهجري، انظر:
P. Casanova, “Une date astronomique dans les épîtres des Ikhwān as-Safā,” in Journal Asiatique, 5 : 5-17 (1915
[49] Lane-Poole, Studies in a Mosque, p. 191
[50] Muhammad Taqui Danishpazhuh, “Ikhwan-i Safa,” Mihr, 8: 610 (1931
وانظر أيضًا:
Tibawi, Jama’ah Ikhwān as-Safā, chap. XI
[51] حول تصنيف الرسائل وزمن انتشارها انظر:
Lane-Poole, Studies in a Mosque, p. 192 & ‘Awa, L’esprit critique…, pp. 314 ff
[52] انظر:
Ivanov, A Guide to Ismaili Literature, p. 31
[53] حول وصف عقائد الفيثاغورية عن الأعداد انظر:
K.S. Guthrie, Pythagoras Source book and Library (Yonkers, N.Y., 1920)
[54] الرسائل، ج 1، ص 24.
[55] المصدر السابق، ج3 ، ص 201.
[56] Karus, Jābir ibn Hayyān, Introduction to vol. I, p. IXIV
[57] انظر الترجمة في:
Sylvestre de Sacy, « Le Livre du secret de la créature par le Sage Bélinous », Notices et extraits des manuscrits, 4 : 107-168 (1798)
ويسمَّى هذا الكتاب بالعربية كتاب سر الخليقة لبالينوس.
[58] Karus, Jābir ibn Hayyān, Introduction to vol. I, p. XXXVII
[59] حول العلاقات العددية المختلفة التي استخدمها كلٌّ من جابر وأخوان الصفاء، انظر المصدر السابق، ج 2، ص 199 وما يليها.
[60] كان الأخوان واعين للتراث العلمي والفلسفي الذي وُجِدَ قبلهم بفترة طويلة. انظر: أخوان الصفاء، “تداعي الحيوان على الإنسان”، ص 133-134.
[61] ‘Awa, L’esprit critique…, pp. 306 ff
[62] الرسائل، ج 4، ص 106.
[63] شكَّلتْ الروح التي درس بها أخوان الصفاء العلوم الطبيعية، والأسلوب الديني الذي اتَّبعوه في معاملة الطبيعة كمجال غير منفصل عن التنزيل، أساسًا اتُّبِعَ طوال العصور الوسطى. انظر:
R. Alleau, Aspects de l’alchimie traditionnelle (Paris, 1955), p. 29
[64] سيتم استخدام كلمة “عقل” بمعناها الشامل، باعتبارها ملكة تتخطَّى الحدود الفردية.
[65] الإنسان عالم صغير […] مختصر من العالم الكبير.” رسالة جامعة الجامعة، الفصل الرابع.
25-06-2008 الساعة 08:06 عدد القراءات 129439 |