هذا الكتاب

 

إن الإنسان في ظل الإسلام، ليس كائناً مستحقراً وذليلاً أمام الله، بل هو خليفة الله، وكائن عزيز عند الله، وحامل لأمانة الله في الأرض، وقد علمه الله وأمر ملائكته بالسجود له.

والإنسان ذو البعدين، وصاحب هكذا مسؤولية يحتاج إلى دين لا يصرفه الى النزعة الآخروية البحتة، ولا الى النزعة الدنيوية المطلقة، بل يحقق له التعادل والتوازن، أي أنه بحاجة إلى دين ذي بعدين حتى يساعده على تنفيذ مسؤوليته الإنسانية.

علي شريعتي

إن الإنسان في نظر الإسلام كائن مسؤول عن مصيره، بل ليس مسؤولاً عن مصيره فقط وإنما هو مسؤول عن أداء رسالة الله في العالم، وهو حمل الأمانة في الكون والطبيعة. فهو قد تعلم الأسماء، والأسماء معناها الصحيح، الحقائق العلمية المختلفة، لأن الاسم علامة كل شيء، أي الوجه المشخص لكل مفهوم، وعليه فإن تعليم الأسماء لآدم، من قبل الله، يعني إدراك وفهم الحقائق العلمية والقابلية التامة لفهم المعاني الموجودة في العالم. وبناءً على ذلك؛ فالإنسان وبفضل تعليمه الأول من قبل الله، يتمكن من إدراك واستيعاب جميع حقائق الطبيعة والكون، وهذه مسؤولية أخرى، وهي مسؤولية كبيرة؛ مصير الإنسان يجب أن يصنعه الإنسان بنفسه، المجتمع الإنساني مسؤول عن تقرير مصيره بنفسه، فمصير المدنيات السابقة هو ما صنعوه بأيديهم، ومصير المدنيات اللاحقة سيكون وفقاً لما يصنعوه بأيديهم. إذن، فالإنسان له مسؤولية كبرى أمام الله، لأنه صاحب إرادة واختيار.

وبناءً على هذا؛ نخلص إلى أن الإنسان حامل أمانة الله وممثله في الأرض، وهو يملك بعدين؛

 الأول: الانحطاط (حمأ مسنون)، والثاني: الانطلاق والسمو إلى الله (من روحي)...

إن الإسلام، وخلافاً لبقية الأديان التي ترى وجود الله والشيطان في الطبيعة وهما في صراع، يرى أنه توجد قدرة واحدة في الطبيعة وهذه القدرة هي الله، أما داخل الإنسان، فإنه يرى وجود صراع ما بين الله وبين الشيطان، هناك ساحة حرب بين صراع ما بين الله وبين الشيطان، هناك ساحة حرب بين هذين الاثنين. بناء على ذلك فإن الثنوية الموجودة في الإسلام، بخلاف الأديان السالفة، إنما هي اتجاهان في العبادة، أي معبودين وإلهين داخل النفس البشرية وليس في الطبيعة، أما في الطبيعة فيوجد إله واحد وإرادة واحدة وهي إرادة الله.

تلك كانت فقرة من محاضرة تضمنت رؤية الشهيد الدكطتور علي شريعتي في الإنسان والإسلام،

وهي واحدة في مجموع محاضرات ست ألقاها شريعتي في العام 1968 خلال ست جلسات متتالية في كلية النفط فيمدينة أبادان الإيرانية ضمن الموسم الثقافي في ذلك العام.

وقد تضمنت تلك المحاضرات العناوين التالية: " الإنسان والإسلام، الرؤية الكونية، استخراج المصادر الثقافية وتهذيبها، سجون الإنسان الأربعة، مخروط علم الاجتماع الثقافي، والأيديولوجية ". وهذا الكتاب بمحاضراته إنما هو مصداق وعي، وسبيلٌ إليه، وتجليات فكر جريء، كمشعل نور في مسار السبيل، ورجع صدىً لصوت تحدٍّ يدوم... ولكن تحدّي الذات.