هذا الكتاب
معرفة الإسلام.....
الكتاب الذي شنت عليه الحملات في إيران، وترجم وطبع بعشر لغات حية خارجها، ونشر منه أكثر من ثلاثمائة ألف نسخة حول العالم.
معرفة الإسلام...
الكتاب الذي قذف مؤلفه بشتى أنواع التهم التي يستطيع اللسان ان يلهج بها وينطق.
فبعد ان اتهم شريعتي بأنه ماركسي، صدر البيان الشهير ضده وضد حسية ارشاد ليعتبره وهابياً...
حتى كتابة هذه المقدمة لم اتعرف الى رجل تعرض لمثل هذا النقيض من التهم... الله إلا علي شريعتي، هذا الأمر يأخذنا للتساؤل التالي: هل كان شريعتي هو المقصود بشخصه- على قاعدة الحسد- إذا ما نظرنا الى الالاف المؤلفة من الجامعيين والشباب التي كانت محاضرات الدكتور وخطبه النارية الواعية تستقطبهم...؟
قطعاً هذا التساؤل منطقي وفي محله أيضاً، ولكن لم يكن هذا الاستنتاج كل ما في الأمر، لأن أكبر وأخطر تهمة كانت توجه لشريعتي انه وفي وقت مبكر جداً كان من مقلدي الخميني، وللحق والتاريخ نذكر هذه الحادثة:
صعد أحد خطباء مدينة مشهد المنبر، واخذ يذكر الدكتور شريعتي بسوء، وأهم سيئة ركز عليها هذا الخطيب أنه قال حرفياً: آلا تعلمون ايها السادة ان شريعتي من مقلدي الخميني...؟ فكيف تستمعون له....؟ وعندما وصل الخبر للدكتور قال: انظروا الى حماقة ما يسمى بالخطيب، انه بدل ان يذمني أثني علي بأحسن الثناء، ولو اني منحت احداً مليون توماناً، عملة ايران جزاء ان يصرح على الأشهاد، بأن شريعتي يقلد الخميني، لما فعل ذلك، ويضيف شريعتي: إنه فخر لي واعتزاز ان أكون مقلداً له، وكيف يمكنني ان اتخذ غيره مرجعاً لي؟ هل باستطاعتنا ان نكون له مقلدين؟
وهل نا الأحقية في ان نطلق هذا اللقب الخمينيون على أنفسنا؟ المتتبعون لمجريات احداث الثورة الإسلامية في ايران، خاصة الأعوام التي تلت انتفاضة خرداد، 1963 م يعملون جيداً ان المشكلة كانت ولم تزل مشكلة قيمية، مؤسس لها على أساس فكري وفقهي وأحياناً عقائدي، فهناك منهجان في في الوسط الديني، الأول موظف عند الدين والناس ويعمل لخدمتهم ويدفع حياته وكل ما يملك في هذا الطريق، والثاني يوظف الدين والناس ليقوموا بخدمته وخدمة مصالحه ومشاريعه باسم الدين، حيث ان التهم التي كانت تنهال على رأس شريعتي من الأوساط، الدينية، كانت تنهال ايضاً على رأس البهشتي والمطهري والطالقاني ومفتح وخامنئي وغيرهم من رجالات الثورة المضحين، حتى أن هذه التهم انهالت على رأس الإمام الخميني بشكل أو بآخر، وهذا ما يؤكده قول الإمام حرفياً: إن الضربات التي تلقيتها من مدعيَّ القداسة والمعممين، الذين يرتدون الزي الديني، السذج، كانت أشد وقعاً عليَّ مما تلقيته من أميركا وإسرائيل.
بعد هذا نرى بشكل واضح ان المشكلة هي مشكلة منهج بما تعني الكلمة من الناحية العلمية والفكرية، هذا مع الإعتراف ان أصحاب كلا المنهجين قد تختلف رؤاهم في كثير من التفاصيل، ولكن هذا الإختلاف لا يفسد الخطوط العامة للمنهج.
وهنا نلاحظ ان شريعتي لم يكن مقصوداً بشخصه بقدر ما كان المقصود الخط الثوري التغيري الذي انتمى اليه بكل طمئنينة واخلاص، ودفع حياته وشبابه ثمناً لنجاحه، حتى ينتصر هذا الخط النهج بعد وفاته.
وبعد كل ذلك يأتي من يحاول فصل شريعتي عن الثورة، ليكمل ما بدا به غيره بعيد انتصار الثورة أوائل الثمانيات وهو تيار معروف اليوم ولا يخفى على متتبع، ولكنه يتلون مع كل مرحلة بألوانها، ليختارمنها لأجذب للنظر، تارة يرفع شعار التشيع وأخرى شعار الولاية والآن اكتشف تهمة جديدة أطلق عليها المنهج الإلتقاطي وعليه فإننا نقول لهؤلاء ونذكرهم بأن تاريخ الشرفاء وفكرهم وإن اخلتفنا معهم في بعض التفاصيل، لا يمكن شطبه بجرة قلم هنا، أو شعار مصلحي هناك، وان الدماء التي سفكت على مذبح الدين والحرين والوعي، لا يمكن ان يدنس طهرها واشراقها الغوغاء والمنتفعين على الدين وباسمه.
ولا يفوتني هنا أن أعود الى الكتاب – معرفة الإسلام- لأشير الى نقاط أهمها:
1- أن شريعتي تناول في إبحاثه شخصية الرسول الأكرم(ص) من منظار عالم الإجتماع الموضوعي، وليس كرجل من اتباع هذا النبي العظيم، لذا نراه أحياناً يتعمد ذكر الرسول الأكرم(ص) كأي شخصية تاريخية، حتى يصل بالقارئ في نهاية المطاف الى ان هذه الشخصية العملاقة النبي محمد (ص) تستحق ان تكون بذاتها طبيعياً وموضوعياً النبي والمرسل والقائد والقدوة، وأخيراً الخاتم والمؤئتمن على رسالة لا يحدها المكان ولا يفسدها الزمان.
2- ان شريعتي كثيراً ما استعمل مصطلحات غربية أو على الأقل لم تكن من صلب الخطاب الديني ذلك الوقت، وبعده ليصبح بعده الكثير من هذه المصطلحات والمفردات من صميم ذلك الخطاب، وحتى من نسيجه المعرفي، وهذا ما استخدم ايضاً في الحملات الظالمة على شريعتي، حيث اضيف الى تهمه السابقة ماركسي وهابي أضافوا اليه تهمة اسمها المستغرب ولما أصبحت كل هذه المصطلحات من أولوليات الخطاب الإسلامي فيما بعد... يكون هذا بمثابة اعتراف ضمني من النخب التي جاءت بعده بأن شريعتي كان له قدم السبق في تثوير النص الإسلامي في عقول ونفوس الجيل الصاعد، وذلك باستخدام تلك المصطلحات، وأخيراً نسأله سبحانه ان يقينا شر الجهل، وأن لا ينعم علينا بفضائل لا تنفع الناس، أنه سميع مجيب
يشتمل الكتاب الماثل بين يدي القارئ على الترجمة العربية للمحاضرات التي ألقاها الدكتور علي شريعتي على طلابه في كلية الآداب بجامعة مشهد، للعام الدراسي 1966-1967م، وهدفه من هذه المحاضرات هو إبراز الوجه الحقيقي للإسلام واستيحاء مقاصده الأصلية. ومن هنا فقد عمد في القسم الأول من الكتاب إلى إيراد الأساس العقائدي للإسلام كمذهب. وفي القسم الثاني سلط الأضواء على جوانب وأبعاد شخصية محمد التي هي تجسيد حيّ للإسلام، هذا ولم يكتف لهذا الغرض بتحليل شخصيته نفسياً أو بيان مزاياه الأخلاقية أوب نيته التربوية فحسب، بل تعرض لبيان دقائق سيرته في "المدينة" التي خاض فيها تجربة حياتية مكثفة ومضغوطة ومكتظة بالأحداث والعبر، ولا يخفي أن اهتمامه بالوقائع الجزئية لم يكن على النحو الذي يقوم به سائر المحققين ، من أن الغزوة الفلانية وقعت قبل الحادث الفلاني أو بعده وفي سنة كذا... وبالعودة لمضمون هذه الطبعة المترجمة من هذا الكتاب نجد أنها جاءت منقسمة كما النص الأصلي إلى قسمين الأول يتحدث عن الإسلام كرسالة ومبادئ والثاني عن السيرة النبوية، وهذا القسم تجديداً جاء مستفيض الشرح وفيه استعراض سرجي لوقائع تاريخية حصلت في الفترة من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى وفاته.