وتاريخ بنت جبيل
هو التاريخ العاملي المليء بالمفاخر والأمجاد،
والصفحات البيضاء، التي سطرها الأجداد والآباء في خضم
الصراع الوطني والقومي، ويسطرها الأبناء بعدهم على نفس
الطريق، تلك الصفحات لم تلطخ بالسواد، وإن مرت عليها
أحياناً بعض الغشاوات، فإنها ليست شيئاً في الخضم
الزاخر، وفي الموج الدافق.
بنت جبيل تلك، هي
الأدب والشعر اللذان تضيق بهما المجلدات والكتب، هي
الأرض الطيبة، الخيرة المعطاء، الطاهرة، هي شتلة التبغ
التي أنتجت وعملت، وما بخلت يوماً في العطاء. بنت جبيل
هي الإنسان الإنسان، الذي حمل لواء التحرر والوطنية
منذ القديم القديم، وما يزال، وهي أيضاً ذلك التطور
العفوي، الذاتي الخارج عن النطاق الرسمي، والحاصل على
كل الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية
والمعيشية. لقد عانت بنت جبيل إبان العهد العثماني من
الظلم والضرائب والإهمال، فناضلت في سبيل الانعتاق
والتحرر، كما ناضلت بعد ذلك للتخلص من الانتداب
الفرنسي، حيث ظلت البلدة تناضل ضد الحرمان، وضد كل
أنواع القهر والاستعباد والذل والمهانة التي استعملت
بحق الشعب، كما ناضلت ضد التسلط واستغلال شركة الريجي
الاحتكارية، وحرّكت جبل عامل ولبنان كله في انتفاضة
سنة 1936، التي لم يشهد لها تاريخ جبل عامل مثيلاً.
ولم يكن الأمر
مختلفاً خلال فترة الاستقلال، حيث لم تلق بنت جبيل
الرعاية المطلوبة من الدولة، مع أنها كانت رائدة في
معركة الاستقلال، وربطتها علاقات وطيدة برجالاته،
وأكثر من ذلك، فقد خرج منها وطنيون ساهموا مساهمة
فعالة في معركة الاستقلال، إلا أنهم غُيبوا لأسباب
متعددة. ومن المفارقات المؤلمة، أن الحكومات المتعاقبة
منذ الاستقلال، وحتى اليوم، تتغنى بالجنوب، بجبل عامل
الذي تكسرت على أحجار أرضه وترابه، وعلى أعتابه كل
رؤوس الغاصبين، بينما هو يغرق في الحرمان والفقر، وفي
التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وهنا يمكن القول
أنه لولا الجهود الفردية، لأبناء المنطقة، بشكل عام،
لكان الخراب عاماً وشاملاً. إن قصة بنت جبيل طويلة،
وقدر ما هي كذلك فإنها مريرة ومؤلمة. وفي هذا الكتاب
يسلط المؤلف الضوء على قصة بنت جبيل بين الماضي
والحاضر في محاولة لبيان التطورات السياسية،
والاجتماعية، والاقتصادية والثقافية التي مرت بها.