طارق البشري يرد على القرضاوي
فشت الفاشية في الأيام الأخيرة، من عدد من علماء المسلمين من السنة والمهتمين بالشأن الإسلامي العام، حول ما وصفوه بأنه نشاط للتبشير الشيعي في صفوف سنة المسلمين، وإحياء لما ردده بعض غلاة الشيعة قديماً عن الصحابة، مما تستنكره الغالبية منهم، وتعميماً لأقوال قديمة لهذه القلة بحسبانه من أصول المذهب الشيعي، ومؤاخذة لجمهور العامة بأقوال هذه القلة المستهجنة.
ونحن في هذا الأمر نريد أن نضع أمام القارئ المسائل الآتية:
أولاً: أن مذهب الشيعة الجعفرية وهو من مذاهب المسلمين ترضاه غالبية الشيعة الغالبة، وهو يدور في إطار أصول الدين الإسلامي التي تعتبرها جماعة المسلمين من ثوابتها العقيدية، والخلاف بينه وبين مذاهب أهل السنة خلاف في الفروع، وهذا موقف جمهرة المسلمين في بلادنا ومؤسساتهم العلمية والدعوية الرسمية وغير الرسمية.
ثانياً: أن الحراك الذي قد يجري بين مذاهب المسلمين المعتبرة هو حراك داخل الجماعة الإسلامية، مادام يقوم في إطار الالتزام بثوابت الدين وأوامره ونواهيه، وهو بهذه المثابة يمثل نوعاً من تعدد الاجتهادات وتنوع النظر في الشئون الجارية مادام ينطلق من ضوابط العقيدة الإسلامية بوصفها المرجعية العامة.
ونحن إن كنا نحذر من أن يتخذ هذا الحراك أساليب تؤدي إلى الاحتكاك بين ذوي المذاهب المتعددة، إلا أننا نلفت النظر إلى ما ينبغي من وضع هذه المسألة في مصاف الأمور الثانوية، مقارنة بما يواجه الإسلام والمسلمون الآن من محن ومخاطر وأزمات.
ثالثاً: إننا في ظروف تاريخية وسياسية تستوجب علينا أن نجعل معيار التصنيف والتمييز للمواقف والجماعات والأحزاب والمؤسسات والأشخاص، هو مقاومة العدوان والتهديدات الاستعمارية والصهيونية على شعوبنا وبلادنا وأراضينا وثقافاتنا دون تفرق بين فريق وفريق داخل أهل كل مذهب، فلا ننظر للموالين لكل مذهب بحسبانهم جماعة واحدة، ولكن نتعامل مع كل فريق بموجب اندراج أهله في صفوف المقاومة والمنعة أو في صفوف المتخاذلين والمتهاونين.
رابعاً: أن تفشو الفاشية الآن باسم السنة جميعاً ضد الشيعة بعامة، لهو أخطر ما يمكن أن يواجه الأمة الإسلامية، لأنه يحوِّل بأس المسلمين إلى بعضهم البعض، بدلاً من أن يكون بأسهم من المعتمدين عليهم الغازين لأرضهم المستبعدين لأوطانهم.
وليس مما يصح في موازين تقدير الواقع أن يثير البعض مخاوف أهل السنة جميعاً وهم أربعة أخماس المسلمين من خمسهم الآخر، وذلك بزعم غير محقق ولا مؤكد عن أن لهم نشاطا دعوياً مذهبياً بين أهل السنة.
وليس يصح في تقدير الأحجام والأوزان البشرية، أن تنظر الغالبية السنية إلى شهادة تسعة أعشار المسلمين بحسبانها «طائفة» إزاء العشر الباقي، ولا يصح أن يخفى على هذه الغالبية أنها بموجب حجمها ووزنها عليها المسئولية الأكبر في حفظ وحدة الجماعة واحتضان فصائلها والتقريب بين بعضهم البعض.
خامساً: لو كنا ذوي أديان مختلفة لحق علينا أن نتوحد في مواجهة أعدائنا المشتركين العادين لنا والمعتدين علينا، لا أن نتخالف هكذا في مواجهة ما نلقاه من عدوان وغزو ومحاولات للمحو والسحق.
إنها ريح تأتي من غير أحباب المسلمين، وهي لا تفرق في كرامتها لنا وطمعها فينا بين سني وشيعي وهي تهدف لإرساء الفرقة بيننا لنكون ألين مكسراً.
سادساً: إننا نعجب أن هذه الفاشية جمعت بين من عرفوا بالاعتدال والوسطية وبين من عرفوا بالغلو ودعوا للعنف، جمعت بينهم في ذات الموقف السياسي وفي ذات التوقيت وجمعت بينهم بمبادرة منهم، دون أن تقوم مناسبة تستوجب تخويف سنة المسلمين من شيعتهم، ودون أن يثور حدث يفسر شيئاً من ذلك، إنما ظهر الأمر بالأقوال والتصريحات والأحاديث والبيانات، ليثير الأحداث ويقلِّب الواقع ويصرف الناس من شأن إلى شأن.
ويجري ذلك في الوقت الذي تعمل فيه السياسة الأمريكية الإسرائيلية على محاصرة حزب الله اللبناني وتصفيته، وهو الآن من أهم قوى المقاومة الوطنية الضاربة القليلة التي يملكها العرب وهو الداعم لحركة المقاومة الفلسطينية السنية، كما تعمل ذات السياسة على ضرب النظام الوطني في إيران المناوئ للعدوان الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة وتهددها إسرائيل بضربة عسكرية سريعة ومن ثم تسعي السياسة الأمريكية الإسرائيلية إلى عزل قوي المقاومة هذه في محيطها العربي الإسلامي ليسهل ضربها، وعلى تحويل كراهة المسلمين من الخطر الصهيوني الحقيقي إلى خطر شيعي متوهم.
سابعاً: أن هذه الفاشية نكاد نلحظ في دوافعها موقف بعض الدول بالمنطقة، التي اعتادت أن تنطق باسم الإسلام والسنة، واعتادت مناصرة السياسة الأمريكية المناصرة للموقف الإسرائيلي، وهي ذاتها من كانت تضع أيديها في أيدي شاه إيران الشيعي الفارسي «الصفوي» في ستينيات القرن العشرين ضد سياسة مصر الوطنية ومنها السياسات العربية الوطنية وقتها، رغم أنها كانت سياسات عرب وسنة مسلمين فليس الثابت هو الموقف من الشيعة، ولكنه الموقف المؤازر للسياسة الأمريكية.
ثامناً: إننا نرجو من علمائنا الذين نعرف فضلهم وقدرهم في الاجتهاد الفقهي والدعوة الإسلامية والمواقف الوطنية، أن ينأوا بأنفسهم عن أن تستخدم آراؤهم في غير ما يحبون وفي غير ما قضوا حياتهم وبذلوا جهودهم في الدفاع عنه، وهو نهضة المسلمين ومقاومة أعدائهم.
المستشار طارق البشرى: مستشار قانوني ونائب رئيس مجلس الدولة سابقاً-مصر. مؤرخ ومفكر إسلامي بارز وأحد أهم الرموز الفكرية الوطنية الجامعة على الساحة المصرية.
المصدر: صحيفة الدستور المصرية، عدد 27/9/2008الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |