الولايات المتحدة طليعة الانحطاط
كيف نحضر للقرن الحادي والعشرين
بقلم: رٌوجيه غارودي.
نقله إلى العربية: مروان حموي.
كتب سيمون وايل :
نعرف جيداً أن أمركة أوروبا بعد الحرب ، تشكل خطراً بالغا . ونعرف جيداً ، ما سنفقده لو تحققت هذه الأمركة . فأمركة أوروبا ستقود بلا شك ، إلى أمركة الكرة الأرضية كلها .. وستفقد الإنسانية ماضيها .
سيمون وايل
1909 ـ 1943
سيمون وايل فيلسوف بدأ عاملاً في مصنع ، ثم انضم للجنرال ديغول في لندن عام 1943 . معروف بشكل خاص بكتابه :
" La Pesanteur et La grace "
المقدمة
البطالة والطرد من العمل في بلادنا، والجوع في ثلاثة أرباع العالم، والهجرة كممرّ من عالم الجوع إلى عالم البطالة..
لقد بدأنا باغتيال أطفالنا الصغار ، ونهيئ للقرن الحادي والعشرين انتحاراً كونياً ، فيما إذا استسلمنا للانحرافات الحالية في السياسة الدولية .
ونتساءل: أهناك سياق واحد للأحداث نستطيع من خلاله فهم عصرنا ؟
أعني ، أهناك رابطة داخلية وعميقة تجمع بين كل المشكلات الدولية التي تستدعي التدخل العسكري ، وتبرر دور صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي ، والدور الأوروبي كما رسمته معاهدة مايستريخ ، ومنظمة التجارة الدولية " الجات القديمة " ، وعودة النظام الرأسمالي إلى بلدان أوروبا الشرقية ، والأصوليات الإسلامية والمسيحية واليهودية ، ومشكلاتنا الراهنة : البطالة والتسريح ، والهجرة ، والعنف ، والمخدرات ؟
كيف نستطيع الإمساك بوحدة هذه المشكلات وفهم معناها ؟
وقبل كل شيء: كيف نستطيع أن نضع برنامجا متماسكا للخروج منها ؟
هذا هو موضوع كتابنا .
الولايات المتحدة طليعة الانحطاط
الفصل الأول
ما هي الرؤية التركيبية التي تبرز في نهاية القرن العشرين، والتي يمكن أن نكونّها من مجموعة أحداث تبدو ظاهريا منفصلة بعضها عن البعض الآخر ؟
ما هي المشكلات الكبرى التي تبرز لتشكل مستقبلنا القريب ؟
هل نحن متجهون إلى حرب عالمية ثالثة ، إنما من نموذج جديد ؟ ذلك أن ما سمي حتى الآن بالحربين العالميتين لم يكن في حقيقة الأمر إلاّ حربين أوروبيتين ، لا عالميتين ، ولم تسّم الحرب الأولى عالمية إلاّ لأن الدولتين المتحالفتين إنكلترا وفرنسا ضمتا إلى جيوشهما " فرق الملونين " التي تشكلت من مواطني مستعمراتهما : من الجنود السنغاليين ، حتى جنود الشمال الأفريقي ، بالنسبة لفرنسا ، وجنود ممتلكات التاج البريطاني الممتدة من كندا حتى استراليا ، بالنسبة لبريطانيا.
وجرى الأمر نفسه في الحرب العالمية الثانية ، التي انفجرت أيضا بسبب صراع أوروبي ـ أوروبي ، مع فارق أن الحلفاء الغربيين ، أشركوا في هذه الحرب الشعوب التي كانت خاضعة لهم . فإنزال البروفانس مثلا ، ضم 70 % من عناصره ، جنوداً مغاربة ، ( ونسبة قتلى المغاربة إلى نسبة القتلى الآخرين أعلى بكثير ) . وكان الهدف : تحرير فرنسا . وجرت الحرب الأمريكية ـ اليابانية في نفس السياق ، إذ لم تكن حربا بين حضارتين ، إنما بين خصمين يطوران نفس النظام الصناعي ، وقد اختصما بهدف السيطرة على المحيط الهادي ، وعلى غزو الأسواق . ولم تتداخل الحربان عسكريا أبدا ، فقد تخيّل هتلر ـ كي يبعد الولايات المتحدة إلى أقصى زمن ممكن ، عن النزاع الأوروبي ـ أن يجعل من اليابانيين " آريي شرف " كي يحقق بعد ذلك محور برلين ـ روما ـ طوكيو .
يعتقد هانتجتون في إطار ما يسميه " بالحرب الحضارية " أن الحرب الثالثة إذا ما انفجرت ، ستكون من نوع جديد،
إذ لن تكون نتيجة تنافس الأوروبيين ، فيما بينهم ، بل مجابهة بين حضارتين : حضارة المركز (الغرب) وحضارة المحيط (بلدان الاستعمار القديم) .
كما يعطي لهذين الطرفين مفهوما دينيا : وهو الصدام بين حضارة " يهودية مسيحية " وبين حضارة " إسلامية كونفوشية " . ولئن طرحت المشكلة بشكل سيئ ، إلا أنها مشكلة حقيقية : فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، واستبدال " الشيطان السوفيتي " ، " بالشيطان الإسلامي " " وحلفائه المحتملين ممن نطلق عليهم اسم العالم الثالث ، ثم تدمير العراق " كي يكون مثالا للآخرين " ، نتساءل هل ستحقق الولايات المتحدة حلمها في بسط نظامها الخادع " للسوق الحرة " على العالم كله ؟ وبمعنى ما ـ وهو ما شرحته في كتابي " نحو حرب دينية " ـ سيكون تصادما حضاريا : إن وحدانية السوق ستضطر أن تحطم كل أولئك الذين يريدون الاحتفاظ بنظام آخر من القيم ، غير القيم التجارية ، والذين يدافعون عن هويتهم ، وبالإضافة إلى ذلك عن معنى الحياة .
إن النقطة الحساسة في حدود الإمبراطورية الأميركية " وهي ما كانت تسمى في زمن الإمبراطورية الرومانية قبل أن يمحوها البرابرة " بعتبات الإمبراطورية " ، هي " الخليج العربي" لأنه محاط بأحواض البترول الأغزر في العالم ، وسيبقى لعشرات السنين " عصب التنمية الغربية ". فوق هذه العتبات ، تحقق لوحدانية السوق أحدث نصر ، إذ جرى تدمير العراق ، عبر حرب خاضتها الولايات المتحدة بتأثير جماعتي ضغط في الولايات المتحدة دفعتاها لفتح نار المعركة ، وقد حددهما ألين بيريغيت في جريدة الفيفارو / عدد 5 تشرين الأول 1990 / بأنهما :
1 ـ اللوبي اليهودي. 2 ـ لوبي رجال الأعمال .
وفوق هذه التقطة الحساسة من حدود الإمبراطورية الجديدة لا تتوقف إسرائيل عن لعب الدور الذي رسمه لها مؤسسها الروحي تيودور هرتزل ، وهو أن تكون " حصنا متقدما " .
للحضارة الغربية ضد " بربرية الشرق ".
أما البرنامج الأكثر دقة لدور إسرائيل فقد ظهر جليا في شباط 1982 " أي قبل غزو لبنان بقليل " ، في مجلة كيفونيم التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية : وهو تفتيت كل الدول المجاورة من النيل حتى الفرات ، وهي الطريقة الأفضل التي تستجيب لأطماع الهيمنة العالمية للولايات المتحدة ، في الموضع الأكبر حساسية على حدود إمبراطوريتها .
كما فرضت على الشعب العراقي إجراءات حرمان مميت ، من خلال الحظر الذي يستمر في القضاء على الأطفال في محاولة لسرقة حتى مستقبل هذا البلد. واليوم يرصد هدف جديد ، ربما كان أكثر أهمية من الهدف السابق : إيران ، التي لم يستطع العراق أن يهزمها ، رغم الدعم المالي السخي ، والسلاح الوفير ، اللذين قدمتهما الولايات المتحدة وأتباعها .
لقد جرى تحديد الهدف الجديد في مؤتمر شرم الشيخ عام 1996، وكانت الحكومة الإسرائيلية هي التي حددت الهدف: " محاربة الإرهاب " و " التدخل الإنساني ". هذان هما الإدعاءان الجديدان المتكاملان للإستعمار الجديد . وحدد شمعون بيريز ، ودون أن يمتلك أدنى دليل ، إيران بأنها " مركز الإرهاب " الدولي .
ومن المتفق عليه أن كلمة الإرهاب ، تشمل كل أشكال مقاومة الشعوب دفاعا عن استقلالها ، مع استبعاد كل أشكال الإرهاب التي تمارسها الولايات المتحدة التي تهدد استقلال هذه الشعوب . وعلى سبيل المثال، يزعمون أن مقتل جندي إسرائيلي في الجزء المحتل من جنوب لبنان، بمعنى أن يُقتل محتل من قبل المقاوم، كما حدث في الماضي في فرنسا أيام الاحتلال النازي، هو عمل إرهابي. أما مذبحة المدنيين في قانا ، والقصف الإسرائيلي الذي وصل حدود مدينة بيروت فهو " دفاع مشروع " ، تماما كما هو " مشروع " تصفية النازيين لأربعين من رجال المقاومة في شاتوبريان انتقاما لمقتل ضابط ألماني في باريس .
وعندما سقطت طائرة أمريكية فوق أولمبياد أتلانتا ، وقبل إجراء أي تحقيق ، وجهت أصابع الاتهام إلى إيران . ورغم ضغط وكالة المخابرات المركزية، على وسائل الإعلام، لم يثبت من خلال المعاينة الميدانية أي دليل على صدق هذا الادعاء.
من السهولة بمكان أن نورد العديد من الأمثلة لاختلاق المزاعم المتصلة " بالمعركة ضد الإرهاب " أو " التدخل الإنساني " و " الدفاع عن حقوق الإنسان " ، لتبرير الاعتداءات المباشرة على الدول المتهمة ، ووضع العراقيل في وجه التعامل التجاري معها . لقد تذرعوا بـ " تيان آن مين " لكبح نمو العلاقات الاقتصادية مع الصين ، ولكن مقتل ألفي لبناني مدني في مذبحة قادها آريل شارون عام 1982 ، لم تكن كافية للحد من الدعم الأمريكي لإسرائيل بالسلاح والمال ، باعتبارها رأس حربة لوضع اليد على كل بترول الشرق الأوسط .
وإنه لأمر ذو مغزى أن الحاخامات الأكبر تطرفا والأكثر شوفينية إنما تلقاهم في الولايات المتحدة ، حيث تعيش الجماعة اليهودية الأكثر أهمية في العالم ، بل إنها أكثر أهمية حتى من المجتمع الإسرائيلي نفسه . أما المحاربون القوميون الأكثر تعصبا فهم الحاخامات الذين تربوا في المدارس التلمودية التي أسسها الحزب القومي الديني برئاسة الحاخام الأمريكي " زفي يهودا كوك " (1891 ـ 1982 ) والتي كانت مبادئها الرئيسية كما يلي :
" يتابع الله عمله للخلاص عبر المعجزة التالية : وضع كل هذه الأراضي تحت السيادة اليهودية . كل الأرض التوراتية اليهودية مقدسة ، إنه تكليف إلهي : حماية الأرض وإلحاقها ، وبناء أكبر عدد ممكن من المستوطنات اليهودية فيها .. وكل تسوية إقليمية إنما تؤخر زمن الخلاص ".
أما المجموعة الثانية من الحاخامات الأمريكان والمعروفة باسم لوبافيتش والتي تستوحي أفكارها من حاخام بروكلين العجوز ، اليعازر مزراحي ، فتعلم أتباعها بكل صراحة ، أنه يحرم على الشعب اليهودي أن يتخلى عن أصغر كسرة من أرض إسرائيل الكبرى إلى العرب ، وكذلك يحرم التفاوض معهم حول هذا الأمر .
تمثل إيران العقبة الرئيسية في هذا المشروع، وخاصة أنها تقيم علاقات طبيعية مع باكستان والهند والصين وروسيا، وحديثا مع تركيا، التي تسير في طريق العودة إلى الإسلام. وتتابع إيران مسيرتها على الرغم من التعليمات الأمريكية بفرض حصار عليها .
وتشكل إيران مركزا محتملا لإعادة تجميع أجزاء كبيرة من الجزيرة الآسيوية الأوروبية في مواجهة أطماع حلف الأطلسي. ويمكن في ضوء هذه الحقيقة، تفسير الجهود التي تبذل في إطار الإستراتيجية الأمريكية تجاه العالم، لتأمين كل الإمكانيات لتطوير السلاح النووي الإسرائيلي، رغم رفض إسرائيل لأي رقابة دولية على نشاطها النووي.
إن نقطة الضعف الإسرائيلية في هذه الإمبراطورية، هي فقدانها للروح، ونعني بذلك فقدانها لأي مشروع تعاوني من أجل مستقبل الإنسان إلا تنمية إنتاجها واستهلاكها من خلال تفوقها بالسلاح.
هذا هو السبب الذي اضطر معه هانتجتون لان يقنع حقيقة أفكاره بتعارض مزعوم بين الحضارة اليهودية ـ المسيحية و " التواطؤ الإسلامي ـ الكونفوشيوسي " ( وهو الوريث لأقدم الحضارات في العالم من دجلة إلى سورية إلى الصين ) . وقد اعتبر المؤرخ توينبي أن النطاقين السوري والآسيوي المركزي هما مركز الحضارة ، فقال : " في سورية ، أخذت المسيحية شكلها الذي انتشرت من خلاله في العالم الهلنستي كله ، وفيما بين النهرين ، تشكلت النسطورية ، ومذهب الطبيعة الواحدة ، وفي الحجاز ، جنوب سورية ، ظهر الإسلام في مكة ، وفي الحدود الشرقية لشمال الجزيرة العربية ، ولد المذهب الشيعي " .
إنه تحديد غريب للقطبية في العلاقات الدولية ، باسم " العولمة " الاستعمارية للاقتصاد ، ضد الهويات الثقافية أو الدينية ، لكل الحضارات الأخرى .
وينشأ عن هذا الأمر ، بغية مقاومة هذا التوحيد للشكل بلا روح ، ضرورة قيام اتحاد أوروبي ـ آسيوي مع أمريكا التي سماها مستعمروها القدماء باللاتينية ، بغية إفشال محاولات الولايات المتحدة للقضاء على بذور المقاومة سواء في الميادين العسكرية والاقتصادية ، أو الدينية والثقافية ، والتي يمكن أن تنمو في كل القارات . إن محاولتها تفتيت مراكز المقاومة التي لا تقهر ، تظهر الآن جلية في الكرة الأرضية كلها . كما تشجع في نفس الوقت الصراعات الاقليمية ، فتحرض كوريا الجنوبية ضد كوريا الشمالية ، وتايوان ضد الصين ، والهند ضد الباكستان ، وكذلك البوسنة ضد الصرب، لتبرير تدخلها العسكري على ما كان يعرف بالحدود بين الإمبراطوريتين العثمانية والنمساوية . وفي أمريكا اللاتينية تغذى الخلافات بين كوبا والبلدان الأخرى في أمريكا الجنوبية ، أو بدقة أكثر من واجهة المحيط الهادئ " تشيلي " إلى واجهة الأطلسي لشبه القارة الأمريكية الجنوبية .
وتعتبر " خطة السلام " المزعومة في فلسطين النموذج الأكثر تعبيرا عن المناورات الأمريكية ، فهذه الخطة لا تقدم للفلسطينيين إلا غبار ما كان يتمتع به المواطنون السود في التنظيمات الإدارية ، في ظل نظام التمييز العنصري في اتحاد جنوب أفريقيا " البانتوستان " ويمثل أقل من 6 % من الأرض الفلسطينية محاطا بطرق تصل المستعمرات الإسرائيلية بحماية الجيش الإسرائيلي . وقد شارك حزب العمل في هذا التفتيت ، الذي اخترعه بيغن تحت اسم الحكم الذاتي ، والذي تابع خلفاؤه من الليكود ، الذين تسلموا السلطة اليوم ، تنفيذه بسعي حثيث . إن هدف الحزبين ، إلحاق فلسطين عن طريق زرع نصف مليون يهودي مستوطن ، والاستيلاء على الأرض والماء .
وقد بدا هذا التحدي مجزيا للمعتدين ، لأنه لم ينجح في تقسيم الفلسطينيين فحسب ، بل أيضا في انقسام العالم العربي بكاملة ، حول الموقف الواجب اتخاذه حيال هذه المناورات التقسيمية الكبرى.
ويعبر التناقض الرئيسي في العالم المعاصر، عن نفسه بمنتهى الجلاء في خلق الانقسامات إلى أقصى حد. والخبث الأكبر فيما يسمى الدفاع عن " الديمقراطية " وعن حقوق الإنسان ، يمكن اكتشافه في حالة الجزائر الآن : فالتناقض كان واضحا جدا ، إذ اتخذ النظام " الديمقراطي الحر" اتجاها متناقضا تماما مع كل مبادئ هذا النظام ، فقد قبل بوقف العملية الانتخابية " الحرة " وساند الانقلاب العسكري بهدف مقاومة أصولية جبهة الإنقاذ الإسلامية .
وهناك، وكما يجري في فلسطين، كانت المشكلة الدينية هي التي دفعت لتحتل المرتبة الأولى. ويتطلب الأمر النضال ضد الحملة العالمية التي تشن باسم ديانة لا يجرؤ أحد على تسميتها : وحدانية السوق ، والتي تصطدم عندما يتطلب الأمر، مع ديانات محددة ، مثل إسلام أورو ـ آسيا وأفريقيا ، أو مثل الحركات اللاهوتية التحريرية في أمريكا.
لو أن الإسلام ، بدل أن يتمترس خلف ماضيه ، استعاد المفهوم القرآني حول وحدانية الأديان ، منذ أن نفخ الله روحه في آدم ، مع " شريعة " تشكل قاسما مشتركا لكل أشكال الإيمان والحكمة، على مستوى العالم كله ، وبكلمة أخرى ، لو جمع بين أصالة القرآن في فقه التحرير ، مع أصالة رسالة يسوع ، بعد قرون من اللاهوتيات الهيمنة ، لاطمأنت هذه الجبهة العالمية إلى انتصارها على عالم بلا روح تسوده وحدانية السوق . هذا هو مدى اتساع الدراما التي تلعب على مستوى الكوكب الأرضي ، في كل المستويات : الثقافة والإيمان ، وكذلك السياسة والاقتصاد .
وقد ظهرت محاولات لحشد الناس: ففي عام 1991، عقد في الخرطوم مؤتمر شعبي إسلامي عربي، بناء على دعوة من السودان وإيران.
إشارة أخرى كاشفة : ففي مؤتمر سيتل ، عام 1995 ، حيث أملت الولايات المتحدة أوامرها بقبول أهدافها في " سوق عالمية " ، انسحب القادة الآسيويون الرئيسيون بسبعة المطالب الأمريكية ، حتى أن رئيس وزراء ماليزيا وهي إحدى الدول المؤسسة لمنظمة " آسيان " ، قد رفض أن يتابع أعمال المؤتمر تعبيرا عن احتجاجه على سياسة التدخل الأمريكي . أما كلينتون الذي عبر عن خيبة أمله من الموقف الأوروبي ، فقد أبدى رغبة في أن يتوجه بأنظاره نحو المحيط الهادي .
في عام 1982 ، بنت الصين مركزا للأبحاث النووية في أصفهان ، في محاولة لوضع عقبة في وجه حرب وقائية ضد إيران ، على غرار تدمير إسرائيل ، في ظل سلام تام ، مفاعل تموز النووي في العراق ، في الوقت الذي كانت تبني هي سرا ، ترسانتها النووية ، إلى أن كشفت اعترافات الفيزيائي الإسرائيلي ، مردخاي فعنونو ، في جريدة لندن صاندي تايمز ، في 5 تشرين الأول عام 1986 ، عن خطورة هذه الترسانة القادرة على محو كل المدن وصولا إلى السد العالي في مصر .
وتضم المجموعة النووية الإسرائيلية ، إضافة إلى مفاعل بلوتونيوم في ديدمونة ، مركز البرمجة النووية في مورك " حيث يوجد فيه مفاعل أمريكي تجريبي " ، وحقل اختبار صواريخ بالميكي ، ومعمل تجميع في يوديفات وقواعد تحزين الأسلحة النووية التكتيكية في كفار وزاخريا ، وايلابون .
وما زال فعنونو، منذ ذلك الحين ، في السجون الإسرائيلية ، بينما تستنكر الحكومة التجارب النووية في الصين ، والهند ، وباكستان ، وكازاخستان التي ورثت جزءا من السلاح النووي السوفيتي .
ويكشف التحالف الحالي ، بين الليكود والأصوليين الدينيين ، في أعقاب انتخابات 1996 ، بشكل أكثر وضوحا من أي وقت مضى ، الدور الذي تحضر إسرائيل نفسها له وهو تفجير حرب عالمية جديدة .
وربما تكون الصدمة أكثر وحشية لا سيما وان روسيا ، التي تختزن كمية ضخمة من الأسلحة النووية ، قد تحولت إثر تفككها إلى دولة شبيهة تماما بإسرائيل : أي جيش يمتلك دولة ، لا دولة تمتلك جيشا .
وفي إطار الفوضى وتفكك الدولة ، اللتين حققهما يلتسين بمساعدة الولايات المتحدة ، لا نستطيع أن نتصور إطلاقا مخرجا آخر للتخلص من الإهانات ومن أشكال التمزق التي تعاني منها البلاد منذ " استعادة الرأسمالية " ، إلا الدكتاتورية العسكرية القومية .
ونتصور أنه أمر سيئ وجود جيش بلا دولة، في خدمة بلد توقف عن الوجود بسبب غياب المشروع الجماعي. ولن تستطيع هذه الديكتاتورية العسكرية التي لن تكون نتاج حركة تاريخية ، وإنما انطلاقا من منطق جبري لعلاقات القوى في العالم ، أن تواجه منظورا آخر غير التحالف مع ألمانيا وآسيا المركزية ، بهدف مقاومة التبعية لواشنطن وإسرائيل ، المتمثلة باحتواء السوق الروسية ضمن النظام العالمي الجديد في صيغته الإنحطاطية والمافيوية . ويتوجب على هذا البلد أن يختار بين هذين العالمين، ولن يعدم التشيع التاريخي للمسيحية الأرثوذكسية، والقومية الروسية، من الحصول على الوسائل الأزمة لتوجيه هذا الاختيار.
ولم تعد أوروبا حليفا دائما ومؤكدا للولايات المتحدة ، ليس فقط لأن معاهدة مايستريخ جعلت من أوروبا ملحقا تابعا لحلف الأطلسي ، مبدية هذه الأيام شرورها الاقتصادية والثقافية ، وإنما لأن انقسام أوروبا على نفسها يظهر أكثر فأكثر .
ويشهد على ذلك حادثان حاليان :
ـ بينما قبلت بريطانيا وفرنسا أن تجعلا من جيشيهما ملحقين بالجيش الأمريكي في العراق، فقد عارض 80 % من الشعب الألماني التدخل العسكري في هذا البلد.
ـ وفي يوغسلافيا كان الألمان الواجهة للتحالف مع الكروات بينما لم يتخذ البريطانيون والفرنسيون مواقع معارضة للصرب إلا بضغط جرماني ـ أمريكي .
وفي اللحظة التي تحول فيها الأمريكيون من دائن إلى مدين رئيسي ، حيث أصبحت استثماراتهم ، الأقل في العالم الصناعي ، على الرغم من قوتهم التي تأتي من تقنية ضغط الزر ، ومن جيشهم الذي لا يحركه أي مشروع إنساني ، ولا يحلم ، شأنه شأن البنتاغون ، إلا بحروب يكون فيها الهلاك " حتى الصفر " . وتظهر هذه البلاد التي يريد قادتها أن يصبحوا سادة العالم ، كجبار بقدمين من صلصال ، بسبب هشاشته الاقتصادية المموهة لبعض الزمن ، بالمضاربات المالية التي حولت المصارف إلى كازينوهات ، وحيث تضاعفت إفلاساتها ، بعد إفلاسات صناديق التوفير.
لهذا السبب ، تراهن الولايات المتحدة ، ولو لزمن ، على سياسة التسليح ، لمواجهة صعود عمالقة آخرين . ليس فقط بالتسليح المبالغ فيه لمرتزقتهم الرئيسيين في الشرق الأوسط : إسرائيل ، ولكن أيضا لتأخير بزوغ الصين . ومثلما تبحث إنكلترا عن المراوغة في إعادة هونغ كونغ إلى الصين ، تقوم الولايات المتحدة بتسليم طائرات إلى تايوان بقيمة 5 , 4 مليار دولار ، في الوقت الذي باعتها فرنسا فيه، ستين طائرة ميراج .
كل ذلك يحدث لمنع الصين من التوحد مجددا ، الصين التي ستصبح بسوقها الداخلية لمليار و 200 مليون إنسان ، ومصادرها الطبيعية الكبرى ، واليد العاملة وقد دخلت الولايات المتحدة ، في مرحلة " قصور حراري " من تاريخها ، أي مرحلة من التفكك الداخلي بسبب النمو البائس لأمريكا الأخرى ، النمو البائس لثلاثة وثلاثين مليون مواطن يعيشون تحت عتبة الفقر ، ومن التفتت الاجتماعي بسبب التمييز العنصري الممتد عبر القرون ، وبشكل خاص ضد السود ، والذي تشهد عليه فتن لوس أنجلوس الاحتجاجي لمليون أسود في واشنطن والذي قاده الزعيم الأسود فرحان ، وكذلك الانحلال الاجتماعي بسبب المخدرات والفساد، والمضاربات الطفيلية .
مرة أخرى نقول ، لقد استطاع النظام " المركز " الذي يسعى عبر القوة التقنية الفريدة لأسلحته ، أن يجعل من سيادة دول " المحيط " سيادة محدودة ، وأن يحتكر لنفسه " حق التدخل " مموها ذلك ، عند الإمكان ، بأنه تدخل إنساني تحت غطاء مؤسسات يفتعلها مثل الأمم المتحدة ، وصندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي .
الفصل الثاني
وحدانية السوق
تنبع كل دواعي هذا الانحطاط من منطق " اقتصاد السوق " الذي أصبحت نسخته الأخيرة الديانة المسيطرة ، ديانة لا تستطيع أن تعلن عن اسمها الحقيقي : " وحدانية السوق " .
عاصر السوق، كمكان للتبادل، كل المجتمعات التي طبقت مبدأ تقسيم العمل، فمنذ ما قبل التاريخ، تشهد المشاغل، ومنتجات الصوان المنحوت، أنها لم تكن موجهة للاستخدام الشخصي، وإنما لمقايضة احتياجات أخرى في الحياة. ثم تكون سوق القرية التقليدي، حيث كان يحمل إليه البيض والدجاج والخضار لبيعها مبادلة مع بضائع أخرى تنتجها الأداة أو المهارة أو لدفع أجور خدمات البيطار أو الحلاق.
وهناك اختلاق أساسي بين أشكال السوق المتعاقبة، وهو وجود الوسيط، أي النقد الذي استخدم في الأصل كأداة قياس، تقاس بها وفق قاسم مشترك، منتجات الأعمال المختلفة كما ونوعا. لكن السوق ، وتبنى على تراتبية اجتماعية، وقيم أخلاقية ظاهرة أو مضمرة، وديانات نشأت خارجه ، ولم تبحث عن مبرراتها فيه .
ولم يتحول السوق إلى " ديانة " إلا عندما أصبح المنظم الوحيد للعلاقات الاجتماعية والشخصية والقومية، والمصدر الوحيد للسلطة والمراتب الاجتماعية. ولا يعنينا هنا أن نؤرخ لهذا التحول ، الذي أصبحت فيه كل القيم الإنسانية قيما تجارية ، بما فيها الفكر والفنون والضمائر .
وسنكتفي بالإشارة إلى النتائج الاقتصادية والسياسية والروحية للصورة الأخيرة لهذا القرن ، ولإعطاء نظرة إجمالية لبعض الميادين ، كي نحرر أنفسنا من النظرة " التخفيفية " لخطورة هذه النتائج ، ولهذا " القصور الحراري " الإنساني الذي يراه بعض منظري البنتاغون وأتباعهم في العالم ، بحسب عنوان كتاب فوكوياما : " نهاية التاريخ " .
وسوف يقود الأمر ، إذا ما وصل هذا الانحدار منتهاه إلى نهاية الإنسان مما يتصف به أساسا : سمو المقصد مقابل التخلي عن الحتمية الاقتصادية التي يعتبرونها قوانين طبيعية ، تماما مثل الغرائز الفطرية الحيوانية التي تسود البحار وحدها ، حيث يتغذى السمك الكبير بالتهام الأسماك الصغيرة ، أو التي تسود الأرض من خلال الفوضى البيولوجية لمليارات النطف أو الحيوانات المنوية ، لتكوين جنين بالصدفة .
وما تتصف به " وحدانية السوق " في الواقع ، هذه الليبرالية الشمولية ، هو احتقار حرية الإنسان ، وابتزاه بالتالي عن بعده الذي يتميز به وهو : أنه ليس نتاجا لقوانين الطبيعة ، بل العكس ، إنه قادر على تكوين مشاريع ليست امتدادا بسيطا للماضي ، ولا نتيجة لغرائزه الحيوانية ، أو مصلحته الفردية . لقد بالغ آدم سميث في هذا العزل للإنسان فكتب يقول :
" إن الخطوط الكبرى لعالم الاقتصاد الحقيقي ، قد رسمت لا وفق خطة شاملة برزت من عقل منظم ، ثم نفذت اختيارا من قبل مجتمع ذكي ، إنما من خلال تراكم عقود لا حصر لها ، رسمها حشد من الأفراد أذعنوا لقوة غريزية ، دون وعي بالهدف الذي سيصلون إليه . " من كتاب أبحاث في الطبيعة وأسباب غنى الأمم " (1) .
من آدم سميث حتى فريدريك فون هايك مرورا بباستيا وفريدمان ، تكرر رفض مفهوم القصدية (2) .
وقد كتب ميلتون فيردمان في كتابه " حرية الاختيار " 1981 يقول :
" إن التنسيق بين نشاطات ملايين البشر، الذي لا يعرف أي منهم إلا مصلحته الشخصية، قد حسن، أوضاعهم جميعا. ويقوم الأسعار بسد هذه الثغرة بغياب أي توجيه مركزي، ودون الحاجة لأن يتحدث الناس في هذا الأمر أو يحبوه. إن النظام الاقتصادي هو انبثاق، أي أنه ليس نتيجة مقصودة أو مطلوبة من قبل عدد كبير من الأشخاص تحركهم مصالحهم الشخصية وحدها. ويقوم نظام الأسعار بوظيفته بشكل جيد، وبكثير من الفاعلية، بحيث أننا لا نكون واعين، وفي القسم الأعظم من الوقت، أنه يقوم بدوره ".
ويضيف فون هايك في كتابه " الفردية والنظام الاقتصادي " :
" ليس أمام المرء في مجتمع معقد من اختيار آخر إلا أن يكيف نفسه لما يبدو له أنها قوى عمياء للصيرورة الاجتماعية ".
أصبح ممكنا اليوم أن نسترجع مسار النمط الغربي للتنمية ، منذ أن وقع الخطأ القاتل في توجه ما سمي النهضة، أي نمو حضارة الكم والتفكير ألذرائعي ، والديكارتية ، وديانة الثروة ، بعد أن فصلت عن البعد الأول للعقل وهو التأمل في الغايات النهائية للحياة ومعناها .
وكتب ميشيل ألبرت في كتابه " الرأسمالية ضد الرأسمالية " 1991 .
إن الأمر المطلق " أو الفعل الضروري بذاته " ، هو إفراغ المسألة الفلسفية من القصدية " الغائية " . هذه هي في النهاية ، الغاية الأخيرة من وحدانية السوق . إنها " ربطنا " بالحياة الأكثر زيفا ، التي صوروها منذ أول فيلم أمريكي يبدأ بصيد الهنود مع " سفاحي الغرب الأمريكي " ، ومع غاب المال ، مع مسلسل " دالاس " ، مرورا بكل أشكال العنف والهمجية ، مع باتمان " الرجل الوطواط " ، مرورا الترميناتور الماحق ، وانتهاء برموز ارتدادنا إلى عالم الديناصورات.
ولن نورد هنا إلا ما يشكل في يومنا هذا ، المدماكين الأكثر صلابة لتوسع السوق : المخدرات (3) والسلاح .
يبلغ حجم التعامل بالمخدرات في الولايات المتحدة اليوم، من الضخامة ما يعادل أرقام التعامل في صناعة السيارات، أو صناعة الفولاذ. ويزداد استهلاك المخدرات طردا ، مع فقدان الحياة لمعناها ، نتيجة للبطالة والتسريح ، أو أمور أخرى . إن الغاية النهائية للحياة هي الاستهلاك الذي يخلق ازدهار " السوبر ماركت " . وإنه لأمر ذو دلالة أن الرقم القياسي لانتحار اليافعين ، سجلته الدول الأكثر غنى : الولايات المتحدة ، والسويد . في الجنوب ، يموت الناس بسبب نقص وسائل العيش ، أما في الشمال فيموتون لانعدام غايات الحياة .
ويعتبر الاستهلاك المتزايد للمخدرات ، أحد النتائج الطبيعية لوحدانية السوق : أولا ، بسبب إنتاجها . إن الربح الذي تدره نبتة الكوكا التي يستخرج منها الكوكاين ، على الفلاح البوليفي ، أكبر بعشر مرات من ربح نبتة الكاكاو أو البن ، وهي وحدها القادرة على السماح له بالحياة . كما أن الدولة ، ملزمة بتسديد ديونها لصندوق النقد الدولي . ونتيجة لاستهلاك المخدرات ، تعاني الولايات المتحدة من ثلاثة ملايين مصاب بالتسمم المزمن ، أما الذين يتعاطون المخدرات فيقدر عددهم بعشرين مليون أمريكي . أما في فرنسا ، واستنادا إلى تقديرات مؤسسة سوفر فقد تناول فرنسي واحد من أصل خمسة تتراوح أعمارهم بين 12 ـ 14 عاما " يعيش أو مازال يتناوله " أصبحت المخدرات بخور " الكنيسة الجديدة " ، نعني وحدانية السوق . ويعطينا الاتحاد السوفيتي معنى كبيرا ، فمنذ العودة إلى الرأسمالية ، انفجر إنتاج واستهلاك المخدرات ، وتضاعفت مساحة الأراضي المزروعة بالخشخاش في أوزبكستان خلال عامين فقط (1991 ـ 1993) . أما أفغانستان ، فقد أصبحت منذ عام 1993 البلد الأول المنتج للأفيون ، فقد تضاعف إنتاجها ثلاث مرات .
أما في ميدان السلاح ، فقد استمرت صناعته الأكثر ازدهارا في الولايات المتحدة ، وجعل منها القوة الأولى في العالم ، منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى . وقد حملت الحرب العالمية الثانية ، والتي أصبحت الولايات المتحدة بفضها تملك نصف ثروة العالم ، حلا نهائيا للازمة الاقتصادية فيها ، والتي بدأت عام 1929 . كما أدت الحرب الكورية إلى ازدهار اقتصادي جديد . أما مجزرة العراق ، فقد أدت بما رافقها من انتشار من خلال النقل الحي عبر القنوات الفضائية ، إلى صقل سمعة الأسلحة الأمريكية حيث ارتفع الخط البياني للإنتاج بعد انتهاء الحرب بشكل سهمي.
وهناك نتيجة طبيعية أخرى لوحدانية السوق : الفساد .
حدد آلن كوتا منطق هذا النظام : " إن تصاعد وتائر الفساد أمر لا يمكن تجنبه نتيجة انطلاق النشاطات المالية والسمسرة . وبقدر ما تتيح لنا المعلومات عن العمليات المالية من مختلف الأنواع، على الأخص عمليات الدمج ، والشراء ، والمكتب العام للمشتريات ، التي تسمح بتكوين ثروات ببضع دقائق ، من المستحيل تكوينها من خلال عمل كثيف يستمر حياة كاملة ، فان إغراء البيع والشراء يصبح أمرا لا يمكن مقاومته " .
ويضيف : " إن الاقتصاد التجاري سيلقى دعما دائما من هذه السوق الأساسية .. ويلعب الفساد دورا شبيها بالخطة " .
وليس هناك كلام أفضل من هذه العبارات : في نظام يباع كل شيء فيه ويشترى ، يتوقف الفساد ، بل وحتى الدعارة ، عن كونهما انحرافات فردية ، ليصبحا قانونين بنيويين في صلب هذا النظام (4) .
والعهر السياسي هو المثال الأكثر فضحا . فالبعض أيد حرب الخليج من أجل حفنة من الدولارات . والبعض برر نزول عشرات الألوف من الجنود الأمريكان إلى أرض مقدسة ومحرمة على كل الكفار ، ودفع نفقاتهم ، أما يلتسين فقد باع بلاده رخيصة ، بعد أن نام على أبواب صندوق النقد الدولي ، الذي أرسل إليه سوروس الشهير ليكون حاميه الكفؤ.
هذه هي الظواهر التي تحدد انحطاط النظام ، حيث تدر المضاربات أكثر بكثير مما يدره الاستثمار في ميدان الإنتاج أو الخدمات .
وتحمل كلمة المضاربة معنى محددا كالذي سجله معجم روبرت في التعريف التالي : المضاربة عملية مالية تتضمن الاستفادة من تقلبات السوق " حركة القيم والبضائع " من أجل تحقيق منفعة.
وقد لاحظ آلياس الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد أن التدفق المالي يرتفع في المتوسط إلى ألف ومئة مليار دولار في اليوم ، أي أربعين مرة أكبر من التدفق المتصل بالقواعد التجارية . إن نظاما كهذا لا يمكن الدفاع عنه " آلياس : الغرب على حافة الهاوية ـ مقابلة في جريدة الليبراسيون في 2 آب 1993 " .
تشير هذه الحقائق أن النظام القائم لوحدانية السوق يحقق للمرء ربحا ، فيما لو دخل ميدان المضاربة بالمواد الأولية ، أي أوراق النقد ، أو ما يدعوه الاقتصاديون " المنتجات المشتقة " ، وهي كل مالا يؤخذ في الحسبان ، عند تعداد المنتجات أو الخدمات ، أكبر أربعين مرة مما لو عمل في ميداني الإنتاج أو الخدمات .
( إضغط هنا لقراءة الفصل الثالث )
هوامش الجزء الأول:
يحفل الكتاب بحشد كبير من الأسماء والأعلام ، لذلك آثرت إثباتها في نهاية كل فصل . أما الهوامش التي وردت في النص الأصلي للكتاب، فقد أشرت إليها بكلمة غارودي.
1 ـ نحكم هنا على الوحشية النازية في أوروبا ، ولكن أحداث صيف (الجزائر) عام 1945 ، وهايفوتج عام 1946 ومدغشقر عام 1947 ـ 1948 ، والدار البيضاء عام 1947 ، وساحل العاج عام 1950 ، تدل أن المجازر وأعمال التنكيل التي ارتكبتها جيوش الجمهورية الفرنسية لم تتوقف (غارودي) .
2 ـ لقد نشرت النص العبري الأصلي ، وترجمته إلى الفرنسية في كتابي " فلسطين أرض الرسالات المقدسة " (المنشور عام 1986 ـ غارودي) .
3 ـ " آسيان ASIAN " منظمة دول جنوب شرق آسيا . هدف المنظمة إنشاء سوق مشتركة بين ماليزيا ، وإندونيسيا ، وتايلاند ، وسنغافورة ، وبروناي ، والفيليبين .وكرد فعل أمريكي ، شبيه بتأثر الماء على النار ، قامت الولايات المتحدة ، بإنشاء منظمة ، تضمها واستراليا ، ونيوزيلانده ، باسم " الاتحاد الاقتصادي لآسيا في المحيط الهادئ (APEC ـ غارودي) .
هوامش الفصل الثاني:
1ـ آدم سميث (1723 ـ 1790) : فيلسوف واقتصادي انكليزي يعتبر مؤسس علم الاقتصاد الكلاسكي ، اشتهر بكتابه " دراسة في طبيعة وأسباب ثروة الأمم " . يعتبر هذا الكتاب المحاولة الأولى في تاريخ الاقتصاد ، الهادفة لفصل الاقتصاد السياسي عن العلوم المتصلة به ، السياسية والأخلاقية والدينية ، ويتضمن تحليلا عن عملية الغنى الاقتصادي ، وتوزع هذا الغنى بين الأمم والأفراد .ويرى أن المصادر الأساسية لكل الدخول هي الإيجار ، والأجور والأرباح . كما درس تطور الصناعة والتجارة لدى الأمم الأوروبية ، وطبيعة رأس المال . والموضوع الرئيسي الذي صيغ باعتباره لرأس المال ، بغية إنتاج الثروة وتزريعها ، يكون في غياب التدخل الحكومي ، وفي حرية التجارة .
ويرى سميث أنه بالإمكان تشجيع الإنتاج والتبادل ، وبالتالي تحسين مستوى المعيشة فقط ، من خلال النشاط الفعال لرجال التجارة والصناعة على أن يعملوا في ظل أقل ما يمكن من سيطرة الحكومة وتدخلها .
وقد شهدت هذه النظرية تعديلات هامة من قبل اقتصاديين متعددين ، على ضوء التطورات التي طرأت منذ زمن سميث ، ولكن نظريته ـ مع ذلك ـ لعبت دورا كبيرا في رسم الرأسمالية . (موسوعة فانك رواجنل ـ المترجم) .
2 ـ فون هايك : اقتصادي انكليزي من أصل سودي ولد عام 1899 ، حائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية . درس الأزمات الدورية في الاقتصاد .
ـ ميلتون فريدمان : اقتصادي أمريكي ولد عام 1912 حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد . اشتهر بدراسة مشكلات النقد .
ـ فريدريك باستيا (1801 ـ 1850) : اقتصادي فرنسي دافع عن حرية العمل ، وحرية التبادل.
3 ـ تشير دراسة أجرتها وزارة الصحة الأمريكية ، أن استخدام المهدئات عند المراهقين في سن 12 ـ 17 عاما ، قد ازدادت 78 % ، ما بين عامي 1992 ـ 1995 . وقد ارتفع استهلاك حبوب الهلوسة ، مثل حبوب ل . س . د ، إلى 183 % (54 % ما بين عامي 1994 ـ 1995) ، وارتفع استهلاك الكوكليين إلى 166 % ، والماريجوانا إلى 105 % 37 % ما بين عامي 1994 ـ 1995.
واعترف 4, 10 % من الشباب الأمريكي ، من نفس الشريحة العمرية ، أنهم تناولوا المخدرات خلال الشهر السابق على الاستطلاع الذي أجرته وزارة الصحة .
وتدل دراسة أخرى ، رسمية أيضا أن حالات الإسعاف التي سجلتها المستشفيات ، بسبب الإسراف في تعاطي المخدرات ، قد ازدادت 96 % في حالات تعلطي الكوكايين ـ غارودي) .
4 ـ من الملاحظ أن عودة الرأسمالية إلى بلدان شرق أوروبا ، قد رافقها ارتفاع مجنون في انتشار البغاء . (غارودي) .
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |