هذا الكتاب
شهد
حقل الأبحاث الدينية في بلادنا تحولات متباينة منذ مطلع القرن الأخير وهذه التحولات
هي نتيجة للتنمية السياسية من جهة كما أنها قد تأثرت بالتحولات العالمية التي طرأت
منذ القرن التاسع عشر من جهة أخرى. ثمة الثورة الصناعية و التطور المتسارع لتقنيات
الاتصال ولاسيما ظاهرة العولمة، وهي أمور لم تتول إثارة مسائل جديدة بالكامل
للباحثين في مجال الإسلاميات وحسب، بل جعلت العقل واللغة في دائرة تلقي الوحي، عرضة
للتغيير كذلك. إن التطور الكمي في البرامج التعليمية ومشاريع الأبحاث في مجال
الدراسات الدينية، سيؤدي إلى تخطي المسائل والتغاضي عنها بدلاً عن معالجتها، حين
يتجرد ذلك التطور عن هاجس تحقيق الجدوى من تلك المشاريع.
نلاحظ أن الحرص على كون البحث الديني مجدياً وعملياً في عصر العولمة، يمثل نموذجاً
فقيم نادرة، والخطوة الأولى على هذا الطريق هي إدخال تطوير كمي ونوعي في هذه
الأبحاث على مستوى مناهجها وأدواتها. يمكن تطوير الأبحاث الدينية من خلال الاستفادة
القصوى من المناهج، والتنوع في اتجاهات البحث ومناهجه، وتمييز التوظيف الصحيح لها
عن التوظيف الخاطئ، إضافة إلى الاستثمار الأمثل للمناهج.
كان الحرص على تجاوز هذه الثغرة في البرامج التعليمية والبحثية، هاجساً تمخض عن
التخطيط لورشة تعليمية حملت عنوان (مناهج البحث في الدراسات الدينية) ودفع إلى
تنفيذ تلك الخطة. وبدلاً عن التركيز في ورش التدريب هذه على الأدوات الصلبة في
البحث وهو أمر غالباً ما يذكر في المصادر المخصصة لمناهج الأبحاث، فقد جرى تناول
الاتجاهات والمناهج على مستوى استراتيجي. وكانت الموضوعات الرئيسية تدور حول بلورة
تصور واضح حول البحث واتجاهاته الأساسية، وتكوين رؤية لعملية البحث وتحديد الخطوات
العلمية لكل من الاتجاهات والآلية الخاصة بكل من المناهج الرئيسية.
وهذا الكتاب " مناهج البحث في
الدراسات الدينية " يجمل بين طياته ترجمة حرفية للأوراق التي قدمت في
ورش العمل التعليمية التي عقدت لبحث قضية مناهج البحث في الدراسات الدينية، تولى
الفصل الأول في هذا الكتاب تقديم تصور واضح لماهية
البحث ومرتكزاته الأساسية، وتمييز البرنامج البحثي عن البرامج التعليمية
والتبشيرية، إلى جانب تمييزه عن الدراسات المبعثرة. أما في موضوع
الفصل الثاني فه ماهية الأبحاث الدينية ونطاقاتها
الرئيسة، والقراءتين التقليدية والجديدة للدين. ويستهدف هذان الفصلان بشكل أساسي
تعريف الباحث في هذا الحقل، بحدود تلك الأبحاث ونطاقاتها.
وجرى في الفصل الثالث الحديث عن زيادة جدوى البحث،
وأساليب تقييم البحث ومراحلهن وتحديد مسؤوليات كل من الإدارة التنفيذية والإدارة
العلمية للبحث. إن إتباع القواعد المذكورة في هذا الفصل يؤدي إلى زيادة جدوى البحث
وفائدته. يؤكد الفصل الرابع على أهمية تمحور البحث
حول مسألة، ويميز ذلك عن البحث الدائر حول مسألة، ويحدد مواصفات المسألة وأنماطها.
تتوزع الأبحاث الدينية على خمسة سياقات فثمة التعريف والوصف التفسير الشرعي
والتبرير والتفسير. ويتناول الفصل الخامس السياقين
الأول والثاني، حيث يجري الحديث عن ماهية التعريف والوصف ومقاربتهما بوضوح، إلى
جانب تحديد أقسامها ومناهجها وأساليبها. أما الفصل السادس
فيدور حول سياقي التبرير والتفسير (الماهية والخطوات، والأساليب والمناهج). كما
يتضمن الفصل السابع موضوعات تتصل بسياق التفسير
الشرعي. يتناول الفصل السابع الاتجاهات والمناهج
الرئيسة في البحث الديني، إلى جانب تقسيم الاتجاهات تلك وما يتصل بالمناهج الدينية
الجوانبة والمناهج التحليلية.
وفي الفصل الثامن حديث حول ماهية الدراسات التاريخية،
والتمييز بين تصورين للحدث التاريخي ومقاربتين تقومان عليهما، إلى جانب خطوات البحث
التاريخي وأخطاء هذا الاتجاه. وخصص الفصل التاسع
للدراسات المقارنة ومراحلها، وثمة أساليب مختلفة للانتقال من مساحات الاشتراك
والتباين التشكليين، إلى جوانب الوفاق والخلاف الحقيقيين، الأمر الذي يؤمن أداءً
علمياً لهذا النمط من البحث. واستعرض الفصل العاشر
اتجاه الظاهريات وأهدافه وقيمه، إلى جانب نقد لمجمل ذلك.
توفر الفصل الحادي عشر على دراسة الأبحاث التجربية
ومواصفاتها وخطواتها. وقد تكفل الدكتور نيما قرباني كتابة هذا الفصل، وهو من أبرز
الباحثين في علم نفس الدين. تناول الفصل الأخير
الدراسات البيتخصصية بوصفها الهدف الأكثر أهمية لهذا الكتاب.