السيد فضل الله مناشداً كبار علماء الأمة
مناشداً طلائع الأمة الخروج من دائرة السجال المذهبي
وخصوصاً بعدما يئس العدو من كسر شوكة المقاومة
فضل الله يحذّر في خطبة العيد من بقاء المصالحة رهينة القيادات العليا بعدما فعل الخطاب المذهبي فعله
ألقى سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، خطبة عيد الفطر صبيحة اليوم الثلاثاء 30/9/2008 من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، وقد جاء في خطبته:
عندما نلتقي بالعيد، فإننا نلتقي بمعنى الرحمة والسلام بعد موسم العطاء العبادي المتمثل بجهد المسلمين العاملين على الاستفادة من كل الأجواء الروحية العابقة بالمودة والرحمة التي يوفرها شهر رمضان المبارك، والذي ينبغي أن تتواصل فيوضاته الروحية والعملية في بقية الشهور ومع امتداد العمر، لنأخذ من الصوم عصارته الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية فنصوم عن الحرام وعن الإثم والظلم في بقية حياتنا، وفي حركتنا العملية على امتداد الزمن.
إن العيد يمثل البداية في محطة زمنية هي محطة التتويج للعاملين والمجاهدين على عملهم وجهدهم وجهادهم، والموقع الذي تنطلق منه الجوائز على صيام الصائمين وطاعة المطيعين وإخلاص العاملين لله سبحانه وتعالى... وعند ذلك يكبر العيد ويمتد ويتسع فلا ينحصر في يوم من الأيام أو في مرحلة من المراحل، وإنما ينطلق في الالتزام الروحي الذي يتحول إلى التزام أخلاقي وسياسي وميداني على كل المستويات، وقد قال علي(ع): "إنما هو عيدٌ لمن قبل الله صيامه وقيامه، وكل يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد".
إننا، وفي أجواء هذا العيد، نواجه الأوضاع القلقة المأساوية في العالم العربي والإسلامي حيث يواصل الاحتلال الأميركي ضغطه على المستضعفين في العراق وأفغانستان وباكستان، ويواصل الاحتلال الإسرائيلي إرهابه وضغطه وإجرامه وحصاره للشعب الفلسطيني، وسط ترويج متصاعد للفتنة وتمهيد متواصل للفوضى...
ولعل المشكلة الكبرى تتمثل في هذا الجو المعقّد والخطير حيث يتقاتل المستضعفون مع بعضهم، ويستحل المسلمون دماء المسلمين الآخرين تحت عناوين سياسية ومذهبية واهية، وحيث يواصل المسؤولون في هذا البلد الإسلامي أو ذاك سجالاتهم التي تهيئ لمناخات الفتنة وتكشف الواقع الإسلامي أمام عصبيات مختنقة قاتلة، ما تشير إلى وجود مخزون من التعصب والانغلاق والعداوة في بعض النفوس، مما يستغله المستكبرون الحاقدون المتربصون شراً بالأمة ومستقبلها.
إننا نستهين هذا الواقع الذي تثار فيه القضايا الخلافية في كثير من التفاصيل الإسلامية بما يترك تأثيره السلبي ليس على الساحة العامة في الأمة فحسب، بل حتى على ساحاتها الخاصة في مواقع المقاومة الشريفة المواجهة للعدو في فلسطين والعراق ولبنان، وفي مواقع أخرى في العالم العربي والإسلامي، بالمستوى الذي شُغل فيه الكثيرون عن التصدي لمكائد العدو أو للحملات التشويهية التي تُثار ضد الإسلام وضد النبي محمد(ص) بهذه التفاصيل التي كنا نحسب أن اللقاءات الوحدوية المتواصلة والحوارات الداخلية الشفّافة قد استطاعت أن تتجاوزها إلى مرحلة من الانفتاح والوحدة، وخصوصاً أن هذه التفاصيل لا تتصل بجبهة معينة في المواقع الإسلامي بل بكل الجهات والمذاهب والفئات.
إننا، أمام هذا الواقع، نتوجه إلى المسلمين والعرب أن يتقوا الله في كلماتهم وسجالاتهم وفي حركتهم السياسية والثقافية، وأن يعملوا للوحدة الداخلية إسلامياً وعربياً، لأننا في مرحلة تضج بالتحديات والمخاطر المحدقة بنا من كل حدب وصوب.
إنني أناشد الشخصيات الدينية والقيادات السياسية والطلائع المثقفة الواعية في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه أن تتنبّه إلى أن الخطة الجديدة التي تعكف دوائر الاستكبار الأميركي والصهيوني على ترجمتها في مناطقنا وبلادنا تقوم على إنزال الخلافات الفكرية والمذهبية والحساسيات التاريخية إلى صعيد الواقع، بعدما تمكنّت الأمة من كسر شوكة الاحتلال بالشرفاء من مقاوميها الذين يعملون للإسلام وإن انتموا لهذا المذهب أو ذاك.
إننا أمام مرحلة انتقالية ولكنها استثنائية لأن المشروع الأميركي الصهيوني أصيب بنكسة كبيرة في المنطقة وفي لبنان، ولكن المشكلة تكمن في أننا لا نُحسن التعامل مع انتصاراتنا وانتكاسات الآخرين، وقد رأينا كيف أن الأزمة الاقتصادية الأميركية أرخت بظلالها على العديد من المواقع العربية وتركت بصماتها في الاستثمارات الخليجية وغيرها إلى المستوى الذي كفّ فيه الكثيرون عن التفكير في كيف يمكن استغلال هذه الأزمة لمصلحة شعوبهم وللتمرد على الاستكبار الأميركي في المنطقة، وبدأوا البحث عن مصالحهم المتداعية بين ثنايا الاقتصاد الأميركي وشركاته المتهاوية.
أما في لبنان، فإننا في الوقت الذي نرحّب بالجهود الكبيرة التي بُذلت وتبذل لتوسيع دوائر المصالحة، فإننا نحذّر من بقاء هذه المصالحة أسيرة للسقف السياسي الرسمي أو الحزبي ورهينة عند المستويات القيادية العليا، لأن الخطورة تكمن في إعادة إنتاج المشاكل وتفجير الأوضاع من قِبَل جهات تستفيد من بقاء الساحة الشعبية مشتتة وضائعة وغير موحدة، لأننا نعتقد أن الخطاب الحزبي والطائفي والمذهبي قد فعل فعله في شجن الأجواء والنفوس وترك ثغراً كبيرة ينفذ منها العابثون كما فعلوا بالأمس في طرابلس وغيرها، ولذلك فإن المطلوب صوغ استراتيجية وطنية وحدوية وبرنامج عملي للحلول السياسية والاقتصادية لقطع الطريق على الصائدين في الماء العكر أمنياً وسياسياً، لأننا أزعم أن العدو الذي يأس من إمكان الانتصار على لبنان ومواقع الممانعة قد بدأ العمل لمرحلة الاختراق الأمني الواسع على مستوى الاغتيالات والمتفجرات، وهناك الكثير ممن يعملون لمصلحته ويتحركون في خدمته سواء انتبهوا إلى ذلك أم لم ينتبهوا.
إننا ندعو الشعب اللبناني إلى أن يكون واعياً أمام التحديات الكبرى التي تنتظره في المستقبل، ليلاحق كل المتكلمين والمتحدثين على المنابر السياسية والإعلامية، فيطلب منهم أن يتحدثوا بخطاب الوحدة أو يصمتوا، حتى لا يسقط في حبائلهم السياسية ويحصد ثمن طموحاتهم الانتخابية والشخصية.
إننا نؤكد على هذا الشعب أن ينطلق في رحاب المستويات الثقافية التي عهدناها لديه، ليعيد لبنان من خلال هذا الشعب المعطاء إنتاج القيادات الحكيمة الواعية، وليكون له دوره الفاعل في القضايا العربية، بدلاً من أن يكون ساحة تتلاعب فيها المحاور العربية والإقليمية والدولية والتيارات المتطرفة، والشخصيات المعقّدة.
وأخيراً إننا في أجواء العيد ندعو الجميع إلى أن ينفتحوا على الطبقات المحرومة والمستضعفة وخصوصاً مع الأيتام والفقراء والمحتاجين، ليؤكدوا تواصلهم الجاد والفاعل مع هؤلاء، لأن قيمة العيد هو في إنتاج الفرح الدائم للبشرية، وخصوصاً لمن يحتاج إلى هذا الفرح من خلال حاجاته الخاصة وأوضاعه الضاغطة.
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |