الصفحة الرئيسة البريد الإلكتروني البحث
سيّد الاستثناء النضيرالهبوط الآمن في صحراء شريعتيعلي شريعتي/ العرفان الثوريهبوط في الصحراء مع محمد حسين بزيهوية الشعر الصّوفيالمقدس السيد محمد علي فضل الله وحديث الروحعبد المجيد زراقط في بحور السرد العربيقراءة في كتاب التغيير والإصلاحبرحيل الحاجة سامية شعيب«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرةالنموذج وأثره في صناعة الوعيتبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصهالشيعة والدولة ( الجزء الثاني )الشيعة والدولة ( الجزء الأول )الإمام الخميني من الثورة إلى الدولةالعمل الرسالي وتحديات الراهنتوقيع كتاب أغاني القلب في علي النَّهريحفل توقيع كتاب أغاني القلبإصدار جديد للدكتور علي شريعتيصدور كتاب قراءات نقدية في رواية شمسحريق في مخازن دار الأميردار الأمير تنعى السيد خسرو شاهيإعلان هامصدر حديثاً ديوان وطن وغربةعبد النبي بزي يصدر ديوانه أصحاب الكساءتوزيع كتاب هبوط في الصحراء في لبنانإطلاق كتاب هبوط في الصحراءصدور هبوط في الصحراءمتحدِّثاً عن هوية الشعر الصوفينعي العلامة السيّد محمد علي فضل اللهندوة أدبية مميزة وحفل توقيعاحكي يا شهرزاد في العباسيةفي السرد العربي .. شعريّة وقضايامعرض مسقط للكتاب 2019دار الأمير تنعى د. بوران شريعت رضويالعرس الثاني لـ شهرزاد في النبطيةصدر حديثاً كتاب " حصاد لم يكتمل "جديد الشاعر عادل الصويريدرية فرحات تُصدر مجموعتها القصصيةتالا - قصةسِنْدِبادِيَّات الأرز والنّخِيلندوة حاشدة حول رواية شمسندوة وحفل توقيع رواية " شمس "خنجر حمية وقّع الماضي والحاضرمحمد حسين بزي وقع روايته " شمس "توقيع رواية شمستوقيع المجموعة الشعرية قدس اليمندار الأمير في معرض بيروتتوقيع كتاب قراءة نفسية في واقعة الطفدار الأمير في معرض الكويتمشاكل الأسرة بين الشرع والعرفالماضي والحاضرالفلسفة الاجتماعية وأصل السّياسةتاريخ ومعرفة الأديان الجزء الثانيالشاعرة جميلة حمود تصدر دمع الزنابقبيان صادر حول تزوير كتب شريعتي" بين الشاه والفقيه "محمد حسين بزي أصدر روايته " شمس "باسلة زعيتر وقعت " أحلام موجوعة "صدر حديثاً / قراءة نفسية في واقعة الطفصدر حديثاً / ديوان جبر مانولياصدر حديثاً / فأشارت إليهصدر حديثاً / رقص على مقامات المطرتكريم وحفل توقيع حاشد للسفير علي عجميحفل توقيع أحلام موجوعةتوقيع ديوان حقول الجسدباسلة زعيتر تُصدر باكورة أعمالهاالسفير علي عجمي يُصدر حقول الجسدصدر حديثاً عن دار الأمير كتاب عين الانتصارجديد دار الأمير : مختصر كتاب الحج للدكتور علي شريعتيصدر حديثاً كتاب دم ابيضاصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي
الصفحة الرئيسة اّخر الإصدارات أكثر الكتب قراءة أخبار ومعارض تواصل معنا أرسل لصديق

جديد الموقع

سيّد الاستثناء النضيرالهبوط الآمن في صحراء شريعتيعلي شريعتي/ العرفان الثوريهبوط في الصحراء مع محمد حسين بزيهوية الشعر الصّوفيالمقدس السيد محمد علي فضل الله وحديث الروحعبد المجيد زراقط في بحور السرد العربيقراءة في كتاب التغيير والإصلاحبرحيل الحاجة سامية شعيب«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرةالنموذج وأثره في صناعة الوعيتبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصهالشيعة والدولة ( الجزء الثاني )الشيعة والدولة ( الجزء الأول )الإمام الخميني من الثورة إلى الدولةالعمل الرسالي وتحديات الراهنتوقيع كتاب أغاني القلب في علي النَّهريحفل توقيع كتاب أغاني القلبإصدار جديد للدكتور علي شريعتيصدور كتاب قراءات نقدية في رواية شمسحريق في مخازن دار الأميردار الأمير تنعى السيد خسرو شاهيإعلان هامصدر حديثاً ديوان وطن وغربةعبد النبي بزي يصدر ديوانه أصحاب الكساءتوزيع كتاب هبوط في الصحراء في لبنانإطلاق كتاب هبوط في الصحراءصدور هبوط في الصحراءمتحدِّثاً عن هوية الشعر الصوفينعي العلامة السيّد محمد علي فضل اللهندوة أدبية مميزة وحفل توقيعاحكي يا شهرزاد في العباسيةفي السرد العربي .. شعريّة وقضايامعرض مسقط للكتاب 2019دار الأمير تنعى د. بوران شريعت رضويالعرس الثاني لـ شهرزاد في النبطيةصدر حديثاً كتاب " حصاد لم يكتمل "جديد الشاعر عادل الصويريدرية فرحات تُصدر مجموعتها القصصيةتالا - قصةسِنْدِبادِيَّات الأرز والنّخِيلندوة حاشدة حول رواية شمسندوة وحفل توقيع رواية " شمس "خنجر حمية وقّع الماضي والحاضرمحمد حسين بزي وقع روايته " شمس "توقيع رواية شمستوقيع المجموعة الشعرية قدس اليمندار الأمير في معرض بيروتتوقيع كتاب قراءة نفسية في واقعة الطفدار الأمير في معرض الكويتمشاكل الأسرة بين الشرع والعرفالماضي والحاضرالفلسفة الاجتماعية وأصل السّياسةتاريخ ومعرفة الأديان الجزء الثانيالشاعرة جميلة حمود تصدر دمع الزنابقبيان صادر حول تزوير كتب شريعتي" بين الشاه والفقيه "محمد حسين بزي أصدر روايته " شمس "باسلة زعيتر وقعت " أحلام موجوعة "صدر حديثاً / قراءة نفسية في واقعة الطفصدر حديثاً / ديوان جبر مانولياصدر حديثاً / فأشارت إليهصدر حديثاً / رقص على مقامات المطرتكريم وحفل توقيع حاشد للسفير علي عجميحفل توقيع أحلام موجوعةتوقيع ديوان حقول الجسدباسلة زعيتر تُصدر باكورة أعمالهاالسفير علي عجمي يُصدر حقول الجسدصدر حديثاً عن دار الأمير كتاب عين الانتصارجديد دار الأمير : مختصر كتاب الحج للدكتور علي شريعتيصدر حديثاً كتاب دم ابيضاصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي

أقسام الكتب

مصاحف شريفة
سلسلة آثار علي شريعتي
فكر معاصر
فلسفة وتصوف وعرفان
تاريخ
سياسة
أديان وعقائد
أدب وشعر
ثقافة المقاومة
ثقافة عامة
كتب توزعها الدار

الصفحات المستقلة

نبذة عن الدار
عنوان الدار
About Dar Al Amir
Contact Us
شهادات تقدير
مجلة شريعتي
مواقع صديقة
هيئة بنت جبيل
اصدارات مركز الحضارة

تصنيفات المقالات

تصنيف جديد
شعراء وقصائد
قضايا الشعر والأدب
ريشة روح
أقلام مُقَاوِمَة
التنوير وأعلامه
قضايا معرفية
قضايا فلسفية
قضايا معاصرة
الحكمة العملية
في فكر علي شريعتي
في فكر عبد الوهاب المسيري
حرب تموز 2006
حرب تموز بأقلام اسرائيلية
English articles

الزوار

13988420

الكتب

300

القائمة البريدية

 

فكرة أميركا الأم الحاضنة لفكرة إسرائيل

((قضايا معاصرة))

تصغير الخط تكبير الخط

فكرة أميركا الأم الحاضنة لفكرة إسرائيل

بقلم: مصطفى الولي

asater_321الكتاب : تلمود العم سام‏
الأساطير العبرية التي تأسست عليها أميركا‏
المؤلف : د. منير العكش‏
الناشر : رياض الريس للكتب والنشر.‏
بيروت ‏2004‏‏‏

شغلت العلاقة بين أميركا ودولة إسرائيل اهتمام أوساط فكرية وسياسية واسعة، على المستويين العالمي والعربي.‏

ولقد كان للأبعاد السياسية والاقتصادية والاستراتيجية الأساس المفضل لدى الدارسين والباحثين. أما البعد الفكري الأيديولوجي والروحي، فقليلة المؤلفات التي تناولت هذا الحيّز في مجال العلاقة بين البلدين ـ الفكرتين. وهي (المؤلفات) إن وُجدت، على قلّتها، افتقرت عموماً إلى البحث الموثّق منهجياً، وطغى عليها الطابع الدعائي، العاطفي والتحريضي.‏

أما المؤلِّف منير العكش، فهو ذهب إلى توثيق وتحليل تاريخ فكرة أميركا ونظم فلسفتها ومقولاتها، ليكشف عن ولادة مبكرة للأيديولوجية الصهيونية، قبل ولادة مؤسس الحركة الصهيونية اليهودية "هرتزل" بثلاثة قرون. ففي الاستيطان الأوروبي لأميركا نشأت العلامات الأولى للأيديولوجية الصهيونية.‏

لم تكن تلك الأيديولوجية تنشد "أرض الميعاد" في فلسطين، لكنها جعلت من أرض أميركا معادلاً "لأرض الميعاد". ومع الولادة المفبركة والمصنّعة للحركة الصهيونية اليهودية في أواخر القرن التاسع عشر، كان لابدّ من رعاية أميركا للحق اليهودي المزعوم في فلسطين.‏

وإذا كانت الفكرة الجوهرية لترسيخ الحق الصهيوني في أرض فلسطين تقوم على مقولة: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، فالسَّبق الذي حققه الغزاة الإنجليز على حساب شعوب أميركا الأصلية (الهنود الحمر) كان محركاً عملياً وأخلاقياً وسياسياً لإخضاع العالم للفكرة الصهيونية إزاء أرض فلسطين.‏

وعلى مدى أكثر من أربعة قرون ظلّت فكرة أميركا "تخطف روح الدين وتطوّعه لأهدافها الإمبراطورية الثلاثة التي استعارتها من "فكرة إسرائيل" التاريخية:‏

1 ـ اجتياح أرض الغير.‏
2 ـ استبدال سكانها بسكان غرباء أو استعباد من يعصى منهم على الموت.‏
3 ـ واستبدال ثقافتها وتاريخها بثقافة المحتلين الغرباء وتاريخهم، الكتاب ص11. لاحقاً رقم الصفحة فقط.

ويُرجع المؤلف بلاغة العنف الأميركية إلى "استعارتها من أدبيات "فكرة إسرائيل" وأساطيرها المقدسة وأنماط سلوك أبطالها، بدءاً من "العهد المقدّس" الذي أبرمه الحجّاج في سفينة ماي فلور مع يهوه في عرض المحيط الأطلسي وانتهاءً بالرئيس جورج بوش قبل إعلان الحرب على العراق واعتقاده بأنه "موسى العصر"ص13.‏

في المقاربات الفكرية والسياسية لحقيقة دولة إسرائيل ثمّة إصلاح مكثّف لطبيعة العلاقة التي تجمع بين واشنطن وتل أبيب هو "الحاضنة الأميركية" أو "البلد الأم". ولعلّ ما أراده الباحثون والمفكرون من هذا التكثيف هو التدليل على الوشائج الاقتصادية والعسكرية والأمنية التي تجمع بين الطرفين. لكن في متن الكتاب الذي نحن بصدده سوف نلاحظ أن "البلد الأم" يمكن أن يرمز أيضاً إلى وشائج الأيديولوجيا" للفكرة الصهيونية اليهودية التي أسَّسها هرتزل بعد التجربة الأميركية بثلاثة قرون. ولذلك يستنتج المؤلف د. منير العكش أن "هاجس أميركا بتأسيس دولة يهودية في فلسطين أعرق من الحركة الصهيونية اليهودية وأشد تطرفاً وطموحاً (...) صحيح أن فكرة أميركا استمدّت مثالها وأخلاقها ومعظم إسقاطاتها من حكايات العبرانيين وأساطير "إسرائيلهم" في العهد القديم والتلمود (...) لكن فكرة أميركا التي استنسخت فكرة إسرائيل الأولى، تميّزت عنها بشموليتها. ففكرة إسرائيل وتجميع اليهود في فلسطين، وتأسيس دولة يهودية فيها واستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة أخرى، كل ذلك ليس إلا عنصراً واحداً من عناصر فكرة أميركا ومشروعها لـ"نهاية التاريخ"ص29.‏

ولو توقفنا سريعاً اليوم أمام الممارسات الإسرائيلية لإبادة الشعب الفلسطيني ومحو تاريخه، كما هو واضح، في مسألة القدس، واعتبارها يهودية، والبحث عن هيكل سليمان المزعوم تحت عماراتها المقدسة إسلامياً ومسيحياً، سوف نجدها فرعاً من أصل أميركي تاريخه ورموزه واضحة وموثّقة في خطابات الرؤساء الأميركيين وفي مؤلفات النخب التي تقوم بتسويغ تلك الخطابات بأفكار يريدون منها تعميم ما يُسمى بالحضارة الأميركية.‏

لقد شكّل رمز "المدينة الجبلية" في اللاهوت الاستعماري الإنجليزي واحداً من أقدس رموز "فكرة أميركا" وأنفذها في الزمن، فهو يماهي بين أميركا وبين "أورشليم الجديدة" عاصمة مملكة الله التي ستُبنى في آخر الزمان على جبل فوق أنقاض مدينة تكن شتنكه" (1) ص31. ويسرد د. منير العكش حكايته مع الرواية الأميركية الواردة في الدليل السياحي للتعرف بتاريخ واشنطن المدينة فيقول: ما زلت أذكر أن صفحته الأولى تحمل صورة الرئيس واشنطن بنظراته الناعسة المتكسرة وابتسامته الموناليزية وبعض المعلومات التاريخية عن المدينة، وأولها أن واشنطن أجمل عواصم العالم انبثقت من مجاهل "مستنقعية". وتخبرنا أيضاً كيف تعثّرت تكنولوجيا الحداثة، وهي تحفر مسبحاً داخل حديقة البيت الأبيض في عام 1975، بآثار ورمم بشرية تعود لمدينة تكن شتنكة. وسرعان ما انعقدت الألسنة الطويلة وصُودرت الأشباح وأُهيل التراب على جثة الفضيحة وامتد بساط من الأعشاب من جديد فوق مقبرة "المجاهل" المعروفة باسم "حديقة الورد"ص33.‏

من الافتراس إلى الهضم

من السحق والإبادة التي تلحق بالضحية إلى تماهي الضحية مع الجلاد، أو مع ما يرسمه من صورة لها، يكتمل جدل العملية الاستعمارية لتكريس "حضاريتها" ونشيدها نحو "الحرية" المزعومة. وإذا كان شرط انتصار الضحية على جلادها (المُستعمِر على المستَعمَر) نزع اللثام عن حقيقته الموضوعية، فإن العكس تماماً هو ما يسعى له الجلاد في تعامله مع الضحية. فهو يحولها إن استطاع إلى ثقافته المزيفة التي تبرِّر أعماله الوحشية، وتصبح الضحية، أو "نخبة" منها تنطق بلسان حال الجلاد، وتبارك أعماله الوحشية، باعتبارها خلاصاً وتخليصاً لها من "التخلف" والشر.‏

ذلك هو ما سنلاحظه في متن الكتاب حين يسترسل المؤلف بعض الشيء في تحليل وعرض تجربة المستعمرين البيض الذين أنشأوا "فكرة أميركا" حيث كانت عملية الإبادة للهنود الحمر مقدمة لتشكيل ما يمكن وصفه "الحكم الذاتي لمن تبقّى منهم. ويطلق عليه اليوم في الولايات المتحدة "مكتب الشؤون الهندية".‏

"ويشبه دافيد هنري في كتابه "سلب الهنود" نشاط هذا المكتب بمستعمرات هائلة من النمل الأبيض تنخر ما تبقى من قواعد البيت الهندي إلى أن ينهار، كما يشبهه أيضاً بسلاح مكتوم الصوت يقتل بدون ضجة"ص51.‏

ذلك هو ما تحقق في عام 1849 إذ أصبح ما يُسمى "مكتب الشؤون الهندية" بمثابة استعمار داخلي تجسده مشيخات وأمراء وقبائل من المنتفعين الهنود يفتكون بأهلهم لحساب الدولة الأميركية. وأصبح، كما يقول الهنود، الإنسان الأبيض وأطماعه يختفيان تحت البشرة الحمراء لموظفي مكتب الشؤون الهندية. "وهو ما حفز أحد زعماء الحركة الهندية المعاصرة (رسل مينز) إلى الإعلان: أن إنقاذ هنود أميركا من فقرهم وشقائهم لن يتم إلا بعد القضاء على مكتب الشؤون الهندية" ص54. هذا المكتب جعل أكبر هموم الضحية الحصول على شهادة حسن سلوك من جلادها.‏

بهذا الخصوص يعرض المؤلف نماذج مقززة ومرعبة لنشاط ما يُسمى بمكتب الشؤون الهندية، في سبيل الحصول على الفتات من أسياده المستعمرين البيض. فحوادث الاغتصاب والقتل والاتجار بالنساء في مجال الدعارة وتسميم الأغذية وحرق محاصيل الشعوب الهندية، هي الممارسات التي كان مكتب الشؤون الهندية يتستّر عليها ويُخفي آثارها حتى يفوز برضى الأميركيين البيض

الثقافة المستباحة‏

في الفصل الثالث من الكتاب يتوقّف المؤلف حيال التزوير الثقافي الذي شكّل عنصراً ضرورياً في تحويل وجود الهنود إلى عدم. وأول خطوة في هذا السبيل تحويل الافتراس الجسدي إلى تلمُّظ بروح الفريسة "يعجنها ويصهرها ويُعيد خلقها وإحياءها دمية للترفيه والمتعة في سوق الاستهلاك اليومي للروح. إلى درجة أن الهندي صار يتعرّض للسخرية والضحك حين يقف في وجه هذا السيل من التلفيق ليقول الحقيقة. إنهم لا يكتفون بتكذيبه بل إنهم سرعان ما يوبّخونه ويسألونه أن يتعلم تراثه جيداً وفقاً لما كتبه الخبراء (غير الهنود). هناك ثقافات ومعتقدات هندية يختلقها هؤلاء (الخبراء) ويجبرون الهنود أنفسهم على اعتناقها بعد أن صارت لهم وحدهم الكلمة الفصل في ما هو هندي وغير هندي"ص75. ولقد وصفت الكاتبة الهندية (الكندية) بام كولورادو هذه العملية المبرمجة والمخططة بقولها: إن الحديث عن المذبحة الروحية التي نتعرّض لها ليس استعارة بلاغية، فأرواحنا هي التي تُباد الآن"ص57.

يهود الروح ويهود اللحم والدم‏

ثمّة مصطلح أصبح رائجاً لتعريف علاقة الصهيونية الهرتزلية ـ وتفريقها ـ عن الصهيونية السياسية التي نشأت في أوروبا، وهو "الصهيونية المسيحية" فالأولى (اليهودية) وُلدت من الثانية لأغراض وأهداف سياسية استعمارية. د. العكش يضع اصطلاحاً آخر للتعريف والتفريق بينهما، هو: يهود الروح ويهود اللحم والدم.‏

ففي لندن تأسست أكاديمية الدراسات اليهودية لنشر "فضائل الديانة اليهودية بين أكبر عدد ممكن من الإنجليز وكبح جماح العداوة التقليدية لليهود"ص87. وعندما بنى جون كيث المستعمرة الإنجليزية الأولى في العالم الجديد (أميركا) كان اليهود والإنجليز على قناعة ضمنية مشتركة بضرورة طي الصفحات المؤلمة لعلاقة المسيحية باليهودية والتي تعود إلى ما جرى من أحداث بين سنة 1 وسنة 32 ميلادية.‏

كان الإنجليز يؤمنون بأن لدى اليهود مفاتيح التبرير الإلهي وأسراره. فمنذ بداية الثورة البيوريتانية التي صنعت أميركا وفكرة أميركا ومشروعها كان معظم الإنجليز يصلّون مع اليهود في معابدهم ويتعلّمون العبرية ويجعلونها لغتهم اليومية (...) كان هناك شبه إجماع بينهم أن اليهود أكثر شعوب الأرض حاجة إلى الحماية والرعاية والتمييز لأنهم "شعب الله" والله يحاسب الأمم وفقاً لموقفهم من اليهود. وهذه المقولة ما تزال تتردّد شعبياً ورسمياً ولاهوتياً في العالم الأنغلو/ أميركي الآن. وكان آخر من ردّدها رسمياً الرئيس الأميركي كلينتون حين أكد وصية كاهنة له: إذا تخليت عن إسرائيل فإن الله سيغضب عليك"ص89.

في التنقيب التاريخي عن جذور الزيف الذي جعل من الديانة اليهودية، أمة وقومية، ومهد بذلك لزج اليهود في مشروع إقامة إسرائيل على أرض فلسطين، يبرز المؤلف دور بريطانيا ومفكريها في فبركة مشروع " أمة يهودية".‏

"فحين كان مجلس المندوبين اليهود يؤكد أن اليهود لا يريدون أكثر من التمتّع بالحقوق المدنية في بريطانيا (...) تولّى القنصل البريطاني في دمشق تشارلز هنري تشرشل الدعوة علناً إلى إعادة اليهود إلى "فلسطين محرّرة" في سبيل مواجهة أخطار محمد علي باشا في مصر وبلاد الشام. وكتب رسالة إلى موسى مونتفيور (أحد زعماء اليهود) ألحَّ فيها على ترجمة البُعد الديني لعودة اليهود إلى فلسطين إلى لغة سياسية عملية، مبدياً رغبته الجامحة في أن يناضل اليهود من أجل أن يصبحوا أمة"ص107.‏

حقيقة الأمر هو ما أكدته الوثائق التاريخية حول انعدام أي مشروع سياسي لليهود قبل هرتزل. فهذا الأخير حين نشر كتابه "الدولة اليهودية" اعتمد على كتاب "عودة اليهود إلى فلسطين كما بشّر بها الأنبياء" الذي ألَّفه موظف بريطاني في السفارة الإنجليزية في فيينا يدعى وليم هكلر. وتروي الموسوعة اليهودية حكاية غرام هكلر بهرتزل بلغة عاطفية مؤثّرة، فقد أفردت له مادة خاصة واعتبرته أحد أنبياء هرتزل واعترفت له بإخلاصه وتفانيه في سبيل الحركة الصهيونية.‏

أميركا ينبوع العنف وأم الحرب الوقائية

في القسم الثاني من الكتاب يطارد المؤلّف ثقافة العنف الأميركية ويكشف جذورها الأيديولوجية "لقد تلبّست "فكرة إسرائيل" جوهر "فكرة أميركا" وصاغت شكلها فمن المسلّمات أن الأمة الأمريكية أقرب إلى الإسرائيليين الأوائل من أي شعب آخر على وجه الأرض (...) وبما أنه ليس هناك شعب يعطي بلاده وحريته للغزاة الغرباء تطوّعاً فقد كان لابدَّ لفكرة إسرائيل وفكرة أميركا من تقديس العنف. إن كل بلاغة العنف الأميركية كانت وما تزال تستمدّ استعاراتها من أدبيات فكرة إسرائيل وقصصها المقدسة وأنماط سلوك أبطالها"ص212.‏

إن أخلاق العنف التي برّر بها المستعمرون الإنجليز حربهم من أجل فكرة أميركا" وإبادة الهنود الحمر، استندت إلى فكرة إسرائيل حين ألقى كوتون ماذر خطبة الحرب أمام الكتيبة المتوجّهة لغزو الهنود عام 1689، كانت استعاراته تنفخ الحياة في أساطير العبرانيين وتلحّ على المعنى الإسرائيلي لأميركا. فالجنود المتوجّهون لغزو الهنود بنو إسرائيل في مواجهة العماليق وما على بني إسرائيل الجدد إلا أن ينقضّوا على أعدائهم بالطريقة التي انقضّ بها العبرانيون على أعدائهم العماليق"ص211.‏

يذهب المؤلّف إلى الاعتقاد الراسخ بالمنطلقات الواحدة لكلتا الفكرتين "فكرة أميركا" و"فكرة إسرائيل" حيث تستند كل منهما إلى "عقيدة الاختيار وجبرية المصير وتسخر من حقائق التاريخ والحفريات الأثرية ولا تقيم وزناً للوقائع الجيوسياسية. وترفضان علم الطبيعة وعلم التاريخ. وتعتقدان أن نصوصهم المقدسة المرجع الأعلى لأرض كنعان، حيثما كانت أرض كنعان ومستقبلها (...) أما ما قد يحدث للملايين من البشر الذين عاشوا في أرض كنعان وقدسها آلافاً من السنين قبل أن يعرف التاريخ شيئاً عن فكرة إسرائيل، فتضحيات تافهة ضرورية لتطهير الطبيعة والتاريخ واستبدالهما بطبيعة وتاريخ أعلى"ص215.‏

في بحثه عن صلة الماضي بالحاضر، وعلاقة السياسة بالأيديولوجيا يقارن المؤلّف بين ذرائع أميركا لشن "الحرب الوقائية" وشعار النازية في ألمانيا عشية الحرب العالمية الثانية "المجال الحيوي".‏

"كان جون أوسلفيان، وهو أعظم فلاسفة فكرة أميركا في القرن التاسع عشر، قد بعث حق الحرب من مرقده في عام 1845 وأطلق عليه اسم "القدر المتجلّي" وذلك كي ينسب سياسة الاجتياحات الأميركية إلى التدبير الإلهي (...) وسرعان ما تحوّل "القدر المتجلّي" إلى عقيدة تبنّاها سياسيو الحزبين الجمهوري والديموقراطي وتنافسوا على عسكرتها"ص213.‏

ويحيل المؤلف عقيدة النازية في "المجال الحيوي" إلى فكرة "القدر المتجلّي" الأميركية. لكن المنتصر هو الذي يكتب التاريخ فتأتي المفارقة بمحاكم جرائم الحرب النازية على يد الأميركيين أصحاب فكرة "أميركا" ومبدأ "حق الحرب" لإبادة الهنود في القارة الأميركية تجسيداً لـ"القدر المتجلّي" الخاص بعقيدتهم. ولعل "هذه الحرب الوقائية (2) التي أطلقها الرئيس بوش كترجمة لحق الحرب (1610)  وللقدر المتجلّي (1845) ليست إلا محاولة جديدة لاغتصاب إرادة الله نفسها، ودليلاً آخر على الوحل الأصولي الذي تغرق فيه الدولة الأميركية كلما تعاملت مع العرب، ومع المسألة الفلسطينية بشكل خاص. ومن المفارقات أن الرئيس دوايت إيزنهاور سُئل في 1953 عن اصطلاح الحرب الوقائية، فقال: إنها من اختراع أدولف هتلر"ص216.‏

على امتداد صفحات الكتاب، متناً، وهامشاً، وملحقات، سوف يلحظ القارئ أن الدكتور منير العكش مفجوع ببعض تجليات الثقافة السياسية العربية، تحديداً في ترويج ذات المقولات الأميركية والإسرائيلية إزاء التناقض والصراع الدائر مع شعوب الأمة العربية. فهو إذا كان في متن كتابه ترك المجال للقارئ أن يطّلع على حقائق الأيديولوجيا والسياسة التي تستمد منها أميركا وإسرائيل مسوغات مشاريعهما، ففي الهوامش والملاحق، علّق بشكل مباشر على ما تحمله المطبوعات العربية، أو ما تذيعه الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى من آراء ومواقف، لكتّاب ومفكرين وأكاديميين وإعلاميين عرب، تشبه أكثر ما تشبه تجربة ما يُسمى "دائرة الشؤون الهندية" التي أخذت على عاتقها الافتراس الروحي لتاريخ الهنود في أميركا، ورسم صورتهم كما تفبركها أدبيات الثقافة الأميركية الرسمية ومرتكزاتها من أيديولوجي "نهاية التاريخ" ومنظّري "الحرية والديموقراطية" لبناء حضارة عالمية على الطريقة الأميركية.‏

فالحوار بين الحضارات الذي تدّعيه واشنطن ولندن "ينطلق من مسلّمات ثلاث لئيمة:‏

أولها: أننا نحن العرب مذنبون مع الغرب. وثانيها: أن ذنوبنا (تجاه أميركا وبريطانيا وإسرائيل أيضاً) لا يقرّها الإسلام لأن أخلاق الإسلام تتطابق تماماً مع ما يريده وحش الغابة ولابدّ بالتالي من العودة إلى ينابيع الإسلام وتفسير رسالته وقرآنه وتاريخه وبطولاته وأحاديث نبيه بما يرضي وحش الغابة ويقضي على ما تبقّى من جيوب مقاومتنا البائسة وخيرات أرضنا. وثالثها: وصف ما يجري بأنه صراعه مع الغرب (...) لماذا ينصرف الذهن فوراً عن التفكير في الحضارات أو في حوار الحضارات إلى أوهام خطيرة شائعة، أولها، أن الحوار الحضاري لا يتم إلا في المؤتمرات والندوات (...) وثانيها، أن المستعمرات اليهودية في عقولنا جعلتنا نعتقد بأن العالم ما قبل ظهور الإسلام لم يعرف غير اليهود وما فرضته اليهودية. وثالثها، أن المركزية الأنكلوسكسونية للعالم والتاريخ والطبيعة صارت إحدى مسلّمات عقولنا فحجبتنا عن كلية الحضارة الغربية وعن معظم حضارات العالم"ص306 ـ 310.‏

أما بشأن إسرائيل وثقافة الاستسلام التي تُخفي الوجه الحقيقي لأصحابها، فلقد تناول المؤلّف في أحد الهوامش عيّنة واحدة من المنشورات الصحفية، ورد فيها الجمل والفقرات التالية: "بعد سقوط نتنياهو ستكون إسرائيل حكومة وشعباً جارتنا الطّيبة نقيم معها المشاريع الاقتصادية والثقافية والعلمية المشتركة وسنتعلّم ونستفيد منها أكثر مما تتعلّم وتستفيد منا (...) إنني أضع واعياً كلمة عدوّنا بين قوسين لأن الإسرائيليين ليسوا أعداءنا بل أبناء عمومتنا وجيراننا ويعملون مئة مرّة أفضل مما نعمل (...) نحن العرب لم نعمل مرّة على تطوير صورة لنا ذات جاذبية وذات قدرة على دخول عقول الغربيين وقلوبهم وبيوتهم (...) من أين تبدأ الصورة من مهام متواضعة نطرحها على أنفسنا مستفيدين من نجاح المآكل العربية من التبّولة اللبنانية إلى الكسكس المغربي..."ص35.‏

ثم يعلّق مؤلّف الكتاب على هذا النهج في التفكير فيقول: "هذا الفخ الذي وقع فيه أصدقاء المؤرّخين الصهاينة الجدد لم ينجم عن حماستهم لكسب الأصدقاء في المعسكر الآخر، فهذا عمل مشروع وضروري، وإنما نجم عن اعتقاد ساذج بأن ما بيننا وبين الصهاينة هو خلاف في الرأي أو الذوق مثل الخلاف على عمود الشعر ونواقص الوضوء وتعريف ما بعد الحداثة. وفعلاً هناك تيار إسرائيلي وعربي رسمي يصرّ على أن الخلاف بين العرب والإسرائيليين هو مجرد تباين في وجهات النظر، وبالتالي فإن حل هذا الخلاف يبقى بالضرورة في إطار الحكي"ص38.‏

ويجب أن نضيف هنا ما تردّده الدعاية الصهيونية في تفسيرها للمقاومة والانتفاضة، حيث تعتبرها نتاج تحريض يبثّه متطرفون متشدّدون فلسطينيون وعرب، وليس ردّ فعل طبيعي على الاحتلال والإبادة. ولابدّ من أن دعاة حل الخلاف (بالحكي) في الوسط السياسي العربي يوافقون على الادّعاء الإسرائيلي حول التحريض كمصدر للمقاومة.

إن كتاب تلمود العم سام للدكتور منير العكش إضافة نوعية هامّة على المستوى الثقافي والفكري، وهو يأتي في توقيت أحوج ما نكون إليه من أجل إزاحة الأقنعة التي تتزيّن بها قوى العولمة الأميركية، والكشف عن الجذور البعيدة والعميقة لسلوك الإبادة الذي تمارسه واشنطن وتل أبيب في العراق وفلسطين. والأهم أن الكتاب يسهم في توضيح طبيعة الصراع بعيداً عن مشاريع البحث عن حلول له على طريقة "مكتب الشؤون الهندية" في الولايات المتحدة. بعد استيطان أميركا قبل أربعة قرون. ليست همومنا على أي حال أن نحصل على شهادة حسن سلوك من جلادينا.

(1)  المدينة الهندية التي قامت على أنقاضها مدينة واشنطن بعد إبادة سكانها "المؤلف".‏

(2)  يمكن أن يكون اصطلاح الحرب الاستباقية الحرفي هو الأدق من الحرب الوقائية الذي ذكره المؤلّف، خاصة وأن الاستباقية تتصل بعلم الغيب الذي تقوم عليه أساطير التوراة. ثم إن الخطاب الصادر عن البيت الأبيض برئاسة بوش يعتمد مصطلح"حرب استباقية".‏

الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم.

07-05-2009 الساعة 06:50 عدد القراءات 4503    

الإسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد


جميع الحقوق محفوظة لدار الأمير © 2022