الصفحة الرئيسة البريد الإلكتروني البحث
سيّد الاستثناء النضيرالهبوط الآمن في صحراء شريعتيعلي شريعتي/ العرفان الثوريهبوط في الصحراء مع محمد حسين بزيهوية الشعر الصّوفيالمقدس السيد محمد علي فضل الله وحديث الروحعبد المجيد زراقط في بحور السرد العربيقراءة في كتاب التغيير والإصلاحبرحيل الحاجة سامية شعيب«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرةالنموذج وأثره في صناعة الوعيتبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصهالشيعة والدولة ( الجزء الثاني )الشيعة والدولة ( الجزء الأول )الإمام الخميني من الثورة إلى الدولةالعمل الرسالي وتحديات الراهنتوقيع كتاب أغاني القلب في علي النَّهريحفل توقيع كتاب أغاني القلبإصدار جديد للدكتور علي شريعتيصدور كتاب قراءات نقدية في رواية شمسحريق في مخازن دار الأميردار الأمير تنعى السيد خسرو شاهيإعلان هامصدر حديثاً ديوان وطن وغربةعبد النبي بزي يصدر ديوانه أصحاب الكساءتوزيع كتاب هبوط في الصحراء في لبنانإطلاق كتاب هبوط في الصحراءصدور هبوط في الصحراءمتحدِّثاً عن هوية الشعر الصوفينعي العلامة السيّد محمد علي فضل اللهندوة أدبية مميزة وحفل توقيعاحكي يا شهرزاد في العباسيةفي السرد العربي .. شعريّة وقضايامعرض مسقط للكتاب 2019دار الأمير تنعى د. بوران شريعت رضويالعرس الثاني لـ شهرزاد في النبطيةصدر حديثاً كتاب " حصاد لم يكتمل "جديد الشاعر عادل الصويريدرية فرحات تُصدر مجموعتها القصصيةتالا - قصةسِنْدِبادِيَّات الأرز والنّخِيلندوة حاشدة حول رواية شمسندوة وحفل توقيع رواية " شمس "خنجر حمية وقّع الماضي والحاضرمحمد حسين بزي وقع روايته " شمس "توقيع رواية شمستوقيع المجموعة الشعرية قدس اليمندار الأمير في معرض بيروتتوقيع كتاب قراءة نفسية في واقعة الطفدار الأمير في معرض الكويتمشاكل الأسرة بين الشرع والعرفالماضي والحاضرالفلسفة الاجتماعية وأصل السّياسةتاريخ ومعرفة الأديان الجزء الثانيالشاعرة جميلة حمود تصدر دمع الزنابقبيان صادر حول تزوير كتب شريعتي" بين الشاه والفقيه "محمد حسين بزي أصدر روايته " شمس "باسلة زعيتر وقعت " أحلام موجوعة "صدر حديثاً / قراءة نفسية في واقعة الطفصدر حديثاً / ديوان جبر مانولياصدر حديثاً / فأشارت إليهصدر حديثاً / رقص على مقامات المطرتكريم وحفل توقيع حاشد للسفير علي عجميحفل توقيع أحلام موجوعةتوقيع ديوان حقول الجسدباسلة زعيتر تُصدر باكورة أعمالهاالسفير علي عجمي يُصدر حقول الجسدصدر حديثاً عن دار الأمير كتاب عين الانتصارجديد دار الأمير : مختصر كتاب الحج للدكتور علي شريعتيصدر حديثاً كتاب دم ابيضاصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي
الصفحة الرئيسة اّخر الإصدارات أكثر الكتب قراءة أخبار ومعارض تواصل معنا أرسل لصديق

جديد الموقع

سيّد الاستثناء النضيرالهبوط الآمن في صحراء شريعتيعلي شريعتي/ العرفان الثوريهبوط في الصحراء مع محمد حسين بزيهوية الشعر الصّوفيالمقدس السيد محمد علي فضل الله وحديث الروحعبد المجيد زراقط في بحور السرد العربيقراءة في كتاب التغيير والإصلاحبرحيل الحاجة سامية شعيب«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرةالنموذج وأثره في صناعة الوعيتبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصهالشيعة والدولة ( الجزء الثاني )الشيعة والدولة ( الجزء الأول )الإمام الخميني من الثورة إلى الدولةالعمل الرسالي وتحديات الراهنتوقيع كتاب أغاني القلب في علي النَّهريحفل توقيع كتاب أغاني القلبإصدار جديد للدكتور علي شريعتيصدور كتاب قراءات نقدية في رواية شمسحريق في مخازن دار الأميردار الأمير تنعى السيد خسرو شاهيإعلان هامصدر حديثاً ديوان وطن وغربةعبد النبي بزي يصدر ديوانه أصحاب الكساءتوزيع كتاب هبوط في الصحراء في لبنانإطلاق كتاب هبوط في الصحراءصدور هبوط في الصحراءمتحدِّثاً عن هوية الشعر الصوفينعي العلامة السيّد محمد علي فضل اللهندوة أدبية مميزة وحفل توقيعاحكي يا شهرزاد في العباسيةفي السرد العربي .. شعريّة وقضايامعرض مسقط للكتاب 2019دار الأمير تنعى د. بوران شريعت رضويالعرس الثاني لـ شهرزاد في النبطيةصدر حديثاً كتاب " حصاد لم يكتمل "جديد الشاعر عادل الصويريدرية فرحات تُصدر مجموعتها القصصيةتالا - قصةسِنْدِبادِيَّات الأرز والنّخِيلندوة حاشدة حول رواية شمسندوة وحفل توقيع رواية " شمس "خنجر حمية وقّع الماضي والحاضرمحمد حسين بزي وقع روايته " شمس "توقيع رواية شمستوقيع المجموعة الشعرية قدس اليمندار الأمير في معرض بيروتتوقيع كتاب قراءة نفسية في واقعة الطفدار الأمير في معرض الكويتمشاكل الأسرة بين الشرع والعرفالماضي والحاضرالفلسفة الاجتماعية وأصل السّياسةتاريخ ومعرفة الأديان الجزء الثانيالشاعرة جميلة حمود تصدر دمع الزنابقبيان صادر حول تزوير كتب شريعتي" بين الشاه والفقيه "محمد حسين بزي أصدر روايته " شمس "باسلة زعيتر وقعت " أحلام موجوعة "صدر حديثاً / قراءة نفسية في واقعة الطفصدر حديثاً / ديوان جبر مانولياصدر حديثاً / فأشارت إليهصدر حديثاً / رقص على مقامات المطرتكريم وحفل توقيع حاشد للسفير علي عجميحفل توقيع أحلام موجوعةتوقيع ديوان حقول الجسدباسلة زعيتر تُصدر باكورة أعمالهاالسفير علي عجمي يُصدر حقول الجسدصدر حديثاً عن دار الأمير كتاب عين الانتصارجديد دار الأمير : مختصر كتاب الحج للدكتور علي شريعتيصدر حديثاً كتاب دم ابيضاصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي

أقسام الكتب

مصاحف شريفة
سلسلة آثار علي شريعتي
فكر معاصر
فلسفة وتصوف وعرفان
تاريخ
سياسة
أديان وعقائد
أدب وشعر
ثقافة المقاومة
ثقافة عامة
كتب توزعها الدار

الصفحات المستقلة

نبذة عن الدار
عنوان الدار
About Dar Al Amir
Contact Us
شهادات تقدير
مجلة شريعتي
مواقع صديقة
هيئة بنت جبيل
اصدارات مركز الحضارة

تصنيفات المقالات

تصنيف جديد
شعراء وقصائد
قضايا الشعر والأدب
ريشة روح
أقلام مُقَاوِمَة
التنوير وأعلامه
قضايا معرفية
قضايا فلسفية
قضايا معاصرة
الحكمة العملية
في فكر علي شريعتي
في فكر عبد الوهاب المسيري
حرب تموز 2006
حرب تموز بأقلام اسرائيلية
English articles

الزوار

13949475

الكتب

300

القائمة البريدية

 

الولايات المتحدة طليعة الانحطاط ( الفصل 3 )

((التنوير وأعلامه))

تصغير الخط تكبير الخط

 الولايات المتحدة طليعة الانحطاط
كيف نحضر للقرن الحادي والعشرين

بقلم: روجيه غارودي.

نقله إلى العربية: مروان حموي.

 ( إضغط هنا لقراءة الفصل الأول والثاني )usaflag_290

الفصل الثالث
الولايات المتحدة  طليعة الانحطاط

لكي نفهم لماذا نعتبر انتشار طراز الحياة الأمريكية " واوهامها " ، أحد الأسباب الحقيقية لتفكك الأخلاق وانحدار الفنون في يومنا هذا ، نجد من الضروري أن نضع هذه المشكلة ضمن منظور التاريخ الأمريكي ، لأن انحطاط الثقافة الذي يلعب دورا منظما في حياة المجتمع الأمريكي ، إنما ينحدر من طبيعة تاريخ الولايات المتحدة  .
لعبت الثقافة والايديولوجيات في أوروبا دوما ، دورا هاما في الحياة السياسية ، كما جرى على سبيل المثال ، في أوروبا المسيحية ، وفي عصر التنوير، وفي عصر الثورة الفرنسية ، وفي عقود القوميات ، والماركسية وثورة أكتوبر .
أما في أمريكا ، فخارجا عن الهنود ، السكان الأصليين الذين نظمت حضارتهم علاقاتهم الاجتماعية " قبائل الأنكا مثلا " ، والذين فقدوا 80 % من عددهم بسبب التصفية العرقية ، ثم همش من بقي منهم ، وزج في " محميات " ، فان كل السكان الذين يعيشون في الولايات المتحدة  هم من المهاجرين .
ومهما كانت أصول هؤلاء المهاجرين ، وحضاراتهم الأولى ، فقد جاؤوا إلى أمريكا بحثا عن العمل وكسب المال . وسواء كانوا ايرلنديين أو طليان ، أو عبيدا سودا غربوا عن مواطنهم الأصلية قسرا ، سواء كانوا مكسيكيين أو من بورتوريكو، فقد جاء كل منهم يحمل معه دينه وثقافته . ولأنه لم يكن لدى هؤلاء المهاجرين والمهجرين ديانة أو ثقافة مشتركة ، فقد كانت الرابطة الوحيدة التي تجمعهم ، تشبه ما يربط بين أفراد فريق يعمل في مشروع مشترك.
أما الولايات المتحدة  ، فهي تنظيم إنتاجي ، تضبط عمله ، نفس العقلية التكنولوجية والتجارية ، حيث يشترك فيها المنتج والمستهلك ، في غاية واحدة هي النمو الكمي للرفاه . أما الهوية الشخصية ، الثقافية ، والروحية أو الدينية ، فهي مسألة خاصة ، وفردية بشكل حازم ، لا شأن لها في آلية عمل هذا التنظيم ، ولا تتدخل فيها .
ولا يستطيع الإيمان بمعنى الحياة ، أن يعيش في مثل هذه البنى الاجتماعية ، إلا لدى الجماعات التي حافظت على هويتها وثقافتها القديمة ، أو لدى بعض الأفراد ممن تغمرهم روح البطولة . أما الغالبية العظمى من هذا المجتمع ، فقد مات الله عندها ، لأن الإنسان فيه ، قد بتر عن بعده الرباني ، وهو البحث عن معنى الحياة .
وهكذا أصبح المكان خاليا ليحل فيه تشرذم الطوائف ، والخرافات ، وتسرب المخدرات ، وسموم الشاشة الصغيرة ، كل ذلك تحت غطاء طهرية رسمية ، ترضى بكل أنواع التمييز ، وتبرر كل المجازر .
إن أول مراقب نافذ البصر لواقع الولايات المتحدة  كان توكفيل الذي كشف عام 1840 في كتابة " الديمقراطية في أمريكا " ، حتمية آلية بناء الدولة قائلا: " إني لا أعرف شعبا يحتل فيه حب المال حيزا كبيرا من قلوب الناس أكثر من هذا الشعب ، شعب يشكل تجمعا من المغامرين والمضاربين " . وما زلنا اليوم ، قادرين أن نجد في تاريخهم أسس انحطاط ثقافتهم .
فمن جهة العلاقة بالطبيعة ، لم تأخذ كلمة " الحدود " وعلى مدى قرن كامل ، نفس المعنى الجغرافي الذي أخذته في أوروبا . كان الحيز المكاني بالنسبة لهم امتدادا مفتوحا ، وبقي كذلك حتى نهاية القرن التاسع عشر ، حيث بلغ التوسع مداه بالوصول إلى المحيط الهادئ . عندها فقط أعلن عن " ترسيم الحدود " . كان هذا الفضاء الجغرافي مفتوحا لكل أنواع السلب ، وأشكال الإبادة : إبادة الغابات ، وحيوان البيزون " البقر الأمريكي " ، وكذلك التنقيب المحموم في مناجم الذهب والفضة .
أما العلاقة مع البشر الآخرين فكانت ذات طبيعة خاصة : في البداية كان اصطياد الهنود للاستيلاء على أراضيهم ، دون أن يترك لهم خيار ، غير خيار التصفية العرقية أو التصفية في " المحميات " . وبعد ذلك ، ساد بين البيض أنفسهم قانون الغاب ، لاقتسام ثروات الهنود المسروقة ، وأراضيهم ، أو الذهب المأمول استخراجه .
أما ما يتعلق بمعنى الحياة ، فقد تقلص إلى البعد الكمي للثروة أو الأرض أو كنوزها . كانت حياة " الوسترن " و " الغرب الأقصى " ـ ماعدا بعض الاستثناءات ـ تضفي لبوس العظمة على هذه " الملحمة " العنصرية ، وسيادة قانون الأقوى في الحرب التي شنها الجميع ضد الجميع . أما البيوريتانية المسيحية ، فلم تلعب أي دور في العلاقات الاجتماعية القائمة آنذاك إلا دور التبرير.
ويشكل العنف الأكثر دموية والذي يرعاه نفاق ديني ، سمي دائمة في تاريخ الولايات المتحدة  منذ تأسيسها . وقد حمل البيوريتانيون الإنكليز الذين نزلوا أمريكا ، حملوا معهم الاعتقاد الأشد فتكا في تاريخ الإنسانية ، وهو الاعتقاد بفكرة " الشعب المختار " ، الذي أعطى الشرعية لعمليات استئصال السكان الأصليين واغتصاب أراضيهم ، وكأنهم أمر إلهي ، اقتداءا بالنموذج التوراتي ، نموذج يشوع حيث أو كل " رب الجنود " لشعبه مهمة ذبح السكان الأصليين في بلاد كنعان والاستيلاء على أراضيهم .
وتماما مثلما فعل الإسبان الذين وصفوا تصفية هنود جنوب القارة ، أنها عملية " تنصير " ، فقد استلهم البيوريتانيون الإنكليز سفر يشوع في مطاردتهم للهنود ، وسرقة أراضيهم ، وعمليات " الاستئصال المقدسة " ، على غرار ما ورد في التوراة .
كتب أحدهم يقول : " من الجلي أن الله دعى المستعمرين إلى الحرب ، حيث يركن الهنود إلى عددهم وأسلحتهم ، يتربصون الفرص لارتكاب الشر، مثلما فعلت قبائل الأماليين ، والفلسطينيين الذين تحالفوا مع آخرين ضد إسرائيل .. " من كتاب ترومان نيلسون : بيوريتانيو ماساشوستس " من مصر إلى أرض الميعاد ـ اليهودية " . وغالبا ما يصور " إعلان استقلال الولايات المتحدة  " ، في 4 تموز 1776 ، أنه تصور مسبق لإعلان " حقوق الإنسان والمواطن " في فرنسا الذي صدر عام 1789 . إلا أن إعلان الإستقلال هذا ، هو في حقيقة الأمر ، مثال مذهل للنفاق الذي توحيه كلمة " الحرية " حسب المفهوم الأمريكي .
ينادي الإعلان في سطوره الأولى : " يولد كل الناس متساوين . وقد وهبهم الخالق حقوقا غير قابلة للتنازل عنها : حق الحياة ، وحق الحرية ، وحق البحث عن السعادة ".
إلا أن " الحرية " الأمريكية تجلت بشكل آخر : الاحتفاظ بالرقيق الأسود قرنا كاملا بعد الإعلان . واحتاج الأمر حربا أهلية لتوضع عام 1865 ، نهاية لما كانوا يسمونه حتى ذلك الحين " المؤسسة الخاصة " ، أي بمعنى آخر " الرق " . ومنذ تحرير العبيد لم يترك لهم مكان في المجتمع ، ولم يكن يسمح لهم بامتلاك واحدا فقط من الستين آربانت " قياس فرنسي " المسموح به للبيض .
بعد ذلك ، ولد إرهاب الجمعيات السرية ، مثل منظمة كوكلوكس كلان . أما قوانين السود فقد أبعدت العبيد القدامى عن الحياة السياسية ، كما أبعدهم التمييز العنصري عن المجتمع المدني . وهكذا ورغم تضحيات مارتن لوثر كينج ، تستمر التفرقة العنصرية إلى يوما هذا . وتفوح رائحة النفاق اكثر عندما يتعلق الأمر بالهنود . إنها المرة الأولى التي يظهر فيها بقوة ما سيصبح لاحقا المبدأ المحرك لكل الاعتداءات الأمريكية المستقبلية للولايات المتحدة في العالم : وهو أن العدوان والتصفية العرقية ، صورا مسبقا على أنهما ردود فعل دفاعية . وقد وصف إعلان الاستقلال الذي نادى بالحرية والمساواة ، وصف الهنود " بالمتوحشين الذي لا يعرفون الرحمة ، والمعروفين بحبهم لإشعال الحروب ، وارتكاب المجازر " .
من هذا المنطلق ، تحدث الإعلان عن مجتمعات السكان الأصليين ، كي يبرر مقدما المجازر واغتصاب الأرض بحجة " الدفاع المشروع " . وهبط عدد السكان الهنود بحكم عمليات التصفية من عشرة ملايين إلى مئتي ألف فقط ، وكأن الأمر ، أن الهنود هم الذين غزوا أرض المستعمرين ، لا أن المهاجرين من أوروبا ، هم الذين وفدوا ليغتصبوا أراضيهم ويدمروا حياتهم .
هكذا كانت السياسة الأمريكية الثابتة ، منذ ذلك الحين ، انطلاقا من " الخطيئة الأولى " بحق الهنود والأرقاء السود .
قال سيمون بوليفار ، أحد أبطال محاولات الاستقلال في أمريكا اللاتينية في أواسط القرن التاسع عشر : " يبدو أنه كتب على الولايات المتحدة  أن تقوم بتعذيب وإذلال القارة باسم الحرية".
ويشهد توكفيل على بربرية المستعمرين تجاه الهنود الذين استخدموا أسلحة لا يمكن مقارنتها باي مقياس بأسلحة الغزاة . ووصف بسخرية لاذعة ، وإنسانية دامية انتصار " الحرية " ، تلك المسيرة المظفرة للحضارة عبر الصحراء قائلا : " في قلب الصحراء ، وفي أواسط الشتاء ، حيث كان البرد قارسا جدا ، قام ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف بمطاردة الأعراق البدوية من الوطنيين الذين كانوا يفرون أمامهم ، حاملين مرضاهم وجرحاهم ، وأطفالا ولدوا حديثا ، وشيوخا على حافة الموت " ، وتابع يقول : إن المشهد كان مثيرا ولم تمح من ذاكرته أبدا .
هكذا بدأ تاريخ " الشمال " في " العالم الجديد " ، كما صوره نعوم شومسكي في كتابه " ايديولوجيا واقتصاد " . وفي عام 1754 ، وصف بنيامين فرانكلين ، الناطق الرسمي البارز باسم التنوير، وصف " أب الأمة " بأنه الرجل الذي يطرد السكان الأصليين كي يفسح المكان لأمته .
وأعطى جورج واشنطن الدرس نفسه لقبائل الايروكواس ، عندما كلف جيشه بتدمير مجتمعها وحضارتها ، وهما مجتمع وحضارة متقدمان نسبيا بمقاييس عام 1779 . لم تشهد القرون المتعاقبة ، إلا نادرا أن ينظر إلى مثل هذا النفاق والجبن الأخلاقي الواضح ، بمنظار الإعجاب والاحترام .
وفي عام 1789 ، وصف توماس جفرسون ، ما سماه " اتحادنا " ، بأنه المنطلق لإعمار كل أمريكا ، الشمالية منها والجنوبية . وقال إنه لأمر حسن أن تبقى القارة بيد العرش الإسباني ، إلى أن يصبح " مجتمعنا قويا بما يكفي ليتمكن من التهام القارة قطعةً قطعة " ..
أما جون كيتري آدامز، مهندس الفكرة التي قادت إلى وضع مبدأ مونرو فقد وصف " الدومينيون " على أنه قارة أمريكا الشمالية . وقد أوضح فكرته بقوله : هذا هو قانون الطبيعة . وقد جرى تطبيق هذا " القانون " تطبيقا واسعا جدا . فقد استخدمه آدامز من جديد في القضية المتعلقة بالجهود الخائبة التي بذلتها الصين لمنع توريد الأفيون إلى بلادها ، انطلاقا من الهند . وقد أدى فشل هذه الجهود إلى اندلاع حرب الأفيون . واستخدمت بريطانيا العنف لتقضي على المقاومة التي أبدتها الصين ، باسم المبادئ السامية للتجارة الحرة . كانت المقاومة الصينية قد منعت الإمبراطورية البريطانية من الوصول إلى الأسواق الصينية عن طريق منع توريد منتجها الرئيسي الذي قدمته للصين ، وهو الأفيون .
ووصف آدامز محاولات الصين لمنع توريد الأفيون ، بأنه عمل ضد القانون الطبيعي .
وفي فترة أقرب إلينا ، حدد وودرو ويلسون " واجبنا الخاص " ، تجاه كل شعب مستعمر ، وهو " أن نعيد لهذا الشعب النظام والسيادة ". و" ندربه على القانون والتعود عليه وإطاعته " . هذا يعني من الناحية العلمية الخضوع لـ " حقنا " في سرقة هذا الشعب واستغلاله . وشرح ويلسون باختصار الدور الذي تلعبه القوة الأمريكية في هذا المشروع قائلا :
" انطلاقا من حقيقة أن التجارة ، ليس لها حدود قومية ، وانطلاقا من أن الصناعي يريد امتلاك العالم من أجل الأسواق ، فان على علم بلاده أن يتبعه أينما ذهب ، وعلى الأبواب المغلقة للأمم الأخرى أن تخلع ، وعلى وزراء الولايات المتحدة  أن يحموا امتيازات أصحاب رؤوس الأموال ، حتى ولو أدى ذلك إلى انتهاك سيادة الأمم الأخرى المتمردة . يجب خلق المستعمرات أو الحصول عليها ، بحيث لا نهمل أو نتغاضى عن أصغر زاوية في العالم " .
هذه العبارات الصادقة بسبب صراحتها ، تحمل دلالة حقيقية للمثل الأعلى " للولسنية " ، في الحرية وتقرير المصير . وهو مثل غالبا ما يورده المثقفون الغربيون عاريا دون تزويق .
وقد طبق ويلسون ، عندما أصبح رئيسا للجمهورية بعد بضع سنوات ، عقيدته حول تقرير المصير  ، بغزوه المكسيك ، وجزيرة أسيانيولا " التي تشكل تاهيتي وجمهورية الدومينكان " . وقد قتل جنوده ، وسلبوا ، وأسسوا حالة شبيهة بالرق ، ودمروا النظام السياسي ، ووضعوا البلاد بين أيدي المستثمرين الأمريكيين .
وقد نشر روبرت لانسينغ ، وزير خارجية ويلسون ، مذكرة شرح فيها معنى " مبدأ مونرو " ووصف ويلسون نشرها بأنه سوء تصرف سياسي ، ولكن حيثياتها لا يمكن أن تهاجم .
قال لانسينغ : " في دفاعها عن مبدأ مونرو ، إنما تدافع الولايات المتحدة  عن مصالحها الخاصة . أما إنصاف الأمم الأمريكية الأخرى فهو مسألة إضافية ، وليس غاية بحد ذاتها . وبقدر ما يبدو هذا المضمون مبنيا بشكل فريد على الأنانية ، فان واضع هذا المبدأ ، ليس لديه دافعا أسمى أو اكثر أريحية ليقدمه " .
ما كان استرجاع أشكال المخاتلة الأصلية في الأسطورة الأمريكية ليحمل فائدة تاريخية كبيرة ، لو لم يتطور هذا النظام السياسي ، بعد قرنين ، ليشمل العالم كله .
فحتى الحرب العالمية الأولى تركزت أعمال السلب في القارة الأمريكية فقط . وكانت المشكلة آنذاك تتلخص بإعاقة سيطرة أوروبا على الأرض والمؤسسات الأمريكية ، بالوسائل المالية ، أو غيرها .
كان تاريخ الولايات المتحدة  في القرن التاسع عشر ، هو أولا تاريخ إبادة الهنود ، إذ جرى بين عامي 1800 و 1835 ، تهجير كل الهنود من حوض المسيسبي ، في ظروف تهجير وإسكان تذكرنا بعمليات التهجير الهتلرية .
كما أبيد الآلاف من حيوان البيزون الذي يقتاتون به ، ومن صوفه يصنعون ملابسهم ، ودمرت مساكنهم . ولم تتوقف المقاومة الهندية المسلحة إلا بعد ارتكاب مجزرة " وونددني " عام 1890 . كان تاريخ الولايات المتحدة  أيضاً ، تاريخ استغلال العبيد السود، وخاصة في ميدان زراعة القطن .
هذه هي السمات الأساسية لسياستهم الداخلية . أما سياستهم الخارجية فقد هدفت لنزع يد إسبانيا والبرتغال عن " ممتلكاتهما " في القارة ، ليحل محلها توغلهم الاقتصادي وسيطرتهم السياسية . ثم طردوا بريطانيا ليستغلوا بدلا منها البترول .
وقد حدد الرئيس مونرو في رسالته إلى الكونغرس " 2 كانون الأول 1823 " القاعدة الأساس لهذه السياسة الهادفة لاستبعاد الهنود ، والزنوج وأوروبا ، قال فيها : للأوروبيين القارة القديمة ، وللأمريكان القارة الجديدة .
واتخذ من تفجير بارجة في ميناء هافانا ، ذريعة لشن حرب ضد اسبانيا أ، جرى بنتيجتها احتلال بورتوريكو، والفليبين وكوبا .
أسال التدمير الأوروبي المتبادل في الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) أنهارا من الذهب ، صبت في الولايات المتحدة ، التي هبت للتجدة عندما وصلت الحرب إلى نهايتها ولاحت أعلام النصر .
وتحمل أسطورة المحررين الأمريكيين لأوروبا تضليلا مزدوجا :
ـ التدخل الأمريكي الذي جاء بعد ثلاث سنوات من اندلاع الحر (عام 1917) لأن مصالح الفعاليات الاقتصادية الأمريكية تعرضت للخطر بسبب نسف البواخر الأمريكية التي واصلت متاجرتها خلال الحرب مع بريطانيا ، وكذلك لأن الوزير الألماني زيمرمان ، وعد المكسيك بتشكيل حلف ضد الولايات المتحدة  ، سيعيد بنتيجة للمكسيك أقاليمها الضائعة : " تكساس ، أريزونا ، نيومكسيكو " … وقد أدى تدخل ألقيصر كيسزر " صاحب أكبر مصانع للسفن في الولايات المتحدة  " إلى تبدل في الرأي الأمريكي ، لمصلحة إرسال حملة إلى أوروبا (4 نيسان 1917) .
كلفت الحرب العالمية الأولى فرنسا مليون ونصف قتيل ، وألمانيا أكثر من مليون وسبعمائة ألف قتيل . ومن الضروري أن نقارن هذه الأرقام بعدد الضحايا التي نتجت عن المشاركة الرمزية للولايات المتحدة  .
أما الرخاء الاقتصادي الذي شهدته الولايات المتحدة ما بين عامي (1920 ـ 1933) ، فقد تحول إلى تهتك ، مع نمو نشاط المافيات المتآمرة مع أجهزة الشرطة من خلال قانون منع الخمور الذي صدر عام 1919 ، والذي ازدهرت من خلاله الحانات غير القانونية ، والملاهي وبيوت الدعارة السرية ونشاطات مهربي الخمور .
وقد شهدت أعوام (1921 ـ 1924) إجراءات لكبح جماع الهجرة إلى الولايات المتحدة  ، وازداد نشاط عصابات الكوكلاكس كلان ، ناشرة الرعب من جديد في مناطق الجنوب . وحملت النوفينية المسيطرة ، إلى الكرسي الكهربائي العديد من الأبرياء مثل ساكو وفانزتي ، الناشطين الايطاليين وأصبح الهم السياسي تحطيم أي نظام اجتماعي يتعارض مع التوغل الاقتصادي الأمريكي ، وبكل وسيلة ممكنة . كما أصبح الاتحاد السوفيتي و " العدوى " التي يمكن أن ينقلها ، العدو الرئيسي . وهيمن رعب مماثل على أوروبا الغربية . ولم يتردد القادة الأمريكان، في الاعتماد على أعتى الطغاة ، باسم الدفاع عن الحرية ، التي هي في الحقيقة حرية الباب المفتوح للتوسع الأمريكي بلا حدود .
وفي الحرب العالمية الثانية ، جرى الإنزال الأنكلو ـ أمريكي في أوروبا ، عام 1944 . وكان اليابانيون ، قد دمروا بشكل غادر الأسطول الأمريكي في بيرل هارير ، بينما كان الأمريكيون يسعون لإنقاذ مصالحهم في المحيط الهادي أمام التوسع الياباني الخاطف.
لم يتدخل الأمريكيون مباشرة ضد هتلر إلا في 19 حزيران 1944 ، عندما كان يعاني من هزيمته الأولى في كانون الثاني 1944 ، حيث تحطم جيشه في ستالينغراد ، بعد أن خسر 400 ألف جندي بينهم 140 ألف أسير .
كانت المقاومة في أوروبا ، وطوال سنوات الحرب قد قضمت الاحتلال الألماني . وفي ذلك الحين ، كان هتلر قد حشد خيرة قواته (189 فرقة من أصل 315 فرقة) على الجبهة الروسية ، و38 فرقة على الجبهة الإيطالية و 64 فرقة على الجبهة الممتدة من النرويج إلى فرنسا . وأدى هدا كله إلى تشتت آلة الحرب الهتلرية .
وجاء إنزال حزيران 1944 بعد قصف مرعب على التجمعات السكانية المدينة راح ضحيته 570 ألف قتيل و 800 ألف جريح من المدنيين .
والمثال الاكثر دلالة على قصف المدنيين ، هو قصف درسدن (135 ألف قتيل مدني) ، على الرغم من أن الزحف الروسي كان قد تجاوز المدينة ، التي لم تعد لهذا السبب تشكل هدفا عسكريا . أما هيروشيما ، فقد مسحت يوم 2 آب 1945 ، من على الخارطة بفعل قنبلة ذرية ، أودت بحياة 75 ألف ضحية .. ثم جاء دور ناغازاكي ، بعد ثلاثة أيام من قصف هيروشيما فعاشت نفس المصير ، مع أن الإمبراطور كان قد اقترح استسلام اليابان .
كانت الفكرة عن الشيوعية شاملة جدا . ففي عام 1955 ، توصلت مؤسسة وودرو ويلسون ، بالاشتراك مع جمعية التخطيط القومي إلى تعريف للشيوعية أكثر ما يكون دقة : " يأتي الخطر الشيوعي من التحول الاقتصادي لبلد ما بشكل يضعف رغبته وقدرته في أن يكون متمما لاقتصاد الغرب الصناعي " .
ولكي يتصدى القادة الأمريكان لمثل هذا التهديد، لم يترددوا ، غداة الحرب العالمية الثانية في حمل جنرالات النازية الجديدة إلى السلطة والتحالف معهم .
وكانت هذه السياسة ، التي طبقت بعد الحرب الثانية في كل أمريكا اللاتينية ، قد طبقت سابقا بعد الحرب العالمية الأولى . ففي عام 1922 ، وصف السفير الأمريكي في روما ، مستذكرا ذكرى مسيرة موسوليني إلى روما التي وضعت نهاية للديمقراطية في إيطاليا ، وصفها " بالثورة الشابة والجميلة " ، وأوضح لماذا يرى " أن الفاشيست ربما يكونون العامل الأقوى في كبح جماح البلشفية ".
وحظيت إيطاليا الفاشية منذ ذلك الحين بتعامل طيب من قبل الولايات المتحدة  ، وذلك عندما سويت مسألة ديون الحرب . ثم تدفقت الاستثمارات الأمريكية إلى إيطاليا . وفي عام 1933 تحدث تيودور روزفلت عن موسوليني واصفا أياه " بالسيد الإيطالي الذي يثير الإعجاب " . وفي عام 1937 ، قيمت وزارة الخارجية الأمريكية الحركة الفاشية بأنها " أصبحت روح إيطاليا التي فرضت النظام في قلب الفوضى والمبادئ في وجه التجاوزات ، وحلت مشكلة الإفلاسات " .
ولم تغير إدانة غزو أثيوبيا إطلاقا من طبيعة العلاقات بين البلدين ، وشرح السفير الأمريكي لونغ أسباب ذلك بقوله : " بدون هذا التوجه .. كانت أشكال العنف البلشفي ستظهر في المراكز الصناعية ، والمناطق الزراعية التي تسود فيها الملكية الخاصة ".
وفي عام 1937 ، اعتبرت وزارة الخارجية ، أن الفاشية تتوافق مع المصالح الاقتصادية الأمريكية . وبمعنى آخر ، مع المفهوم الأمريكي للديمقراطية .
وحدث الأمر نفسه مع هتلر . ففي عام 1933 ، كتب القائم بالأعمال الأمريكي في برلين إلى واشنطن " إن الأمل المقود على ألمانيا ، إنما يعلق على " الجناح المعتدل في الحزب الذي يقوده هتلر … الذي وجه دعوة تعاون إلى كل الناس المتمدنين والعقلاء " .
ولأن " المحور " لم يهاجم الولايات المتحدة بعد بيرل هاربر ، فقد استمر الموقف الأمريكي من الفاشية على حاله لم يتغير .
وبعد الحرب .. تتابعت السياسة نفسها ، ولكن بلبوس جديد . ففي عام 1943 ، شهد الجنوب الإيطالي تراجع قوات الدوتشي ، بناء على إيحاء من تشرشل مدفوعا بالخوف من شبح حصار بلشفي . وقامت الولايات المتحدة  بدعم ملك إيطاليا الذي تعاون مع النظام الفاشي ، وفرضت ديكتاتورية المارشال بادرغليو ، تماما كما فعل روزفلت عندما نصب عام 1942 الأميرال دارلان ، لا الجنرال ديغول ، على الجزائر .
كان الهدف هو منع المقاومة ضد الفاشية من الوصول إلى السلطة ، وكان الشيوعيون قد لعبوا دورا حاسما في صفوف هذه المقاومة .
قال ديفيد ماك ميشيل في كتابه " أكاذيب عصرنا " : منذ أن تسرب التقرير المعروف باسم تقرير بايك عام 1976 إلى الكونغرس ، بات معروفا مدى تدخل وكالة المخابرات المركزية في الحياة السياسية في إيطاليا . وكان الأمر يتعلق بمبلغ خمسة وستين مليون دولار ، قدمت كمساعدات مالية لأحزاب سياسية مرضي عنها ، والى شركاء لها ، وذلك بين عام 1948 وبداية السبعينات . وفي عام 1976 سقطت حكومة ألدومورو في إيطاليا ، بعدما كشف أن وكالة المخابرات المركزية أنفقت ستة ملايين دولار لدعم المرشحين المعادين للشيوعية .
ونقرأ في كتاب لكريستون سيمبسون بعنوان " انفجار " صدر عام 1988 :
" قامت أجهزة التجسس الأمريكية ، والأجهزة المعادية للمقاومة ، بتجنيد مجرمي حرب نازيين كبار ، مثل كلاوس باربي الذي يعتبر بدون شك ، الأكثر شهرة بينهم " .
وعمل النائب العام الأمريكي ماك كلوي على إطلاق سراح مجرم حرب نازي ، أسوأ حتى من باربي ، وكان يطلق عليه اسم فرانز 6 . والذي كان يعمل تحت إمة رينارد غيلن الذي أوكلت إليه مهمة تشكيل " جيش سري " ، تحت الرعاية الأمريكية ، وبالتعاون مع أعضاء قدامى في جهاز الأمن النازي واختصاصيين آخرين في جهاز قوات الدفاع الوطني النازية والذين كانوا قد قدموا العون للقوات العسكرية الميدانية التي وضعها هتلر في بلدان أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي ، وساعدوا بعد انتهاء الحرب في عمليات استمرت حتى أعوام الخمسينات . وكان غلين نفسه رئيسا للاستخبارات العسكرية النازية في أوروبا الشرقية ، وقد عهد إليه فيما بعد ، في الدولة الألمانية الجديدة بمنصب مدير إدارة التجسس والتجسس المضاد ، تحت مراقبة صارمة من المخابرات المركزية الأمريكية .
وحقيقة الأمر ، أن خوفا كبيرا في الولايات المتحدة  ، قد برز مع تصاعد أزمة 1929 ، عندما أدى انهيار سوق الأوراق المالية في 4 تشرين أول ، نتيجة المضاربات المالية ، إلى إفلاس عدد لا يحصى من المصارف والمؤسسات ِ، وارتفاع مذهل في معدل البطالة . وفي عام 1930 ، وصل عدد العاطلين عن العمل إلى أربعة ملايين ، وارتفع عام 1931 إلى سبعة ملايين ، ثم بلغ عام 1932 أحد عشر مليونا .
أدى وصول روزفلت وأر كان حكمه من المنظرين إلى السلطة عام 1932 ، إلى بروز مبدأ جديد للدولة في ميدان الاقتصاد ، أطلقوا عليه اسم " الصفقة الجديدة " ، والذي ظهر بعجلة دون أن يتمكن من حل الأزمة ، فقد انخفض الناتج القومي عام 1937 ، بنسبة 13 % وانخفضت معدلات الاستخدام 30 % .
كانت الحرب العالمية الثانية وحدها القادرة على إخراج الولايات المتحدة  من أزمتها . وفي الوقت الذي رفض فيه روزفلت تقديم العون لفرنسا المهزومة منذ عام 1940 ، فقد بذله لبريطانيا بموجب قانون خاص (فانون الإعارة والتأجير) أدى تطبيقه إلى إنعاش الاقتصاد الأمريكي عن طريق تصنيع آلاف عربات الشحن والطائرات والدبابات والمدافع . وحسم الهجوم الياباني في بيرل هاربر دون إعلان الحرب ، الجدال لصالح موقف مؤيد لروزفلت .
وسمحت القوة الاقتصادية الأمريكية تجاه أوروبا التي دمرتها الحرب ، سمحت لروزفلت ، حتى قبل تدخله المتأخر ، أن يصبح سيد اللعبة في أوروبا الغربية منذ كانون الثاني 1943 تجلى ذلك واضحا في مؤتمر كازابلانكا ، ثم في مؤتمر طهران الذي تلاه في نفس العام ، ثم في مالطا عام 1945 ، حيث مثل فيه روزفلت دور المفاوض الرئيسي لستالين لتنظيم العالم بعد سقود هتلر.
خرجت الولايات المتحدة  من الحرب ، وهي في وضع السيطرة الشاملة ، وهو وضع لم سبق له مثيل في التاريخ . فالمنافسون الصناعيون كانوا قد دمروا ، أو أصابهم الضعف إلى حد كبير، ولهذا فقد تضاعف الإنتاج الصناعي الأمريكي خلال سني الحرب أربع مرات .
وأصبحت الولايات المتحدة  في نهاية الحرب ، مالكة لنصف ثروات العالم ، بينما كانت خسارتها البشرية متواضعة جدا بالمقارنة مع ما قدمه العالم كله . لقد كلفت الحرب ألمانيا ما يزيد عن سبعة ملايين ونصف نسمة نصفهم من المدنيين ، وخسر الاتحاد السوفيتي سبعة عشر مليونا منهم عشرة ملايين مدني . وفي إنكلترا وفرنسا تجاوز الرقم مليون قتيل منهم 450 ألف مدني . أما الولايات المتحدة  ، فقد كان عدد قتلاها 280 ألف جندي ، وهو رقم يعادل عدد ضحايا حوادث السيارات في الولايات المتحدة  خلال سني الحرب .
وقبيل الحرب الكورية بقليل 1950 ، أعدت الوثيقة التي رسخت الخط السياسي للولايات المتحدة  . وعرفت فيما بعد باسم مذكرة مجلس الأمن القومي رقم 68 / وقد حررها بول نيتش ، الذي خلف جورج كينان على رأس جهاز التخطيط في وزارة الخارجية .
وكان جورج كينان قد أقيل من منصبه لأن السلطة اعتبرته من " الحمائم " جدا ، وكان قد كتب عام 1948 : نحن نملك 50 % من ثروات العالم ، ولكننا لا نشكل أكثر من 3 , 6 % من سكان الأرض ، وفي مثل هذا الوضع يبدو أنه لا مناص من أن نكون موضع غيرة وحسد الآخرين ، وسيكون جهدنا الأساسي في الحقبة المقبلة ، تطوير نظام من العلاقات يسمح لنا بالاحتفاظ بهذا الوضع المتسم بعدم المساواة ، دون أن نعرض أمننا القومي للخطر . ويجب علينا لتحقيق ذلك أن نتخلص من العاطفة تماما ، وأن نتوقف عن أحلام اليقظة . يجب أن يتركز انتباهنا في كل مكان على أهدافنا الوطنية الراهنة ، علينا أن لا نخدع أنفسنا ، ولا نستطيع أن نسمح لأنفسنا اليوم بالغوص في ترف التفكير بالايثار وعمل الخبر على مستوى العالم . علينا التوقف عن الحديث عن مواضيع غامضة أو غير ممكنة التحقيق ، تتعلق بالشرق الأقصى ، مثل حقوق الإنسان ، أو تحسين مستوى المعيشة ، أو إحلال النظام الديمقراطي . ولن يكون بعيدا اليوم الذي سنجد فيه أنفسنا مضطرين للتحرك بصراحة من خلال علاقات القوة . وبقدر ما يكون ارتباكنا بسبب الشعارات المثالية أقل ، بقدر ما يكون ذلك أفضل " دراسات في التخطيط السياسي " .
أما " مخطط الصقور " الذي رسمه بول نيتش بوضوح أكثر للمواضيع التي تناولها . تمتلك الولايات المتحدة  ـ يقول نيتش ـ قوة كونية ، لهذا سيكون من الضروري أن نحدد لنا عدوا كونيا ، وفي هذه الحالة سيكون الاتحاد السوفيتي . وعلينا أن نضفي على هذا العدو كل صفات الشيطان ، بحيث يصبح كل تدخل أو عدوان للولايات المتحدة مبررا مسبقا ، وكأنه عمل دفاعي تجاه خطر يشمل الأرض كلها . وهكذا أصبح الاتحاد السوفيتي بموجب هذا المخطط ، " امبراطورية الشر " . ليس مهما أن لا تكون كوريا أو فيتنام هي التي غزت الولايات المتحدة  ، وليست هامة حقيقة أن الولايات المتحدة  هي التي غزت هذين البلدين الذين يقعا على بعد عشرة آلاف كيلومتر عن حدودها ، ومع ذلك فقد زعمت أمريكا أنها تعتبر نفسها في حالة دفاع مشروع.
ولم يكن الاتحاد السوفييتي عام 1917 ، قد أصبح قوة عسكرية ، وخاصة بعد خسارته المرعبة بالأرواح خلال الحرب العالمية الأولى ، ومع ذلك فقد اعتبر الخطر الرئيسي ، بسبب أخطار " العدوى " التي يحملها ، مشكلا تهديدا لاستمرار النظام الرأسمالي .
وقال جاديس في كتابه " السلام الطويل " 1987 :
" أصبح أمن الولايات المتحدة  في خطر منذ عام 1917 ، وليس في عام 1950 . كان التدخل عملا دفاعيا ضد تبديل النظام الاجتماعي في روسيا وإعلان الاتحاد السوفيتي عن نواياه الثورية ". ومن هذا المنطلق كتب السناتور وارن هاردينيج ، الذي أصبح فيما بعد رئيسا للولايات المتحدة  (1921 ـ 1923) قائلا : " تشكل البلشفية تهديدا يجب القضاء عليه … لابد من القضاء على الوحش البلشفي " من كتاب " الولايات المتحدة  وإيطاليا الفاشية " .
إذن ، يشكل وجود الاتحاد السوفيتي بحد ذاته عدوانا ، وهذا يوجب أن تدافع الولايات المتحدة  عن نفسها ، في كل بقعة من بقاع العالم .
وهكذا تحددت بوضوح مواضيع الحرب الباردة . وحددت وثيقة جهاز التخطيط في الخارجية الأمريكية المذكورة آنفا هذه المواضيع على الشكل التالي :
إن الصراع بين قوى النور وقوى الظلام لا يهدد فقط جمهوريتنا ، إنما المدينة بأسرها . إن الانقضاض على مؤسسات العالم الحر ، يشمل المعمورة كلها ، ويضع على كاهلنا من خلال مصالحنا الخاصة ، مسؤولية ممارسة " القيادة للمعمورة كلها " .
وكان من السهل جعل هذه الفكرة مقبولة من " الرأي العام " ، بسبب الطبقة الحاكمة المسيطرة على الصحافة ودور النشر والجامعات والسينما والتلفزيون . وكشف اليكس توكفيل ، عن مدى هذه الإمتثالية لدى الشعب الأمريكي في كتابه " الديمقراطية الأمريكية " : " إني لا أجد بلدا تكاد تنعدم فيه استقلالية الروح ، ويسوده قليل من النقاش مثل الولايات المتحدة  " . وفي عام 1858 قال الكاتب هنزي ديفيد ثورو وهو أحد المعارضين النادرين ومؤلف كتاب " والدن ـ أو الحياة في الغابة " :
" ليس هناك ضرورة لوجود قانون يمكن الدولة من السيطرة على الصحافة ، لأنها تفرض قوانينها بنفسها ، وتطبقها بصرامة أكثر مما هو مطلوب منها . لقد وصل المجتمع ، ولو بشكل غير معلن إلى اتفاق يتعلق بالمواضيع التي يمكن للصحافة أن تعبر عنها ، واختار ميدانها ، وعقد تعاهدا مضمرا بعزل كل من يحاول خرقه ، بحيث لا يتجرأ واحد من ألف ان يعبر عن شيء آخر " . ويضيف نعوم شومسكي : " من الدقة أكثر القول إن واحدا بالألف لا يستطيع أن يفكر بشيء آخر ، إلى هذه الدرجة الماحقة يمارس نظام السيطرة سلطته على التفكير " .
" وفي القرن العشرين بدت هذه السيطرة أكثر وضوحا ، إذ أدركت شخصيات مرموقة وباحثون كبار في العلوم السياسية ، وصحفيون ، وعاملون في صناعة العلاقات العامة المتنامية ، أنه في بلد ما حيث يمكن للشعب أن يرفع صوته ، من الضروري التأكد أن هذا الشعب يقول ما يجب أن يقال وبالشكل المناسب " .
"وفي دولة مؤسسة على العنف الداخلي ، تكفي السيطرة على ما يفعله الناس ، أما ما يفكرون به فقليل الأهمية . أما عندما يكون عنف الدولة محدودا ، يصبح من الضروري السيطرة على ما يفكر به الناس " .
كان هذا الأمر واضحا جدا في حلقات النخبة ، حيث كان هناك إصرار على أهمية " إعداد الموافقة " ، وهو تعبير استخدمه والترليبمان وهو صحفي متميز ومعلق سياسي ، أو " فبركة الموافقة ، حسب تعبير ادوارد برني ،  وهو شخصية مؤثرة ومحترمة جدا في حقل صناعة العلاقات العامة ، وذلك للاطمئنان إلى أن المجتمع ، سيوافق على قرارات قادته الأذكياء ، ذوي البصيرة النافذة ، والذين يجب أن يكونوا بمنأى عن التأثر بجلافة الجماهير وسذاجتها " .
وكتب روبرت دال ، وهو أحد النقاد النادرين الذين تناولوا هذه المفاهيم بالنقد ، والمختص بالعلوم السياسية : " لو افترضنا أن الخيارات السياسية تفرض ببساطة على النظام ، من قبل القادة ( سواء كانوا من رجال الأعمال أو آخرين) ، كي يحصلوا على ما يريدون ، فإن نمط الاستفتاء الديمقراطي ، سيعادل في جوهره الهيمنة الشاملة " .
وهكذا ، على ارض التلاعب هذه ، التلاعب بالرأي العام ، يسعى القادة الأمريكان أن يحققوا هيمنتهم على العالم . والشاغل الأول للأجهزة المسيطرة على السلطة ، هو أن يحموا ظهرهم في أمريكا اللاتينية .
كانت الخطوة الأكثر وحشية بعد الحرب ، خطوة غواتيمالا ، حيث هددت حكومة الرئيس ارابيز الشعبية امتيازات شركة الفواكه ، وشركات البترول الأمريكية العاملة هناك .
وتجنبا لمضاعفات التدخل العسكري المباشر ، فقد حددت مذكرة مجلس الأمن القومي ،
رقم NSE 5432  ، الإجراءات الضرورية لتكامل القوات العسكرية اللاتينية ـ الأمريكية ، من خلال الأسلوب الأمريكي " في التشجيع " :
ـ " زيادة حصص بلدان أمريكا اللاتينية في مجال تدريب الافراد في الكليات العسكرية ومراكز التدريب في الولايات المتحدة  ، بما فيها الاكاديميات الحربية " .
ـ يفضل إنشاء علاقات شخصية أكثر حميمية بين العسكريين الأمريكيين ، وغير الامريكيين ، لتشجيع عسكريي أمريكا اللاتينية على تفهم أكبر لأهداف الولايات المتحدة  وتبنيها ، وإدراك الدور الهام لمؤسساتهم العسكرية في الحكم .
ـ البحث عن نمطية كاملة في التنظيم ، والتدريب ، والعقيدة القتالية ، وتجهيز القوات المسلحة في بلدانهم ، كل ذلك حسب المعايير الأمريكية ، الهدف أن يعارض هؤلاء العسكريون ، إرسال دول أخرى ، بعثت عسكرية إلى أمريكا اللاتينية وكي يصبح مؤكدا أن التجهيزات الأمريكية هي التي ستستخدم في هذه الجيوش .
لنلاحظ أن هذه الإجراءات لجيوش أمريكا اللاتينية في إطار بنية القيادة العسكرية الأمريكية ، إنما تهدف إلى مواجهة " أعدائنا التاريخيين " في أمريكا اللاتينية ، وهم أوروبا والسكان الأصليون .
ولأن المظالم التي ارتكبها القتلة في امريكا اللاتينية ، جعلت من الصعب وضعهم في كراسي الحكم ، فقد استبدلت الولايات المتحدة  الإرهاب بالفساد ، وعمدت إلى استبدال هؤلاء القتلة بقادة " منتخبين " ، كما جرى في الأرجنتين والبرازيل وباناما بعد أن استخدموا نوربيغا ، وكذلك في نيكاراغوا التي سعوا أن تستمر فيها السوموزية بدون سوموزا ، بعد ثلاثين ألف قتيل .
وطرحت المشكلة بحدة في أوروبا غداة الحرب العالمية الثانية . كان الخطر هنا مضاعفا ، حسب وكالة المخابرات المركزية التي أكدت عام 1947 أن الخطر الاكبر ، على أمن الولايات المتحدة  ، هو خطر الانهيار الاقتصادي في أوروبا الغربية ، وما سيتبعه من وصول عناصر شيوعية إلى السلطة.
ولتجنب مثل هذا الخطر المضاعف ، أطلق القادة الامريكيون مشروع " مارشال " الذي هدف حسب قولهم إلى إعادة إعمار أوروبا .
لكن الشروط السياسية كانت صارمة : لابد في البداية من إقصاء الشيوعيين في الحكومات الغربية . وهكذا بدى التدخل الخارجي في هذه البلدان واضحا :
فقد أقصي الوزراء الشيوعيون في الحكومة الفرنسية عن الحكم في 4 أيار 1947 . وأقصى الوزراء الشيوعيون في الحكومة البلجيكية في الشهر نفسه .
وهكذا ، بعد أن تمت عمليات الإبعاد ، أعلن بشكل رسمي عن مشروع مارشال في 5 حزيران 1947.
كانت " المساعدة " هي الهدف الأصغر في خطة مارشال . وقد لاحظت دراسة أجريت في نيسان 1947 ، أن المساعدة الأمريكية ستكرس بشكل مطلق للبلدان التي تتمتع بأهمية استراتيجية أساسية للولايات المتحدة  .. ما عدا حالات نادرة ، التي تبرز فيها مناسبة للولايات المتحدة  أن تتلقى استحسانا عمليا بفضل " عمل إنساني واضح جدا ".
وقد اتفق دين اتشيسون وزير الخارجية ، وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ عام 1950 ، أنه لو اعلنت المجاعة في القارة الصينية ، سيكون على الولايات المتحدة  أن تقدم مساعدات غذائية قليلة بالقدر الذي لا تخفف فيه من حدة المجاعة ، انما تكفي لتسجيل نقطة في سجل الحرب النفسية .
ولإعطاء دعم أكثر لهذه العملية السياسية الاقتصادية ، فقد رسمت مذكرة مجلس الأمن القومي "NSE 68  " استراتيجية لضغوط تهدف لنخر الاتحاد السوفيتي من الداخل ، عبر سلسلة من الدسائس السرية وغيرها ، تمكن في النهاية من التفاوض مع الاتحاد السوفيتي (أو الدولة أو الدول التي يمكن أن تحل محله) للوصول إلى اتفاق .
أما الوسائل السرية ، فقد تضمنت في تلك المرحلة ، إرسال معدات وعملاء يندسون في صفوف جيوش الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية ، والتي كانت قد صمدت أمام هتلر ، ووضع إدارة أجهزة التجسس في ألمانيا الفدرالية ، بين يدي ريتشارد غيلين الذي كان يدير أجهزة التجسس العسكرية النازية في الجبهة الشرقية ، وتجنيد مجرمي الحرب النازيين للمشاركة في المشروع الأمريكي الشامل لما بعد الحرب ، والذي يهدف لتحطيم المقاومة المعادية للفاشية .
ولأن العملاء من أمثال هؤلاء المجرمين لا يمكن حمايتهم في أوروبا ، فقد أرسلوا ، كل حسب مهمته ، إلى بلد من بلدان أمريكا اللاتينية . وهكذا أرسل كلاوس إلى بوليفيا ، فشارك بشكل فعال في انقلاب 1980 ، وذهب ضحية جرائمه ما يفوق بكثير ضحايا الجرائم التي ارتكبها في فرنسا أثناء الاحتلال الهتلري .
أثار السلام عام 1945 ، ثم انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1989 مشكلات صعبة أمام الولايات المتحدة  ، تتعلق بالتبريرات التي ستضعها أمام الرأي العام لسياسة التسليح التي كانت عنصرا ضروريا لتنشيط الاقتصاد الامريكي .
كتبت مجلة وول ستريت جورنال في 31 آب 1989 ما يلي : : أثار الشبح المزعج للسلام ، مسائل شائكة ، فهو يهدد مباشرة المسيرة المنتظمة للبرامج العسكرية الامريكية والتي استندت إليها ، والى حد كبير بعد سنوات الحرب ، حركة اقتصاد الدولة . وتصور الجنرال ادوارد ماير ، رئيس الاركان الاسبق ، أن جيشا يتمتع بتقنية عالية ، بما تستدعيه من استثمارات هامة ، سيضمن عائدات ضخمة للصناعة الموجهة للخارج ، بما فيها من دبابات يسيرها الروبوت ، وطائرات تقاد عن بعد وعمليات تضليل ألكترونية ، انما كلها مشكوك بفائدتها في تحقيق الأهداف العسكرية المقبلة .
ولكن المسألة ليست ، لأن بواعث القلق تصدر عن ضعف الامل في تطور تقنية كهذه ، فكيف نقنع الشعب في دفع الفاتورة في الوقت الذي لم يعد فيه وأمام عينيه تهديد شيوعي ، بعد أن فقد هذا الشعار مصداقيته .
يجب إذن البحث عن بديل " لإمبراطورية الشر " .
هنا تزودنا حرب المخدرات بادعاء جديد لعمليات التدخل : " حق التدخل الانساني " أو " الدفاع عن هذا الحق " .
ثم وجدوا في العراق " امبراطورية الشر الجديدة " .
منذ سنوات ، كان صدام حسين يمثل سدا ضد الإسلام الذي جسدته إيران الخميني ، ولم يمنع التسلح ولا الأسلحة عن ذلك الرجل الذي دعاه أحد الكتاب الفرنسيين بـ " ديغول العراق " . أما عندما أراد أن يسترد نصف إنتاجه البترولي الذي اغتصب منه عام 1962 ، عبر تهديد عسكري من الطراز الاستعماري ، " كانت الكويت دائما في ظل الامبراطورية العثمانية ، ومن ثم الاحتلال البريطاني تابعة لاقليم البصرة " ، بادرت الولايات المتحدة  ، مع أتباعها وشركائها إلى اتخاذ اجراءات بدت معها وكأنها المدافع عن " القانون " و " القانون الدولي " ، ضد هذا " العدوان " ، بعد أن استخدمت حق الفيتو ضد كل عقاب بحق اسرائيل ، وكأنه مكافأة لها على اعتدائها على الفلسطينيين والجولان ، وإلحاقها أراض لا تعود لها ومنها القدس .
كان لابد من ضرب " المثل " لكل العالم الثالث ، أنه من غير المسموح ، تحت طائلة التدمير، لاي شعب أن يرتقي إلى مستوى تقني عال ، أو يستثمر بنفسه ثرواته الوطنية " البترول في حالة العراق " ، دون مراقبة الدول العظمى لأسعارها ، ويشمل المنع بشكل خاص محاولة التخلص من الديانة التي لم تجرؤ هذه القوى على تسميتها ، والتي فرضتها على العالم الثالث بأكمله : وحدانية السوق ، ووثنية المال.
تشير احصائيات الصليب الاحمر الدولي ، ان القصف كلف الشعب العراقي مئتي ألف قتيل من المدنيين . أما الحظر التعسفي الذي فرض على العراق فقد أدى إلى وفاة 500 ألف طفل بسبب نقص الغذاء والدواء .
عندما أرسلت الولايات المتحدة  عسكرها إلى العربية السعودية ، كتب توماس فريدمان ، المشرف على الزاوية الدبلوماسية في النيويورك تايمز في 12 آب يقول : " لم ترسل الولايات المتحدة  جنودها إلى الخليج لتساعد السعودية على صد العدوان فقط ، بل لتساند في الوقت نفسه ، أحد بلدان الأوبك ، خدمة لمصالح واشنطن " .
كما لاحظت الواشنطن بوست أن هذا الاجراء فيه شيء من سلوك الماضي المهجور ، واستشهدت بقول توم مان مدير الشؤون الحكومية في مؤسسة بروكينج : يعامل بوش بلدان العالم الثالث بمنطق استعماري " الواشنطن بوست وفي الحقيقة فقد سبق هذه العملية الاستعمارية ، عدوان إنكليزي ، عندما استرد العقيد عبد الكريم قاسم عام 1961 ، الامتيازات التي كانت تتمتع بها الشركات الغربية " 94 % من الثروة الوطنية " ، والتي حصلت عليها عن طريق الحكومات الدمى التي نصبها المحتلون الغربيون .
كان سلوين لويد ، وزير الخارجية البريطاني ، قد أرسل برقية إلى رئيس الوزراء ، عرض فيها خيارين يتعلقان بالكويت : أما احتلال بريطاني فوري لهذا البلد نصف المستقل ، أو منحه استقلالا اسميا ، وشكك بحكمة استخدام القوة . فالاحتلال يسمح بفرض خيارات صارمة على البترول الكويتي ، لكنه يوقظ المشاعر القومية في الكويت ، وسيكون ذا تأثير على الرأي العام الدولي ، والعالم العربي . وسيكون من الفطنة أكثر ، استبدال هذا الخيار بايجاد نوع من " سويسرا كويتية " لا يسيطر فيها الانكليز مباشرة على البترول . وفي حال اختيار هذا الحل البديل ، سيتوجب علينا ، إذا ساءت الامور ، أن نتدخل بأكبر حزم ممكن ، كائنة من تكون ، الجهة التي سببت الاضطراب . ويجب التأكيد على التضامن المطلق للولايات المتحدة  معنا ، فيما يتعلق بموضوع الخليج ، وهذا يستدعي اجراءات حاسمة للحفاظ على وضعنا في الكويت . وعلى الولايات المتحدة  أن تتخذ اجراءات مماثلة تتعلق بحقول نفط الارامكو في العربية السعودية . والامريكيون موافقون على بقاء حقول النفط في الكويت ، والعربية السعودية والبحرين وقطر ، بيد الغربيين مهما كلف الثمن .
ثم أوجز الوزير البريطاني المصالح الرئيسية للانكليز والغرب في الخليج :
ـ التأكيد على ضرورة وصول بريطانيا والدول الغربية الاخرى إلى بترول الخليج وصولا حرا.
ـ التأكيد على بقاء البترول تحت تصرفنا وعقد اتفاقيات لصالحنا " وبالجنيه الاسترليني " ، واتخاذ ترتيبات مقبولة لاستثمار فائض عائدات البترول في بلادنا .
وقف تقدم الشيوعية والشيوعية المموهة في هذه المنطقة التي تسعى لاحتواء الحركة القومية التي يستخدمها السوفييت إلى هذا المنطقة .
وتدافع وثائق امريكية تعود لنفس الفترة عن الاهداف الانكليزية وبعبارات مشابهة ، ونورد هنا مقطعا من وثيقة مجلس الامن رقم 5801 / 1 ، بعنوان " القضايا الناتجة عن الوضع في الشرق الادنى " :
تؤكد المملكة المتحدة ، أن الاستقرار الحالي ، سيواجه تهديدا خطيرا ، فيما إذا تعذر الوصول إلى بترول الكويت والخليج ، في ظروف مفهومة . ومن جهة أخرى لا تستطيع انكلترا أن تستغني عن الاستثمارات الضخمة لهذه المنطقة في المملكة المتحدة ، كما أن الجنيه الاسترلييني يحتاج لمساندة بترول الخليج " الفارسي " .
وتحمل ، هذه " اللزوميات " البريطانية ، أضافة إلى حقيقة أن واردا مؤكدا من البترول ضروري لحيوية الاقتصاد الاوروبي الغربي ، تحمل إلى الولايات المتحدة  حجة أكبر ، لتدعم ، أو تساعد إذا لزم الامر ، الانكليز ، بالقوة اللازمة لاستمرار سيطرتها على الكويت والخليج " العربي " .
وهكذا اعتبر ايزنهاور الشرق الاوسط ، وكأنه المنطقة الاستراتيجية الاكثر اهمية في العالم . وكانت الولايات المتحدة  ، غداة الحرب العالمية الثانية ، قد جهزت خططها الجيوسياسية : " صاغت مجموعة من الدراسات التي أجراها كل من مجلس العلاقات الخا

21-05-2008 الساعة 11:46 عدد القراءات 3384    

الإسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد


جميع الحقوق محفوظة لدار الأمير © 2022