علي شريعتي .. انحياز للإنسان .. ورفض لفقهاء السلطان
بقلم: شمخي جبر
مرجعية ثقافية
بعض الإحصاءات أكّدت أن مجموع ما طبع لشريعتي في السبعينيات من القرن الماضي لجميع كتبه وطبعاتها وصل إلى خمسة عشر مليون نسخة وهذا ما يؤكّده شريعتي نفسه ـ من حيث المبدأ ـ إذ يقول: إن كتابه حول الولاية وصل إلى مليون نسخة، ويؤكّد هو نفسه أن عدد الطلاب الجامعيين الذين سجلوا اسمهم في درسه بلغ خمسين ألف طالب، بل تفيد بعض التقارير التي نشرت عن وثائق ''السافاك'' الإيراني أن حسينية الإرشاد في السبعينيات كانت تطبع كل ثلاثة أيام كتاباً لشريعتي كان طُبِعَ من قَبْل، فقد كان لشريعتي الكثير من الأسماء المستعارة قبل انتصار الثورة تبلغ نحو 24 اسماً،، فالمسألة السياسية وتوظيف بعض المعارضين السياسيين لأفكار شريعتي في معارضة النظام الجديد للحد من سلطة المؤسسة الدينية كانت من جملة العناصر التي أحدثت ردّ فعل من طرف السلطة وحدّت من الاهتمام بكتب شريعتي؛ فصارت طبعاتها نادرة.
لكنّ مجيء خاتمي أعاد إحياء شريعتي وطباعة كتبه، وكتابة دراسات عنه، وعقد ندوات عديدة، وقد قام منظرو الحركة الإصلاحية باستحضار أفكاره وتحليلها، لاسيما من جهة مسألة الإصلاح الديني والسياسي، ومسألة العلاقة مع المؤسّسة الدينية.
وإذا أردنا تحليل أعمال شريعتي، فلابدّ أن نعرف أنّ أحد الأسباب الرئيسة لهيمنتها على العقل الإيراني يعود إلى نزعة ثقافة الأيديولوجيا التي كان يحملها؛ لهذا تحوّل إلى قائد أيديولوجي يملك كاريزما نادرة، إضافةً إلى حركة النقد الداخلي التي مارسها شريعتي ضدّ الحياة الدينية الإيرانية، من كتابه ''التشيع العلوي والتشيع الصفوي''، إلى كتابه ''مذهب ضدّ المذهب''، إلى كتابه ''معرفة الإسلام''، إلى كتابه ''أبي وأمي نحن متهمون'' و... إن وجود ثورة عارمة ضدّ الواقع والمفاهيم في بلد صاخب كإيران يجعل حركة النقد قائمةً على قدم وساق، وسيكون هذا النقد مقبولاً طالما لا يصبّ في صالح السلطة والدفاع عنها وسط حياة غاضبة منها ومن أعمالها.
التجهيل وتسطيح الوعي
كان شريعتي يؤكد وبكل شجاعة رفضه للحلف غير المقدس الذي كونه بعض رجال الدين (فقهاء السلطان) مع الحكام وأصحاب رؤوس الأموال وممارستهم التجهيل وهو ما سماه شريعتي(الاستحمار).
وفي سياق رفضه الشامل للطبقية، بلغ الحال بشريعتي أن طرح مقولة ''إسلام بلا رجال دين أو بلا مؤسسة دينية'' وهي المقولة التي أثارت غضباً عاماً ضدَّه في الأوساط الدينية في إيران، أي في مجتمع كانت تركيبته الاجتماعية قائمة على هرمية يقف المرجع الديني على رأسها.إذ يقول شريعتي (وقع مصير الدين في أيدي قوات استحمارية مضادة للإنسانية تتسمى بأسماءٍ كالطبقة الروحانية والطبقة المعنوية والطبقة الصوفية وطبقة الكهنوت الذين اتخذوا من الدين وسيلة لاستحمار الناس- الاستحمار الفردي والاستحمار الاجتماعي. وكلامي هنا يدور حول الدين الاستحماري المضلل… الدين الحاكم وشريك المال والقوة الذي يتولاه طبقة من الرسميين الذين لديهم بطاقات للدين أي لديهم إجازات للاكتساب تُنبئ عن احتفاظهم بالدين وأنهم هم الدعاة وشركاء السلطة والمال والقوة. شكّلت المنطلق الذي صدرت على أساسه الفتاوى ضدّ كتبه التي اعتبرت كتب ضلال، حتى من بعض المرجعيات الكبيرة آنذاك، فطبيعة التشيّع السائد في إيران كانت ـ من وجهة نظر شريعتي ـ تاريخية، أي إنها من إفرازات ما يسمّيه شريعتي في بعض كتبه (الاستحمار) الذي تمارسه السلطة، إنه استخدام منطق الدين للتجهيل والاستغباء وتفريغ الوعي وتسطيحه.ورغم الحركة النقدية التي عرفتها كتب شريعتي، إلا أن أيديولوجيته وحماسته وثوريته كانت تساعده على تقديم شخصية ذات مصداقية على مستوى الرأي العام.
محمد إقبال وشريعتي
في مقالته عن محمد إقبال يقول شريعتي إن أعظم نصيحة قدمها للبشرية ذلك المفكر الهندي المسلم هي،" ليكن قلبك مثل قلب المسيح وفكرك مثل فكر سقراط ويدك مثل يد قيصر. ولكن ليكن كل ذلك في إنسانٍ واحد".
يقول عبدا لهادي خلف: ولعله باستعادة تلك الأسماء غير المعتادة عند الحديث عن مفكرٍ إسلامي يريدنا أن نرى إن للإنسانية منابع عدة تصب مجتمعة في تشكيل الإنسان الكامل. فوحده ذلك الإنسان الذي يستطيع أن يجمع المحبة والحكمة والقوة في نفسٍ واحدة قادرٌ على أن يكون، كما أراده الله، خليفته على الأرض. محمد إقبال كما يراه شريعتي، ذهب إلى أوروبا وتعرف على مدارسها الفلسفية وعرّف بها الناس حين عاد إلى الهند. ورغم إنه عاش في القرن العشرين وفي خضم الحضارة الغربية ورغم اعتراف الجميع به بعلمه وبأنه فيلسوفٌ من فلاسفة ذلك القرن إلا إن أحداً لا يتهمه بأنه صنيعة الفكر الغربي أو إنه ''تغريبي''. بل على العكس. فشريعتي يرى إن إقبال استوعب ثقافة الغرب فصار لا يرهبها. وذلك لأن معرفة إقبال بالغرب مكنته من السيطرة عليه، وسلاحه في هذا هو ما يمتلكه من ملكات نقدية وقدرة على الاختيار.
البحث عن الهوية
في كتابه العودة إلى الذات يتساءل شريعتي عن أية ذات وأية هوية هذه التي نعود لها بعد رحلتنا ولقائنا مع الآخر، إلى أي ذات ينبغي أن نعود؟ أينبغي أن نعود إلى هذه الذات الممسوخة التي علمونا إياها؟إذا عدت إلى ذاتي القومية، فإنني سوف أسقط فريسة للعرقية، والفاشية والجاهلية القومية، وهذه عودة رجعية.هل العودة إلى الذات تعني العودة إلى ذاتنا الثقافية، والمعنوية، والإنسانية التي اكتشفنا أنها تبلورت في حضارة ما، أو في عصر ما، أو في دين ما، أو ثقافة ما في عصر خاص؟وحين يحاول شريعتي مغادرة الذات الهجينة فأنه يحاول أن يجد ذاتا يتبناها ضمير الأمة والمجتمع (إن هذه العودة إلى الذات التأريخية التي ندعو إليها، لا تعني العودة إلى عراقة الحمار، بل هي العودة إلى الذات الموجودة بالفعل والموجودة في قلب المجتمع، وفي وجدانه، تصير مثل مادة، ومنبع من منابع الطاقة، تفتت على يد مفكر، وتستخرج، وتحيا، وتتحرك، هي تلك الذات الحية. ليست تلك الذات العتيقة القائمة على عظام نخرة، هي تلك الذات القائمة على أساس الإحساس العميق بالقيم الروحية والإنسانية عندنا، والقائمة على أرواحا، واستعداداتنا).
المصدر: الصباح العراقية، عدد 13/10/2008م.
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |