علي شريعتي ومسؤولية المثقف *
ما هي مسؤولية المثقف تجاه مجتمعه؟ وما هي رسالته في المجتمع الإنساني عموماً ومجتمعه خصوصاً؟
• كيف نشأت طبقة المثقفين؟
إنَّ قضية المثقف قضية حساسة جداً وعلى درجة كبيرة من الأهمية على الصعيدين الاجتماعي والإقليمي، وقد تشكّلت طبقة المثقفين بعد نهاية العصور الوسطى منذ القرن السابع عشر وأخذت هذه الطبقة تشقّ طريقها إلى دول العالم أجمع في الشرق وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهذه الطبقة جاءت نتيجة اضطهاد الكنيسة المسيحية ومحاربتها للعلم والمتعلمين ومطاردة أصحاب العقول المفكرة والانفراد بالسُلطة ولهذا تكونت هذه الشريحة في ظل المؤثرات التاريخية والاجتماعية وتبلورت خصائصها النفسيّة والفكرية والعقائدية والروحية كردة فعل لاضطهاد الكنيسة.
• مصطلح المثقف في الرؤيا الإسلامية:
ويقول الدكتور شريعتي: (إنَّ مصطلح مثقف في لغتنا يختلف عن المثقف في لغتهم واستخدامنا هذه الصفة وإلباسها على مثقفين جعل الرؤيا مبهمة وغامضة، فالمثقف في لغتهم تعني الفطنة أو الذكاء أو العقل أو قدرة الإدراك والفهم والاستنتاج، ومن ثم تعني العاقل المتفهم والرجل الذي يُحسن التفكير ومن ثم تطلق على أهل الفكر وهذا يعني كل إنسان ذكي يبرز ذكاؤه وفكره وفهمه عن سائر مواهبه الأخرى في حياته ومجتمعه فهو مثقف.
والمثقف اصطلاحاً هي الطبقة التي تقوم بعمل عقلي، وهناك طبقة تقوم بأعمال يدوية وبدنية وهم (الحرفيين)، فالذين يعدّون العقل الأداة الأساسية لعملهم نسميهم (أهل الفكر)، والذين تعتمد أعمالهم على سواعدهم نسميهم (عمالاً يدويين)، الطبقة المثقفة متمثلة بـ (المعلمون، أساتذة جامعات، محامون، قضاة، سياسيون، قادة أحزاب، فنانون، نحاتون، أطباء، مهندسون، رجال دين، فلاسفة... إلخ).هكذا يصنّف الغرب طبقة المثقفين وأهل الفكر، لكن مفهوم المثقف في الرؤيا الإسلامية مختلف تماماً.
فالمثقف الذي لا يستند على قاعدة عقائدية وسعة أفق في التفكير ويستقرئ واقع مجتمعه وأمته من موقع المسؤولية والتكليف هو ليس بمثقف، فالثقافة ليست مهنة كما هي عند الغرب لأننا نشاهد الكثير من المثقفين (المفهوم الغربي) تطرح أمامه مشاكل تمسّ مجتمعه وتمسّ حياته لكنه لا يستوعبها ولا يدري أنها تمسّ حياته فيكون تعليقه على أنها ليست من شأنه في حين أنها من شأنه تماماً فهذا ليس بمثقف، ومن هنا فليس المثقف وحده هو الذي يزاول عملاً فكرياً فقد يكون حداداً وصاحب حرفة لكنه يملك أفق تفكير واسع وشعور كبير بالمسؤولية ويمارس نشاطاً فكرياً وعقائدياً، والعكس نلتقي بأناس أكاديميين حملة شهادات عليا ويقومون بأعمال عقلية لكنهم لا يفهمون واقعهم جيداً ورؤاهم مضطربة وقراراتهم غير عقلانية، وبهذا نصل إلى نتيجة وهي أن المفكر بمعناه الاصطلاحي (صفة لفكر إنسان ما) أما المثقف بمعناه اللفظي فهي صفة لعمل إنسان ما.
هذا هو المدخل المنطقي لبحث الدكتور شريعتي، حيث يفرز هذه الطبقة بعوامل وجودها وظروف نشأتها وتأثيرها على العالم وتأثر المسلمين بفكرها ومنهجيتها فكانت.
• طبقة المثقفين المقلّدة للغرب:
هناك طبقة مقلّدة للعلمانيين من المسلمين وقعت في فخ التقليد حيث عملت على تغريب المجتمع الإسلامي دون معرفة بالظروف الاجتماعية والعصر التاريخي وأوضاع الشعب وأحواله ولهذا كانت النتائج عكسية لأن ظروف نشأة العلمانيين في الغرب مختلفة عن نشأة هذه الطبقة المقلدة، هؤلاء أخذوا حقائق عصرهم وتاريخهم ومجتمعهم واحتياجاته وتحركوا على هذا الأساس، أما الطبقة المقلدة فأخطأت التقدير فمجتمعاتنا لا تعاني من اضطهاد علماء الدين لأن ديننا الإسلامي يشجع على العلم ويدفع باتجاه النور والوعي والبحث العلمي، فعملت الطبقة العلمانية المقلدة على محاربة الدين والوقوف ضد كل ما هو روحاني عقائدي ولهذا فشلوا فشلاً ذريعاً وعاشوا في عزلة عن مجتمعاتهم لأنهم انطلقوا في الاتجاه الخطأ.
• المثقف المسلم وهويته:
المثقف المسلم هو الذي يرتكز على عقيدة صحيحة ليفكر بالشكل الصحيح فيتحرك بالاتجاه الصحيح ليغير مجتمعه، ليشعل النور فيه.
• فما هي مسؤولية المثقف كما يذكر الدكتور شريعتي؟
إن مسؤولية المثقف ودوره يشبه أساساً الدور الذي يلعبه الأئمة وقادة التغيير والتبديل، أي الأنبياء والرسل وأئمة المذاهب في المجتمعات القديمة.
• فالمثقف يعمل على:
1- إضرام نار الوعي في مجتمع هامد.
2- خلق مبادئ جديدة.
3- خلق حركة وطاقة في أعماق وجدان الشعب.
4- يثور على الجمود والتخلف ويجتث جذورها.
5- مسؤولية المثقف هي القيام بالنبوة في مجتمعه حين لا يكون نبي.
6- نقل رسالة الله إلى الجماهير.
7- قيادة الحركة في المجتمع المتوقف وإضرام نيران جديدة في مجتمعه الراكد.
8- المثقف هو أن يجسّد السبب الأساسي والحقيقي لانحطاط المجتمع ويكتشف السبب الأساسي للركود والتأخر.
9- ينبه المجتمع الغائب عن الوعي الغافل إلى السبب الأساسي لمصيره وقدره التاريخي المشؤوم ويبدي له الحل والهدف وأسلوب السير الصحيح الذي يلزمه من أجل أن يتحرك ويتخلص من هذا الوضع.
10- يحصل على الحلول اللازمة لشعبه على أساس إمكانياته واحتياجاته وآلامه وعلى أساس الثروات الموجودة في مجتمعه.
11- يخطط للتغيير بشكل مدروس قائم على أساس استخدام صحيح للثروات ومعرفة دقيقة للآلام باكتشاف الروابط الحقيقية القائمة والأسباب والنتائج بين أنواع الانحطاط والانحرافات والأمراض بين العوامل والظواهر الموجودة في الداخل والخارج.
12- هو من ينقل المسؤولية التي يحسها إلى كافة المجتمع ويجعل المتناقضات الاجتماعية الموجودة في قلب مجتمعه داخل وعي الناس وأحاسيسهم.
• القوى المضادة للمثقف:
المثقف يحارب على عدّة جبهات في آنٍ واحد، الأولى ضد المتقوقعين والتقليديين من المسلمين الذين انزووا في زاوية من زوايا المسجد وعزلوا الإسلام عن المجتمع وأبدوا ردود فعلهم السلبية إزاء أية حركة فكرية حرّة تبرز في المجتمع.
الجبهة الثانية: طبقة المثقفين الذين اغتربوا عن ذواتهم فقلدوا الغرب واستنسخوا التجربة الغربية المضللة.
الجبهة الثالثة: الخرافات التي تفرزها العادات والتقاليد البالية.
الجبهة الرابعة: طبقة الحكام المتسلطين الذين يحكمون الشعوب بالحديد والنار ويقمعون الحريات.
• نمط الثقافة للمثقف المسلم:
ويقصد نمط الثقافة الروح الغالبة على مجموعة معارف مجتمع ما وخصائصه وإحساساته وتقاليده ونظراته ومُثله لأنها كلها تحتوي على روح مشتركة يؤلف بينها كلها شكل يسمى (الثقافة) وكل إنسان يتنفس ويتغذى وينمو في هذا الجانب الثقافي، ومن هنا فإن معرفة ثقافة مجتمع ما هي بمثابة معرفة حقيقة بواطن المجتمع ونقاطه الحساسة وضعفه.
ومن هنا على المثقف المسلم أن يفهم أن الروح الغالبة على ثقافته هي الروح الإسلامية وأن الإسلام هو الذي صنع تاريخ مجتمعه وحوادثه وقاعدته الأخلاقية ونقاطه الحساسة، وإذا لم يدرك هذه الحقيقة الواقعة كما فعل أغلب مفكرينا فسوف يسقط ضحية لجوه المصطنع المحدود، وإذا اعتبر نفسه مجرداً من العقائد الدينية وتنفس في جو أوروبا القرن التاسع عشر والقرن العشرين فسوف يسقط فريسة للخطأ في معرفته بالناس وتفاهمه معهم ولن يقع منهم موقع القبول.
* الكتاب صادر عن دار الأمير للثقافة والعلوم في بيروت.
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |