تجمع العلماء المسلمين ومؤتمر الفتنة المذهبية :
هل يمكن تحويل الافكار النظرية الى خطوات عملية جادة ؟
ليست المرة الاولى التي يعقد فيها تجمع العلماء المسلمين في لبنان مؤتمرا او ندوة لبحث مشكلات الوحدة الاسلامية والفتنة المذهبية وتقديم المقترحات والأفكار لتعزيز الوحدة او مواجهة الفتنة، لكن السؤال دائما الذي يطرح في مثل هذه المؤتمرات والندوات : لماذا لم يتم تطبيق التوصيات السابقة ؟ ولماذا لا زلنا نتحدث وكأننا في المربع الأولى للمشكلة ولم نقدم خطوات عملية باتجاه تحقيق الهدف المنشود ؟ هذه الاسئلة طرحها بعض المشاركين في المؤتمر الاخير الذي عقده تجمع العلماء المسلمين في مطعم الساحة في الاسبوع الاول من شهر أيار 2010 تحت عنوان " الفتنة المذهبية : أسباب ومواجهة " . فماذا تتضمن هذا المؤتمر من مداخلات ونقاشات ؟ وما هي الخطوات العملية التي سينتهجها التجمع لتطبيق التوصيات والافكار التي تضمنها البيان الختامي ؟ وهل لا يزال التجمع بقادرعلى القيام بدوره التوحيدي بعدما تحول لدى بعض الأوساط والجهات الاسلامية الى فريق منحاز لفئة دون اخرى خلال السنوات الاربعة الاخيرة ؟
اعمال المؤتمر
بدأ المؤتمر اعماله بكلمة الافتتاح والتي القاها رئيس مجلس الامناء في التجمع الثقافي الشيخ احمد الزين واشار فيها الى " اهمية معرفة اسباب الفتنة المذهبية ومن يقف خلفها وضرورة مواجهتها على المستوى الشرعي والسياسي والشعبي " . ثم عقدت الجلسة الاولى وترأسها الشيخ محمد الزعبي وهي بعنوان " اسباب الفتنة المذهبية " وتحدث فيها مدير مركز دراسات الوحدة الاسلامية الشيخ عبد الله الحلاق حول " الفتنة المذهبية واسبابها واليات المواجهة لها " وقدّم في مداخلة افكارا محددة وجريئة في هذا المجال وخصوصا لجهة الفتاوى والمواقف التي تدعو لتكفير المسلمين وسب الصحابة داعيا لخطوات عملية لتوحيد المسلمين " .
الدكتور طلال عتريسي تحدث عن " الدور الغربي والصهيوني في إثارة الفتنة المذهبية " وقد استعاد في بحثه للافكار والمعطيات التي تحمل الغرب اسباب الانقسام السياسي والمذهبي في الواقع الاسلامي .
عضو تجمع الشيخ علي خازم عرض " دور مناهج التعليم في الفتنة المذهبية " حيث اضاء على اشكالية بعض مناهج التعليم في تعبئة الناشئة واثره السيء على افكارهم وسلوكهم كما تحدث عن المحاولات الغربية لتعديل مناهج التعليم في العالمين العربي والاسلامي بما يتناسب مع اهداف الغرب ومصالحه .
البحث الرابع قدّمه مدير معهد العلوم الاجتماعية الدكتور محسن صالح تحت عنوان " دور الاعلام في الفتنة المذهبية " حيث اشار الى خطورة الاعلام الغربي والصهيوني وبعض الاعلام العربي في اذكاء نار الفتنة المذهبية بين المسلمين .
واما عضو مجلس الامناء في التجمع المحامي الشيخ مصطفى ملص فتحدث عن " دور الفتاوى الشرعية في الفتنة المذهبية " حيث سلط الضوء على سلبية الفتاوى الشرعية المسيسة وتأثيرها السلبي على المسلمين.
وقد جرى نقاش في ختام الجلسة حيث حاول بعض العلماء اثارة بعض القضايا الخلافية الاسلامية لكن علماء اخرين عمدوا الى التصدي لهم ودعوتهم لعدم اثارة هذه القضايا مما شكل عنصرا سلبيا على اجواء الحوار في المؤتمر .
اما الجلسة الثانية فترأسها عضو المجلس السياسي في حزب الله وعضو التجمع الشيخ خضر نور الدين وكانت تحت عنوان " كيفية مواجهة الفتنة المذهبية " .
وتحدث بداية نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم تحت عنوان " دور الحركات والاحزاب الاسلامية في مواجهة الفتنة المذهبية " حيث بيّن دور حزب الله في مواجهة الفتنة داعيا الى توحيد الامة في مواجهة الكيان الصهيوني ومن يدعمه .
البحث الثاني قدّمه الدكتور محمد منير سعد الدين بعنوان " دور التربية في إبعاد الفتنة المذهبية " وقدّم افكار عملية وتربوية لتوحيد المسلمين ومواجهة عمليات التكفير والغاء الاخر .
واما الرئيس السابق للمكتب السياسي في الجماعة الاسلامية الدكتور علي الشيخ عمار فتحدث عن " دور الفكر الاسلامي في منع الفتنة المذهبية " حيث عرض الى تأثير الفكر والثقافة الاسلامية على الواقع الاسلامي وكيفية الاستفادة من الفكر الاسلامي لمواجهة الفتنة وتوحيد المسلمين.
اما امام مسجد القدس في صيدا والعضو السابق في تجمع العلماء المسلمين الشيخ ماهر حمود فقدّم مداخلة جريئة حول اسباب الفتنة المذهبية وكيفية مواجهتها داعيا الى اعتماد منهج جديد في العمل قائما على الاعتراف المتبادل وتجاوز كل ما يسبب التكفير والغاء الاخر وقدّم قراءة نقدية وقاسية لبعض ما يحمله المسلمون من افكار حول بعضهم البعض.
وفي ختام الجلسة تحدث رئيس جمعية القرآن الكريم الشيخ هشام خليفة حول " دور علماء السنة والشيعة في وقف الفتنة المذهبية " حيث بيّن اهمية دور علماء الامة ومراجعها الدينية للعمل في وقف الفتنة المذهبية من خلال عملهم وفتاويهم الشرعية.
التوصيات والخلاصات
وفي ختام المؤتمر تلا رئيس الهيئة الادراية في التجمع الشيخ حسان عبد الله الخلاصات والتوصيات التي توصل ايها المؤتمرون وهنا ابرز ما ورد فيها :
اولا : أسباب الفتنة المذهبية
1- الفتاوى التكفيرية التي تصدر عن بعض العلماء خاصة اولئك المرتبطين بالسلطة.
2- الفضائيات والمواقع الالكترونية التي تثير الفتنة من خلال استحضار التاريخ واستغلال حوادثه لاثارة الفتنة .
3- سعي الاستعمار الغربي وعلى رأسه اميركا لتأجيج الفتنة وتفريق الامة لتكريس الاحتلال.
4- جعل الدين في خدمة الاهداف السياسية للزعماء.
5- الانحراف عن القضايا الاساسية كمواجهة الاحتلال في فلسطين والعراق الى قضايا اخرى لتحرير مشاريع التسوية.
6- استغلال الجامعات والمنابر الثقافية لتمرير مشاريع الفتنة واستغلال كتب الطلاب لتكفير المذاهب.
7- تفجير المقامات الدينية والمقدسات وتوتير الاجواء المذهبية .
8- قتل العلماء وتبادل الاتهامات بين مختلف الاطراف وحصول ردات فعل سلبية .
9- الفرز المذهبي في العديد من البلدان .
ثانيا : اليات المواجهة :
وفي مواجهة العمل لاثارة الفتنة المذهبية دعا العلماء لاعتماد الاليات التالية للمواجهة :
1- تعميم ثقافة الوحدة الاسلامية من خلال العلماء المخلصين واعتبار الوحدة تكليف شرعي.
2- التنبيه من خطر الفضائيات والمواقع الالكترونية التي تحض على الفتنة والاستفادة من الفضائيات والمواقع الالكترونية للرد على الفتنة .
3- التأكيد ان الفتنة المذهبية اساسها سياسي وليست ناتجة عن خلاف فكري او عقائدي
4- حصر النقاش في القضايا الخلافية (العقائدية والتاريخية والفقهية ) بين اهل العلم وداخل المراكز العلمية .
5- التأكيد على ان الخطر الاساسي يتمثل في العدو الصهيوني واحتلاله لفلسطين والقدس وان الخطر على الأمة يأتي من الاحتلال الاميركي للعراق وافغانستان .
6- التأكيد على ان القرب من الدول والاحزاب والشخصيات ليس انتمائها الى المذهب نفسه بل من خلال حملها للفضايا الاسلامية وخصوصا الوحدة الاسلامية ومواجهة المحتل .
7- التأكيد على ان الغرب يستهدف الاسلام ورموزه وليس مذهبا معينا .
8- الدعوة لقيام حركة جماهيرية لمواجهة الفتنة المذهبية
9- اعادة النظر في المواد الدراسية التي يتلقاها طلبة العلوم الشرعية في الجامعات والمعاهد والكليات لتكون ذات مضمون وحدوي وازالة ما يثير الفتنة .
10- الضغط على ما يسمى كبار العلماء لاتخاذ مواقف تدعم الوحدة والتأكيد عليهم ان سكوتهم يعزز المؤامرة .
ملاحظات ختامية
ومن خلال استعراض ما توصل اليه المؤتمرون يلحظ المراقب ان هذه التوصيات والنتائج هي تكرار لما ورد في الكثير من المؤتمرات والندوات السابقة وخصوصا في اللقاء الذي اقامته مؤسسة الفكر الاسلامي المعاصر في بيروت ( والذي صدرت توصياته مؤخرا ) ولذا فان المطلوب ليس الاكتفاء باصدار التوصيات او نصوص الدراسات في كتاب، بل تحويل هذه التوصيات الى خطوات عملية جادة ومحددة ووضع روزنامة عملية في كيفية تنفيذ هذه الخطوات بحيث يمكن تحقيق انجازات معينة خلال فترة محددة، لكي لا تتكرر المشكلات عاما بعد عام او العودة الى الوراء بعد تحقيق انجازات محددة .
كما لا بد من الاشارة الى غياب اطراف اساسية عن مؤتمر التجمع وخصوصا التيارات السلفية وبعض الاتجاهات الاسلامية سواء من لبنان او من الدول العربية والاسلامية، لان غالبية المحاضرين كانوا من اتجاهات متقاربة ولم يكن هناك تنوع في المدعوين كما ان فترة النقاش لم تكن طويلة من اجل البحث بشكل معمق في الافكار التي طرحت، بل انه عندما سعى بعض المشاركين لاثارة قضايا خلافية ( وهذا ما دعا اليه المؤتمر لاحقا ) فقد تم قمعه والطلب منه عدم الحديث عن هذا الموضوع حاليا .
وباختصار رغم اهمية هذا المؤتمر الذي عقده التجمع ورغم اهمية الكثير من الدراسات والابحاث التي قدمت خلاله فان العبرة في تنفيذ التوصيات وعدم الاكتفاء باصدراها ضمن كتاب جديد ينضم الى المكتبة الاسلامية .
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |