جدلية الحرّة والعبودية
دراسة قرآنية في الدلالات والأبعاد
وصف مونتسكيو الحريّة بقوله: "لم تستحوذ أيّة لفظةٍ من الألفاظ على عقول البشر وأذهانهم. كما استحوذت لفظة الحريّة، وما من لفظة استخدمت مثلها بمعان ٍ عديدة. والحريّة تعني لبعض الناس أنّ لديهم الخيار في خلع من كانوا قد محَضوه ثقتهم، ومنحوه الصلاحيّات بمجرّد أن يسيء استخدام السلطة ويتحوّل إلى حاكم ظالم. وهي بالنسبة لآخرين قدرتهم على اختيار من عليهم إطاعته بأنفسهم. ويرى فريق ثالث أنّ الحريّة تعني الحقّ في التسلح واستخدام القوّة قولا ً وفعلا ً... إلا أنّه على الرّغم من رفعة مقامه العلميّ عجز عن تحديد ما يجب أن يطلبه الأفراد وما يجب أن يفعلوه؛ ولذا لم يتمكن من تقديم الدليل – مستنداً إلى حقيقة سموّ الإنسان وانحطاطه – لإبطال الدعاوى التي نقلها حول مفهوم الحريّة. علماً أنّ هذا الأمر الأخير هو الأهمّ في تعريف الحريّة وتحديد دلالاتها ...
وإنّ ما سعى إليه الكاتب في هذا الكتاب هو تقديم إدراك علميّ وفهم معمّق لهذه الظاهرة... وذلك من خلال الالتفات إلى أبعادٍ ثلاثةٍ متلازمةٍ في بناء الإنسان وكيانه: أحدها قوّة العضلات التي يُستفاد منها في إشباع غريزة حب البقاء، والآخر العقل الذي يُوظّف في الارتقاء المعنوي، مضافاً إلى المحرّك الفطريّ الذي هو الميل إلى الحقّ المشار إليه في القرآن بالحنيفيّة: [فأقِمْ وجهكَ للدّينِ حنيفاً فِطرةَ الله التي فطرَ النّاسَ عليها]