هذا الكتاب

اكتسب جبل عامل اسمه من القبيلة التي هاجرت إليه من هاجر من اليمن إلى شتى الجهات في هجرة كبيرة لم تتحقق أسبابها، ويقال فيما يقال عن تلك الأسباب أن سد مأرب تهدم فسبب تهدمه تضعضع الحياة الاقتصادية التي كان عمادها الزراعة، فهاجرت القبائل نشداناً للاطمئنان إلى الحياة. والقبيلة التي قصدت إلى الجبل الذي أخذ بعد ذلك اسمه منها، هي قبيلة عاملة، فسمي الجبل منذ نزلته جبل بني عاملة، ثم خفف إلى جبل عاملة، ثم إلى جبل عامل.

ومؤرخو العرب يذكرون أن القبائل المهاجرة هي من أولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ومن هنا يقال عن بني عاملة: عاملة بني سبأ. وابن الأثير في تاريخه يصل نسب (عاملة) بالعماليق، فيقول: "وكان ملك العرب بأرض الجزيرة ومشارف الشام عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة العمليقي، من عاملة العمالقة، فتحارب هو وجذيمة فقتل عمرو وانهزمت عساكره وعاد جذيمة سالماً وملكت بعد عمرو ابنته الزباء، واسمها نائلة، وكان جنود الزباء بقايا العماليق وغيرهم".

وهذا الجبل يبتدئ من الشمال بمصب نهر الأولي شمالي صيدا وينتهي عند مصب وادي القرن جنوبي قرية البصة التي كانت مثار نزاع بين العامليين، وحكام عطا وصفد. على أنه قد كتب الكثير عن مناطق الشام، وكان لها مدونوها، ولم ينل جبل عامل من التدوين التاريخي إلا النذر الذي هو دون حقه وحقيقته، لا سيما تاريخه الشعري الذي ضاع في متاهات الإهمال والتجاهل والجهل.

ومن هنا قصد السيد حسن الأمين أن يفي للجبل الذي أنجب من أنجب في مجالات الفروسية والألمعية في عصوره الماضية، والذي احتواه بشتائه الدافق كأفواه القرب فأقعده مع من أقعد في البيت لا يبرحونه أياماً وليال متواصلة، متزاحمين حول (الداخون) تزاحماً ما كان أعذبه إليه في برد (شقرا) القارس والذي أمتعه بربيعه الغاني أمواجاً من الخضرة اليانعة تمور في الهضاب وتتدافع في السفوح، وتتماوج في المروج. والذي ضمّه في الصيف نسيماً عليلاً، وليلاً جميلاً وكرماَ ظليلاً، تتجاوب فيه الأصداح والشعاب والسهول بأنغام (الشبابة) و(المجوز) على أصوات (الصبايا) منطلقة بـ: دلعونا والعتابا، والذي طالما طرب فيه السيد حسن الأمين للشعر العاملي ينشد إنشاداً، ويترنم به ترنماً اختصّ بها جبل عامل وحده فأضفيا على قراءة الشعر رونقاً يزيد الشعر سحراً على سحر. جبل عامل هذا، اعتقد السيد حسن الأمين أن في إهدائه هذا الكتاب الذي يتحدث فيه عن تاريخه وعن نتاجه الأدبي شيئاً من الوفاء له.