المناورات الايرانية .. التحول الى "حرب العصابات"
المناورات العسكرية الكبيرة التي قامت بها البحرية الايرانية تساندها قوات برية وجوية قبل ايام تضع منطقة الخليج العربي في مواجهة استحقاقات عاجلة، فايران التي تتعرض لحالة من الخنق الاقتصادي والتهديد المستمر بعمل عسكري ضدها من قبل الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل، تاخذ هذه التهديدات على محمل الجد، ويظهر ذلك من خلال الحركة العسكرية الدؤوبة على الارض على شكل مناورات واستعراضات او من خلال بث "الغام اعلامية" عن انجازات نووية او في مجال التصنيع العسكري.
بطبيعة الحال قد يعتبر البعض ما تقوم به ايران مجرد "حرب نفسية" لارهاب الخصوم وثنيهم عن مهاجمتها، لكن دوائر امريكية واوروبية واسرائيلية تاخذ ما تقوم به ايران بكل جدية، فالمتابع للمناورات البحرية يلاحظ تغيرا في الاساليب القتالية من الحرب التقليدية على تكيكات حرب العصابات التي تعتمد على السرعة والخفة والمباغتة.
المصدر الوحيد عن تفاصل المناورات الايرانية الاخيرة هي ايران نفسها، وبالتاكيد ان الدوائر الاستخباراتية الغربية قد يكون عندها بعض التفاصيل التي لا تعلن عنها، ولكن اذا تعاملنا مع هذه "المعلومات الايرانية"، اعتمادا على التصريحات المختلفة للمسؤولين السياسيين والعسكرييين الايرانيين وحللناها فاننا امام قوة بدات تغير من تكيكاتها من المواجهة العسكرية الشاملة الى استراتيجية "اضرب واهرب" واعتماد اساليب التخريب الميداني او الضرب عن بعد. وهذا الاساليب هي ذاتها التي استخدمها حزب الله اللبناني في مواجهته للجيش الاسرائيلي عام 2006 ، ومن المعروف ان اساليب حزب الله ليست بعيدة عن العقلية الايرانية.
بالطبع لا يمكن تبسيط الامور بهذا الشكل، فايران دولة وليست حزبا ثوريا مثل حزب الله، ولديها جيش نظامي واجهزة ومؤسسات ومواقع ظاهرة للعيان ترصدها طائرات التجسس والاقمار الصناعية، يمكن اعتبارها اهدافا "رخوة" بامكان الخصوم الاقوياء الوصول اليها. وهذا امر بدا واضحا انه لا يغيب عن بال المخططين الاستراتيجيين الايرانيين، فالمناورات البحرية الاخيرة والتي اطلق عليها اسم "الرسول الاعظم 5 " تميزت بخفة الحركة والسرعة، فقد عمدت القوات البحرية الايرانية والحرس الثوري الى استخدام زوارق سريعة وذكية للوصول الى اهداف الخصوم، واعلن العميد علي رضا تانجسيري المتحدث باسم المناورات عن " تنفيذ مهاجمة الزوارق السريعة لبوارج حربية لعدو وهمي باستخدام 60 زورقا سريعا وزعت على 6 مجموعات، كما اعلن عن تنفيذ عمليات مختلفة بالتنسيق مع سلاح البحرية بالحرس الثوري في الشواطئ القريبة والبعيدة". واضافة لذلك تم تجريب عدد من الصواريخ والقذائف الذكية ، واستخدام زوارق الية بدون طواقم يمكنها مهاجمة السفن في الخليج. واختبر الحرس الثوري زورقا سريعا جديدا يمكنه نسف سفن العدو، اضافة الى التدرب على منع الخصوم من ايجاد جسر شرق مضيق هرمز يؤثر على القوات البحرية الايرانية او يمكنه من التحكم بالمضيق، كما شاركت، حسب المصادر الايرانية 30 قطعة بحرية وعشرات الغطاسين في عمليات بث الالغام للقوة البحرية للحرس الثوري.الى جانب مشاركة 300 زورق في المناورات. وهي الزوارق التي اعتبر المحلل العسكري تيودور كاراسيك مدير الابحاث في معهد الشرق الادني استخدامها : " أداة فعالة ضد العدو" قد تتحول الى كابوس ايضا.
ولا شك ان القوة العسكرية الايرانية تطورت منذ عام 1979 حتى الان بشكل كبير، وباتت تعتمد بشكل اكبر على التصنيع المحلي بسبب الحصار الاقتصادي على ايران ويشير تقرير صادر عن مركز الدراسات الدولية والإستراتجية عن القدرات العسكرية الايرانية اعده الباحثان أنتوني كوردسمان وخالد الروحان.الى زيادة زيادة الإنفاق العسكري إيراني في السنوات الماضية وذكر ان عدد القوات الايرانية البرية الايرانية يبلغ 350 الف جندي اضافة الى 220 الفا من الاحتياط، فيما تتكون القوات الجوية الإيرانية من 52,000 شخص، ويصل عدد القوات البحرية 18 الف شخص الى جانب 30 الف عنصر متفرغ من الباسيج "حرس الثورة" وفي مجال المعدات العسكرية تمتلك إيران أكثر من 300 طائرة حربية و1693 دبابة 580 و50 طائرة مروحية و11 طائرة استطلاع و65 طائرة نقل و3 غواصات 385 زورقا سريعا و10 مركبات برمائية و10 مركبات مضادة للغواصات اضافة الى انظمة دفاع جوي وعدد كبير من الصواريخ. يضاف الى ذلك ان ايران استمرت بانشاء قواعد بحرية على طول ساحلها على الخليج العربي وخليج عمان، وفي الجزر الإيرانية، وواصلت تطوير ترسانتها العسكرية أسلحته،مما جعلها تشكل أكبر اقليمية في الخليج العربي.
هذه القوة العسكرية الكبيرة قادرة على التسبب بمشاكل حقيقية في المنطقة والخليج العربي تحديدا في حال نشوب نزاع معها، وربما تكون قادرة على شل الحركة في الخليج العربي ومضيق هرمز الاستراتيجي. ويعتبر الخليج العربي ومضيق هرمز احد اهم المناطق البحرية في العالم، اذ تبلغ مساحتة 233 الف كيلومتر مربع، ويتراوح عرضه بين 370 كيلومترًا إلى 54 كيلومترًا بالقرب من مضيق هرمز، ولا يتجاوز عمق الخليج 90 مترًا باستثناء بعض الأماكن القليلة، بينما لا يتجاوز عمق مساحات واسعة منه 35 مترًا، ويصل عمق بعضها إلى 20 مترًا فقط، وتقع المياه الأكثر عمقًا على الجانب الإيراني. ويتصل الخليج ببحار العالم عبر مضيق هرمز الذي يبلغ طوله حوالي 180 كيلومترًا, ورغم أن أدنى عرض للمضيق يبلغ حوالي 39 كيلومترًا إلا أن عمقه لا يتجاوز الثمانين مترًا، باستثناء قناتين تحويان مياه عميقة يمكن للغواصات والسفن الحربية القيام بعمليات كبيرة فيهما. ويبلغ عرض كل قناة كيلومترين فقط.
الاهمية الاستراتيجية لمضيق هرمز تنبع من ان 40% من نفط العالم و 80% من نفط الخليج يمر عبره إلى العالم، ويقدر ان ما بين 20 إلى 30 ناقلة نفط تعبر هرمز يوميًّا، تحمل 17 مليون برميلا من النفط. وقدرة ايران على اغلاقه يعني انها تمسك بورقة تستطيع ان تضغط بها في مواجهتها مع الغرب، فقد صرح قائد الحرس الثوري الإيراني السابق "يحيى رحيم صفوي" في خطاب القاه في أغسطس 2007 ان ايران قادرة على السيطرة على الخليج وان الصواريخ الإيرانية تستطيع الوصول لطول وعرض مياه الخليج وبحر عمان، وأن أي مركب أو قارب لا يستطيع المرور في الخليج بدون أن يكون في مرمى الصواريخ الإيرانية.
وكان المرشد الأعلى علي خامنئي اعلن في أكتوبر- تشرين الأول 2008 ، تحويل مسؤولية أمن الخليج من قوات البحرية التابعة للجيش الإيراني النظامي إلى قوات الحرس الثوري الإيراني "للدفاع عن الخليج "الفارسي" ضد أي هجوم للعدو". وهو الامر الذي رأت فيه وزارة الدفاع الامريكية تغييرا استراتيجيا، كما أعطت القيادة الإيرانية العليا أوامرها لكل القوات الإيرانية في الخليج بالتصرف كوحدات قيادة منفصلة أو مستقلة للردّ على مصادر النيران بعد ثلاث دقائق فقط من أية ضربة عسكرية تتعرض لها إيران، دون الرجوع إلى السلطات العليا.
ومن وجهة نظر غربية فان بعض الخبراء يرون أي هجوم ضد ايران محفوف بالمخاطر، ويقول سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسات الطاقة بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الادني ان "العالم لا يحتمل تكلفة العبث مع ايران.." لان ذلك سيهدد إمدادات النفط المتدفقة يوميا من الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة واليابان ودول غرب أوروبا بالإضافة إلى بعض الدول الآسيوية.
والسؤال هو هل تستطيع إيران بالفعل إعاقة حركة النفط في المضيق؟، يرى العديد من المسئولين بوزارة الدفاع الأمريكية أن طهران قادرة على غلق مضيق هرمز إذا رغبت في ذلك. حسب دراسة اعدتها وزارة الدفاع الامريكية، وكشف تقرير للاستخبارات البحرية الأميركية نُشِر في نوفمبر- تشرين الثاني 2009 أن إيران عززت من القوة البحرية للحرس الثوري في الخليج تحسبًا لأية مواجهة قد تقع في المنطقة. ووفقًا للتقرير فإن إيران زادت من عدد سفنها في الخليج، وأعادت هيكلة قواتها البحرية لمنح ذراع الحرس الثوري المسؤولية الكاملة عن العمليات في الخليج في حال وقوع حرب، كما طورت قدراتها البحرية، وأرسلت إلى مضيق هرمز سفنها الهجومية السريعة، ونصبت فيه أيضًا صواريخ مضادة للسفن، يرى خبراء عسكريون ان عقيدة القوات البحريّة الإيرانية، تحولت الى "تكتيك حرب العصابات" من خلال الاعتماد على الزوارق السريعة المسلحة بالصواريخ، والألغام البحرية.
من الواضح ان ايران تستطيع ان "تخرمش" جيدا اذا تعرضت لاي هجوم، وهي اعلنت عن استراتيجيتها بكل وضوح بانها ستهاجم اسرائيل والقواعد الامريكية في المنطقة وستغلق مضيق هرمز.. وهذا يعني ان كل المنطقة بما فيها الدول العربية والخليج العربي ستكون ساحة للحرب، وهي حرب مدمرة لانها ستحول المنطقة الى كتلة من اللهب وتؤثر على اقتصاديات جميع الدول، وهذا يتطلب حركة عربية حاسمة لتقرير مصير المنطقة التي يبدو انها اصبحت مثل كرة تتقاذفها ايران والولايات المتحدة واسرائيل، فما يجري لا يحتمل حالة الجمود التي نشهدها، فاسرائيل تهدد بشن حرب على ايران، والولايات المتحدة لا تستبعد شن حرب نووية عليها، وهي تهديدات نتعامل معها وكان ايران في كوكب اخر وليست على مرمى حجر منا.
ما يجري على الشاطئ الاخر من الخليج العربي يحتاج الى استراتيجية عربية تمنع الولايات المتحدة واسرائيل من اشعال المزيد من الحرائق في المنطقة وتضغط على ايران لتعيدها الى رشدها بعيدا عن "المغامرات الثورية"
حالة الجمود العربية في منطقة الخليج العربي ليست خطأ بل خطيئة، فمصير هذه المنطقة يجب ان لا يقرر في طهران وواشنطن وتل ابيب، بل يجب على العواصم العربية ان تكون طرفا في هذه المعادلة والركون الى الاخرين للدفاع عنا يعني الهلاك بعينه، ففي لغة المصالح لا يوجد اصدقاء دائمون بل مصالح دائمة، ومن العبث الاعتماد على الولايات المتحدة كليا، فهذا الامر قد يكلفنا غاليا، واذا كان الغرب يقول ان العبث مع ايران سيكلف العالم ثمنا غاليا فان العرب سيدفعون ثمنا اغلى لهذا العبث.
* سمير الحجاوي- كاتب وصحفي في قناة الجزيرة
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |