الرمز والمعنى والمقدس: القدس نموذجا
إيمان شمس الدين *
الارتباط هو بين فكرة المقدس والسلوك العملي اتجاهه كونه يشكل رمزية ترتبط بالمعنى، فحسب المنهجية القرآنية كانت للرموز دلالات وارتباطات بالمعنى يراد لها مخاطبة الإنسان من كل موارد ومصادر معرفته التي من ضمنها الحس، بل الإنسان حسي الطبع، يميل للمحسوس للارتباط بالمعقولات أو الانتقال للمجردات. فالاستقراء غالباً يكون للمحسوسات ومنها ينتقل للكليات والمجردات.
فالرمز ليس مجرد عن عمقه بل هو منظومة متكاملة يراد منها تحقيق الغاية المنشودة منها، ولا يمكن أن تحقق الغاية في حال جردنا هذا الرمز مما يرتبط به من معنى.
وكذلك المعنى لا يدرك عند الأعم الأغلب من الناس إلا من خلال رمزيته وقليل هم من يمكنهم إدراك المعنى دون الرمز.
الرمز والمعنى:
فمثلاً العبادة كالصلاة والصيام هي رموز حركية لها ارتباطات بالمعنى اذا ما تحقق هذا المعنى يصبح هناك انفصال واقعي عن فلسفة هذه العبادة وعن تحقق غاياتها في الخارج عملياً ووجودياً، والمقدس هو احد هذه الرموز التي لها ارتباط قوي بالمعنى ولكن نحتاج واقعاً أن نعرف بداية ما هو المقدس؟
يلعب المقدس دوراً مهما في هذا السلوك، إذ أنه كما يقول هوبرت "الفكرة الأم في الدين"، "ويظهر المقدس كمقولة حساسة يستند اليها الموقف الديني، حيث تمنحه طابعه المخصوص، وتفرض على المؤمن شعوراً خاصاً بالاحترام يعطي لإيمانه مناعة ضد روح التمحيص والفحص، ويجعله في منأى عن النقاش، ويجعله خارج العقل وفيما وراءه" كما يقول روجيه كايوا.
والاسلام - كما يصنفه مصطفى ملكيان في كتابه العقلانية والمعنوية - "تارة عبارة عن النصوص الدينية والمذهبية المقدسة للمسلمين، أي مجموع القرآن والأحاديث الصحيحة، وتارة هو مجموعة الشروح والتفاسير والتبيينات والدفاعات الخاصة بالقرآن والأحاديث الصحيحة، أي هو نتاجات المتكلمين وعلماء الأخلاق والفقهاء والفلاسفة والعرفاء وغيرهم من علماء الثقافة الاسلامية، وأحيانا يعرف الاسلام بوصفه جملة الممارسات التي صدرت عن المسلمين طوال التاريخ، علاوة على الآثار والنتائج المترتبة على هذه الأفعال".
وتصنيف كهذا يجعلنا نميز منطقة المقدس ومساحات الدنيوي والبشري بما يمكنه فصل المقدس الحقيقي عن مقدسات فرضتها أفهام وسلوك البشر، وهذا الفصل له من الأهمية الكثير، حيث يمكن أن يعيد صياغة العقل الناقد للانسان بما ينعكس على سلوكه المؤثر في المجتمع والدولة.
وتأتي علاقة الانسان بالمقدس من خلال فهم الانسان للدين وضرورة وجود منطقة في النفس الانسانية تمده دوما بالاطمئنان والمعنوية وهي منطقة المقدس أو ما أطلق عليه الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه مجتمعنا "المثل الأعلى" فما يتشكل من أفكار وفهم للدين في عقل الانسان يتحول الى أشكال من التفاعل الانساني مع مقدساته بسلوكيات تتخذ إجراءات عديدة لحماية المقدس والتضحية لأجله، للحصول بعد ذلك على كل صنوف العون والنجاح من المقدس كما يتوقعه الانسان المؤمن، فيتحول المقدس إلى منبع كل فاعلية إنسانية تتحرك لحماية هذا المقدس والدفاع عنه، ويكون المجتمع وساحات التفاعل الانساني هما منطقة اشتغال المؤمن في علاقته مع المقدس.
فالمقدس هو صفة تضفيها جهة قادرة علوية محيطة فوق بشرية على كل ما يترشح عنها عن طريق الوحي بما يمثل شريعة لدين إلهي لا مدخلية بشرية فيه، بحيث يصبح تطبيقه والدفاع عنه لدرجة بذل النفس لأجله ضرورة انسانية دنيوية قبل آخروية هدفها صيانة الانسان وحفظ كرامته.
وكل ما هو خارج هذه الصبغة القدسية الالهية للدين الحقيقي بشريعته الصحيحة هو مقدسات بشرية أضفى عليها الانسان صبغة قدسية تحولت مع التراكم الزمني الى مقدسات فاعلة مع أنها - واقعاً - وهمية وليست حقيقية، لكنها أثرت بشكل كبير في حياة الانسان في الدنيا وهي نتاج فهم بشري لا غير. وهو ما يتطلب تمحيصا وفحصا لفصل المقدس الالهي عن البشري لما لذلك من أثر كبير في حياة الانسان وكرامته، إلا أن المعني بهذا التمحيص والفحص هم أهل التخصص وأهل التحقيق.
إذا فتتجلى هنا ضرورة مدخلية العقيدة في تشخيص الواقع الخارجي وهنا أصل الأصول في هذه العقيدة التوحيد. فإذا ما تم فهم هذا الأصل وبناءه وفق المنهج السليم فإن ذلك سينعكس على سريان التوحيد في واقعنا العملي الخارجي في الدنيا في كافة مناحي الحياة حتى في رسم مقدساتنا.
فهناك مقدسات ثابته لا تتغير مع تغير الزمان والمكان وهناك مقدسات متغيرة ترتبط مع التغيرات الاجتماعية وتبدلات الزمان والمكان إلا أنها لا تخرج عن دائرة المقدسات الثابتة.
فحتى المقدسات المرتبطة بالواقع الاجتماعي المرتبط بتطور الزمان والمكان تقع في دائرة الفهم الصحيح لأصل التوحيد، فمثلاً كرامة الانسان غاية الهية فرآنية تتحقق بتحقق العدل، وأي حركة اجتماعية وسياسية واقتصادية يفترض ان لا تتعارض مع كرامة الانسان وفق المنهج القرآني، بالتالي تصبح هناك مقدسات تابعة لهذه الغاية ولكنها تابعة وفق الحراك الاجتماعي في كل زمن.
فما قد يعتبر عرفياً منافي للكرامة الانسانية في زمن وبالتالي يعد منتهكاً للمقدسات قد لا يعتبر كذلك في زمن آخر وهكذا.
اذا هناك مقدسات زمانية وهناك مقدسات مكانية.
كلاهما الغاية منهما تجلي التوحيد والعبودية لله تعالى في الارض وهذه العبودية تتحقق واقعا بتحقق الكرامة الانسانية التي غايتها وحقيقتها هو الخضوع الكلي لله بالتالي تحرر كلي من كل الاصنام.
القدس هي من المقدسات المكانية والمرتبطة واقعاً بأحداث تاريخية من جهة المعراج وابعد من ذلك قضية نبي الله موسى وسليمان وقصة بني اسرائيل وما لهذه الأحداث الزمانية الرمزية تاريخياً من دلالات ومعان ينتزع منها سنن تاريخية تشكل قوانين يمكن من خلالها التحكم في سير التاريخ والاستفادة منها فيما يعيق حركة الباطل، ويزيل العقبات أمام طريق وأهل الحق. إضافة إلى مقدسات زمانية ترتبط بزمامنا وقضية الاحتلال، وكلاهما متعلقان بالتوحيد وبكرامة الانسان.
وأهمية الكرامة الإنسانية تكمن في كونها أعلى قيمة غائية يحققها الإنسان وترتبط بها متظومة القيم الآلية والغائية، حيث بها يخضع الإنسان كلياً لله تعالى كون خضوعه هذا وعبوديته تلك هي عين كرامته كونها تحقق له العزة أمام غيره من البشر، وتفجر كل إمكاناته الذاتية وتحررها ضمن المنظومة الالهية للكون والبشر.
فالقدس هو نموذج رمزي زماني ومكاني يمكن أن يجسد دلالات الارتباط بين الرمز والمعنى.
وعدم الالتفات إلى رمزية القدس في الجسد الاسلامي، واهمال هذه القضية أو نسيانها أوعدم اعتبارها من الأولويات المتقدمة المركزية، هو واقعاً خلل في مباني عقيدة التوحيد، وتفريغ حقيقي للمعنى الذي تشير له رمزية القدس. وأحد أهم المعاني والغايات هو تحقيق قيمة الكرامة الإنسانية التي هي عين العبودية والخضوع لله والأنفة والعزة أمام غير الله.
فالعجز عن استرداد هذا المقدس هو عجز عن الدفاع عن حدود الله، وهو امتهان لكراماتنا وخروج من حالة العبودية المطلقة لله، إلى عبودية المحتل والذات، وهو عجز عن إدارة الذات وفق إرادة الخالق.
المقدسات الثابتة المادية والمعنوية القيمية هي حرم الله وحدوده، والدفاع عنها كرموز وبذل النفس في سييل ذلك هو تحقيق لمعنى العبودية المطلقة لله.
والعجز عن حماية المقدسات الذاتية خاصة تلك ذات الرمزية الفائقة الأهمية في معناها ودلالاتها هو عجز حقيقي عن مواجهة الآخر " فمن قدر على نفسه كان على غيرها أقدر".
* إيمان شمس الدين : كاتبة وباحثة
فالرمز ليس مجرد عن عمقه بل هو منظومة متكاملة يراد منها تحقيق الغاية المنشودة منها، ولا يمكن أن تحقق الغاية في حال جردنا هذا الرمز مما يرتبط به من معنى.
وكذلك المعنى لا يدرك عند الأعم الأغلب من الناس إلا من خلال رمزيته وقليل هم من يمكنهم إدراك المعنى دون الرمز.
الرمز والمعنى:
فمثلاً العبادة كالصلاة والصيام هي رموز حركية لها ارتباطات بالمعنى اذا ما تحقق هذا المعنى يصبح هناك انفصال واقعي عن فلسفة هذه العبادة وعن تحقق غاياتها في الخارج عملياً ووجودياً، والمقدس هو احد هذه الرموز التي لها ارتباط قوي بالمعنى ولكن نحتاج واقعاً أن نعرف بداية ما هو المقدس؟
يلعب المقدس دوراً مهما في هذا السلوك، إذ أنه كما يقول هوبرت "الفكرة الأم في الدين"، "ويظهر المقدس كمقولة حساسة يستند اليها الموقف الديني، حيث تمنحه طابعه المخصوص، وتفرض على المؤمن شعوراً خاصاً بالاحترام يعطي لإيمانه مناعة ضد روح التمحيص والفحص، ويجعله في منأى عن النقاش، ويجعله خارج العقل وفيما وراءه" كما يقول روجيه كايوا.
والاسلام - كما يصنفه مصطفى ملكيان في كتابه العقلانية والمعنوية - "تارة عبارة عن النصوص الدينية والمذهبية المقدسة للمسلمين، أي مجموع القرآن والأحاديث الصحيحة، وتارة هو مجموعة الشروح والتفاسير والتبيينات والدفاعات الخاصة بالقرآن والأحاديث الصحيحة، أي هو نتاجات المتكلمين وعلماء الأخلاق والفقهاء والفلاسفة والعرفاء وغيرهم من علماء الثقافة الاسلامية، وأحيانا يعرف الاسلام بوصفه جملة الممارسات التي صدرت عن المسلمين طوال التاريخ، علاوة على الآثار والنتائج المترتبة على هذه الأفعال".
وتصنيف كهذا يجعلنا نميز منطقة المقدس ومساحات الدنيوي والبشري بما يمكنه فصل المقدس الحقيقي عن مقدسات فرضتها أفهام وسلوك البشر، وهذا الفصل له من الأهمية الكثير، حيث يمكن أن يعيد صياغة العقل الناقد للانسان بما ينعكس على سلوكه المؤثر في المجتمع والدولة.
وتأتي علاقة الانسان بالمقدس من خلال فهم الانسان للدين وضرورة وجود منطقة في النفس الانسانية تمده دوما بالاطمئنان والمعنوية وهي منطقة المقدس أو ما أطلق عليه الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه مجتمعنا "المثل الأعلى" فما يتشكل من أفكار وفهم للدين في عقل الانسان يتحول الى أشكال من التفاعل الانساني مع مقدساته بسلوكيات تتخذ إجراءات عديدة لحماية المقدس والتضحية لأجله، للحصول بعد ذلك على كل صنوف العون والنجاح من المقدس كما يتوقعه الانسان المؤمن، فيتحول المقدس إلى منبع كل فاعلية إنسانية تتحرك لحماية هذا المقدس والدفاع عنه، ويكون المجتمع وساحات التفاعل الانساني هما منطقة اشتغال المؤمن في علاقته مع المقدس.
فالمقدس هو صفة تضفيها جهة قادرة علوية محيطة فوق بشرية على كل ما يترشح عنها عن طريق الوحي بما يمثل شريعة لدين إلهي لا مدخلية بشرية فيه، بحيث يصبح تطبيقه والدفاع عنه لدرجة بذل النفس لأجله ضرورة انسانية دنيوية قبل آخروية هدفها صيانة الانسان وحفظ كرامته.
وكل ما هو خارج هذه الصبغة القدسية الالهية للدين الحقيقي بشريعته الصحيحة هو مقدسات بشرية أضفى عليها الانسان صبغة قدسية تحولت مع التراكم الزمني الى مقدسات فاعلة مع أنها - واقعاً - وهمية وليست حقيقية، لكنها أثرت بشكل كبير في حياة الانسان في الدنيا وهي نتاج فهم بشري لا غير. وهو ما يتطلب تمحيصا وفحصا لفصل المقدس الالهي عن البشري لما لذلك من أثر كبير في حياة الانسان وكرامته، إلا أن المعني بهذا التمحيص والفحص هم أهل التخصص وأهل التحقيق.
إذا فتتجلى هنا ضرورة مدخلية العقيدة في تشخيص الواقع الخارجي وهنا أصل الأصول في هذه العقيدة التوحيد. فإذا ما تم فهم هذا الأصل وبناءه وفق المنهج السليم فإن ذلك سينعكس على سريان التوحيد في واقعنا العملي الخارجي في الدنيا في كافة مناحي الحياة حتى في رسم مقدساتنا.
فهناك مقدسات ثابته لا تتغير مع تغير الزمان والمكان وهناك مقدسات متغيرة ترتبط مع التغيرات الاجتماعية وتبدلات الزمان والمكان إلا أنها لا تخرج عن دائرة المقدسات الثابتة.
فحتى المقدسات المرتبطة بالواقع الاجتماعي المرتبط بتطور الزمان والمكان تقع في دائرة الفهم الصحيح لأصل التوحيد، فمثلاً كرامة الانسان غاية الهية فرآنية تتحقق بتحقق العدل، وأي حركة اجتماعية وسياسية واقتصادية يفترض ان لا تتعارض مع كرامة الانسان وفق المنهج القرآني، بالتالي تصبح هناك مقدسات تابعة لهذه الغاية ولكنها تابعة وفق الحراك الاجتماعي في كل زمن.
فما قد يعتبر عرفياً منافي للكرامة الانسانية في زمن وبالتالي يعد منتهكاً للمقدسات قد لا يعتبر كذلك في زمن آخر وهكذا.
اذا هناك مقدسات زمانية وهناك مقدسات مكانية.
كلاهما الغاية منهما تجلي التوحيد والعبودية لله تعالى في الارض وهذه العبودية تتحقق واقعا بتحقق الكرامة الانسانية التي غايتها وحقيقتها هو الخضوع الكلي لله بالتالي تحرر كلي من كل الاصنام.
القدس هي من المقدسات المكانية والمرتبطة واقعاً بأحداث تاريخية من جهة المعراج وابعد من ذلك قضية نبي الله موسى وسليمان وقصة بني اسرائيل وما لهذه الأحداث الزمانية الرمزية تاريخياً من دلالات ومعان ينتزع منها سنن تاريخية تشكل قوانين يمكن من خلالها التحكم في سير التاريخ والاستفادة منها فيما يعيق حركة الباطل، ويزيل العقبات أمام طريق وأهل الحق. إضافة إلى مقدسات زمانية ترتبط بزمامنا وقضية الاحتلال، وكلاهما متعلقان بالتوحيد وبكرامة الانسان.
وأهمية الكرامة الإنسانية تكمن في كونها أعلى قيمة غائية يحققها الإنسان وترتبط بها متظومة القيم الآلية والغائية، حيث بها يخضع الإنسان كلياً لله تعالى كون خضوعه هذا وعبوديته تلك هي عين كرامته كونها تحقق له العزة أمام غيره من البشر، وتفجر كل إمكاناته الذاتية وتحررها ضمن المنظومة الالهية للكون والبشر.
فالقدس هو نموذج رمزي زماني ومكاني يمكن أن يجسد دلالات الارتباط بين الرمز والمعنى.
وعدم الالتفات إلى رمزية القدس في الجسد الاسلامي، واهمال هذه القضية أو نسيانها أوعدم اعتبارها من الأولويات المتقدمة المركزية، هو واقعاً خلل في مباني عقيدة التوحيد، وتفريغ حقيقي للمعنى الذي تشير له رمزية القدس. وأحد أهم المعاني والغايات هو تحقيق قيمة الكرامة الإنسانية التي هي عين العبودية والخضوع لله والأنفة والعزة أمام غير الله.
فالعجز عن استرداد هذا المقدس هو عجز عن الدفاع عن حدود الله، وهو امتهان لكراماتنا وخروج من حالة العبودية المطلقة لله، إلى عبودية المحتل والذات، وهو عجز عن إدارة الذات وفق إرادة الخالق.
المقدسات الثابتة المادية والمعنوية القيمية هي حرم الله وحدوده، والدفاع عنها كرموز وبذل النفس في سييل ذلك هو تحقيق لمعنى العبودية المطلقة لله.
والعجز عن حماية المقدسات الذاتية خاصة تلك ذات الرمزية الفائقة الأهمية في معناها ودلالاتها هو عجز حقيقي عن مواجهة الآخر " فمن قدر على نفسه كان على غيرها أقدر".
* إيمان شمس الدين : كاتبة وباحثة
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |