من علي شريعتي إلى الإمام موسى الصدر: الإغتيال المستمر
محمد حسين بزي
المقال الذي جرّموني عليه، أعيد نشره محبة وقناعة أكثر فأكثر، سيّما بعد الحملات التي شنت مؤخراً على الإمام موسى الصدر بسبب تأبينه لـ علي شريعتي.
بين الخميني و شريعتي .. محاولة اغتيال شريعتي مرة أخرى !
بقلم: محمد حسين بزي
"معرفة الإسلام"، الكتاب الذي شنت عليه الحملات في إيران قبل أربعة عقود، وترجم ونشر بأكثر عشر لغات حية خارجها، ونشر منه أكثر من ثلاثمائة ألف نسخة حول العالم.
"معرفة الإسلام"، الكتاب الذي قذف مؤلفه بشتى أنواع التهم التي يستطيع اللسان أن يلهج بها؛ وينطق.
فبعد أن أتهم شريعتي بأنه ماركسيّ، صدر البيان الشهير ضده وضد حسينية "إرشاد" ليعتبره وهابياً..!
حتى كتابة هذه السطور لم أتعرّف إلى رجل تعرّض لمثل هذا النقيض من التهم... اللهم إلاّ علي شريعتي، وهذا الأمر يأخذنا للتساؤل التالي: هل كان شريعتي هو المقصود بشخصه- على قاعدة الحسد- إذا ما نظرنا إلى الآلاف المؤلفة من الجامعيين والشباب اللذين كانت تستقطبهم محاضرات شريعتي وخطبه النارية الواعية...؟
قطعاً هذا التساؤل منطقي وفي محله، ولكن لم يكن هذا الاستنتاج كل ما في الأمر، لأن أكبر وأخطر تهمة كانت توجه لشريعتي أنه وفي وقت مبكر جداً كان من مقلدي الخميني (قبل أن يُطرح الإمام الخميني للمرجعية)، وللحق والتاريخ نذكر هذه الحادثة:
صعد أحد خطباء مدينة مشهد المنبر، وأخذ يذكر الدكتور شريعتي بسوء، وأهم تهمة سيئة ركز عليها ذلك الخطيب أنه قال حرفياً: ألا تعلمون أيها السادة أن شريعتي من مقلدي الخميني...؟ فكيف تستمعون له..؟ وعندما وصل الخبر للدكتور قال: "أنظروا إلى حماقة ما يُسمّى بالخطيب، إنه بدل أن يذمني أثنى عليّ بأحسن الثناء، ولو أني منحت أحداً مليون توماناً، (عملة إيران) جزاء أن يُصرّح على الأشهاد، بأن شريعتي يقلد الخميني، لما فعل ذلك.." ويضيف شريعتي: "إنه فخر لي واعتزاز أن أكون مقلداً له، وكيف يمكنني أن أتخذ غيره مرجعاً لي؟ هل باستطاعتنا أن نكون له مقلدين؟
وهل لنا الأحقية في أن نطلق هذا اللقب "الخمينيون" على أنفسنا؟".*
المتابعون لمجريات أحداث الثورة الإسلامية في إيران، خاصة الأعوام التي تلت انتفاضة خرداد، 1963م. يعلمون جيداً أن المشكلة كانت ولم تزل مشكلة قيميّة، مُؤسس لها على أساس فكري وفقهي، وأحياناً عقائدي، فهناك منهجان في الوسط الديني (يومها)، الأول: موظف عند الدين والناس ويعمل لخدمتهم ويدفع حياته وكل ما يملك في هذا الطريق، والثاني: يوظف الدين والناس ليقوموا بخدمته وخدمة مصالحه ومشاريعه باسم الدين، حيث أن التهم التي كانت تنهال على رأس شريعتي من الأوساط الدينية، كانت تنهال أيضاً على رأس البهشتي والمطهري والطالقاني ومفتح والخامنئي وغيرهم من رجالات الثورة المضحين، حتى أن هذه التهم انهالت على رأس الإمام الخميني شخصياً بشكل أو بآخر، وهذا ما يؤكده قول الإمام حرفياً: إنَّ الضربات التي تلقيتها من مدعيِّ القداسة والمعممين -الذين يرتدون الزي الديني- السُذّج؛ كانت أشد وقعاً عليَّ مما تلقيته من أميركا وإسرائيل.**
بعد هذا نرى بشكل واضح أن المشكلة هي مشكلة منهج بما تعني الكلمة من الناحية العلمية والفكرية، هذا مع الاعتراف أن أصحاب كلا المنهجين قد تختلف رؤاهم في كثير من التفاصيل، ولكن هذا الاختلاف لا يفسد الخطوط العامة للمنهج والقيّم المشتركة بينهم.
وهنا نلاحظ أنّ شريعتي لم يكن مقصوداً بشخصه بقدر ما كان المقصود الخط الثوري التغيري الذي انتمى إليه بكل طمأنينة وإخلاص، ودفع حياته وشبابه ثمناً لنجاحه، حتى ينتصر هذا الخط النهج بعد وفاته.
وبعد كل ذلك يأتي من يحاول فصل شريعتي عن الثورة والتاريخ المؤسس لها، ليكمل ما بدأه غيره بُعيّد انتصار الثورة أوائل الثمانيات من القرن الماضي، وهو تيّار معروف اليوم ولا يخفى على متتبع، ولكنه يتلّون مع كل مرحلة بألوانها، ليختار منها الأجذب للنظر، فتارة يرفع شعار التشيع، وأخرى شعار الولاية، والآن اكتشف تهمة جديدة سمّاها "المنهج الإلتقاطي"، وقذف بها الشهيد السيد محمد باقر الصدر مؤخراً، كما فعل مع شريعتي سابقا.
وعليه فإننا نقول لهؤلاء ونذكرهم بأن تاريخ الشرفاء وفكرهم وإن اختلفنا معهم في بعض التفاصيل، لا يمكن شطبه بجرة قلم هنا، أو شعار مصلحيّ هناك، وأن الدماء التي سفكت على مذبح الدين والحرية والوعي، لا يمكن أن يدنّس طهرها وإشراقها الغوغاء والمنتفعين على الدين وباسمه.
وهنا لا بدّ من العودة إلى الكتاب – معرفة الإسلام- لأشير إلى نقاط أهمها:
1- إنّ شريعتي تناول في أبحاثه شخصية الرسول الأكرم(ص) من منظار عالم الاجتماع الموضوعي، وليس كرجل من أتباع هذا النبي العظيم، لذا نراه أحياناً يتعمد ذكر الرسول الأكرم(ص) كأي شخصية تاريخية، حتى يصل بالقارئ في نهاية المطاف إلى أن هذه الشخصية العظيمة النبي محمد (ص) تستحق أن تكون بذاتها طبيعياً وموضوعياً النبي والمرسل والقائد والقدوة، وأخيراً الخاتم والمؤتمن على رسالة السماء التي لا يحدها المكان ولا يفسدها الزمان.
2- إنَّ شريعتي كثيراً ما استعمل مصطلحات غربية أو على الأقل لم تكن من صلب الخطاب الديني في ذلك الوقت، ولتصبح بعده الكثير من تلك المصطلحات والمفردات من صميم ذلك الخطاب، وحتى من نسيجه المعرفي، وهذا ما استخدم أيضا في الحملات الظالمة على شريعتي، حيث أضيف إلى تهمه السابقة، ماركسي ووهابي !، أضافوا إليه تهمة أسمها المستغرب، ولما أصبحت كل هذه المصطلحات من أولويات الخطاب الإسلامي فيما بعد... يكون هذا بمثابة اعتراف ضمني من النخب التي جاءت بعده؛ بأن شريعتي كان له قدم السبق في تثوير النص الإسلامي في عقول ونفوس الجيل الصاعد، وذلك من خلال توظيفه السباق لتلك المصطلحات في معركة الحراك الفكري والاجتماعي يومها، والتي أثمرت في تكوين جيلين على الأقل من أجيال الثورة.
وأخيراً نسأله سبحانه أن يقينا شرّ الجهل، وألا يُنعم علينا بفضائل لا تنفع الناس، إنه سميع مجيب.
*مجلة دافتاب كوير، الذكرى السنوية لاستشهاد علي شريعتي، والمؤتمر الذي عقد حوله في عام 1998 ص55.
**صحيفة "النور" الجزء 22 صفحة 200.