هذا الكتاب
هذا الكتاب الذي بين أيدينا يقدم أحد الأعمال التي تناول فيها الدكتور "علي شريعتي" عملية تنقية مفهوم الدين وإعادته إلى صيغة الأولى، وبخاصة تلك الأعمال التي تتسم بالجماهيرية وتتميز بالمباشرة... وتتصف بهذا الوضوح الذي يميز ما يقدم إلى الجماهير مباشرة من فكر وهي بالطبع غير أعماله الفكرية التي تتسم بالبعد النظري مثل "معرفة الإسلام" و"تاريخ الأديان" و"الحضارة والمدنية".
وهذا الكتاب هو ترجمته لرسالته الشهيرة أبي، أمي، نحن متهمون.
وهي عبارة عن محاضرة طويلة ألقاها شريعتي بتاريخ 26/8/1972 على طلابه وجمهوره في مدينة مشهد الإيرانية، ومنها تناول بالبحث حيرة الشباب حول ما يرونه من مظاهر الدين وما يقدم إليهم على أنه أصول الدين، وبين ما يسمعونه غير مخفين سخريتهم من هذا الدين الذي يرونه... ويرد عليهم شريعتي متناولاً هذا الذي يحتجون عليه مظهراً وشعيرة ومبيناً إلى أي مدى ابتعدت هذه الشعائر عن أصولها وكيف انقلبت هذه العقائد إلى غير المراد منها تماماً.
نوجه عناية القارئ الكريم الى أن الذي يميز هذا الكتاب أمران:
الأول: جرأته على تسمية الأمور بأسمائها دون إستعمال "روتوش" هنا، أو الإلتفات "لمقام" هناك، وهو ما كان يدور في أذهان وأفكار الشباب، الذي نفر من الدين في وقت من الأوقات.
الثاني: إعادة البناء على المستويين الفكري والعملي، وذلك من خلال فضح "الخرافات" وتنقية "الموروث" واستنهاض الهمم وإذكاء العقول، وتعمير القلوب بنور الإسلام الصافي، وإثبات أنه الوحيد القادر على إسعاد الناس والسير بهم نحو الخلاص من الظلم والظلام في آن.
من هنا اضطر شريعتي أن يقاتل على جبهتين:
الجبهة الأولى: الطبقة التي فتحت الدين دكاناً للإرتزاق، وضحت بالحقيقة من أجل المصلحة، واعتلت منابره، لتبث الخرافة والتجهيل والتسطيح من جهة، وتشرعن النظام القائم يومها من جهة أخرى.
الجبهة الثانية: السلطة الفاسدة التي طالما أحسنت الإستفادة مادياً ومعنوياً، من الجبهة الأولى – عن علم أو جهل- لا فرق من الناحية العملية.
بوجه هؤلاء جميعاً صرخ شريعتي بـ:"لا" مدوية.. كان لها الفعل الثوري العارم، والنبض الذي لا ينضب، لأنها استقرت في عقول، ونفوس، وهمة الشباب المتعطش لمثل هذه الـ:"لا"، في زمن كانت "النعم" هي اللغة السائدة.
إذاً، "فالـلا" هذه لم تكن وسيلة من أجل أن يتعرف عليه الآخر، بل كانت تحمل في طياتها كل أمجاد الماضي، وآفاق المستقبل، فكانت هذه الـ"لا" الحلقة الوسطى التي تستسقي غيثاً أصيلاً صافياً من هناك، لتمطر ماءً نقياً طاهراً هنا، ليكون كل شيء حياً ونابضاً.
وهنا حول شريعتي مفهوم "لا" من رفض للسلطة الفاسدة الى "لا" ثانية لرفض ما يدعى أنها مفاهيم "دينية"، وقد أفرغوها من أهدافها الباعثة على الحرية والعدل، وأبقوا على هيكلها الذي أشبعوه نحتاً للغاية، وتمزيقاً لغايات في خدمة مصالح دنياهم على حساب حقائق دينهم. وهكذا بدأ علي شريعتي، رافضاً، ليستمر مقاتلاً، وينتهي شهيداً... ولكن السؤال الفصل لماذا ما زلنا بحاجة لشريعتي بعد ربع قرن من غيابه، ولماذا ما زال الكثيرون يعتبرونه ضرورة فكرية ومعرفية؟
سؤال كبير ليس من السهل الإجابة عليه بهذه العجالة، أخي القارئ... فهل يكون هذا الكتاب حاملاً في طياته إجابة شافية؟
نترك الإجابة لك معتمدين على نباهتك وذوقك الرفيع، الى أن نلتقي مع كتاب آخر نسأل العلي القدير أن يوفقنا لنشر أعمال الدكتور شريعتي كاملة، إنه سميع مجيب، عليه توكلنا، وإليه ننيب.