هذا الكتاب
إن لكل حضارة أساس في التاريخ الماضي ولها تشعبات ظاهرية أيضاً وهذه الفروع والتشعبات هي العنصر الأساسي في هيكل البناء الحضاري، لذا فإن مطالعة ودراسة هذه العوامل وهذه الأشكال لحضارة واحدة تكون مسألة بسيطة وسهلة، حيث أن الطالب يمكنه الحصول على معلومات حول هكذا حضارة وهكذا موضوع من خلال مطالعته المصادر المختلفة. أما المسألة التي تعتبر أمراً صعباً وتحتاج إلى وقت طويل من أجل معرفتها وفهمها فهي؛ البحث في روح وأفكار وعقائد وتضادات الأمور غير الظاهرة والتحقيق في الخفايا المتعددة والزوايا الكثيرة للحضارة لأن كل حضارة تشبه إنساناً واحداً متكاملاً.
إن دراسة خطوط سير الحوادث الحياتية والمحيط العائلي والاجتماعي والوضع الاقتصادي وطريقة العيش في هذه الحياة ليس أمراً صعباً، ولكن هل يمكن أن نطمئن أننا بمطالعتنا هذه المسائل أننا قد حصلنا على الشيء المطلوب، حول ذلك الإنسان، طبعاً كلا؛ لأن عقائد الإنسان وخصوصياته واطلاعاته وخصائصه الروحية والعاطفية والأخلاقية وتمنياته وإحساساته وذوقه الذي يبني عليه واقعه الفردي وشخصيته المستقلة؛ فإن هذه الأمور جميعها شيء آخر. لذلك فمن أجل الحصول على معلومات كلية وجامعة عن حياته وماضيه ومحيطه والأمور الوراثية عنده علينا أن نبحث ونحلل الأمور النفسية والخصوصيات الموجودة عنده وأن نوضح ونكشف الزوايا الروحية والنفسية لروحه وثقافته.
ضمن هذه الرؤية الفلسفية تأتي معالجة الدكتور المفكر علي شريعتي لـ " تاريخ الحضارة " في هذا الكتاب وقد استعرض فيه جميع النظريات والأفكار الغربية والشرقية التي لها علاقة ولها ارتباط بموضوع الحضارة، حيث قام باستعراض وافٍ لمعنى الحضارة والثقافة مسهباً من ثم في شرح الحضارات الشرقية والغربية على السواء القديمة والحديثة. ثم راح يقارن بينها على أسس وقوانين علمية دقيقة معتمداً على الشواهد التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والفلسفية وعلى تحاليله الخاصة أيضاً، فخرج هذا الكتاب بصورة لائقة كبيرة ومتناسبة مع ما يحمله الكتاب من اسم ومضمون ومتناسباً مع شخصية الكاتب الكبير.