هذا الكتاب

علي شريعتي وتجديد التفكير الديني

لم يكن عبد الرزاق الجبران الوحيد الذي حاول توحيد رؤى شريعتي لقضايا الإنسان والإسلام والربط بينها، فقد سبر الكثيرون قبله هذا الغور، وعليه فقد صدر لحد الآن أكثر من عشرين دراسة ما بين أكاديمية، وثقافية عامة، وبعدة لغات، حاول كتابها بطريقة أو بأخرى الوقوف على آراء هذا الرجل المفكر وتحليلها، ومن ثم الوصول إلى نتائج تفاوتت حيناً وتناقضت أحياناً، ولا يسمح المقام بسردها الآن فالمتتبعون يعرفونها جيداً، ولكن ومن باب الأمانة، ومع الإحترام الكامل لهذه الدراسات وأصحابها (على الأقل ما وصلنا منها) نقول أنها لم تفِ شريعتي حقه، وهذا يعود لسببين أساسيين:

السبب الأول: عدم امتلاك الأدوات المعرفية التي تضمن سلامة الفهم للنص " كنص شريعتي" ومن ثم تحليله والوصول إلى النتائج المرادة، ومن باب الإنصاف أن البعض كان يمتلك هذه الأدوات ولكنه لم يُحسن توظيفها (شمولياً) وذلك يعود بشكل رئيس لعدم الإطلاع الكامل على النصوص المتفرقة بأكثر من مكان ومرجع وبلغات ثلاث، وتبرز هنا إشارة مهمة قد تكون عذراً لهؤلاء وهي أن هناك كتباً ونصوصاً ما زالت إلى يومنا هذا باللغة الفرنسية ومنها الرسائل الجامعية في جامعة " السوربون- باريس " وغيرها، هذا دون أن ننسى أهمية فهم الظرف الموضوعي الذي كان شريعتي يتحرك من خلاله.

السبب الثاني: يعود مرجعه الواضح الجليّ إلى تحليل نصوص شريعتي وفكره (وفكرته) كما نريد نحن وليس كما أراد هو، أو بالأحرى تكون النتيجة مسبقة "ولدينا نحن" وليست لدى شريعتي، وهذه – طامة كبرى – في البحث والتحليل العلميين، وهذا يُدخلنا إلى مدخل آخر لا بد أن نشير إليه وبشكل عام وليس فقط في نص شريعتي وهو أمانة التحليل، والتي لا تقل أهمية عن أمانة النقل، وهذا أمر بالغ الخطورة وبحاجة إلى (خلق علمي) إن صحّت التسمية، وذلك في إيصال الفكرة التي أراد صاحبها أن تصل، وبعدها يأتي الحق الكامل في الموافقة أو النقد، ولكن يبقى الأساس أن تحلل الفكرة من خلال المنظومة الفكرية والعلمية لصاحبها، وخاصة إذا كانت عملية الربط هذه متعددة الأماكن، كما هو الحال في محاضرات ونصوص الشهيد شريعتي، ولا بد هنا من لحاظ أن " الفكرة " تطورت عنده (شريعتي) من مرحلة لأخرى شأنه في ذلك شأن المفكرين " التنويريين "، وبالأخص أن صاحبها " الفكرة أو النص " لم يعد على قيد الحياة فهنا يكون ثقل الأمانة أشد مسؤولية.

وجدير بالملاحظة للأخوة القراء أن نص شريعتي وخاصة " العلمي " منه لم يتكوّن من ثقافة – ساذجة – من تحت منبر هنا أو من كرّاس هناك، فقد تكوّن نصه من خلال إطلاع، ودراسة، وتمحيص لتراث معرفي – إنساني – ضخم وهائل تعددت فيه الروافد، وهنا كان الهمّ الأكبر لشريعتي فقد عمل لأكثر من عشرين سنة على تأصيل هذه المعارف والعلوم الإنسانية وربطها بالإسلام وتجييرها لمصلحة الإسلام، وإثبات أن الإسلام كان السبّاق دائماً وعليه يبقى هو الأساس.

ومن خلال ما تقدم برز الخطاب الثوري – التنويري – لشريعتي وتربيته لذلك الجيل الواعي النابض بالعلم والثورة في آن، ولا يزال مستمراً إلى اليوم، هكذا كان يرى شريعتي رسالته: . . فلاح الإنسان.

وهذا ما حاول الأستاذ الفهيم عبد الرزاق الجبران القيام به، فقد حاول أن يرى شريعتي كما أراد شريعتي أن يُرى، ويقول ما أراد شريعتي أن يقول، وقد نجح إلى حدّ كبير في إبراز هذه الجوانب، والتي بلا شك قيّمة وصعبة معاً.

وفي نهاية هذا التقديم المتواضع لا بد أن أشير إلى كلام الشهيد بهشتي (1) والذي اضطر أن يؤلف كتاباً بالفارسية، يدافع به عن شريعتي وآرائه ويناقشها ويؤصلها إسلامياً (2)، وهنا نشير إلى أن الحملات الظالمة التي شُنت على شريعتي لم يسلم منها البهشتي أيضاً (3)، وإلى هذا أشار الإمام الخميني عندما قال " ومظلوميته كانت أكبر من شهادته " ونترك الكلام للشهيد البهشتي حيث يقول:

لقد أوجد الدكتور- علي شريعتي – طوال السنوات الحساسة- من عمر الثورة الإسلامية – جواًً حماسياً مؤثراً، وكان له الدّور البناء في جذب الطاقات الشابة المتعلمة نحو الإسلام الأصيل، واجتذب قلوباً كثيرة نحو الثورة الإسلامية. وعلى الثورة والمجتمع أن يقدّرا له ذلك الدور المؤثر.

كان الدكتور- علي شريعتي- رجلاً عاملاً مجدّاً، لقد كان فناناً بحق، وهذا الجانب الفني يظهر في قلمه وكتاباته. كان يرغب حقاً أن توجد حركة وثورة إسلامية أصيلة في بلدنا، بعيدة عن التأثر بثقافة الشرق والغرب، تقوم على أساس الإسلام الأصيل، وكان يعشق تلك الفكرة (4).

بكلام شهيد عن شهيد نختم بهذه الشهادة، والحمد لله أولاً وآخراً.

هوامش :

1 – أحد كبار قادة الثورة الإسلامية في إيران، أسس المركز الإسلامي في هامبوغ المانيا قبل انتصار الثورة، ورئيس المحاكم والمدعي العام للثورة بعد انتصارها، والرجل الحديدي في نظر أمريكا وقد اعتبرته علناً عدوها الأول وهو من مؤسسي الحزب الجمهوري الإسلامي ورئيسه، وكان يجيد اللغات: الألمانية ، الإنكليزية، والعربية. استشهد في 28/6/1981 أثناء تفجير مقر الحزب الجمهوري في طهران مع 72 من كوادر الثورة والحزب و313 من الحضور.

2- اسم الكتاب " الدكتور شريعتي باحث على طريق الوصول "، تأليف الشهيد بهشتي، دار البقعة، الطبعة الثانية 1999م – طهران.

3 – رحم الله الشهيد بهشتي عاش مظلوماً ومات مظلوماً وكانت مظلوميته أكبر من شهادته – من بيان الإمام الخميني في نعي الشهيد بهشتي.

4- نفس المصدر السابق، " الدكتور شريعتي " باحث على طريق الوصول ".