الصفحة الرئيسة البريد الإلكتروني البحث
سيّد الاستثناء النضيرالهبوط الآمن في صحراء شريعتيعلي شريعتي/ العرفان الثوريهبوط في الصحراء مع محمد حسين بزيهوية الشعر الصّوفيالمقدس السيد محمد علي فضل الله وحديث الروحعبد المجيد زراقط في بحور السرد العربيقراءة في كتاب التغيير والإصلاحبرحيل الحاجة سامية شعيب«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرةالنموذج وأثره في صناعة الوعيتبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصهالشيعة والدولة ( الجزء الثاني )الشيعة والدولة ( الجزء الأول )الإمام الخميني من الثورة إلى الدولةالعمل الرسالي وتحديات الراهنتوقيع كتاب أغاني القلب في علي النَّهريحفل توقيع كتاب أغاني القلبإصدار جديد للدكتور علي شريعتيصدور كتاب قراءات نقدية في رواية شمسحريق في مخازن دار الأميردار الأمير تنعى السيد خسرو شاهيإعلان هامصدر حديثاً ديوان وطن وغربةعبد النبي بزي يصدر ديوانه أصحاب الكساءتوزيع كتاب هبوط في الصحراء في لبنانإطلاق كتاب هبوط في الصحراءصدور هبوط في الصحراءمتحدِّثاً عن هوية الشعر الصوفينعي العلامة السيّد محمد علي فضل اللهندوة أدبية مميزة وحفل توقيعاحكي يا شهرزاد في العباسيةفي السرد العربي .. شعريّة وقضايامعرض مسقط للكتاب 2019دار الأمير تنعى د. بوران شريعت رضويالعرس الثاني لـ شهرزاد في النبطيةصدر حديثاً كتاب " حصاد لم يكتمل "جديد الشاعر عادل الصويريدرية فرحات تُصدر مجموعتها القصصيةتالا - قصةسِنْدِبادِيَّات الأرز والنّخِيلندوة حاشدة حول رواية شمسندوة وحفل توقيع رواية " شمس "خنجر حمية وقّع الماضي والحاضرمحمد حسين بزي وقع روايته " شمس "توقيع رواية شمستوقيع المجموعة الشعرية قدس اليمندار الأمير في معرض بيروتتوقيع كتاب قراءة نفسية في واقعة الطفدار الأمير في معرض الكويتمشاكل الأسرة بين الشرع والعرفالماضي والحاضرالفلسفة الاجتماعية وأصل السّياسةتاريخ ومعرفة الأديان الجزء الثانيالشاعرة جميلة حمود تصدر دمع الزنابقبيان صادر حول تزوير كتب شريعتي" بين الشاه والفقيه "محمد حسين بزي أصدر روايته " شمس "باسلة زعيتر وقعت " أحلام موجوعة "صدر حديثاً / قراءة نفسية في واقعة الطفصدر حديثاً / ديوان جبر مانولياصدر حديثاً / فأشارت إليهصدر حديثاً / رقص على مقامات المطرتكريم وحفل توقيع حاشد للسفير علي عجميحفل توقيع أحلام موجوعةتوقيع ديوان حقول الجسدباسلة زعيتر تُصدر باكورة أعمالهاالسفير علي عجمي يُصدر حقول الجسدصدر حديثاً عن دار الأمير كتاب عين الانتصارجديد دار الأمير : مختصر كتاب الحج للدكتور علي شريعتيصدر حديثاً كتاب دم ابيضاصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي
الصفحة الرئيسة اّخر الإصدارات أكثر الكتب قراءة أخبار ومعارض تواصل معنا أرسل لصديق

جديد الموقع

سيّد الاستثناء النضيرالهبوط الآمن في صحراء شريعتيعلي شريعتي/ العرفان الثوريهبوط في الصحراء مع محمد حسين بزيهوية الشعر الصّوفيالمقدس السيد محمد علي فضل الله وحديث الروحعبد المجيد زراقط في بحور السرد العربيقراءة في كتاب التغيير والإصلاحبرحيل الحاجة سامية شعيب«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرةالنموذج وأثره في صناعة الوعيتبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصهالشيعة والدولة ( الجزء الثاني )الشيعة والدولة ( الجزء الأول )الإمام الخميني من الثورة إلى الدولةالعمل الرسالي وتحديات الراهنتوقيع كتاب أغاني القلب في علي النَّهريحفل توقيع كتاب أغاني القلبإصدار جديد للدكتور علي شريعتيصدور كتاب قراءات نقدية في رواية شمسحريق في مخازن دار الأميردار الأمير تنعى السيد خسرو شاهيإعلان هامصدر حديثاً ديوان وطن وغربةعبد النبي بزي يصدر ديوانه أصحاب الكساءتوزيع كتاب هبوط في الصحراء في لبنانإطلاق كتاب هبوط في الصحراءصدور هبوط في الصحراءمتحدِّثاً عن هوية الشعر الصوفينعي العلامة السيّد محمد علي فضل اللهندوة أدبية مميزة وحفل توقيعاحكي يا شهرزاد في العباسيةفي السرد العربي .. شعريّة وقضايامعرض مسقط للكتاب 2019دار الأمير تنعى د. بوران شريعت رضويالعرس الثاني لـ شهرزاد في النبطيةصدر حديثاً كتاب " حصاد لم يكتمل "جديد الشاعر عادل الصويريدرية فرحات تُصدر مجموعتها القصصيةتالا - قصةسِنْدِبادِيَّات الأرز والنّخِيلندوة حاشدة حول رواية شمسندوة وحفل توقيع رواية " شمس "خنجر حمية وقّع الماضي والحاضرمحمد حسين بزي وقع روايته " شمس "توقيع رواية شمستوقيع المجموعة الشعرية قدس اليمندار الأمير في معرض بيروتتوقيع كتاب قراءة نفسية في واقعة الطفدار الأمير في معرض الكويتمشاكل الأسرة بين الشرع والعرفالماضي والحاضرالفلسفة الاجتماعية وأصل السّياسةتاريخ ومعرفة الأديان الجزء الثانيالشاعرة جميلة حمود تصدر دمع الزنابقبيان صادر حول تزوير كتب شريعتي" بين الشاه والفقيه "محمد حسين بزي أصدر روايته " شمس "باسلة زعيتر وقعت " أحلام موجوعة "صدر حديثاً / قراءة نفسية في واقعة الطفصدر حديثاً / ديوان جبر مانولياصدر حديثاً / فأشارت إليهصدر حديثاً / رقص على مقامات المطرتكريم وحفل توقيع حاشد للسفير علي عجميحفل توقيع أحلام موجوعةتوقيع ديوان حقول الجسدباسلة زعيتر تُصدر باكورة أعمالهاالسفير علي عجمي يُصدر حقول الجسدصدر حديثاً عن دار الأمير كتاب عين الانتصارجديد دار الأمير : مختصر كتاب الحج للدكتور علي شريعتيصدر حديثاً كتاب دم ابيضاصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي

أقسام الكتب

مصاحف شريفة
سلسلة آثار علي شريعتي
فكر معاصر
فلسفة وتصوف وعرفان
تاريخ
سياسة
أديان وعقائد
أدب وشعر
ثقافة المقاومة
ثقافة عامة
كتب توزعها الدار

الصفحات المستقلة

نبذة عن الدار
عنوان الدار
About Dar Al Amir
Contact Us
شهادات تقدير
مجلة شريعتي
مواقع صديقة
هيئة بنت جبيل
اصدارات مركز الحضارة

تصنيفات المقالات

شعراء وقصائد
قضايا الشعر والأدب
ريشة روح
أقلام مُقَاوِمَة
التنوير وأعلامه
قضايا معرفية
قضايا فلسفية
قضايا معاصرة
الحكمة العملية
في فكر علي شريعتي
في فكر عبد الوهاب المسيري
حرب تموز 2006
حرب تموز بأقلام اسرائيلية
English articles

الزوار

13286230

الكتب

300

القائمة البريدية

 

نصر اللا دولة

((أقلام مُقَاوِمَة))

تصغير الخط تكبير الخط

نصر اللا دولة *
تحولات مفاهيم المواطنة والوطن والجماعة السياسية
(مسالك النظرية السياسية ما بعد حزب الله)

بقلم: د. هبة رؤوف عزت

مقدمة
تفكيك الأسطورة:تجاوز الدولة دون نقض سيادتها
عودة المواطن..عودة الناس
حزب الله و"لا-علمنة" السياسة

مقدمة :

لعل أكثر ما شاع في وصف حزب الله هو أنه "دولة "، أو "دولة داخل الدولة"، ويعكس هذا التصور البسيط الاختزالي كيف أن مفهوم الدولة قد هيمن على التفكير والخيال المعاصر بشأن السياسة حتى منعه من رؤية المتعين عين اليقين..ففي مجال النظرية الاجتماعية لا تعمى الأبصار بل تعمى البارديجمات التي في العقول...أي النظريات الحكمة التي كان الهدف من وضعها إعانة العقل على التفكير الموضوعي لكنها قد تتكلس فتغدو ساتراً وسداً يحجب الرؤية ويمنع الإبصار، والتبصر.

حزب الله ليس بدولة..وهذا هو بيت القصيد. وهو ليس ضد الدولة، وتلك هي عين الحقيقة.. حزب الله يمكن وصقه تأسيساً على الأفكار التي سنبسطها في هذا المقال بأنه "لا دولة"..مفارق للدولة ومستعلٍ عنها وعليها.. وهذه هي عبقريته، وأمينه السيد حسن نصر الله ليس زعيم ديني يتحدى السلطة السياسية، وليس زعيم سياسي يوظف السلطة الدينية، ولا زعيم عسكري أدواته الدين والسياسة، بل هو زعيم غير مسبوق يجمع بين كاريزما الزعيم السياسي وسلطة "السيد" الدينية مع مهارة الزعيم العسكري..ولم تجتمع في العالم العربي تلك من قبل في رجل دون تعارض ولا تناقض. و وليست هذه رؤية رومانسية، وإن كان علينا أن نتذكر بين حين وآخر أن الرومانسية الإنسانية كانت من الاتجاهات التأسيسية لليبرالية الحداثية ، والتي انقلبت على عقبيها ورضيت بالنفعية المتعقلنة .

تفكيك الأسطورة:تجاوز الدولة دون نقض سيادتها

ليس غاية حزب الله تفكيك الدولة ، فالحزب شريك في العملية السياسية وسند لسلطة الدولة حال تعرض كيانها ووجودها للتهديد، لكن ما حققه من منظور تنظيري متواضع قادم من خبرتي في مجال النظرية السياسية هو أنه فك طلاسم الأسطورة وأنه قدم نموذجاً يستدعي إعادة التفكير في الدولة القطرية في العالم العربي التي وصفها بدقة بهجت قرني منذ عقدين بأنها هشة وضعيفة لكنها ستستمر، وأكمل التصور نزيه أيوبي في كتابه "المبالغة في التأكيد على الدولة"، وهي أدبيات يعرفها الباحث في مجال النظم السياسية العربية .

وعلى الصعيد العام الذي حكم عقل عالم السياسة العربي الذي نحن في حاجة لاستعادة قدرته على التخيل مستقلاً ليفكر من جديد في المفاهيم المركزية في مجال السياسة في ضؤ فشل الدولة العربية من ناحية وصعود نموذج حزب الله من ناحية أخرى (رغم الوعي بتفرده وخصوصية سياقه اللبناني)،أقول على الصعيد العام ظلت "الدولة" بالمعنى القومي هي وحدة التحليل الأساسية في علم السياسة لعقود طويلة ،ولم يقدم الفكر العربي إضافة أو تعديلاً على نظرياتها، بل على العكس، استوردها وتبناها بل و"أسلمها" قسراً في أحيان كثيرة. فقد كانت هي محور التفكير والتنظير السياسي، وتكرس ذلك بعد الحرب العالمية الثانية حيث ساد الاعتقاد بقدرة العلماء الاجتماعيين على إعادة تشكيل العلماء و"هندسة" المجتمعات، وتم التركيز على الدولة في بناء الهياكل والأبنية وإنجاز الخطط الاقتصادية دون اهتمام آنذاك بقياس الأداء والفاعلية، واعتبر دور الدولة أوضح من أن يحتاج إلى دليل أو إثبات . وتم سجن دراسات المواطنة بالتبعية في الدولة، فلا وطن بلا دولة ولا مواطن بدونهما..ومن ثم لا مواطنة إلا بها. وأضحت الدولة محط الآمال و"بناء الدولة"  كسبيل بناء المواطنة  هو الهدف، بل اعتبرت دراسة الدولة ودورها وطبيعتها أبرز مداخل دراسات المواطنة، فالدولة أضحت "المنقذ"  الذي يجب على المجتمعات إعادة تشكيل ثقافتها وتركيبها الإثني ولو بالقوة لضمان استقرار دعائمها والحرص على تطورها في شكلها القومي وبنفس النهج الذي تطورت به الدولة القومية في الدولة الصناعيالتي عدها الحداثيون القدوة التاريخية: ماضيها هو مستقبلنا.

وبرغم أن الحقبة السلوكية التي مرت بها العلوم الاجتماعية كافة -ومنها علم السياسة-قد اهتمت بالفرد وسلوكه السياسي، إلا أن ذلك لم يكن على حساب الدولة كوحدة تحليل أساسية، وكفكرة نظرية وبنية مؤسسية، فقد تركز الاهتمام على الفرد في صلته بالدولة، وموقفه منها، ولم يوضع الفرد نظريًا أو منهجيًا في مقابل الدولة، بل ظلت الدولة في هذه المرحلة كامنة وراء كل الدراسات كمٌسَلمة (أو كمسيلمة!) وإن غاب ذكرها لفظًا، وفي الثمانينات عاد الاهتمام المباشر بالدولة مرة ثانية في الدراسات السياسية، وسميت المرحلة التي مهدت لذلك مرحلة " ما بعد السلوكية".
وإذا كان مفهوم " المجتمع المدني" قد برز ليحتل بؤرة اهتمام السياسيين في النصف الثاني من الثمانينات وأوائل التسعينيات، فإنه لا يعني انتقال الاهتمام من الدولة إلى المجتمع، بل يظل هذا المفهوم يدرس في سياق صلة المجتمع بالدولة وآليات العلاقة بينهما، فهو توسيع لرقعة الاقترابات وليس تغيرًا في الطبيعة المنهجية للدراسة، بل وصار مع صعود مفاهيم الحوكمة أوالحكم الجيد يعكس ما يشبه توريط المجتمع المدني في تحمل أعباء الرفاهة الإنسانية التي تخلت عنها الدولة في الحقبة النيو-ليبرالية .

ولا شك أن ارتباط تطور العلم الاجتماعي الغربي بالواقع وحصره نفسه في " ما هو كائن" معرضا عن التقويم والدفاع عما " يجب أن يكون" قد جعل من الصعب فهم خطورة مركزية الدولة في العلوم السياسية ونقدها ، وخصائص وظائفها المختلفة وتردي أداءها، وحال دون متابعة لأهم التطورات التي مرت بها هذه المجتمعات، والتي نمت فيها سلطة الدولة وتغولت وتوحشت على حساب الناس، والتي رغم توفر الآليات الديمقراطية لكن العزوف السياسي صار ظاهرة والأحزاب السياسية صارت في مأزق.

وكانت الدولة قد برزت في صيغتها القومية ككيان سياسي في الغرب في القرن السابع عشر، تحديدًا مع "مؤتمر وستفاليا 1648، وبعيدًا عن الدخول في تفاصيل تطورها ومحاولات الشعوب سلمًا أو ثورة الحصول من الأنظمة الحاكمة على حقها في المشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية، فالثابت أن الدولة، أيًا كان نظام حكمها، قد تثبتت أركانها وقواعدها في مواجهة المجتمع، وهي الإشكالية التي ثارت في الفكر الغربي منذ أطروحات مدرسة العقد الاجتماعي، ويصارعها الفكر الغربي حتى الآن.

 وكان صعود الدولة ككيان  قد شهد بالتوازي مناخ اقتصادي ورأسمالي أوسع أبرز سماته تكريس التعاقدية في مقابل التراحمية والمنفعة في مقابل الأخلاق، وتحويل العلاقات الاجتماعية إلى علاقات سلعية أثره البالغ على مفهوم الجماعة ودلالة المواطنة في ظلها وما تعنيه وما تتضمنه من مسئوليات سياسية وأخلاقية. 

ولم يكن هذا "التحويل في الوظائف" الذي أثمر تهميش دور المجتمع ممكناً في الدول الصناعية تاريخيًا لولا تزامنه مع تحول مهم شهدته هذه الدول وهو التحول إلى العلمانية، والذي بدأ منذ عصر النهضة وامتد تدريجيًا من مجال الفلسفة إلى الواقع السياسي ثم إلى الواقع الاجتماعي، حيث مثلت تنحية الدين عن المجتمع آخر مراحل العلمنة، إذ ظلت العلاقات التراحمية مرتبطة به رغم كل ما أصابها.

وعندما هيمنت الحداثة على اقترابات ومناهج العلم ومن قبل فلسفته كان لابد أن تتعرض استقلالية المجتمع عن الدولة أو محاولات تعريف المواطنة بشروط المجتمع لا بشروط الدولة-كما فعل حزب الله - لهجوم شرس،فالمفكر في النهاية خبير ومستشار سياسي إن لم يكن سياسياً ومتنفذاً على عقل الساسة ولهم ، بدءاً من كيسنجر وصولاً لهنتنجتون(مع مراعاة فوارق الدور والموقع وبنية الإدارة السياسية). لكن التطورات السياسية والاقتصادية باتت تتحدى مركزية الدولة كمتغير نظري مفاهيمي وكقيمة ومثالية حداثية ،و الطبيعة العلمانية للدولة القومية التي يمكن إيجاز جوهرها بأنه "نزاع القداسة" حيث يتم إخراج المطلق الثقافي والاجتماعي من المنظومة المعرفية أونزع القداسة عن أي من مكونات هذه المنظومة لصالح قيم النسبية النفعية.

وقد تجلت هذه التحولات في صعود مفاهيم شتى تتجاوز فكرة المواطنة في سياق الدولة القومية القطرية، وكانت البداية هي مراجعة  المواطنة القومية كمفهوم والسعي لاكسابه أبعاد أكثر عمقاً من التصور البسيط الاختزالي التنميطي ذو صيغة "الانسان ذو البعد الواحد"، ثم كان الالتفات لتحولات المكان والمدن كسياق للمواطنة وأثره على صعود تجليات ودلالات متنوعة للمواطنة من تعددية ثقافية وإثنية ونوع (المنحى الجندري)، وما أدت إليه المدن الكوزمزبوليتانية من تنامي الجدل حول المواطنة متعددة الهجرات التي تتحدى فكرة المواطنة القومية الجامعة في الصميم. بيد أن هذه التحولات التي كان مفهوم المواطنة يمر بها ظلت أسيرة حدود الدولة القطرية القومية وتنصب على التحولات التي تجري داخلها للمجتمع في إطار تلك الدولة.

عودة المواطن..عودة الناس

تطرح المواطنة المأسورة بقيد الدولة القومية وسلطانها وكأنها معلوم من التمدن بالضرورة، ومعلوم من الحداثة –أياً كان نموذجها- بالطبيعة. لكن الباحث بتدقيق يجد في مفهوم المواطنة في الفكر المعاصر تعدداً واسعاً في دلالته واستخدامات المفهوم بدءًا من تعريفه ومرورًا بتصنيفه ثم اقتراب دراسة تطوره، إذ يتراوح تعريف المفهوم بين كون المواطنة عضوية في جماعة سياسية مما يطرح قضايا الهوية والولاء والانتماء، والالتزام السياسي وعلاقة الفرد بالجماعة ومنظومة القيم الحاكمة لتلك الرابطة؛ أو النظر للمواطنة باعتبارها مركزًا قانونيًا وبالتالي يستدعي علاقة الفرد بالدولة والرابطة القانونية والتمثيل السياسي والمسئولية السياسية، أو المواطنة باعتبارها مركزًا سياسيًا وبالتالي يستدعي قضايا الحريات والحقوق والفضائل المدنية والمشاركة السياسية والديمقراطية، ويصبح رصد التحول في معنى المواطنة هو رصد للتحول في مكوناته الدلالية وعلاقته بالمفاهيم الأخرى، وتجلياته في الواقع ومؤشرات دراسته، كالنظر على سبيل المثال في تحولات المراكز القانونية لقطاعات لم تكن تتمتع بالمواطنة الكاملة وكانت محجوبة عن المشاركة السياسية مثل المرأة والأقليات العرقية،أو المذهبية، أو تحولات الهوية بمراجعة مفهوم الجماعة الاجتماعية والسياسية ومقوماتها التاريخية أو الموضوعية المادية المرتبطة بالمكان والجغرافيا، أو تحولات المراكز السياسية بإعادة تعريف حدود وعلاقات المجال العام والمجال الخاص، أو تنوع مسالك المشاركة السياسية والتعبير عن المصالح وتمثيلها، وهي الرؤية التي سادت في عقد التسعينات.

ولكن مفهوم المواطنة وتنامي الاهتمام به في النظرية السياسية طوال التسعينات ليحتل مكانة مركزية في الجدل والتحليل قد صاحبه أيضًا استخدام ظهور أوصاف جديدة في التنظير له كمفهوم، منها تكرار وصفه بأنه "حالة" أي مزيج من كل المقومات السالفة في ظل علاقة ديناميكية بينها وبذلك ففهمه يستلزم الوعي بطبيعته المتغيرة والمتحولة وليست الثابتة، وربطه بتصورات المواطن/الفرد ومكانه في الساحة السياسية والاجتماعية والمجال العام، أي النزوع إلى إعطاء المفهوم دلالة "وجودية" تصبح هي إطار فهم كل مقوماته السابقة الذكر، وذلك في ظل إعادة تعريف السياسة ذاتها لا باعتبارها علم السلطة أو القوة أو الدولة بل باعتبارها بالأساس ممارسة الحرية والوجود الإنساني في المجال العام وبذا يكتسب مفهوم المواطنة ومفهوم السياسة – معًا- دلالة وجودية فردية بعيدًا عن الانشغال بجذور المفهوم تاريخيًا أو الاكتفاء بالمركز القانوني الدستوري الذي لا يعكس بالضرورة الواقع السياسي والمكانة السياسية والاجتماعية.

فإذا كان المواطن/الفرد هو محور مشروع الحداثة فلسفيًا ،والفردية هي جوهر الليبرالية، فإن فهم معنى المواطنة يستلزم تفكيكها كمفهوم إلى شقيها: المواطن والوطن ،ثم تفكيك الوطن إلى أرض وجماعة ونظام (دولة)، وهكذا،وهو الاقتراب الذي يبدو جلياً في نظريات العقد الاجتماعي، وبذا يصبح تحليل ودراسة الجدل حول المواطنة عبر منظور المواطن/الفرد وتحولاته هو المدخل الرئيس لتتبع  دلالة المفهوم وتحولاته متوازية مع تحولات معاني المنظومة المفاهيمية المرتبطة به باعتباره مفهومًا مركبًا ومتشابك مع مفاهيم كثيرة في النظرية السياسية الليبرالية، ويصبح فهم موقف المدارس الفكرية من الذات/المواطن/الإنسان هو بداية فهم موقفها من الدولة والرابطة السياسية والقيم والديمقراطية ، أي المدخل لفهم تحولات النظرية السياسية برمتها عبر فهم تحول النسق المفاهيمي ودلالات ومعاني المفاهيم وعلاقات الحقول الدلالية للمفاهيم مع بعضها البعض بشكل ثلاثي الأبعاد وديناميكي كي تدرك الواقع ولا تحلق في عالم الخيال وتعين على صياغة التاريخ لا الانتظار كي يدهمها.

ولأن المواطنة قد صارت مفهومًا مرتبطًا بالفرد ومقترناً بالحياة العامة في بعدها الاجتماعي اليومي فإن هذا مثّل في نظر الدارسين "تحولاً نوعيًا" في مفهوم المواطنة وليس محض إضافة بُعد ثقافي أو اجتماعي للمفهوم، أي أن المساحة الدلالية لم تنمٌ فسحب بل شهدت نقلة نوعية في الدلالة وصارت تعبر عن تصورات متغيرة للذات الإنسانية والطبيعة الإنسانية، ولذلك يجب الوعي بتأثرها بالجدل الأيديولوجي السياسي متوازياً مع البعد الفلسفي النظري لتحليلها، و هذا التحول كان تحولاً إيجابيًا ويفتح المجال لتطور المفهوم في المستقبل، وإن لزم الوعي أن هذا التحول النوعي يصاحبه قدر أكبر من عدم اليقين في معنى ودلالة المفهوم، إذ لم يعد المفهوم محدد المعالم واضح الأبعاد والمؤشرات كما كان في السابق، وبذلك تراجع الحسم الثقافي والاتفاق الاجتماعي حول المعنى لصالح الحسم القضائي/ القانوني وأصبح على سبيل المثال القضاء مجالاً لفض النزاعات النظرية والفلسفية بإكساب الحقوق مكانة قانونية ودستورية بدلاً من تشكلها الثقافي الذي كان ينبني على التواضع والتوافق (وهو ما يحتج عليه أنصار الحقوق الدينية للمواطنة مشككين في حياد الكيان القضائي من ناحية منطقه الحداثي بحكم النشأة وفلسفة دوره في الحفاظ على الحقوق الدينية للمواطن) ، وبذلك تصبح أيضًا أدوات ومسالك إكساب المعنى وتعريف المفهوم أدوات مختلفة ، مثل أحكام المحاكم بدرجاتها وصولاً للمحكمة الدستورية كما في الولايات المتحدة على سبيل المثال ،ما قد يهدد الحيوية السياسية/الثقافية/الاجتماعية التي كان المفهوم يعكسها ويدعمها في الوقت ذاته.

كذلك يجد الباحث أن المفهوم قد تحول من قيمة ومثالية ومفهوم له معنى إيجابي يعكس تطورًا تاريخيًا إلى مفهوم يتعرض للنقد والمراجعة والاتهام بأنه صار "صنماً نظرياً" لأنه فقد مثاليته المدنية السياسية حين غلبت على تصورات الفرد الاعتبارات النفعية الاقتصادية مع تحول الليبرالية من نسق فلسفي وفكري سياسي إلى نسق اقتصادي بالأساس تخدمه النظرية السياسية، غصار مواطناً مستهلِكاً مستهلَكاً وهكذا تبدو مراجعة المفهوم لازمة وكشف الجانب الأسطوري فيه ووظيفته مهمة نظرية واجبة لبيان التناقض بين سيادة السوق العالمي (ولنتذكر أن إسرائيل أداة إمبريالية لخدمته) والمواطنة الديمقراطية المنشودة.

والواقع أن علم الاجتماع قد التفت لطبيعة مفهوم المواطنة كأداة تحليلية مع بداية السبعينات وقبل تزايد الاهتمام به في النظرية السياسية مؤخراً، معتبرًا المواطنة قرينة تحولات الفردية والعلمنة وتجلياتها، أي أن المفهوم مدخل لدراسة تلك التحولات، وهو الاقتراب الذي يتشابه مع النظر للمواطنة كأداة تحليلية متعددة المستويات، فهو أولاً مفهوم يسمح بصياغة أسئلة وإشكاليات اجتماعية ويمثل إطارًا صالحًا وملائمًا لفهم قضايا صاعدة مثل قضايا المرأة والتعددية الثقافية والأقليات ،وكذلك تحليل صيغ الديمقراطية المختلفة وطرائقها، أي تصبح الأداة المفاهيمية مدخلاً تحليلياً مناسباً لتحول الفكر والواقع السياسي في علاقتهما المركبة ببعضهما البعض، ثم هو ثانياً مفهوم ملائم للجدل والنقاش بشأن الدور العام للفرد والإنسان في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وبذلك يسهم كمفهوم نظري في تطوير التنظير السياسي وتوسع حدود مفهوم السياسة، وهو ثالثًا مفهوم يعبر عن المراكز القانونية والسياسية فيسمح بطرح أسئلة الولاء والالتزام السياسي التي تقع في قلب مفهوم المواطنة وعلاقة المواطن بالدولة، وأخيرًا هو مفهوم ملائم عبر تتبع تاريخه وتحولات معناه لأن يكون مفهوم مفتاح في فهم مسار التطور التاريخي للفكر الليبرالي، أي مفهوم مفسر وشارح للتطور التاريخي، وبذلك يقوم هذا المفهوم عبر تحديد معناه بأداء عدة وظائف في مجال التنظير السياسي.

إن النظرية السياسية السائدة التي تقيد فهم الواقع الإنساني وأفقه الممكن هي أسيرة الرؤية الليبرالية بالمعنى الفلسفي، مثلما الواقع أسير هيمنة الرأسمالية بالمعنى العملي،  والليبرالية عبر القرن العشرين لم تفلح في حل إشكالاتها الأساسية أو الوصول لاتفاق بشأنها وأبرزها العلاقة بين الفردية والجماعة السياسية، والحرية والعدالة ، فلماذا لا نعيد بناء المفاهيم بمثلما يمكننا (كما أثبتت خبرة الحرب اللبنانية ضد إسرائيل) أن نعيد تشكيل التاريخ.

بل وإعادة قراءة تاريخ الدولة باعتباره تاريخ استلاب للمواطنة والمواطن، ولحظة الحرب اللبنانية باعتبارها استعادة للمواطن والوطن من أسر..الدولة، دون السعي بالضرورة لا لهدمها ولا للسيطرة عليها.

لكن هل هذه ردة للوراء؟

هل الدولة تجلٍ للحداثة بحيث يصبح المشهد الذي كانت إرهاصاته حاضرة ثم تبلور في الحرب السادسة ضد إسرائيل هو ضد الحداثة لأنه تجاوز الدولة –كفكرة حلكمة وسلطة متحكمة؟

وهل إدارة قوة تسلح المجتمع "موازياً" للدولة (دون حاجة ولا رغبة لأن يكون ذلك "ضدها") شيء ضد السيادة ، وأية سيادة ، وبأي عقد اجتماعي في أية لحظة تاريخ؟ هل هذا ضد العصر وشروطه، وضد التاريخ؟

دعونا نسأل إذاً ما معنى "المعاصرة" ، فإذا كانت  المدارس المختلفة للفكر قد انبنت على قراءات مختلفة للتاريخ وفلسفته، وتاريخ الفكر وتفسيره، فإن جدلها ونزاعها بقي سعياً لتطوير فعلي لـ"أفق المعنى" كما أسماه جادامير فيلسوف التفسيرية ، ومن ناحية ثانية هو استعادة لمعاني ثم تهميشها في مراحل مختلفة للعلمانية ويتم الآن "استعادة المعنى" على أرض الواقع، معنى "الإمكانية" والإنسانية الفاعلة (اللتان هما مسعى الحداثة الرئيسي -المغدور...بالدولة) ومعنى الجماعة القادرة على صياغة الكرامة واستعادة الإنسان المقاوم للظلم والهيمنة ولو فرداً! أي أن الإضافة للمعنى تسير متوازية مع تجديد بعض المعاني وإحياءها.

الفلسفة الحداثية التي وضعت الإنسان في قلب الانشغال الفلسفي واهتمت بالطبيعة وعلاقته بها وبالواقع وأولويته على الماضي وعلى الميتافيزيقا، تجلت في الفردية في المجال الاجتماعي والسياسي وبروز أهمية الواقع اليومي، والتعامل مع المساحة وإدارة الجماعة من خلال أبنية مركبة وعمليات تفاعلية منظمة، أي الانشغال بالمظهر الاجتماعي/ الثقافي/ السياسي والتعامل مع قضاياه العملية ،وهو ما ينعكس بدوره في تصورات المواطنة بين التصورات النفعية الفردية والتصورات الجماهيرية المدنية، ولا يمكن في الحقيقة فهم تحولات المعنى في مفهوم المواطنة ولا اختلاف الرؤى داخل المدارس الفكرية إلا بالوعي بموقفها تجاه قضايا الحداثة، أو تجاه القضايا والإشكاليات المرتبطة بالعقل والتاريخ والوجود والتي هي جوهر وأصل الاختلاف والوجه الفلسفي للنزاع والجدل السياسي، ومصدر التنازع بشأن المعاني والمفاهيم، أي أن الخلاف حول المواطنة كمفهوم وكحالة وكمكانة وكهوية لا ينفك عن تصورات الحداثة ومدارسها وفهم الحداثة كحالة وتصور لمكانة الإنسان وهويته ومكانته ، فالقضايا الكبرى التي تشغل النظرية السياسية وهي الخصوصية والعالمية (والتي تتجلى في دراسة الجوانب الثقافية للمواطنة ) والطبيعة (والتي يدخل في إطارها المصالح الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية في المدن وقضايا البيئة بل وقضايا المرأة والجسد في زاويتها الأخلاقية) والعقل (والذي هو مدار النظرية الديمقراطية والمشاركة السياسية وتصورات المواطن الفرد وتنازع المعاني وحدود الفردي والجماعي) هي قضايا مرتبطة بالحداثة ورؤاها والمواقف المختلفة لمدارس الليبرالية من أفكار ومفكري الحداثة في كل قضية.. وهي القضايا التي قد نجد أن خطاب وفعل حزب الله يحمل من سماتها الإنسانية بأكثر مما أضحت التجربة الليبرالية الغربية تحمل، إحتفاءاً بالإنسان وبالمكان وبالزمن وبغلإرادة وبالعقل الفعال المبادر، والقدرة على التحدي والإرادة التي تتحدى الظرف التاريخي وتؤمن بقوة الفعل الإنساني.

وإذا كان مفهوم المواطنة يتسم بهذا التنازع بشأنه في الفكر المعاصر والحداثة بدورها تواجه هذه "السيولة" في خصائصها المتحولة  والتي لا تجعل هناك "مرفأ" يستقر عليه الفكر، وفي مشهدها الاقتصادي الليبرالي الرأسمالي أيضًا توصف بالرأسمالية الرخوة سواء في الداخل في أو في ظل العولمة، فإن سمات "عدم الاستقرار" و"عدم الاتفاق" و"عدم اليقين" لمجمل حالة الحداثة وبالتالي حالة المواطنة تصبح هي بعينها أساس مشروعية -بل ضرورة-  التفسير والتأويل، فلماذا لا نرى في الحرب اللبنانية بخلاف السياسة والعسكرية هذا التجلي التأويلي لتجربة ونموذج حزب الله والذي لا يمكن أن نتوقع أن يدرك حدوده ولا يقترب منها خيال الزعامات السياسية العربية المتقزم والمستلب، ومن هنا الدهشة والارتباك والرهان على السحق الكامل والاندهاش من الصمود والمقاومة بل والتعجب المأخوذ بمشاهد الكرامة الاعتيادية اليومية. ولذا يصبح من المهم عند تعريف المواطنة عدم النظر إليها باعتبارها هوية أو مركز قانوني أو انتماء سياسي وحسب، بل بالأساس باعتبار المواطنة "سعي تأويلي وتفسيري" أجاده حزب الله لكن لم يره المحللون الذين لا يفهمون أن الحرب لها "فلسفة" ، وأن الفلسفة أيضاً ..ساحة حرب.

المواطن/ الفرد الذي يقف في ظل مشهد السياسة والحداثة والعولمة ليبحث عن المعنى وليصوغ لنفسه موقفا من قضايا الذات وعلاقته بالجماعة السياسية وممارسته لحقوقه وصياغته لهويته وشروط الديمقراطية التي تعبر عن إدراكه ووعيه في ظل رابطة سياسية تتداعى كل مكوناتها بدءاً من مفهوم الإنسان إلى طبيعة الجماعة إلى فلسفة الحق إلى مشروعية القانون إلى مركزية الدولة هو تغير نوعي غير مسبوق، أي النظر للمواطنة ذاتها كـ"عملية تفسيرية" مستمرة (بل ويومية كما أسلفنا في الإدراك المتزايد للسياسة كفعل يومي) سعياً لإكساب ذلك المفهوم المعنى والدلالة المتجددين  في ظل فكر وواقع متغيرين،هو أمر لم يشهده المجتمع الانساني بهذا الزخم من قبل. وهنا تصبح حالة إعادة التأويل الفردية والجماعية المستمرة لمعنى المواطنة –سواءً اليومية العملية أو الفكرية النظرية- هي شرط الممارسة الديمقراطية الحقيقية ،الديمقراطية التي قد تناهض الإستلاب وتقف ضد الهيمنة وتقاوم في حين تبتذل قوى الهيمنة المعنى والقيمة كسلاح وترسانة كلامية جوفاء. إذ تعطي حالة التأويل المواطن ليس فقط حق المشاركة وحسب بل حق تحديد معنى الهوية والذات ، ومعنى الديمقراطية ومعنى المشاركة ودلالاتها،بل ومعنى الوجود وقيم المكانة والكرامة ، أي حق وضع شروط الحالة الديمقراطية ابتداءً بدءاً من فلسفة الانسان والجماعة إلى إعادة ترويض وحش الدولة، وليس تحديها ولا نفيها..فقط الترويض.

فالفرد /المواطن والجماعة الاجتماعية العضوية يتم التنظير له ولطبيعته وذاته في علاقته  بالجماعة السياسية والدولة باعتبارها موضوعًا رئيسيًا في النظرية السياسية، إلا أن تركيزنا هنا في هذا "المقال" في الحاجة لإعادة تأويل مفهوم المواطنة في الساحة اللبنانية له نتائج في النظر والتنظير وهو أنه يجعل الدولة كمفهوم تابعة لتصورات المواطن وتدور معها،ويعيد التوازن للمفاهيم السياسية التي أدت مركزية الدولة كمفهوم داخل منظومتها النظرية لتراجع التنظير بشأن الفرد باعتباره الفاعل السياسي الأول،ولم تفلح في تحقيق نظام فعال يحقق التراضي فاندلعت الحرب الأهلية منكفئة على الداخل وسمحت لفريق بالتعاون حتى مع العدو ضد الدولة وكيانها وسيادتها، واليوم يزعمون أن حزب الله انفرد بالقرار، فلا هو انفرد ولا كانت الحرب قراره، والأولى النظر لحزب الله  كتبلور لصعود فكرة المواطن واتساع دلالاتها ما وراء الدولة بحدودها السياسية، والمفاهيمية النظرية.ولنسترد إدراك الدولة كمتغير مفاهيمي منفكة عن الأبنية والأجهزة المختلفة كجهاز ،أي كظاهرة اجتماعية ثقافية تعاقدية و رابطة سياسية متجددة. بهذا المفهوم، وفقط بهذا المفهوم يكون حزب الله دولة..لكنها دولة الناس، الدولة في تجددها ككيان اجتماع إنساني.

فكيف يمكن تصور الديمقراطية  كمحض تقسيم سلطة على خريطة طائفية في لبنان دون أن نعي  طبيعة إدراك وفهم المواطن كفاعل سياسي في علاقته مع الدولة، ونحدد طبيعة الفعل الذي يعبر به عن مواطنته ويحقق دوره كمواطن، والأشكال والصيغ التي يأخذها هذا الفعل، أي صور الممارسة الديمقراطية التي تتم لتحقيق المواطنة الفاعلة،سلماً ومقاومة واستشهاداً..في زمن يطلب فيه المواطن الديمقراطي السلامة ويرفض أن يموت لا في سبيل دولة ولا في سبيل أي أحد أو أي فكرة.

 وبذلك فلا ينفصل عن التحليل السابق للفرد المواطن ولرؤى الدولة أن تصبح الممارسة الفردية والجماعية للديمقراطية بمثابة الجسر بين المفهومين، المواطنة والديمقراطية، وبذا تصبح لبنان رغم الحرب ووويلاتها أكثر ديمقراطية من إسرائيل –الدولة.

وكما تتغير رؤى الدولة ومنطقها كمتغير مفاهيمي يقترن بتحليل المواطن وتصوراته، تتغير رؤى الديمقراطية، فالفرد النفعي الذي ينشد المصلحة الذاتية عبر رابطة سياسية هي شرط لتحقيق أكبر منفعة وأقل ضرر يفكر في العملية السياسية باعتبارها تضمن له تمثيلاً لمصالحه في السلطة (حتى في ظل كيان هش للدولة هشاشته تضحي وكأنها ميزتها) وبذا تسود رؤية مدرسة "الخيار الرشيد" أي المواطن كعاقل رشيد نفعي يبحث في الدولة عن مصلحته (بالأساس كمستهلك) لا عن تحقق ذاته الإنسانية الكريمة كإنسان، ويصبح نموذج الديمقراطية النيابية نموذجًا مناسبًا لصفقة الدولة المهيمنة التي تقبل نغير مقاعد السلطة لكنها لا تقبل تحديها هي وتعديل شروطها وتحديد سلطتها دورياً في مواجهة ميلها الطبيعي للتغول، في حين أن المواطن المدني/ الجمهوري (إي استعادة فكرة "الجمهورية" كتعبير سياسي عن جماهير لا نظام دستوري لدولة) الذي يؤمن بفكرة المنفعة العامة التي "تتجاوز" مجرد تراكم المصالح الفردية المتعرضة ويفترض كما قال آدم سميث رائد النفعية أن ثمة "يد خفية" ستوفق بينها .فقط المواطن الجمهوري سيشارك في المجال العام بشكل فعال وينظر للسياسة بمنظور واسع وحس من المسئولية الأخلاقية "المتجاوزة"، وهكذا تصبح مسارات الفعل الديمقراطي أقرب لتقاليد الديمقراطية المدنية،ومستمدة طاقة نورها من العقيدة الدينية (أياً كانت)-مشكاة نور المواطنة لا "ظلامية الخطر" كما يزعم التيو-ليبراليون الظالمين الذين يريدون أن يطقئوا نور الله في الإنسان ليصبح محض مستهلك للسلعة وللثقافة وللتاريخ وللاستبداد وللهيمنة.

وإذا كان لا بد من اختيار بؤرة للتحليل فإن اختيار مفهوم المواطنة يجعل الفرد/ المواطن هو منطلق التنظير والربط بين المفاهيم باعتباره مفهومًا عنقوديًا يشتبك مع هذه المفاهيم المركبة في علاقة ارتباطية ويمثل نقطة ارتكازها.

وتبقى أخيراً مسألة الجدل بشأن الأخلاق والقيم، والذي هو بطبيعته قرين الذات الإنسانية وتصوراتها ويعطي الخريطة السابقة البعد الثالث المكمل لها، فلا دولة بلا قيم مسئولية وولاء وهوية وانتماء، ولا ديمقراطية بلا عدل وحرية، ولا إنسان بلا معاني مجردة أو متعينة تمثل دافعية لفعله السياسي سواء الرشيد/ العقلاني أو المثالي/ المتجاوز أو المتجرد، وجدل الأخلاق والقيم قد شهد بدوره صعوداً مع صعود مفهوم المواطنة ذاته ، وتحولاً موازياً (ملازماً) لتحولاته ، و دلالته اتسعت وتنوعت، وصار موضوعاً يشغل النظرية السياسة متحركاً من قضايا الهامش الفلسفي إلى مركز الاهتمام النظري بل والجدل الديمقراطي الجاري في الواقع.(أخلاقيات المواطنة-أخلاقيات التمدن..وأخلاقيات الحرب والقيود الأخلاقية على استخدام القوة).

لقد وصف إرنست جيلنر إنسان الحداثة بأنه "إنسان نمطي" ولم ير في ذلك مثارًا للنقد، لأن إنسان ما قبل الحداثة كان جماعويًا لا يختار هويته، أما إنسان الحداثة فهويته مرنة عملية لا خصوصية فيها تنبني على المصلحة والعقلانية وترتبط بتأقيت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الحديث، وأن هذه المرجعية الذاتية للقيم لم تكن تعني بناء هوية ذاتية تؤدي للعزوف بل ضمان انتماء جماعي بدون إكراه أو مصادرة للحرية الفردية، ولم يرى تعارضًا بين أن يكون الفرد داخليًا يحمل رؤية دينية في حين أنه في المجال العام يحدد منفعته بشكل عملي وبسيط بل رأى هذه النماذجية الفردية البسيطة شرط التوافق والحلول الوسط في المجتمع المدني وفي الجماعة القومية،أي أن إنسان الحداثة هو المواطن المثالي الملائم للحالة السياسية للحداثة في ظل الدولة القومية (والحالة العولمية بالطبع..إنسان يحتمي بالدولة ويسلمها مفاتيح التاريخ حتى وإن أضاعتها) . وإذا كانت السياسة تعتمد على مفاهيم ومعاني فإن هذه المفاهيم تصبح هي "العملة" التي يتم التعامل بها في السوق السياسي، ولا بد من توحيد العملة وتنميطها، فالثقافة المركبة العميقة الجذور والدلالات والأفق هي في نظر الحداثة قيد على المواطنة. وهو في نظرنا ما أدى إلى تحول مفهوم السياسة باتجاه "اليومي/الحياتي" وليس "التاريخي/الكلي"، أي انصراف دلالة السياسة إلى السياسة اليومية وهمومها الفردية، وهو ما أدى للصياغة اليومية- المتغيرة دوماً- للهوية والانتماء. ..وحزب الله عبر هذه الفجوة وقام بتجسيرها.اليومي يصب في التاريخي والديني يضحي تحرري.

حزب الله و"لا-علمنة" السياسة

ليس تحويل الدين لقوة جماهيرية ودعامة ديمقراطية ونضالية ببدعة..ولا هو نقيض العلمانية بشكل مناقض ومقابل بالكلية، وهنا نموذج حزب الله في العالم العربي نموذج بالغ الدلالة مقارنة بنماذج التسييس الديني السلفي أو الإخواني أو الاحتجاجي العنيف.ليست الوجوه الثلاثة للحزب السياسي والديني والعسكري بغريبة، جدل نقض احتكار الدولة للقوة وتمكين الدين في المجالين العام والسياسي محتدم قي مجتمعات كثيرة بما فيها الولايات المتحدة التي يمكن شراء السلاح فيها كما يشترى الخبز وتنتشر فيها التيارات المعادية للفدرالية المدافعة عن تداول السلاح..وتسييس الكنائس.مع الفارق الشاسع في منظومة القيم المدنية التي هي على الجانب الغربي إقصائية وعنصرية تاريخياً.
لقد كان من أهم المفاهيم التي شهدت مراجعة في العلوم الاجتماعية مفهومي الدين والعلمنة باعتبارهما مفهومين أساسيين في الفكر الغربي يحمل أولهما دلالات سلبية في فكر الحداثة باعتباره مناقضًا للعقل وقيم الحرية، في حين حظى الثاني بالدلالات الإيجابية باعتباره قرين العقلانية مما جعله مفهومًا محورياً في النظرية الليبرالية في مباحثها المختلفة وأطروحاتها بشأن النظام السياسي والرابطة الاجتماعية ومساحات العام والخاص وطبيعة الدولة وتشكيل المجتمع المدني.

ويرى برتراند راسيل أن النسق الفلسفي لليبرالية كان هو النسق الديني معكوسًا، ففي مقابل الله كمطلق تم وضع الدولة (في ما يشبه تقديس الله)،وهو نفس الرأي الذي ذهب له عالم فذ كبرايان تيرنر في تحليله لصعود المواطنة في ظل تطور الرأسمالية، ويصف البعض الإيمان بالدولة الحديثة القومية وبناء الهوية بأنه "دين" سياسي حداثي يحل محل الدين التقليدي الغيبي،  أي نسق ثقافي من صنع الانسان وحده يحل محل النسق الثقافي ما قبل الحداثي، ففي مقابل الانشغال بالموت تم التطلع لخلود وبقاء الدولة والتضحية بالنفس في سبيلها تماهياً فيها وعبر تمجيد فداء الوطن والانخراط في جيوش نظامية (وهو ما تغير منذ السبعينات وزاد مع نمو تيار ما بعد الحداثة)، ، وفي مقابل النظر للإنسان كفرد ينشد الخلاص الفردي تم النظر له كمواطن له حقوق وعليه واجبات، وفي مقابل الغايات العليا الأخلاقية للدين تصبح مصالح المجتمع السياسي الجديد الذي يجري تشكيله هي الغاية الكبرى، وهو التغيير الثقافي الذي وصف بأنه كان بمثابة "إعادة توطين" للعقل الغربي في مساحات مفاهيمية جديدة.
وتزامن مع هذا الانتقال المفاهيمي تغير دلالات مفهوم العلمانية وإيحاءاته، فبعد أن كان في القرون السابقة قبل الاستنارة سلبيًا ومناقضًا للكنيسة والدين، صار مفهومًا وصفيًا محايدًا إبان عصور الاستنارة، ثم مع تطور الحداثة تحولت العلمانية لمفهوم إيجابي بل وعملية العلمنة ذات صورة تحمل مضمونًا حتميًا تاريخيًا.

وقد قدمت النظرية الاجتماعية في الستينات تعريفاً للدين باعتباره تصور ذهني "مصنوع اجتماعيًا" كما وصفه بيتربرجر وتوماس لوكمان، وهكذا فإن الدين يدرس في سياقاته الاجتماعية وتطوره التاريخي، ويخضع للتحليل الاجتماعي باعتباره ظاهرة اجتماعية، لكن بيرجر ولوكمان أدركا أن الاشتباك مع الدين لا بد أن يستدعي إشكاليات نظرية مرتبطة بعلاقة العلمنة بالعقلانية، لذا تحدثا عن وراثة علم الاجتماع للفلسفة، وتحفظا على الدراسة الوضعية المحضة للدين، وأكدا على أهمية التاريخ في فهم الظاهرة الدينية، وأن فهم الدين يجب أن يتم في إطار علم اجتماع يحتفظ بمنطلقات "إنسانية" تدرك أن الإنسان له جوانب مطلقة لا يمكن اختزالها في الطبيعة وحدها، وهو إدراك يعكس تردد علم الاجتماع في إطلاق أحكام نسبية بشأن الدين، مع تردده في نفس الوقت في الستينات في العودة لجدل الإطلاق والنسبية من منظور فلسفي، وهو ما تمثل دراسة برجر ولوكمان مثالاً واضحًا له.

وقام برجر في نفس العام بتقديم إسهام نظري بشأن الدين، واختار بدقة أن يسمى إسهامه هذا "نظرية اجتماعية للدين" بدلاً من أن يدرجها تحت تصنيف "علم" الاجتماع الديني، واعتبر هذا الربط بين النظرية وعلم اجتماع المعرفة والدراسة التاريخية شحذ لقدراته النظرية الاجتماعي، وانتقل من الحديث عن الدين كمنتج اجتماعي إلى الحديث عنه كمنتج تاريخي (وهي درجة أعلى في التجريد كما سنرى) فدرسه كتصور للعالم يقابل التصور العلماني.

ومع تنامي دور الدين في الحياة الاجتماعية من ناحية، ثم إخفاقات العلمنة في الكثير من وعودها بتحقيق العدل والحرية من ناحية أخرى ، وضمان الأمن بانفجار حروب كبرى عالمية وعنف غير مدني فضلاً عن الأزمة النظرية التي بدأ مشروع الاستنارة يواجهها في أهم مفاهيمه النظرية وأبرزها مفهوم الحقوق (في مرآة مفهوم الواجبات الذي تراجع وأثمر عزوفاً سياسياً ناركاً مساخة تغول أوسع للدولة) ، وبدأت بعض هذه الكتابات تدعو لمراجعة مفهوم العلمانية بل والحذر في استخدامه لغموضه ولأنه تم تحميله بمواقف أيدلوجية وأوهام، بل وذهب بعض الباحثين إلى حد الدعوة لإسقاطه من الاستخدام بالكلية.

وكان نمو الحركات الاجتماعية والاحتجاجية الدينية في الثمانينات والتسعينات مدعاة لتقوية هذا التيار في النظرية الاجتماعية وعلم الاجتماع الديني والناقد لمسلمات العلمنة ونقض الدين، والذي شكل تحولاً في النظرية كي تتمكن من التعامل مع متغيرات عودة الدين للمجال العام، وعودة القيم إلى المجال السياسي والاقتصادي، وهو ما مثَّل نقضاً لمسيرة الحداثة السابقة، في حين انصرفت الدراسات السياسية لمحاولة فهم نمو تلك الحركات وعوامل صعودها وخطابها السياسي ومواقفها وتحالفاتها دون أن يلقي هذا بأي ظلال على مراجعة النظرية السياسية لمفاهيم العلمنة والدين وعلاقتهما بالعقلانية رغم أن تلك الحركات الإحيائية عمت العالم كله جنوباً وشمالاً، بل ظل السعي لتطوير المفاهيم ومراجعتها وتفكيكها وإعادة بناءها فيما يخص العلاقة بين الدين والعلمانية والعقلانية شأنًا مقتصرًا على حقول علم الاجتماع والنظرية الاجتماعية.

المشكلة تمثلت في أن نظريات العلمنة كانت شديدة الارتباط بمفاهيم الحداثة والعقلانية وبتطور العلوم الاجتماعية والإنسانية بعيدًا عن التصور الديني للعالم وكان إعادة طرح إشكال العلمانية والعقلانية والدين على بساط البحث يمثل تهديدًا لجوهر ومنطق العلوم الاجتماعية برمتها إذ أنها تأسست تاريخياً كثمرة لفصل العقل عن الوحي والواقع عن الغيب حتى وإن كان الدين يمثل أفقاً تقدميا وديمقراطياً (تصور لا يخطر للعقل الغربي على بال فلسفياً ولا تاريخياًً، وفي حين قبلت بعض الحقول هذا التحدي واشتبكت مع المفهوم تحليلاً وإعادة تركيب، لم تدخل النظرية السياسية هذه الدائرة ربما لأن فصل عودة الدين عن السياسة كان خيارًا تاريخيًا محسومًا وأي تراجع عنه كان يمثل تهديداً بعودة الدولة الدينية و هدماًً لأبرز منجزات الحداثة وهو الدولة الحديثة (القومية) وما مثلته من أيقونة تحرير للعقل والقيم من المطلق.

 ويستحضر شبح تاريخ العصور الوسطى (وكأن ما يجري في ظل النظام العالمي الجديد من حروب تدمير شامل ليس عودة للعصور الوسطى-لكن لا بأس ما دام على أرض فلسطين والعراق ولبنان.)

ونلاحظ أن أزمة النظرية السياسية في هذا الإطار وتجاهلها للتغير المفاهيمي بشأن العلمنة والدين والدولة والمجتمع وآفاق انعكاساته على مفاهيمها المركزية كالدولة والخاص/ العام والقيم السياسية والهوية والمواطنة كانت أيضًا أزمة دور، فلم تقم النظرية السياسية إبان صعود الدولة فقط برصد هذا الصعود ولا دراسة وبحث تحولاته الحداثة في المجال السياسي بل قامت النظرية بالترويج والتبشير بهذه التحولات خاصة نظريات التنمية في الستينات، وبذلك فقد لدا وكأن الإشكال بالنسبة لها مع مفهوم العلمانية إشكال يرتبط بشرعيتها هي ذاتها كحقل أكاديمي، فضلاً عن أنها لم تكن تملك الأدوات التحليلية التي تتعامل بها مع الظاهرة مثلما كان يملكها -مفاهيمًا واقترابات– علم الاجتماع الديني، وهو ما يستحق النظر ويطرح التساؤل: لماذا لم تنفتح النظرية السياسية في توجهها للبينية على حقل الاجتماع الديني وتطوراته مثلما انفتحت على باقي فروع علم الاجتماع واستفادت منها في المرحلة السلوكية وما بعدها، وربما كان التفسير لذلك هو أن العلمنة كانت في جوهرها نزع القداسة عن الدين وعن العالم -نشأةً وتطورًا ومآلاً- وإسباغ هذه القداسة على الدولة، ولأن مفهوم الدولة كان وما زال هو المفهوم المركزي في النظرية السياسية، وعاد بقوة في النظرية السياسية في العقدين الأخيرين في الوقت ذاته الذي كانت فيه النظرية الاجتماعية وعلم الاجتماع الديني يعلنان عن تراجع العلمانية (وهي مفارقة لافتة)  لذلك فقد بقيت "أسطورة" الدولة العلمانية في مجال النظرية السياسية أقوى من أن تتعرض لنقد يهز هذه المكانة برغم أن الإشكاليات المطروحة مع تراجع العلمانية على أرض الواقع السياسي من إعادة التأسيس للرابطة السياسية،وتراجع ضمان الحريات في المجال العام وتشابك قضايا القيم والأخلاق والسياسة كانت تمثل في نظر البعض فرصة ذهبية للحداثة لتجديد نفسها وإنقاذ غاياتها العليا الأصلية من غلبة الجانب الاقتصادي الليبرالي على جذورها الديمقراطية، لكن هذا لم يحدث.

ولعل التطور الأحدث في مجال عودة الانشغال بعلاقة الدين بالعقلانية هو عودة هذا الانشغال للفلسفة ذاتها، إذ بعد أن تغافلت الفلسفة طويلاً عن هذا الإشكال عاد مرة أخرى ليتم "إعادة ترسيم الحدود" بين الدين والعلمانية على أرضية العقلانية، ومراجعة العلاقة بين الدنيوي والمقدس، والعقل والوحي، والفلسفة وعلوم الدين، ولا شك أن الإطار الأخلاقي الحاكم لسيلسة حزب الله السلمية والعسكرية يحمل فلسفة تحتاج لتلمس ، ورغم أنه كان هناك تبادل للقذائف رغم اختلاف القدرات العسكرية إلا أن هناك فارق كبير بين أن يقذف حزب الله بالكاتيوشا مساحات مدنية (حول "مدنيتها" خلاف لطبيعة الاحتلال الاسرائيلي الاستيطاني لاسرائيل خاصة المستوطنات حيث السكان في الغالب مسلحون) وبين استهداف أهدف مدنية بعينها كبناية أو مستشفى أو قلعة تاريخية. وراء كلاً فلسفة للقوة والحرمات والحدود.ومن المهم فهم فلسفة حزب الله وتجليتها ..ودراسة تجلياتها.

فحزب الله ليس مجرد فريق سياسي وليس ثلة من الميليشيات المسلحة ولا فصيل مذهبي بل هو في جوهره حركة اجتماعية وتيار نضالي ونموذج ديمقراطي جماهيري ..هو لادولة..أو هو دولة الناس ..ومن هنا أهمية فهم رؤيته الفلسفية، كما أهمية التفلسف بشأن اقترابات رؤيته.

تلك مجرد ملاحظات نظرية لجلاء البصر وتحرير البصيرة.

القاهرة 6 شعبان 1427-30 أغسطس 2006

هبة رؤوف عزت: مدرس مساعد العلوم السياسية - كلية الإقتصاد - جامعة القاهرة.

*هذا النص إهداء لدار الأمير التي حملت منذ تأسيسها رسالة نشر ثقافة العزة والمقاومة... وقامت على مشروع نشر الأعمال الكاملة للمفكر الحر "علي شريعتي" ، وبصدد إصدار مجلة "شريعتي"، تلك المنارة الثقافية التي كانت من أول ما ناله القصف الصهيوني الغاشم في الحرب السادسة؛ حين استهدف المدنيين بالضاحية الجنوبية ببيروت وكذا مقرها في بنت جبيل الصامدة. فإليها وإلى صاحبها الأخ محمد حسين بزي أهدي هذا "المقال"... إجلالاً  للروح التي لا تنحني والعزم الذي لا ينثني. " هبة "

الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحا

28-04-2008 الساعة 09:09 عدد القراءات 4110    

الإسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

تعليقات القراء 1 تعليق / تعليقات

بتول أيوب - بيروت: نحبك في الله يا دكتوره هبة

15-04-2009 | 04-49د

السلام عليكم

صباح مصر العروبة
ومصر ثورة عرابي
ومصر عبد الناصر
ومصر سليمان خاطر
ومصر الشهامة
ومصر الكرامة
ومصر السد العالي
والشرف ا عودةلغالي
..................

هذا البحث يصلح أن يدرّس ، مرور أول ولي عودة..

حفظك الله دكتوره هبة رؤوف

جميع الحقوق محفوظة لدار الأمير © 2022