هذا الكتاب
تاريخ ومعرفة الأديان ( الجزء الأول )
لماذا نطرح مثل هذا البحث في مثل هذا الوقت، وما هي الحاجة لجعل طبقة من المجتمع تصبح طبقة واعية، وأن نثقف مجتمعاً شرقياً وبالخصوص المجتمعات الإسلامية، ونجعلها طبقة مثقفة ثقافة دينية ذاتية، وبمعنى دقيق معرفة نفس الدين. أنتم ترون أني لم أختر هذه المعرفة والاطّلاع الذاتي اختياراً غير مقصود، ولا أقول إنني يجب أن أسعى لإيجاد إيمان واعتقاد ديني لأن الإيمان والاعتقاد يعتمدان على المعرفة والاطّلاع ومن ضمنها الاطّلاع الديني. وإذا لم يكن هذا مرتبطاً بالمعرفة والاطّلاع الديني، فهذا الاعتقاد والإيمان والدين لا تستطيع النفس من خلاله علاج الألم، بل إن الألم سيزيد الآلام الأخرى لوعةً. فاعتقادنا بدينٍ لا نعرف عنه يكون مساوياً لاعتقادنا بأي دينٍ آخر. إن الإسلام دين متحرك، ومترقٍّ، وصانع المجتمع، ودين آخر يكون بعنوان المخدِّر والمنوّم. إن المعرفة والشعور، والمعرفة الدقيقة للدين التي تشخّص حدود الدين، والاختلاف بين هاتين الصفتين، هي التي توجد التحقّق الخارجي والعيني، وحينما نجهل الإسلام ونساويه مع أي دين آخر أو مدرسة فكرية لا نعرف عنها شيئاً فإننا نكون قد وصلنا إلى العمى وعدم الرؤية والضلال. وقد قلت إن المعرفة الدينية الذاتية ومعرفة الدين في المجتمعات الإسلامية ممتزج بالمعرفة الذاتية الاجتماعية وبمعرفة المجتمع الذي وُجُد وبالشعور والروح الثقافية مع الدين.
لهذا فأنا لم أكن أتبع الطريقة القديمة العامة والبسيطة، بمعنى أنني أختار عشرة أو عشرين كتاباً في التأريخ وأتحدث عن الأديان وأنتهي. لأن هذا العمل سوف يستغرق وقتاً طويلاً ولم تُرجَ منه الفائدة، أما طريقتي فهي طرح المسائل الجديدة مع الأخذ بنظر الاعتبار تحوّل الأديان وتكامل النظرة الدينية المستقبلية على طول التأريخ والتي طُرحت في الأديان، لذا فمن الممكن أن نقول أن هذا الكتاب هو تحليل وبحث للأديان بدل أن نقول هو تاريخ للأديان.
علي شريعتي