" الخديعة ": يوم اغتالت الفوضى الخلاّقة رفيق الحريري كتاب جديد يوثّق ظروف
ومراحل اتهام حزب الله بجريمة 14 شباط وفق خطة "الشرق الأوسط الجديد"
لطيفة الحسيني
الخديعة (يوم اغتالت الفوضى الخلاّقة رفيق الحريري)، كتاب حديث صادر عن دار الأمير للثقافة والعلوم، لمؤلفه محمد حسين بزي، يقع في 664 صفحة، ويتضمن وثائق بالعربيّة والعبريّة والانكليزيّة والفرنسيّة، يتناول المسار الملتبس للتطوّرات السياسيّة والقانونيّة والأمنيّة التي تلت اغتيال الحريري، ويستعرض الظروف التي سبقت جريمة 14 شباط 2005، طارحا أسئلة كثيرة تقابلها اجابات قليلة تخلص الى شكوك صارت يقيناً ازاء خلفيات ودوافع هذا الحدث الزلزال وتداعياته المستمرة على لبنان، والمنطقة بشكل عام. الكاتب المعروف بمؤلفاته السياسية التي تركز على قضايا المنطقة والمؤامرات الغربية التي تتعرّض لها، يوثّق في "الخديعة" مراحل اتهام حزب الله باغتيال الحريري بدءا من صدور القرار 1559، وقانون محاسبة سوريا الذي صدّقه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن حتى القرار الاتهامي، وذلك ضمن خطة "الشرق الأوسط الجديد" لتأمين المصالح الأمريكيّة ـ الاسرائيليةّ بالمنطقة، بحسب بزي.
ويسترجع "الخديعة"، مواقف بعض الدول من القرار 1559 الذي شكّل مدخلا ـ برأي بزي ـ لنزع سلاح المقاومة، وصولا الى اتهام حزب الله بجريمة 14 شباط، ويلفت الى أنه بعد صدور القرار 1559 لم تكن السعوديّة مكتوفة الأيدي، بل كانت تُعِدّ وتنسق مع الأمريكيّين والفرنسيّين (والمعارضة السوريّة) وعلى رأسها عبد الحليم خدام الذي كان انشق عن الحكم في وقت سابق وغادر الى باريس، من أجل اسقاط نظام بشّار الأسد، استنهضت كل قواها، وحتى عملت على استنهاض قوى اقليميّة للمُضيّ بمشروعها كتركيا، لكن حينها جاء الرد التركي بعدم التعاون.
يولي المؤلف حيزا كبيرا لمرحلة ما بعد الاغتيال، فيعتبر أن الاتهامات بدأت تنهمر من هنا وهناك خلالها، وكلها موجّهة نحو هدف واحد، سوريا والنظام الأمني اللبناني الحليف لها، متمسكين بنظريّة أنّ الاغتيال كان نتيجة لمتفجرات مزروعة تحت الأرض في وقت كانت أكّدت فيه القوى الأمنيّة اللبنانيّة التي كانت تتولى التحقيق أنّ الانفجار وقع من فوق الأرض والأدلّة والبراهين كثيرة.
وبناءً على طلب المعارضة المدعومة فرنسيّاً وأمريكيّاً تمّ تشكيل لجنة لتقصّي الحقائق برئاسة الضابط الأيرلندي بيتر فيتزجيرالد، وصولا الى تشكيل لجنة تحقيق دوليّة للتحقيق بعمليّة اغتيال الحريري برئاسة القاضي الألماني ديتليف ميليس المعروف بفساده وعلاقاته الوثيقة بالمخابرات الأمريكيّة، وهنا بدأت أوّل ملامح فساده تظهر عندما بدأ التحقيق مرتكزاً على خلفيّة سياسيّة، وعداء ظاهر يحمله مسبقاً لسوريا - على الرغم من تعاونها بالتحقيق-، وليس على أدلّة علميّة، بالاضافة الى استناده بالتحقيق على شهود زور.
ويلفت المؤلف الى أن "اسرائيل" لم تكن تضيّع الوقت في هذه الأثناء، انّما كانت تستثمر كل جهودها وخبراتها الاستخباراتيّة من أجل التجسّس على حزب الله بعدما أيقنت أنّ هزيمته في الميدان صعبة جداً، وبالتالي رأت استغلال ما تعتقد أنّها متفوّقة على المقاومة فيه، ألا وهو التكنولوجيا، للقضاء على حزب الله، لكن كالعادة، عين المقاومة كانت بالمرصاد، وتمّ الكشف عن الكثير من أنظّمة تجسّس وشبكات جواسيس في مناطق مختلفة.
ويقول المؤلف انه في هذه الأثناء كانت الساحة الدوليّة تتعرّض لتغيّرات وتبدلات انعكست على بوصلة الاتهام التي فجأة بدأت تتحوّل من سوريا الى حزب الله، وظهر ذلك من خلال التسريبات الاعلاميّة للتحقيق، وهذا ما ينقض بالأصل مبدأ سريّة التحقيق، وهو أمر يجدر به أن يبطل التحقيق، لكن لم يكن أحد ليحاسب، فالتسريبات غالباً مفتعلة، ولها أهدافها، وكان آخر وأهم هذه التسريبات ما نشرته "دير شبيغل" الألمانيّة، والفيلم الذي بثته قناة cbc الكنديّة.
يستعرض الكاتب تفصيلياً التسريبات الصحافية للتحقيق الدولي والقرائن المقدّمة من حزب الله التي تشير الى تورّط "اسرائيل" بعمليّة الاغتيال، بموازاة محاولات الاعلام الاسرائيلي والأمريكي القيام بحملة تشويه ممنهجة لصورة المقاومة، وفي هذا الاطار لم يتردّد الاعلام الأمريكي، وفق بزي، بالقول انّ أي محاولة سوريّة - سعوديّة لتجنيب لبنان تداعيّات القرار الاتهامي الذي سيصدر عن لجنة التحقيق الدوليّة سيكون انتكاسة لواشنطن وللأطراف التي تعمل تحت لوائها في لبنان.
الكاتب يشدّد في "الخديعة" على أن تاريخ المحاكم الدوليّة حول العالم غير مطمئن، ولا يوحي بالثقة، فغالباً ما كانت محاكم المنتصر، ناهيك عن الأخذ بأقوال شهود الزّور والتسريبات التي تنتهك مبدأ سريّة التحقيق، فكيف بمحكمة ولدت بطريقة ملتبسة وغير مصادق عليها بحسب الأصول الدستوريّة اللبنانيّة، انّما أُنشئت بموجب القرار الدولي رقم 1757 الصادر تحت الفصل السابع. ويتابع أنّ الثوابت التي تحكم عمل هذه المحاكم هي ثوابت المصالح الدوليّة، ما يجعلها عرضة للتّسييس، وأهم عوامل الضعف في هذه المحاكم هي طبيعة الموظفين الدوليّين الذين ليس لهم أي ارتباط معنوي أو أخلاقي بالقضيّة، ما يُسهّل عمليّة شراء ذممهم بحفنة من الدولارات كما حصل مع ليمان، ناهيك عمّا حصل مع لجنة التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق التابعة للأمم المتحدة.
مؤلف "الخديعة" يؤكد أنّ عمل المحكمة الدوليّة في لبنان تشوبه ثغرات قانونيّة كثيرة واجراءات مشبوهة تحت حجة برنامج حماية الشهود "الزّور" ـ كالمحاكمات الغيابيّة والأخذ بالافادات الخطيّة ـ وهي ثغرات لا يصعب اكتشافها، وليس أولها ولا آخرها طلب بيانات تخص شرائح كبيرة من المجتمع اللبناني، ما يعني استباحة لخصوصيّة شعب بأكمله، كل هذا أدى الى استقالات كثيرة لموظفين كبار بالمحكمة. بالاضافة الى اعتمادها الأدلّة الظرفيّة بدلاً من الأدلّة القطعيّة، علماً أنّ الأدلّة الظرفيّة التي لو أُريدَ فعلاً استعمالها بعدالة، لكانت الأدلّة التي قدمها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في مؤتمره الصحافي بتاريخ 9/8/2010 تقود حتماً الى مسؤوليّة "اسرائيل" عن الاغتيال، الاّ أنّ كل شيء يُستخدم باستنسابية بما في ذلك هذه القاعدة.
لشاهد الزور الشهير محمد زهير الصدِّيق حصة في الكتاب، فيبرز أنه كان يتنقل من بلد لآخر عبر الطائرة الخاصّة بسعد الحريري ـ حسب بعض المصادر ـ الذي تبيّن أنّه على علاقة وثيقة به من خلال برنامج "الحقيقة ليكس" الذي بثته قناة الجديد، حتى استقر به الأمر بباريس التي رفضت تسليمه للدولة اللبنانيّة عندما طالبت به لمحاكمته، لكن الدلال الذي كان يتلقاه في فرنسا/شيراك بدأ يتلاشى مع خروج شيراك من الحكم، وبدأ يتململ من الشُّح المادي مهدداً بين الحين والآخر بعقد مؤتمر صحافي يوضح فيه حقيقة مواقفه، الأمر الذي اضطر دانيال بلمار، مدعي عام المحكمة الدولية، للطلب من الأنتربول الدولي رفع المذكرة الحمراء عن الصدِّيق.
ويسأل المؤلف محمد حسين بزي أي تسييس يمكن إنكاره بعد الآن، بعد أن دخل ولي الدم سعد الحريري في بازار المساومة على المحكمة مقابل رزمة من المطالب محدّدة بورقة تم تقديمها للجانبين القطري والتركي هي عبارة عن رزمة تجاوزات للدستور والقوانين، وهو الذي ما برح يردّد ليل نهار أنّه المدافع الأوّل عن دولة القانون والمؤسّسات، لكن المعارضة لم تمشِ بهذه المقايضة لعدة أسباب أهمها، أنّ مضمونها جاء مخالفاً لما تضمنته الورقة السعوديّة ـ السوريّة التي نجحت أمريكا باحباطها.
وفي معرض حديثه عن العدوان الصهيوني على لبنان في تموز 2006، يشير الكاتب في "الخديعة" الى أنّ بعض الدراسات الصادرة في واشنطن أكّدت أنّ ما حصل خلال العدوان لا علاقة له أبداً باسترداد الجنديّين اللذين أسرهما حزب الله، انّما هي كانت عمليّة أمريكيّة معداً لها مسبقاً بتنفيذ اسرائيلي من أجل المضيّ في خلق "الفوضى الخلاّقة"، والتي لم تنتهِ بصدور القرار 1701، ويؤكد أنّ المستفيد الأكبر من عمليّة اغتيال الحريري هو مشروع " الفوضى الخلاّقة" في منطقةٍ الصدف فيها ممنوعة، اذ هي تشكل خزّان وقود العالم لخمسين سنة قادمة على الأقل.
ويخلص الكاتب الى أنه لا يخفى على أحد أنّ محكمة الحريري أُريدَ لها أن تكون وسيلة للتآمر على المقاومة في لبنان، ووسيلة لاضعاف سوريا بالتعاون مع أطراف لبنانيّة لم تعد تُنكر هذا الأمر صراحة، لا سيما بعد الأحداث الأخيرة في سوريا.
وفي الختام، يسأل المؤلف أيّة مصداقيّة بقيت لهذه المحكمة بعد كل ما تكشّف من شهود زور مفبركين، ووثائق تثبت حجم التآمر الدولي، والتسريب الناجم عن فساد المحققين تارة، وتسريب مقصود مسيّس تارة أخرى، والهدف ليس حزب الله فقط، انّما كل قوى الممانعة في لبنان والمنطقة، على أمل أن يستطيع المجتمع الدولي تقويضها بعد الفشل الاسرائيلي الذريع في الميدان.
الكتاب يعتبر أرشيفاً حقيقياً لتاريخ المحكمة الدولية وفضائحها المتتالية وهو يقسّم رواية الأحداث التي عصفت بلبنان بعد اغتيال الحريري الى مراحل هي:
· ما قبل اغتيال الحريري
· ما بعد الجريمة
· التحقيق الدولي وما شهده من ارتكابات ومخالفات وتسييس
· عدوان تموز 2006
· فضائح ويكيليكس
· مسيرة الاتهامات السياسية التي ساقها فريق 14 آذار والمحكمة ضدّ سوريا، وصولا الى اتهام حزب الله.
وعليه، فان خلاصة "الخديعة" هي الآتية: "فوضى خلاّقة" يجب أن تعم المنطقة، ولن تحدث الاّ بعد زلزال كبير... هكذا قالت أمريكا، ومضت.
لكن من اغتال الرئيس الحريري حقيقةً...؟ ولماذا؟... هذا ما يجيب عنه هذا الكتاب.
المصدر: موقع الإنتقاد الإلكتروني
http://www.alintiqad.com/essaydetails.php?eid=46377&cid=75
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |