لو أن الدكتور يوسف القرضاوي استخدم في حديثه عن الشيعة معيار «الموازنات» الذي تعلمناه منه وألف فيه كتاب «الأولويات» لما قال ما قاله في الأسبوع الماضي، ذلك أننا إذا افترضنا أن كلامه صحيح والآراء التي عبر عنها لا غبار عليها، فإن ذلك سيكون بمثابة دعوة إلى مخاصمة الشيعة، والاحتشاد ضد إيران، والتهوين من شأن إنجازات ودور حزب الله في لبنان، وإثارة الشقاق والفرقة بين الشيعة والسنة في أكثر من بلد عربي، خصوصاً في العراق ودول منطقة الخليج، وهو ما سيؤدي تلقائياً إلى تراجع أولوية الصراع ضد إسرائيل، وتهيئة الأجواء لتوجيه الضربة العسكرية الأمريكية ضد إيران.
لست أشك في أن شيئاً من ذلك كله لم يخطر على بال الدكتور القرضاوي وتلك هي المشكلة فنحن نعرف أن الرجل في تاريخه الحافل بالعطاء المشرف له مواقفه المشهورة دفاعاً عن وحدة الأمة الإسلامية، وفي الصف الأول من المنادين بنصرة المقاومة وتعزيز صفها في مواجهة العدوان الصهيوني، وهو حين عارض العمليات الاستشهادية من حيث المبدأ، فإنه أيدها في فلسطين باعتبار أنه لا يتوافر أي بديل آخر للفلسطينيين للدفاع عن أرضهم وحقوقهم، ثم إنه في مقدمة الرافضين للهيمنة الأمريكية،والداعين إلى الوقوف إلى جانب إيران إذا ما تعرضت للعدوان الأمريكي.
المشكلة أن الحوار الذي أجرته معه صحيفة «المصري اليوم» يصب في نقيض المواقف التي نعرفها عنه، فضلاً عن أنه أطلق آراء لم يستخدم فيها نهجه الذي دعانا إليه، أعني أنه لو وازن بين الأضرار الحاصلة التي تحدث عنها ونسبها إلي الشيعة، وبين الأضرار التي ترتبت على كلامه لأدرك أننا صرنا مخيرين بين ضررين أحدهما أصغر والآخر أكبر، أو مفسدة صغرى وأخرى كبرى، وعند الأصوليين الذين هو في صدارتهم، فإن الموازنة بين الضررين أو المفسدتين، تدفعنا إلى تقديم الضرر الأصغر على الأكبر، بمعنى السكوت مؤقتاً عن الضرر الأول لتفويت الفرصة على وقوع الثاني، وذلك لم يحدث للأسف.
لست في صدد مناقشة الوقائع التي ذكرها ولا المعاني التي أراد توصيلها، كما أنني قد أتفق معه بصورة نسبية في بعض ما قاله لكنني أتحدث عن النتائج التي أفضى إليها كلامه، كما أنني لا أتردد في القول بأن ما صدر عن الشيخ الجليل كان مبعثه الغيرة علي دينه والاعتزاز بانتمائه إلى أهل السنة، لكننا نعرف جيداً أن صدق النية ونبل الهدف لا يغطيان الآثار السلبية التي ترتبت على كلامه، لأن العبرة بالمآلات وليست بالنيات.
إن احترامنا للشيخ ومحبتنا له، وحرصنا على صورته ومقامه ذلك كله لا يمنعنا من نقد ما قاله، خصوصاً أن مراجعتنا له تتم على أرضية السياسة، وليس على أرضية العلم والفقه الذي نعلم أنه فيها لا يبارى وليس لمثلي أن يراجعه في شيء منهما.
لقد أخطأ الشيخ في بعض مضمون الرسالة التي وجهها، لأن كلامه عن مذهب التشيع يشق الصف ولا يخدم الوحدة أو التقريب، ثم إنه أخطأ في اختيار المنبر الذي وجه منه رسالته، لأن انتقاداته ليس مكانها الصحف اليومية السيارة، يؤيد ذلك أنه ذكر لاحقاً أن بعض ما نقل على لسانه لم يكن بالدقة التي عبر عنها، كما أنه أخطأ في توقيت رسالته، لأنه خير من يعلم أن هناك من يعبئ الرأي العام في الوقت الراهن لتوجيه ضربة عسكرية لإيران ونزع سلاح حزب الله، ثم إنه أخطأ حين تحدث بصفته رئيساً لاتحاد علماء المسلمين، الأمر الذي أعطى انطباعاً بأن كلامه يعبر عن رأي الاتحاد، وذلك ليس صحيحاً، وإنما هو رأي شخصي له، فضلاً عن أن كلامه يحرج صورته كرئيس للاتحاد، كما أنه يحدث صدعاً في شرعية تمثيل الاتحاد لعلماء المسلمين وهو من حرص على ألا يكون ممثلاً لأهل السنة وحدهم، إنني أخشى أن نكون بعد كلام الشيخ قد تراجعنا خطوات إلى الوراء ولم نتقدم إلى الأمام، وهو ما لم نعهده فيه، لأنه عودنا على أن يكون حلالاً لمشاكل المسلمين وليس مستدعياً لها.
فهمي هويدي: كاتب ومفكر إسلامي مصري، ويعد من أبرز المفكرين الإسلاميين المعاصرين.
المصدر: صحيفة الدستور المصرية، عدد 21/9/2008
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |