هذا الكتاب

أثيرت قضية العلاقة بين التصوف والتشيع على أكثر من صعيد، ودوّنت في هذا المجال المؤلفات العديدة، تمثلت فيها الآراء والنظريات المتفاوتة سلباً وإيجاباً، فأساءت التصوير في الوصل والفصل بينها غالباً، وقد تمخضت بعض هذه المؤلفات في البحث عن طبيعة العلاقة بين التصوف والتشيع الكتابي (الصلة بين التصوف والتشيع) و(النزعة الصوفية في الفكر الشيعي) لهاشم معروف الحسيني، بينما أفسح البعض الآخر نطاقاً واسعاً أو ضيقاً للبحث في هذا المجال.

هذا ويمثل كتاب "كسر أصنام الجاهلية في الرد على الصوفية" الذي بين أيدينا مكانة هامة في كونه مصدر شيعي يتناول فيه المؤلف مسألة التصوف من منظور شيعي. والمؤلف هو الفيلسوف ملا صدرا الشيرازي، وهو يمارس في كتابه هذا نقداً موجهاً وتنظيراً مؤطراً من التصوف لا يكاد يكون مسبوقاً في تاريخ التصوف بعامة، قام به أحد رجالات التصوف الشيعة الكبار وشكل بالتالي قفزة نوعية وتحولاً جذرياً في النظرة إلى التصوف مما جعل هذا الكتاب يعتبر بحق مفصلاً أساسياً ما بين التصوف المنبوذ والعرفان الصاعد الذي يكاد يحتوي العقيدة الكاملة في النظرة الشيعية من التصوف يدعو المؤلف في مطلع الديباجة إلى الحذر من جماعة كثيرة من الناس في هذا الزمان، ويقصد بذلك الزمان الذي عاصره الذي تفشت فيه ظلمات الجهل والعماء في البلدان، فهم يظنون مع إفلاسهم عن العلم والعمل بأنهم متشبهون بأرباب التوحيد وأصحاب التفريد، وما ذلك إلا لأنهم تركوا تعلم العلم والعرفان، ورفضوا اكتساب العمل بمقتضى الحديث والقرآن.

وسوف يجد القارئ في طيات الكتاب، أن الهاجس المعياري الذي يحكم المصنف على مدى الصفحات هو ميزان العلم والمعرفة والعمل بما يقتضيه القرآن والسنة، فالشريعة هي الطريق والزاد والغاية، والمعرفة شرط أساسي في فهم الشريعة والعمل بها. وبالتالي ليس هناك من ميزان خاص في الحكم على المتصوفة سوى الميزان العام، وهو المعارف الشرعية والعمل بالقرآن والسنة. لذلك يحمل المؤلف في أكثر من موضع على أولئك الذين تظاهروا بالمعرفة وادعوا الإحاطة بالشرع، أو نبذوا العقل والشريعة جانباً، بدعوى عدم إمكان المعرفة بشيء وأن المعرفة هي الحجاب.. هذه هي رسالة الكتاب الرئيسية، وهي تعتبر الأساس لكل نزعة صوفية عرفانية صحيحة بنظر المؤلف، وهذا ما سوف يلتمسه القارئ في طيات الكتاب بوضوح كبير.