هذا الكتاب

تنبع أهمية هذا الكتاب من أنه يلعب دوراً إحيائياً إزاء التراث الصوفي لدى المسلمين. وذلك من خلال محاولات جادة تهدف إلى ضبط العلاقة بين المتصوف بما هو ذات متفاعلة كيانياً مع الوجود وكنهه (هذا من جهة)، والنص الصوفي بما هو تجربة وجودية يعج برموز ومصطلحات تتجاوز الشكلانية والصورية ليشكل بنية متسقة ومتحققة وجودياً، في إطار الزمان والمكان والناس والحركة (من جهة ثانية).

وهذا الكتاب، في كل الأحوال، محاولة تأسيسية لتجاوز إشكاليات الفهم الناتجة عن التوحد لدى المتصوفة بين الذاتية والغيرية (الأنا والهو)، ومن ثم الخروج بالنص الصوفي من الاعتباريات إلى الأنطولوجيات، بهدف الوصول إلى علاقة فهم عمومية بين المرسل والمتلقي، انطلاقاً من الرمزية القابلة للتعميم والسيلان والخروج من كثافة الرمز وانغلاقه إلى رحابة المعنى والدلالة والتلقي.

وبشكل عام تم توزيع مادة هذا البحث في أربعة فصول، فاحتوى الفصل الأول المندرج تحت عنوان: "تعريف الزهد والتصوف" على معالجة كل من الزهد والتصوف، معالجة لغوية واصطلاحية عرض فيها الباحث لمفهومه الخاص حول تسمية "تصوف-صوفية" من رؤيته ثم رصد الزهد الصوفي تاريخياً عبر الميثولوجيا، وفكرياً بوصفه حالة تأملية وجدانية -عملية فردية- وثقافياً بوصفه مرتبة إيمانية روحانية فلسفية (العالم-الحكيم)، من بعدين: إسلامي خاص (العالم-العلامة)، وإنساني عام (الإنسان العام-الرجل الرجل)، ليفرق بين العالم الحكيم (بل ولب) من منظور العلم بالعمل، وعمل العلم، وأخيراً ختم الفصل باستخلاص تبييني لموقع الفصل الأول ونتائجه.

وفي الفصل الثاني المندرج تحت عنوان: "وظيفية الرمز والمصطلح". عرف الباحث كل من الرمز والمصطلح لغةً واصطلاحاً، وذلك ليدخل إلى تعريف الزهد وما يتبعه من اصطلاحات رمزية متعلقة بالمعرفة الصوفية الوقفية عن من دونها، ولها تلارتبية الرموز المعرفية المتعلقة بخيارات التعبير، التي يقسمها بين الاختيار والقسر البلاغي، ليأتي إلى تبيين موقعي الرمز والمصطلح في نصوص ابن عربي والبسطامي، ويرصد حركة نقلة مواقع الرمز والمصطلح وتبادلهم الموقعي، حسب ألأسلوب البلاغي للزهد-الصوفي، إن في التشابه والتقابل، وأحياناً بالتضاد والتنازع المسيس بتبادل مواقع المرسل والمرسل إليه، ليكون الأول هو الثاني والثاني هو الأول، وليكشف سر لعبة الرمز بكشف سر حركتها الإبلاغية في يد الرامز (ابن عربي، البسطامي)، في الأسلوب الحدسي -الخطابي التعليمي: الشطحات، المقولات، والرسائل، ثم ختام الفصل الثاني وفيه عرض خلاصة الفصل وموقعيته ونتائجه.

أما في الفصل الثالث المندرج تحت عنوان: "بنائية الرمز والمصطلح في النص الصوفي"، فصور البحث الواقع المادي-الفيزيائي، والواقع الروحي-الميتافيزيائي والواقع الواحد للواقعين عبر المصطلح والرمز المستعملين من قبل الزاهد-الصوفي في نصه، ثم سيخرج البحث ثقافة المجتمع المادي للمصطلح التي يدخل فيها الزاهد-الصوفي أيضاً، وثقافة المجتمع الروحي الخاص بالزاهد الصوفي للكلمة (المتظهرة من علائق المصطلح المادي)، ثم الثقافة الواحدة في النص الصوفي المتبينة من لعبة "الرامز" بإسقاط "الرمز" في المصطلح، برصد رؤية الزاهد الصوفي المادية لمجتمعه الخاص (عالم باطن الكلمة)، ورؤيته الواحدة للرؤيتين من خلال نماذج أسلوبية (مقولات وشطحات)، من نصوص ابن عربي والبسطامي، ليأتي أخيراً عرض لخلاصة الفصل ونتائجه.

أما في الفصل الرابع، المندرج تحت عنوان: "فاعلية الزمان والمكان والناس في الحركة الكاشفة للهوية"، موضوع البحث ومخرج تقنية "الفهم التتابعي" سيعمد البحث إلى تقسيم هذا الفصل إلى أربعة مفاصل تخص: الزمان، المكان، الناس والحركة، ليعرف كلا منها لغة، واصطلاحاً، وماهية فلسفية فكرية-فيزيائية (باعتبار موقع الكل في المبحث الفيزيائي الراصد للحركة وبها يكون وجود الزمان والمكان وحتى الناس) ثم يقسم كل فصل إلى أربعة محاور تناسب مراحل أحوال سلوك الزاهد الصوفي في عالم باطن الكلمة (الإنسان-الكون)، وبالمقابلة تناسب حال الناس وحركتهم الحيوية في زمان ومكان واقعهم المادي حسب التعريف الهيدغري "الواقعي" والتعريف الصوفي عند ابن عربي ثم يتتبع دقائق حركيات سلوك الزاهد-الصوفي/ابن عربي والبسطامي، في نصوصهما، متلوناً بأحوالهما، يعرج معارجهما، ويتلقى كشفهما المناسب لزمان ومكان وناس حركية موقعهما، فينال الوسم المعرفي أخيراً والمؤدي إلى تسمية الصوفية (رؤية الباحث حول تسمية الصوفية-في الفصل الأول)، في عين قلب المعنى، ماسكاً تقنية "الفهم التتابعي" من تتبعه لحركة السالك (الزاهد-الصوفي)، عبر رصد جدلية الزمان، المكان، الناس، الحركة في نصوص ابن عربي والبسطامي، (شطحات، مقولات، رسائل)، التي سيبرز نتائجها التطبيقية العملية في موضوع البحث، الفصل الرابع، وأخيراً، سيعرض البحث ختام الفصل الرابع باستخلاص تبييني لموقعه في عالم النقد الأدبي بعرض نتائجه.