كلمة الإمام موسى الصدر في تكريم علي شريعتي
الموضوع : خطاب ـ نكرّم علي شريعتي، لأننا نعتبره تجسيداً لأصالة الفكر الثوري
المكـان : قاعة الرشيد في كلية العاملية ـ 14/8/1977
المناسبـة : في ذكرى مرور أربعين يوماً على استشهاده أقامت حركة المحرومين احتفالاً شعبياً في قاعة الرشيد وكانت الكلمة الأولى لسماحة الإمام الصدر.
المقدمـة : المفكر المناضل المؤمن الشهيد الدكتور علي شريعتي كرم في حفل لم يسبق له مثيل، وذلك في قاعة الرشيد بالعاملية صباح الأحد الماضي، في حفل تأبيني، دعت إليه تسع عشرة منظمة ثورية مؤمنة في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا وكندا.
وحضر الحفل جمهور كبير من علماء الدين وأساتذة الجامعات ومختلف الطبقات.
وكان في جملة الحضور السيد ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس حركة "فتح"، والإمام السيد موسى الصدر، وعميد كلية الحقوق، وآل الفقيد. وقد غصت القاعات بالحضور.
افتتح الحفل بآي من الذكر الحكيم ثم قدم فضيلة الشيخ محمد يعقوب الأمام الصدر بكلمة قال فيها:
في زمن الكساد والطقس الدنيء والردة على الأبواب، كان شريعتي فعل عطاء ورمز انبعاث وارتقاء، رعدا في عالم من السكون وسراجا منيرا في بحر من الظلام.
في زمن التسول الفكري والغيبوبة الروحية كان علي شريعتي خط جهاد وفيض رسالة: لغة إلهية يحوكها على نول الوجود التزاما وأصالة، من معجن السماء خبز الفقراء ومن صحراء محمد (ص) لهيب الرجاء، ومن نهج علي عدالة وعزيمة ومضاء، ومن طيف الحسين شهادة ومنطق فداء.
من قلب المعاناة، من صميم المأساة، من لهيب العاصفة، في عمق التحدي، في تزاوج الفعل مع الكلمة، في مضاء العزيمة، في ألف الرسالة، في زهد الشرفاء، في طهارة الأتقياء، في ثورة الرجاء، في معقل الفداء يتبدى في حلكة الليل إشعاعه هدى ووفاء، ملتزماً بالنضال المؤمن الهادف، أما حقيقته للفقراء المضطهدين والجائعين والمشردين يسمح بكفاحه عن وجوههم عرق المهانة والذل والتاريخي ويقود مسيرة الحق في دروب الجلجلة وآلامها، يصفع وجود الطغاة أصنام المال والحياة والجاه والأمجاد الزائفة، قائد مسيرة حركة المحرومين سماحة الإمام السيد موسى الصدر.
ـ الــنـــص ـ
خطاب سماحة الإمام السيد موسى الصدر:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه، وخاتم رسله محمد، وعلى أنبياء الله المرسلين. وسلام الله على آل بيته وصحبه الطاهرين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إخواني العلماء، أخي إحسان، السيدة الجليلة حرم فقيدنا الكبير، أيها الأخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله.
لماذا نحتفل؟ لماذا نجتمع، فنقيم احتفالاً يضم رجالاً ونساءً، مناضلين ومناضلات، يضم رجال دين يضم رجال فكر وها أنا أرى أمامي، عميد كلية الحقوق، الدكتور محمد فرحات، والأخ الدكتور منير شفيق، وقادة الفكر الملتزم.
لماذا نجتمع فنحتفل؟ ما لنا وللدكتور شريعتي؟ وماله ومالنا؟ في الواقع، أن إنساننا الطامح، عندما ينظر في الأفق، فيرى أن وضعه وحياته ومجتمعه لا يرضى طموحه، يتطلع إلى الأفق ويعزم على التغيير. هذا الإنسان الذي يقول عنه الحديث الشريف:"أكثر الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل". تعبيراً عن معاناة الذين يريدون أن يغيروا مجتمعهم، ولا يكفيهم ما هم فيه من الوضع المهتريء. فيعانون من المستفيدين في المجتمع أكثر وأكثر بنسبة طموحهم، وبعد تطلعهم.
نحن ننظر إلى الأفق لكي نرى وضعنا اليوم، وفي المنطقة، وفي العالم، فلا نجد في هذا اليوم، كما لم نجد أمس، ما يرضينا، ما يرضي طموحنا، ما يقنعنا. وهنا يختلف الناس فئات:
فئة تستسلم للوضع الحاضر، تذوب فيه، تسايره، تجامله، تفلسفه، تتعاون معه. هؤلاء الضعاف لسنا منهم، ولا يشرفنا أن نلتقي معهم.
فئة أخرى، تفوق الفئة الأولى، لا تقبل بما يجري في المجتمع. ولكنها تتهرب من المواجهة، تهاجر، تسافر، تختار مجتمعاً آخراً، تختار أميركا، أوروبا، آسيا، هنا وهناك. تفتش هذه الفئة عن الملجأ، عن المهجر. هؤلاء أقوى من الفئة الأولى ولكننا لا نقبل سيرتهم، ولا نكتفي بموقفهم. أما الفئة الثالثة هم أقوى من الفئة الأولى المستسلمة [.....]..
أما نحن لم نكن لنقبل أن نكون من الفئة التي تستسلم للوضع الحاضر. ولا من الفئة التي تهرب ولا تواجه. والدليل على ذلك ما أنتم فيه، فقد وجدتم أنفسكم في مأساة فقد قائد فكري كبير، غريب، يعتصركم الحزن والألم، فإذا بكم يتحول الحزن والألم، فإذا بكم يتحول لقاؤكم إلى مهرجان فرح وسرور. كما يحضر قائد الثورة ورمز الشعلة المتقدة الأخ أبو عمار.
وهكذا ترفضون أن يتغلب الموت عليكم، ويخيم الحزن على قلوبكم، ترفضون الاستسلام، وتفتشون لتحويل هذا الحزن إلى البشائر. والخسارة إلى الربح، والوجوم إلى التصفيق.
إذاً لسنا من الفئة المستسلمة للوضع الحاضر، ولا من الفئة التي تغيب فلا تواجه الوضع الحاضر.
هناك فئة ثالثة، ترى أجواء بلدتها، ومنطقتها، وبيتها لا ترضيها، فتفتش عن التغيير. وهناك فئة من هؤلاء الراغبين في التغيير، من الساعين إلى التغيير، من الذين لا يستسلمون إلى الوضع الحاضر، فئة منهم تواجه فتغير. وكنها تستعمل سلاح الغير. تختار سلاح الأحزاب، بعض الأحزاب التي لا علاقة لها بأرضنا. هذه غير الفئة الأولى والثانية. فالذي يسعى في سبيل التغيير، ولكن يختار خطاً غير النهج المتفق عليه، يكون كما يقول الإمام علي (ع) "ليس الذي طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأصاب".
نحن لسنا معهم، وإن كنا نحترم شأنهم، ونعتبرهم شباناً طامحين، أرادوا التغيير فأخطئوا في الوسيلة.
نحن هنا، وجدنا أن أفقنا لا يرضينا، مجتمعنا الداخلي، عالمنا العربي، موقعنا في العالم الثالث لا يرضى طموحنا، لا ينسجم مع إيماننا، لا يتفق مع مبادئنا. وأول مظاهر إيماننا، الإيمان بالله اللامتناهي. فطموحنا لا متناه، وإيماننا بالحق والعدل لا متناه إذاً مهما عظمت المصاعب في الداخل والخارج، لا يمكننا أن نقبل. نحن نشاهد عالمنا العربي، ويعز علي أن أقول، أن عالمنا العربي، وما نشاهد في الأجواء، أمر لا يشرفنا. فنحن نشعر بالذل والهوان عندما تتحكم فئة إرهابية في حياتنا، وفي حياة منطقتنا. عندما يريد أن يتحكم إرهابي فيحول إرهابه إلى قضية، ويحول القضية المقدسة إلى الإرهاب، ويجد في العالم مسامع تسمع، وقلوباً تقتنع، نحن نشعر بالألم. نحن عندما نحاسب ونحتسب، ونفكر في عالمنا العربي، فنرى أن وزير خارجية أميركا يأتي ويذهب، ويقابل ويلاقي، ويفشل. ثم يحاول ويطلب المزيد من التنازلات، وأي تنازلات يمكن أن يقدمها العالم العربي اليوم، أكثر مما حصل؟ ومع ذلك كله، ومع إبراز النية الحسنة أمام العالم، ومع إبراز الموقع الإيجابي اقتصادياً، و"بترولياً وسياسياً، وحربياً، مع ذلك تشعر بأن العدو، المتبختر، المتكبر، يستعلي علينا، ويستعلي على قادتنا، وزعمائنا، ورجالنا، وممثلينا.
نشعر بالألم، فنرفض هذا الواقع بكل قوة. ولا يمكن أن نقبل بهذا الواقع، حالاً ومستقبلاً، إن تمكنا من التغيير فوراً، أو لم نتمكن، المهم أن نضع الخطوة الأولى في سبيل الألف ميل، وفي طريق الألف ميل للتغيير. إذاً الجو العربي، لا يرضينا، ولا ينسجم مع طموحاتنا، وتضحياتنا، وتاريخنا، فنريد التغيير.
جونا الداخلي، مرت علينا، هذه الفترة الطويلة، بعد التذابح والتقاتل، بعد الحرب القذرة، التي لا انتصار فيها لأحد، بعد المعركة التي فرضت علينا دون سبب، ودون نتيجة، ودون نجاح، ولا تزال تجد فئات هنا وهناك، تحاول الاستسلام أو تحاول الاستمرار في التشنج، وكأن التجربة المريرة المزعجة لا تكفيهم. جونا الداخلي نشعر بأنه لا يرضينا، ولا يقنعنا ولا يشرفنا القبول به.
جونا العالمي، في نفس المستوى، في كل منطقة، في بيوتنا، في مناطقنا، في حركاتنا، في نشاطاتنا، في تجمعنا، نجد النقص هنا وهناك. فهل نستسلم؟ كلاّ هل نهاجر؟ كلاّ هل نختار إيديولوجية الآخرين؟ هل نعترف بإفلاسنا؟ كلا..
لذلك نفتش في الأفق، لكي نجد ثورة من طبيعة أرضنا وسمائنا، ثورة فكرية ترتبط بقلوبنا، وتراثنا وإيماننا. فإذا اخترنا واحترامنا علي شريعتي، فلأنه يفلسف، ويبرر، ويشرح، ويلقي أضواء على السلاح الفكري الذي امتشقته هذه الأمة في تاريخها المجيد، بقوة وحزم، وتمكنت أن تغير به جاهليتها بالنور، وكفرها بالإيمان، وتشتتها بالتوحيد، وذلها بالقوة، وشقاءها بالرحمة، وتخلفها بالسعي لتقدم الآخرين. هذه التجربة الناجحة، التي تبرز من خلال كلمات علي شريعتي ورفاقه، ثورة فكرية كبرى نحترمها. كما نحترم "فتح" وثورة فتح. لماذا؟ لا لمجرد أنها ثورة حق. ولا لمجرد أنها تسعى في سبيل تحرير الأرض المقدسة فحسب، بل أكثر من ذلك، نحن نحترم فتح لأنها ثورة أصيلة، ليست مستوردة ولا مقتبسة ولا محاكاة. ثورة من صميم هذه الأرض، ومن وحي هذه السماء، من هذه المنطقة المباركة. ثورة هي في الصراط المستقيم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين. هذا ما نقر ونعتز، ولذلك بها نتمسك.
ولذلك نقف، ونعتز ونحترم هذه المناسبة الكريمة، التي يكرم فيها علي شريعتي، ومن خلال علي شريعتي يكرم الفكر الأصيل المؤمن، الفكر الذي يتمكن من استقطاب العالم، كل العالم، ومن تحريك الطاقات المجمدة، الموجودة في المعابد والمحلات والبيوت. تلك الطاقات الهائلة، المكدسة، المهملة، التي يمكن أن تعمل فعلها في تغيير مجتمعنا، عندما تتحول إلى حركة مؤمنة، مناضلة لتغيير المجتمع.
نحن نعتز، ونعترف. وها نحن نجتمع لنكرم هذا الفكر الأصيل. لنكرم الفئة الرابعة غير المستسلمة، ولا المهاجرة، ولا المقتبسة، بل أصحاب الثورة الأصيلة، الذين يريدون أن يغيروا مجتمعهم. أخذنا من علي شريعتي في حياته، وها نحن نأخذ من علي شريعتي في وفاته. وفاته هي التي تجمعنا.
الثورات المؤمنة، المناضلة، الأصيلة، من فلسطين إلى لبنان، إلى أقطار آسيا وإفريقيا إلى إريتريا، إلى زنجبار، إلى زيمبابوي، إلى الفلبين، إلى إيران... إلى كل مكان، هذه الثورات الأصلية التي تشكل الفئة الرابعة، أو فلنسمه العالم الرابع. كانوا يسموننا العالم الثالث، ونحن بموقعنا الطبيعي من العالم الثالث، لأننا لا نخضع للجبارين، ولا نقر بتقسيم العالم بين القوتين بالإفلاس فتقتبس فكرة وإيديولوجية من هنا وهناك، وفئة ترفض أن تعترف بالإفلاس وتعتمد الفكر الأصيل، والإيديولوجية الأصيلة، من أرضها وسمائها وتتقدم فيها.
إذن! أخذنا من الدكتور شريعتي، في وفاته، لقاء هذه الحركات المناضلة المؤمنة، فشعرنا بقوتنا في عصر الغربة. وشعرنا بقوتنا في وقت الضعف. وها نحن نلتف حول بعض، كرموز تمثل عالماً واسعاً، مرتبطاً بالجغرافية، وبالتاريخ الناجح. بل مرتبطاً بالسماء والأرض، بقلب ملتق مع الإيمان بالله، الذي هو ينبوع الفكر، وينبوع النضال. نشعر بقوة بعد جرح، وبعد محنة، وبعد ضعف. نشعر بقوة وأصالة عندما نلتقي في هذا اللقاء المبارك. إذن! لشريعتي فضله في حياته وله وفضله في وفاته أيضاً.
أيها الأخوة الأعزاء
نحن في مجتمعنا، نستعرض الوضع العام، نجد أن المؤمنين بالله، نجد أن الأبطال المناضلين، يجب أن يلتقوا، ويتعاونوا، ويخلصوا، ويعلموا، ويختاروا، وإلا فأنهم محاربون في عقر دارهم. وها نحن نشاهد في لبنان، بعد المحنة الكبرى، التي عانيناها خلال السنتين الماضيتين، والتي وقفنا فيها موقف الدفاع عن الوطن، عن وحدة الوطن، عن عروبة الوطن، عن قضية الوطن. عن قضية فلسطين في هذا الوطن.
عندما وقفنا هذا الموقف، دون أن نريد علواً في الأرض ولا فساداً، مددنا للتعاون، ولا نزال نمد اليد للتعاون. ومع ذلك، نشاهد أن العالم يستضعفنا، وينقل خلافاته إلينا، ويحاول أن يشتت شملنا، ويفرق جمعنا، ويضعف قوتنا، ويدق الإسفين بين صفوفنا.
أيها الأخوة الأعزاء
أكثر ما يمكن أن يضعف به الإنسان والمؤسسة والحركة، أن تشعر بالتشتت، والتمزق. وحدة صفنا، تكوين جبهتنا، لقاؤنا، أتصور أن لا بديل عنه في موقعنا. ألا يكفينا ما وصلنا إليه في هذه الفترة؟ أما سمعتم أيها الأخوة الأكارم، أن رئيس وزراء إسرائيل يقول أرجو الانتباه أن السلاح الإسرائيلي هو الذي حمى المسيحيين في جنوب لبنان، ومنع إبادتهم. هل نقبل نحن، في لبنان مسلمين ومسيحيين، بهذا الطرح؟ هل هذا صحيح؟ نحن خلال ألف سنة، أو أكثر، نتعايش، نتآخى، نتعاون، نتداول، ننام ونأكل في بيوت بعضنا البعض، وفي قرى بعض، مشتركين متعاونين. أين كانت إسرائيل قبل قرن أو أكثر؟ نحن كنا أخوة. سلاح إسرائيل هو الذي فرقنا وليس هو الذي دافع عنا، أو دافع عن المسيحيين. بالعكس كانوا يراقبون الأحداث حتى إذا هدأت، يبعثون عصابات وأسلحة لإعادة التفجير في بلادنا.
إذا كانت ذاكرة بعض الناس ضعيفة، فهناك من يذكر. اسألوا صحاب الغبطة، البطريرك خريش، الرجل الطاهر الصادق الأمين. عندما كان قساً في يافا وعكا وحيفا. سيطرت إسرائيل وتأسست دولة العصابات هناك، في البداية، فرقت بين المسلمين والمسيحيين، وقالوا للمسيحيين لا علاقة لنا بكم ولا ضير من قبلنا عليكم. نحن نخاصم المسلمين حتى طردوا المسلمين. وبعد ذلك جاؤوا إلى المسيحيين، ففرقوا بين الموارنة والكاثوليك والروم، ثم فرقوا بين فئاتهم ثم سبوا جميعاً وأخرجوا جميعاً. هذا الذي سمعته مرة ومرتين وثلاث من البطريرك.
على من يضحك عدونا رئيس وزراء إسرائيل؟ من الذي خلق المشكلة الطائفية في لبنان؟ نحن كنا نتعايش. نحن كنا منذ ثلاثة سنوات، بالضبط في وقت يشبه هذا الوقت، كنت أنا ألقي عظة الصيام في كنيسة الكبوشيين. وكاد أن يلقي خطبة الجمعة رجل دين مسيحي في بعض المؤسسات. من الذي وصل في تعايشه وتعاونه إلى ما وصل إليه اللبنانيون ولا يزالون؟ من الذي خلق الطائفية غير العدو الإسرائيلي؟ هل نحن نقبل؟ وهل نلبي؟ هل نسكت؟ كلا! علينا أن نرد على هذه المزاعم. فنضع أيدينا بعضاً ببعض، لبنانيين، وفلسطينيين، وسوريين، والعرب. نقف لمواجهة هذه المرحلة الخطرة، التي تعادل في سمومها تاريخ اليهود المظلم. وتفوق في خطورتها جهنم، التي تعيش في قلب "بيغن" ورفاق "بيغن" في إسرائيل. إلى أين وصلنا؟ هل لا تزال فئات منا، ولأسباب خاصة ولمصالح سياسة، تحاول أن تعتدي؟ وأن تعض على الأصابع؟ وأن تأخذ من هنا وهناك؟ كلا! لقد آن لأن نتفق، ولأن نلتقي، ولأن نؤجل خلافاتنا، ولأن نعالجها بالحوار المطلوب حتى نتجاوز ونتخطى هذه المرحلة الخطرة.
ماذا يريد بعض أشقائنا منا؟ عندما تتجاوزهم مشاكلهم فينقلون هذه المشاكل إلى جنوبنا، إلى مناطق أخرى، فيتصرفون، ويخلقون الصعوبات والمشاكل للمقاومة الفلسطينية وللبنان. وقد وصلنا أكثر من كل ذلك.. إلى أن بعض الدول الشرقية أيضاً استضعفتنا وبدأت تلعب في أمعائنا. ففي كل يوم نسمع إماماً ومؤسسة. وفي كل يوم نرى أن هناك زعماً في التعاون والمساعدة. وفي كل يوم نسمع إماماً ومؤسسة. وفي كل يوم نرى أن هناك زعماً في التعاون والمساعدة. وفي كل يوم نسمع أنهم يريدون خيراً للشيعة، لو أرادوا خيراً للشيعة لما اعتقلوا الطالقاني. ولو أرادوا خيراً للشيعة، لما اعتقلوا كبار قادة الفكر في إيران. إن المخابرات الإيرانية هي تضطهد الشيعة، وتمزق الشيعة وتخلق منا ما لا نقبل. نحن لا نقبل بهذا الشيء. هل نحن نسكت ونقبل بما يمزقنا ويمزق أحشاءنا؟ كلا! لا نقبل ذلك. صحيح أننا نتعرض للصعوبات، والاعتداءات وللمشاكل، وكلننا أيضاً لا نزال نملك دماً يدافع، وهمة ترفض، وقولاً يقول: لا. كيف كان تاريخنا؟ كيف كان قادتنا؟ كيف كان رجالنا؟ أولئك الذين كانوا وحدهم في التاريخ؟ وكانوا يقولون لإمبراطوريات العالم: لا! لا!
نحن لا نقبل هذا الشيء. نحن نشاهد كل يوم، وأنتم تشاهدون. القضية لا تحتاج إلى السكوت وإلى البحث. تشاهدون فئات هنا وهناك. مشايخ هنا، وإماماً هناك. جبهة هنا، وتنظيمات هناك، تتحول وتشجع، وتضع كل ثقلها وهمها، لتمزيق صف الشيعة. ماذا يريدون منا؟ نحن أخذنا طريقنا: طريق النضال. طريق علي والحسين. طريق الحق. طريق الاستقرار. طريق رفض الطغيان، طريق قوله: لا.
بلد الوعي والنضال، بلد النموذج الرسالي في العالم، بلد الوحدة الوطنية، بلد الصراع في سبيل الأفضل، بلد الهجرة المناضلة، بلد المنطلق لأقدس ثورة.. ثورة فلسطين. لا يمكن أن نقبل أن رجالاً صغاراً، لا يملكون إلا ثمن البترول، ولا يملكون إلا اللؤم والدس والفتنة، يدخلون إلى بيوتنا، وفي صفوفنا لكي يمزقونا، ويخلقوا منا محاور وفئات هنا وهناك. شعبنا مطلع على ذلك. وطائفتنا مطلعة على ذلك. وطائفتنا شاهدت أيام كانوا يتهمون علياً بالغيبة، ويوماً كانوا يتهمون علياً بالمرح، ويوماً كانوا يتهمون الحسين بالخروج على إمام زمانه، ويوماً كانوا يضللون هنا وهناك.
لو لم يكن من أية ميزة! ميزة النضال تقترب إلى ميزة الإدراك. ألسنا قوم الاجتهاد نحن؟ يعني إداراك الوضع الحاضر، واكتشاف الوضع الحاضر والعمل! هذا هو الأساس.
لا! لا يمكن أن يؤثر فينا سهمهم، وأن تمر فينا مؤامراتهم. نحن لهم بالمرصاد، فيذهب العملاء والمأجورون، ولو لبسوا لفات. فليذهب العملاء والمأجورون ولو سموا أنفسهم أئمة. فليذهب الصغار والأقزام إلى جهنم. جهنم المال، جهنم الفساد، جهنم الميوعة. فليعلم الناس هذا! أصحاب علي والحسين، أنهم لو كانوا يهتمون بالشيعة والتشيع، لو كانوا يعتنون برجال الدين والعلماء، لو كانوا يهتدون بالعلم والفقه والفضيلة، لما أدخلوا مئات الألوف في سجونهم. نحن نرفض هذا. وهذا رفض جديد أمامنا.
أخواني الأعزاء!
نكرم بأشرف صورة فقيدنا الكبير الدكتور شريعتي. ولا شك أننا، في هذا المكان، عندما نلتقي بالشعلة المتقدة، كما قلنا، نشعر أن في هذا عزاءً لأهله، وعزاءً للشبيبة المؤمنة التي شعرت بالحرقة الكبرى في وفاة فقيدنا الراحل. كما أن ذلك عطاء آخر منه في يومنا العصيب. فلنلتق! أيها الذين يرفضون الوضع الحاضر ولا يهاجرون، والذين لا يقتبسون سلاماً من الآخرين. فلنقف، ونلتقي، ونغير حاضرنا ولا يهاجرون، والذين لا يقتبسون سلاماً من الآخرين. فلنقف، ونلتقي، ونغير حاضرنا اللبناني والعربي، والعالمي، بالحكمة والوعي، وعدم السماح للأيادي الخبيثة أن تلعب في أمعائنا، ولنضع كلبنانيين أيدينا بعضاً مع بعض. ولنضع كأخوة مناضلين، أصحاب قضية واحدة، فلسطينيين ولبنانيين، أيدينا بعضنا مع بعض. ولنضع كعرب، يدنا في أيدي بعضنا، حتى نضع حداً للكبرياء الذي نعانيه والذي نحس به، والذي نقرف منه، ونشعر بأنه لا يتناسب مع كرامتنا، وكرامة تاريخنا. فيداً بيد! ووجها إلى جانب وجه! وعقلاً إلى جانب عقل! وقلباً إلى جانب قلب، متصلاً بواسطة الإيمان إلى ينبوع العقل والفكر والعلم، إلى الله سبحانه وتعالى، فإلى الله.
والسلام عليكم
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |