القرآن ..قراءة أبديّة
(نثرية)
محمد صالح صرخوه *
اسم ذو كيفيّة لم يتشكّل بها ما جاء من قبله من الكتب ، انه اسمٌ مرتبط بفعلٍ لا بصفةٍ و لا بحال ،
فهو قرآن لأنه كتاب لا ينضب من امكانية القراءة ..
القرآن ، ينتسب إلى القراءة ، و في ظل وجود الألف و النون في نهايته ككلمة ، فهو يتحدث عن فعلٍ خارجٍ عن دائرة الزمان !
تماماً كأن نقول (افتتان) ، كلمة خارجة عن الزمان بكل تمثّلاته ، من ماضي (افتتن) ، و حاضر (يفتتن) ، و مستقبل (سيفتتن) .. إنها افتتان ، كلمةٌ مبدأٌ ، قائمة بذاتها مرتبطة بالآنية الدائمة ، أي افتتان خارج حدود الزمان ، و بذلك نكون أمام فكرة (الزمان الداخلي) .. الزمان ككتلة واحدة غير قابلة للتجزئة ..
و هكذا جاءت كلمة (القرآن) .. (قراءة في كل آن) ، (قراءة أبديّة) ، خارج حدود الزمان المجزّأ ..!
ألهذا نزلت أول آية و هي تحمل في ظاهرها و باطنها أمراً بفعلٍ ما ؟
آية تحثّ النبي على القراءة ؟
(اقرأ) .. باسم ربك الذي خلق ، خلق الانسان من علَق ..
و ان كان القدماء يفهمون العلق على انه النص المعلّق ، فاننا بلا شك نرى أنفسنا أمام ازاحةٍ معنويّةٍ تقودنا الى ثالوث رمزيٍّ مشع ، (اقرأ ، خلق ، علق) ، فما دلالة هذا الثالوث الرمزي ؟
(اقرأ) لتفهم الانسان !
و بذلك يكون الانسان انساناً متى أدرك معنا القراءة ، و فهم نفسه كنصٍ معلّقٍ على لوح الوجود ينتظر من يقرأه و يكتشف عوالم معانيه ..
و متى ما كفّ الانسان عن القراءة ، أسقط عن نفسه قيمته كانسان ، و احتجب عن ناظره المليء بالسذاجة القرآن (القراءة الأبديّة) !
أليس هذا تفسيراً واضحاً لكون كل من يطعن بالقرآن بعيداً كل البعد عن فعل القراءة و كل ما يرتبط به من أساليب ؟!
انهم ببساطة (لا يقرأون) ، فان قرأوا كانوا كمن يلقي بسنارته في مستنقعٍ ضحل ! لا كذاك الذي يلقي بشبكته في بحر مفعم بالسخاء .. فكيف نعوّل عليهم بالقراءة ، خاصة اذا كان الأمر مرتبطاً بالقرآن (الكتاب المقروء إلى الأبد) و الذي ابتدأ عهده بأمر (اقرأ) ؟!
و هم ببساطة لا يؤمنون بالكرم ، في حين أن القرآن (كتابٌ كريم) ! و بذلك تكون فكرة الثمرة الطريّة من شجرة انتسابهم للقرآن ، ضرب من ضروب السراب !
و هم أيضاً لا مؤمنون بالروح ، و حدود ايمانهم المسخ لا تتجاوز حدود الحواس (المادة) ، فكيف نطالبهم بادراك روح المعاني و جواهرها اللا مادية ؟!
و هل تكلّف نفسٌ الا وسعها ؟!
الانسان ذات مفكّرة ، ذات عارفة ، ذات قارءة !!
كلها وجوه لهذا الكائن الدواّمة ! الانسان !!
و متى كف الانسان عن تفكيره ، أو عرفانه ، أو قراءته ، اخرج نفسه من حديقة (الحيوان الناطق) ، ليدخل في حضيرة (الحيوان) ! أمّا الدليل ، فيكفي أن ترى مدى عبادة مثل هؤلاء المسوخ للحواس ! و ما يرتبط بها من معرفة ، في حين أنهم يعشقون قصة الاكتشاف الكوبرنيكي لحقيقة دوران الأرض حول الشّمس !! و هم بذلك يعتقدون أنهم يحسنون صنعاً !!
محمد صالح صرخوه : شاعر وأديب كويتي
الخميس 5 مايو 2011م
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |