الصفحة الرئيسة البريد الإلكتروني البحث
سيّد الاستثناء النضيرالهبوط الآمن في صحراء شريعتيعلي شريعتي/ العرفان الثوريهبوط في الصحراء مع محمد حسين بزيهوية الشعر الصّوفيالمقدس السيد محمد علي فضل الله وحديث الروحعبد المجيد زراقط في بحور السرد العربيقراءة في كتاب التغيير والإصلاحبرحيل الحاجة سامية شعيب«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرةالنموذج وأثره في صناعة الوعيتبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصهالشيعة والدولة ( الجزء الثاني )الشيعة والدولة ( الجزء الأول )الإمام الخميني من الثورة إلى الدولةالعمل الرسالي وتحديات الراهنتوقيع كتاب أغاني القلب في علي النَّهريحفل توقيع كتاب أغاني القلبإصدار جديد للدكتور علي شريعتيصدور كتاب قراءات نقدية في رواية شمسحريق في مخازن دار الأميردار الأمير تنعى السيد خسرو شاهيإعلان هامصدر حديثاً ديوان وطن وغربةعبد النبي بزي يصدر ديوانه أصحاب الكساءتوزيع كتاب هبوط في الصحراء في لبنانإطلاق كتاب هبوط في الصحراءصدور هبوط في الصحراءمتحدِّثاً عن هوية الشعر الصوفينعي العلامة السيّد محمد علي فضل اللهندوة أدبية مميزة وحفل توقيعاحكي يا شهرزاد في العباسيةفي السرد العربي .. شعريّة وقضايامعرض مسقط للكتاب 2019دار الأمير تنعى د. بوران شريعت رضويالعرس الثاني لـ شهرزاد في النبطيةصدر حديثاً كتاب " حصاد لم يكتمل "جديد الشاعر عادل الصويريدرية فرحات تُصدر مجموعتها القصصيةتالا - قصةسِنْدِبادِيَّات الأرز والنّخِيلندوة حاشدة حول رواية شمسندوة وحفل توقيع رواية " شمس "خنجر حمية وقّع الماضي والحاضرمحمد حسين بزي وقع روايته " شمس "توقيع رواية شمستوقيع المجموعة الشعرية قدس اليمندار الأمير في معرض بيروتتوقيع كتاب قراءة نفسية في واقعة الطفدار الأمير في معرض الكويتمشاكل الأسرة بين الشرع والعرفالماضي والحاضرالفلسفة الاجتماعية وأصل السّياسةتاريخ ومعرفة الأديان الجزء الثانيالشاعرة جميلة حمود تصدر دمع الزنابقبيان صادر حول تزوير كتب شريعتي" بين الشاه والفقيه "محمد حسين بزي أصدر روايته " شمس "باسلة زعيتر وقعت " أحلام موجوعة "صدر حديثاً / قراءة نفسية في واقعة الطفصدر حديثاً / ديوان جبر مانولياصدر حديثاً / فأشارت إليهصدر حديثاً / رقص على مقامات المطرتكريم وحفل توقيع حاشد للسفير علي عجميحفل توقيع أحلام موجوعةتوقيع ديوان حقول الجسدباسلة زعيتر تُصدر باكورة أعمالهاالسفير علي عجمي يُصدر حقول الجسدصدر حديثاً عن دار الأمير كتاب عين الانتصارجديد دار الأمير : مختصر كتاب الحج للدكتور علي شريعتيصدر حديثاً كتاب دم ابيضاصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي
الصفحة الرئيسة اّخر الإصدارات أكثر الكتب قراءة أخبار ومعارض تواصل معنا أرسل لصديق

جديد الموقع

سيّد الاستثناء النضيرالهبوط الآمن في صحراء شريعتيعلي شريعتي/ العرفان الثوريهبوط في الصحراء مع محمد حسين بزيهوية الشعر الصّوفيالمقدس السيد محمد علي فضل الله وحديث الروحعبد المجيد زراقط في بحور السرد العربيقراءة في كتاب التغيير والإصلاحبرحيل الحاجة سامية شعيب«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرةالنموذج وأثره في صناعة الوعيتبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصهالشيعة والدولة ( الجزء الثاني )الشيعة والدولة ( الجزء الأول )الإمام الخميني من الثورة إلى الدولةالعمل الرسالي وتحديات الراهنتوقيع كتاب أغاني القلب في علي النَّهريحفل توقيع كتاب أغاني القلبإصدار جديد للدكتور علي شريعتيصدور كتاب قراءات نقدية في رواية شمسحريق في مخازن دار الأميردار الأمير تنعى السيد خسرو شاهيإعلان هامصدر حديثاً ديوان وطن وغربةعبد النبي بزي يصدر ديوانه أصحاب الكساءتوزيع كتاب هبوط في الصحراء في لبنانإطلاق كتاب هبوط في الصحراءصدور هبوط في الصحراءمتحدِّثاً عن هوية الشعر الصوفينعي العلامة السيّد محمد علي فضل اللهندوة أدبية مميزة وحفل توقيعاحكي يا شهرزاد في العباسيةفي السرد العربي .. شعريّة وقضايامعرض مسقط للكتاب 2019دار الأمير تنعى د. بوران شريعت رضويالعرس الثاني لـ شهرزاد في النبطيةصدر حديثاً كتاب " حصاد لم يكتمل "جديد الشاعر عادل الصويريدرية فرحات تُصدر مجموعتها القصصيةتالا - قصةسِنْدِبادِيَّات الأرز والنّخِيلندوة حاشدة حول رواية شمسندوة وحفل توقيع رواية " شمس "خنجر حمية وقّع الماضي والحاضرمحمد حسين بزي وقع روايته " شمس "توقيع رواية شمستوقيع المجموعة الشعرية قدس اليمندار الأمير في معرض بيروتتوقيع كتاب قراءة نفسية في واقعة الطفدار الأمير في معرض الكويتمشاكل الأسرة بين الشرع والعرفالماضي والحاضرالفلسفة الاجتماعية وأصل السّياسةتاريخ ومعرفة الأديان الجزء الثانيالشاعرة جميلة حمود تصدر دمع الزنابقبيان صادر حول تزوير كتب شريعتي" بين الشاه والفقيه "محمد حسين بزي أصدر روايته " شمس "باسلة زعيتر وقعت " أحلام موجوعة "صدر حديثاً / قراءة نفسية في واقعة الطفصدر حديثاً / ديوان جبر مانولياصدر حديثاً / فأشارت إليهصدر حديثاً / رقص على مقامات المطرتكريم وحفل توقيع حاشد للسفير علي عجميحفل توقيع أحلام موجوعةتوقيع ديوان حقول الجسدباسلة زعيتر تُصدر باكورة أعمالهاالسفير علي عجمي يُصدر حقول الجسدصدر حديثاً عن دار الأمير كتاب عين الانتصارجديد دار الأمير : مختصر كتاب الحج للدكتور علي شريعتيصدر حديثاً كتاب دم ابيضاصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي

أقسام الكتب

مصاحف شريفة
سلسلة آثار علي شريعتي
فكر معاصر
فلسفة وتصوف وعرفان
تاريخ
سياسة
أديان وعقائد
أدب وشعر
ثقافة المقاومة
ثقافة عامة
كتب توزعها الدار

الصفحات المستقلة

نبذة عن الدار
عنوان الدار
About Dar Al Amir
Contact Us
شهادات تقدير
مجلة شريعتي
مواقع صديقة
هيئة بنت جبيل
اصدارات مركز الحضارة

تصنيفات المقالات

شعراء وقصائد
قضايا الشعر والأدب
ريشة روح
أقلام مُقَاوِمَة
التنوير وأعلامه
قضايا معرفية
قضايا فلسفية
قضايا معاصرة
الحكمة العملية
في فكر علي شريعتي
في فكر عبد الوهاب المسيري
حرب تموز 2006
حرب تموز بأقلام اسرائيلية
English articles

الزوار

13258081

الكتب

300

القائمة البريدية

 

أجل.. هكذا كان يا أخي

((في فكر علي شريعتي))

تصغير الخط تكبير الخط

أجــــــــل.. هكـــــذا كــــــان يـــــا أخــــــــــي

بقلم : الدكتور علي شريعتي.

أنني انتمي من جهة إلى فئة المثقفين الملتزمين بالناس وبمبادئ الدين، ومن جهة نشأت في منطقة عانت جفاف الحياة وصعابها وفقرها فلا رفاه فيها ولا ترف.. ثم إنني انتمي إلى عائلة لا يجري في عروقها ما يسمى الدم النبيل، أي النبل والشرف القائمان عادة على المال والنفوذ والقوة.alishariati1._300

لهذا كله، فأنا أحس من أعماقي بأن أجدادي في التاريخ، هم أولئك الذين خاضوا أصعب معاركه، وعانوا الفقر والحرمان من اجل صنع مآثره، وبما أن الحضارات كانت تقع في دائرة اختصاصي، وقد كنت أحاول الاطلاع على آثار الحضارات القديمة أينما سافرت وحللت، معتبرا تلك الحضارات وآثارها من أعظم أمجاد الإنسان. كنت أتمعن في الآثار أحاول أن استشف ما يفيدني في دراسة علم الاجتماع..أحاول أن أرى الناس وكيف كانوا، من خلال الآثار التي بقيت منهم.

في اليونان، زرت معبد دلفي فانبهرت ببنائه العجيب، كما أعجبت في أوروبا كلها - خصوصا في روما - بالكنائس الضخمة والقصور والتماثيل التي أبدع الإنسان في نحتها.في الشرق الأقصى - الصين وفيتنام وكمبوديا - ترى جبالا بأكملها وقد نحتتها يد الإنسان الجبارة. ذلك الإنسان الذي استخدم يديه وعيونه وأعصابه كلها، لكي يبني معالم ومآثر للآلهة ولضلال الآلهة وممثليهم الرسميين (الكهنة).

في صيف احد السنيين، قصدت إفريقيا لأرى الأهرام التي تعتبر من عجائب الدنيا السبع، وقد سررت لوجودي هناك، وأنا استمع بكل جوارحي للشرح الذي قدمه الدليل عن تاريخ الأهرام وكيفية بنائها. لقد حمل العبيد ما بلغ ثمانمائة مليون من ألواح الحجر من أسوان إلى مكان الأهرام قرب القاهرة، ليشيدوا هناك تسعة أهرام، ستة منها صغيرة وثلاثة هي الأهرام الأكبر والأكثر صيتا في العالم، وقد سار العبيد بهذه الحجارة الضخمة، مسافة تصل إلى أكثر من تسعمائة كيلومتر، ليبنى بها ذلك البناء الضخم الشاهق، حيث استقرت أجساد الفراعنة المحنطة.

رأيت على مقربة من الأهرام أكواما من الحجارة، وقد وضعت من غير ترتيب. سألت عنها، فأجابني الدليل، إنها قبور جماعية عميقة، حفرت ليدفن فيها من هلك من العبيد أثناء العمل الشاق في بناء الأهرام. فقد نقل ثلاثون ألف رقيق حجارة الأهرام في ثلاثين عاما وكان مئات منهم يسقطون كل يوم من الإعياء ويلفظون أنفاسهم الأخيرة، فيأمر الفرعون بدفنهم في حفر تحيط بالأهرام، ليظلوا يحيطون به في موته، لتخدمه أرواحهم في الموت كما خدمته أجسادهم في الحياة.

رغم إلحاح دليلي بأن تلك الحفر ليس لها قيمة أثرية تذكر، فقد تركته وجلست إلى جانبها، أحاول أن أتذكر آلاف البشر الذين ماتوا كي يصنعوا قبرا لفرعون من فراعنة التاريخ. لقد أحسست بعلاقة متينة تربطني وهؤلاء الذين اندثرت عظامهم في الحفر.. شعرت بأننا من أصل واحد، رغم أنني من بلاد غير بلادهم، ورغم إن مسافات وحدود وأزمان تفصل ما بيننا، ولكن الفواصل كلها مكروهة وظالمة، وقد فرضت على العالم لتفكك صلات البشر يبعضهم، شعرت برابطة حميمة مع هؤلاء وسرى في جسدي شيء من معاناتهم وآلامهم، ثم نظرت إلى الأهرام مرة أخرى فشعرت بالغربة عنها، بل شعرت بنوع من الحقد عليها فهي.. وكل الآثار والقصور الشاهقة التي بقيت من التاريخ، إنما قامت على دماء وأشلاء أجدادي وإسلافي، فهذا هو سور الصين العظيم مثلا، بناه آلاف من أجدادي المستعبدين، ومن سقط في العمل تحت عبئ الأحجار..دفن في شقوق الحائط واستمر العمل بعده. هكذا كدت أرى منجزات الحضارات.. وكأنها تراكم للمظالم عبر آلاف السنين، طوت في ثناياها أجساد أجدادي.. لذلك بقيت بين هذه القبور لحظات تأمل عميقة وأنا أحس وكأنني جالس بين إخوة لي.

عندما عدت إلى منزلي، بدأت بكتابة رسالة إلى احد أولئك الإخوة، إلى مجهول من هؤلاء الرقيق، اسرد له فيها ما جرى لإخوته من البشر في الخمسة آلاف سنة التي انقضت على غيابه عن الأرض، في هذه الفترة الطويلة.. لم يكن هو موجودا، ولكن الرق والرقيق كانوا موجودين باستمرار بأشكال وصور مختلفة على مر المراحل.
قلت في رسالتي:

لقد رحلت عنا، ونحن لم نزل نبني الحضارات العريقة ونعد العدة من أجل فتوحات ومآثر جديدة. كانوا يأتون إلى قرانا وضياعنا فيجروننا وراءهم كالبهائم إلى حيث نصنع قبورهم، وعندما كنا ننتهي من بناء الصرح كان المجد لهم وحدهم، أما نحن.. فعندما كانت تخور قوانا، بعد ذلك الجهد الجهيد كنا ندفن هناك بين صخور المقبرة.

كانوا يسوقوننا أحيانا إلى الحرب، لحرب أناس لم نعرفهم ولم نكرههم من قبل، بل وربما لحرب أناس من مواطنينا ورفاقنا وأقرب الناس إلينا، كنا نحن نساق للحرب، بينما ينتظر آباؤنا وأمهاتنا المسنون عودتنا بفارغ الصبر، انتظارا من دون جدوى ولا نتيجة. هذه الحروب - على حد قول احد المفكرين - كانت حربا بين فريقين، لا يعرف احدهما الآخر، لحساب فريقين يعرف احدهما الآخر، ولكنهما لا يتقاتلان بأنفسهما.

كنا نبيد بعضنا بعضا، إذا كنا مضطرين أما لنفتل ونقييم المذابح للآخرين، أو نواجه الهزيمة، وعند الهزائم كان الخراب والمدن المهدمة والمزارع المحروقة الجرداء تبقى لنا ولآبائنا وأمهاتنا. أما عند النصر، فقد كان المجد والعز يسجلان لغيرنا. هكذا كنا نحن أدوات فقط.. مهزومين في النصر كما في الهزيمة، لكن يا أخي حدث بعدك تحول كبير فقد بدأ الفراعنة والقياصرة وطواغيت العالم يتغيرون في تفكيرهم، فتركوا عقائدهم عن الموت وبناء القبور كي تبقى الأرواح فيها حية، وقد فرحنا لذلك التحول كثيرا، إذ لاحت لنا نهاية المسيرات المرهقة والمهلكة التي جلبنا بها ملايين الأحجار من مسافة ألف كيلومتر، ورصفناها على بعض كي نصنع قبرا خالدا.

لكن الفرحة لم تعمر طويلا، فقد أغاروا على قرانا وضياعنا مرة أخرى، وساقونا عبيدا ليحملونا الصخور مرة أخرى، لا لبناء القبور وإنما لبناء قصورهم وأسوارهم، تلك القصور والأسوار التي قامت بدمائنا وعلى أشلائنا. غرقنا مرة أخرى في لجة اليأس، وكدنا نفقد آخر بصيص من نور الأمل، إلى أن جاء بشير الخلاص، عندما بدأت نهضة الأنبياء العظام، زرادشت، ماني، بوذا، كنفوشيوس الحكيم، لاوتسو.. فقد كانوا أملنا في الخلاص من العبودية والهوان والظلم، وقد اعتقدنا ان الله بعث هؤلاء رسلا من اجل إنقاذنا نحن المحرومين والمستضعفين، ومن اجل إحلال الحق والعبادة محل الظلم والرق.

لكن هؤلاء الرسل قصدوا القصور من دون أن يمروا بنا ويأبهوا لما نحن فيه.فذلك الحكيم كنفوشيوس مثلا، كان ينشر تعاليمه عن الإنسان والإنسانية والمجتمع، وقد صدقنا قوله، إلا أننا رأيناه يصبح وزيرا في دولة (لو) ونديما للأمراء والحكام.
أما بوذا الذي كان من أمراء (بنارس) فقد انقطع عنا واعتزل العالم ليخلوا إلى نفسه في محاولة لبلوغ النيرفانا، وقد اعتكف ليخرج للجياع بمنظومة أفكار فلسفية ورياضية حول ذاك.. وزرادشت الذي بعث في أذربيجان، لم يتجه نحونا نحن المحرومين والمعذبين، بل توجه نحو مدينة (بلخ) حيث استقر في بلاط الملك كشتاسب، كذلك ماني الذي ركز على مسألة النور والظلام وهو يجمعنا حوله نحن المعذبين واسري الظلام، فتوسمنا فيه خيرا ونورا واعتبرناه المنقذ المنتظر. لكنه ما لبث أن لملم وعوده العريضة وعبر عن حقيقة توجهه في كتاب أهداه إلى الملك الساساني شاهبور، ثم بارك حفل تتويجه، وكان له شرف مرافقته الموكب الملكي إلى سرنديب، والهند وبلخ، وبعد ذلك كله بدأ يبرز هزيمتنا بهذه الأنشودة: (كل من يهزم ويندحر فهو من طينة الظلام، وكل من ينتصر ويتفوق فهو من ذات النور) لقد كان هذا هو كل ما انشده لنا.. نحن المهزومون عبر التاريخ.

لقد ذهبت أنت يا أخي ضحية بناء قبور الفراعنة، بينما جعلت أنا فداء لقصور الحكام وقلاعهم الشاهقة. ووجدت نفسي مكبلا بقيود خلفاء فرعون وقارون الذين استرقونا وسخرونا لخدمتهم. لقد شكل هؤلاء الخلفاء طبقة رجال الدين الرسميين (الكهنة)، التي أصبحت طبقة فوقية متنفذة ومستكبرة، وقد كتب علي أن اخدم هؤلاء وابني لهم القصور والمعابد الفخمة، في إيران وفلسطين ومصر والصين، وفي كل مكان يوجد فيه محروم مغلوب على أمره ومستعبد. إن هؤلاء القيمين الرسميين على الدين الذين ادعوا تمثيل الله وخلافة أنبيائه نهبونا الزكاة وساقونا للقتال باسم الجهاد، بل إنهم أجبرونا على تقديم فلذات أكبادنا على مذبح الأصنام قربانا للآلهة، حتى أصبحت المعابد تسقى باستمرار من دماء أبنائنا وبناتنا الأبرياء.

لقد أصبحنا نعاني أسوء أنواع الاستغلال باسم الآلهة،وذلك على أيدي فرعون وقارون وخلفائهما والقيمين الرسميين على دينهما.لقد اغتصب مؤيدو الأهواز (كهنة المجوس) ثلاثة أخماس أراضينا، وجعلونا أشباه عبيد. كذلك فعل كهنة المسيحية، حيث استولوا باسم الكنيسة على أموال وأراضي الناس.

في آلاف السنين، بنينا المعابد والقصور في روما والتماثيل الضخمة في الصين، كنا نحن نهلك بصمت أما المجد فكان يبقى نصيب الكهنة والقساوسة والمقيمين والمتاجرين به، وارثي قارون وفرعون.

أنا الذي عشت بعدك بالآلف السنين، وتتبعت ما جرى في هذه السنين، وصلت إلى نتيجة هي إن الآلهة أيضا تكره العبيد وان هذه الأديان ما هي إلا قيود جديدة أرسلت ألينا وان الكهنة والقائمين على أمر الدين إنما استخدموا تلك القيود لاسترقاقنا ولتبرير سيطرة أصحاب القصور.

ثم عرف عالمنا فلاسفة وحكماء، كان فهمهم عميقا وعلمهم غزيرا، ولكن حتى هؤلاء لم يجدونا نفعا، فأرسطو مثلا، اعتقد بأن من الناس من ولد ليكون عبدا، ومنهم من ولد نبيلا وسيدا، لذلك رأى من الطبيعي أن نبقى في الطبقة الدنيا من المجتمع نُسام العناء ونعامل بالسوط، فلذلك كان قدرنا حسب رأي أولئك الفلاسفة.

لكن العالم شهد مفاجأة جديدة،عندما ظهر نبي جديد، وقد نزل من الجبل متجها للناس، قائلا لهم (إني رسول الله إليكم جميعا). كتمت أنفاسي وأنا بين الدهشة والشك، فلعل في الأمر خدعة جديدة لكنه استمر في الكلام (إني بعثت من قبل الله القائل: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين). عجبا، كيف يحدث الله العبيد والمستضعفين فيبشرهم بالنجاة ويجعلهم وارثي الأرض وسادة العالم، كدت لا اصدق، إذ اعتقدته كأنبياء آخرين، جاءونا من إيران والهند والصين، أو ربما كان أميرا ادعى النبوة، كي يعب الناس ضد أمير آخر، فيبلغ مناله من خلال الدين.

قالوا: لا.. انه يتيم، شاهده الناس جميعا وهو يرعى الغنم في سفح الجبل فتعجبت أكثر: كيف يصطفي الله رسولا بين الرعاة.فقالوا لي بل انه آخر واحد من سلسلة الانبياء - الرعاة -، وقد كان اجداده الانبياء أيضاً هم من الرعاة والفقراء، فارتجفت اوصالي، وشعرت برعشة امتزج فيها الارتباك والخوف والرجاء.. فهذا نبي يبعث منا وفينا، وزال ترددي عندما رأيت حولي اخواني من الفقراء والعبيد: بلال.. ذلك العبد الحبشي.. سلمان.. أسير حرب ايران ثم مستعبد، أبو ذر.. إعرابي معدم من الصحراء.. سالم.. مولى زوجة أبي حذيفة وآخرون غيرهم هم من العبيد والفقراء، التفوا حول النبي ثم أصبحوا سادة قومهم.

آمنت بذلك النبي، لان (قصره) كان بضع غرف من الطين بناها، بعد إلحاح الناس وقد ساهم هو في بنائها، و(بلاطه) كان خشبة ثبتت على سعف النخيل، هكذا كان كل متاعه في الدنيا.. وقد رحل عنها وهو لا يملك أكثر.

فهربت من إيران، ناجيا بجلدي من ظلم المؤبدين (الكهنة المجوس) الذين استرقونا وساقونا إلى حروبهم التافهة.هربت إلى مدينة النبي واعتصمت بها إلى جانب رفاقي من العبيد والمظلومين والمستضعفين في الأرض، وبقيت إلى جانبه إلى أن وافاه الأجل وتركنا، ولازالت قضية رسالته محفوفة بالمخاطر والاحتمالات المختلفة.

يئست من جديد وشعرت إني مغلوب على أمري، فها هي سلطة جديدة تستتر برداء التوحيد، وهي تنشر الكذب في المساجد وتحارب الله باسم الله.. وعرفنا مرة أخرى وجوها فرعونية وقارونية تحكم بصوت الدين، وتستغلنا من اجل بناء معابد وقصور في دمشق، وهكذا بدأنا ببناء الصروح الضخمة، جامع دمشق الكبير، القصر الأخضر، دار الخلافة ببغداد حيث حياة ألف ليلة وليلة.

ولقد بني كل ذلك على أكتافنا، وأعطينا لها دما وحياة.. فقد كان يفرض علينا كل ذلك باسم الله وخلافة رسول الله. وكدت اعتقد بأن الخلاص مستحيل وان العبودية إنما كتبت علينا. من كان ذلك النبي، هل جاءنا برسالة مزيفة، هل خدعنا ونظم صفوفنا لكني نسخر في ما بعد لخدمة فئة من الناس، هل انه عرف بأننا سنسبى ونضطهد باسمه؟ كلا.. فقد كان هو مثلنا ضحية لما حدث بعده. والآن.. أين المفر، أي طريق اسلك للنجاة؟ هل ارجع إلى الجاهلية إلى كهنة مجوس، أم إلى معابد قامت على أساس الظلم والتزييف؟

أم تراني ارجع إلى قادة شعبي الذين يعملون من اجل تحررها، أي إلى الذين خسروا سلطانهم في ثورة الإسلام فيحاولون العودة اليوم إلى تراثهم البالي وجاهليتهم الأولى بعد أن جاءتهم البينات، أم التجئوا للمساجد.. ولكن ما الفرق بين المساجد الجديدة والمعابد القديمة؟.. وقد رأيت المتلبسين لباس الخلافة والمدعين السير على نهج الرسول، وسيوفا كتب على حدها (الجهاد)، ومآذن ارتفعت باسم التوحيد.. رأيت ذلك كله يستخدم مرة أخرى لاستغلالي وجري إلى ساحات الحروب والدمار والتكفير.
ثم إن أخا آخر من إخواننا، أصبح ضحية ذلك التراجع، وهو (علي) الذي قتل في محراب الله، وظلم هو وآل بيته وأصحابه، وقد ظلم وقتل باسم الإسلام.. أما ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه، فقد رفع على أسنة الحراب واستخدم في دحر (علي) قبل أن يستخدم وسيلة لاستلابي وقهري وتسخيري.

بعد خمسة آلاف سنة وجدنا من يتحدث لنا عن الله، لكن يتوجه إلينا نحن المستضعفين لا إلى الأمراء والنبلاء، فلم يكن كبوذا ساعيا وراء النيرفانا، ولا كالرهبان الذين يخدعون الناس ولا كالصوفيين الذين ينشدون الاتحاد مع الذات الإلهية وهم في عزلة. لقد كان رجل عدالة وجهاد، وقد أصبح أخوه (عقيل) الضحية الأولى لتلك العدالة الصارمة الخشنة، أما زوجته التي كانت بنت ذلك الرسول العظيم، فقد كانت تنشط وتعمل وتعاني كبقية الناس أما أولاده وذريته فقد حملوا رايته الحمراء على امتداد التاريخ.

لقد التجأت إلى كوخه البسيط هربا من الصروح التي شيدت،ومن الفراعنة الجدد الذين استقروا على العروش. أما هو فقد بقي وحيدا، بعد أن فارقه أصحاب الرسول، ورحلت زوجته، وقد بكى كثيرا وهو في نخيل بني النجار، كان يبكي عذابنا ومعاناتنا ويناجي بنحيبه الله.

لقد كان هو وأصحابه منا نحن المحرومين، وقد استخدم فصاحته وبلاغته لا من اجل تبرير الوضع القائم وتزوير وعينا، بل من اجل إنقاذنا واستنهاضنا وتوعيتنا. كان كلامه ابلغ من كلام (ديموس تنس) من دون ان ذلك الكلام هدفا شخصيا. كان خطابه أكثر تأثيرا من (بوسويه) ولكن ليس للتملق في بلاط (لوي)، إنما لاستنهاض المعذبين في الأرض.. مثل بلاغته، لقد أشهر سيفه أيضا دفاعا عن الحق وعنا، لا للدفاع عن أهله ومصالحه، أو للدفاع عن الدول والسلاطين. لقد كان في تفانيه من اجلنا خيرا من اسبارتاكوس، وفي تفكيره أفضل وأمضى من سقراط، وقد استخدم فكره لا للحديث عن فضائل السادة ومشروعية امتيازاتهم وإنما لتثبيت قيم الإنسان الأصيلة. لم يكن وريثا لفرعون وقارون أو للكهنة، ولم يكن له محراب ولا مسجد، بل انه كان نفسه شهيد المحراب.

انه رمز للحق والعدالة وللفكر، ولكنه لم يكن كرموز الفكر الموجودة في زوايا المكتبات ودور العلم، ولا من العلماء الذين يشغلهم التفكير (العميق) عن المعاناة مع بؤس الناس وجوعهم.

ان يتلقى بهدوء وسماحة طعنة الخنجر لكن ينتفض غضبا وألما عندما يسمع أن امرأة يهودية لحقها الظلم يقول (فلو إن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما). انه سيد البلاغة والكلام العذب، لكن حديثه الرائع لا يشبه (الشاهنامة) تلك الملحمة التي بلغت ستين ألف بيت، وكرست لسير الملوك، والقادة، ولم تذكر أخا مستضعفا لنا إلا مرة وذلك عندما سرد قصة كاوه الحداد، ولكن حتى بطلنا كاوه، اكتفى بذكر بضعة أبيات عنه، ثم انه رغم كفاحه المجيد من اجل تحررنا فإن مصيره أصابه التشويه في الشاهنامة إذ أن شخصية (فريدون) النبيلة ونسبه العريق، طغت على شخصية بطلنا الكادح.

ولازلنا يا أخي نعيش زمنا هو في أمس الحاجة إلى رجل مثله فهو ليس كالحكماء والعلماء الذين كانوا رجال علم لا عمل، أو كانوا رجال عمل من دون علم، وكان من القادة من هو رجل علم وعمل، إلا انه لم يكن قائد الجهاد وميادين الحروب، ومنهم من اجتمعت فيهم الصفات الثلاثة - العلم والعمل وقيادة الحروب - لكنهم لم يكونوا ثقاة وعادلين، وحتى لو توفرت الخصال الأربع في بعضهم فلم يكونوا كالعاشقين في لطفهم ورقة أحاسيسهم وخلوص حبهم لله وللناس.

 ملاحظة : ان موقع دار الأمير للثقافة والعلوم لا يتحمل اي مسؤولية بالآراء والمواضيع المطروحة في هذه الصفحة ، و ليست بالضرورة تمثل رأي الموقع

08-04-2008 الساعة 09:46 عدد القراءات 12688    

الإسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

تعليقات القراء 1 تعليق / تعليقات

سليمان أسد: رحمة الله عليك

03-07-2008 | 17-46د

رحمك الله يا شهيد الكلمة ومعلم الثورة ..

جميع الحقوق محفوظة لدار الأمير © 2022