هذا الكتاب

يواجه الدارس لعلم المنطق مشكلة كبيرة، تكمن في أن كتب المنطق بغالبها قد كتبت بأسلوب علمي شديد التعقيد، دون مراعاة الجانب التعليمي-التعلمي في ذلك فكان المنطقي يكتب المنطق لمنطقي آخر، لا لطالب يتدرج.

ونظراً لشدة التداخل الحاصل بين لغة المنطق كمصطلحات وبنية، وبين الكثير من العلوم لا سيما العقلية منها، الأمر الذي حتم دراسته وفق منهجية تختلف عن سواها، بحيث لا تغرق في التدقيق في تفكيك الفقرات وعباراتها، وإرجاع الضمائر إلى أسمائها. بل تذهب إلى تناول النظرية كبنية، وتعرضها بأسلوب تعليمي يلاحظ التدرج تربوياً، بالنظر للمادة نفسها، وفي كل درس فيها، أو بالنظر إلى المواد الأخرى كالفلسفة والعقيدة.

وهذا الكتاب " القواعد المنطقية " يتألف من جزأين.

الجزء الأول يتناول التصورات والجزء الثاني يتناول التصديقات، وكل من الجزأين يحتوي على عدة محاور،

فالأول فيه خمسة محاور، الأول: يدور حور المنطق تاريخاً وقيمة وتعريفاً وموضوعاً وأقساماً.

والثاني: يتناول العلم التصوري والتصديقي، فيبحث في مصدر المعرفة وأقسام المعرفة والعلم الحصولي والحضوري، والتصور والتصديق، ومنشئهما ومواردهما وأقسامهما... الثالث: يعالج العلاقة بين اللغة والمنطق، فيبحث الموضوع من زاوية دلالية، من ناحية كون الدال اللفظي واحداً أو متعدداً، ومن ناحية كون المعنى واحداً أو متعدداً. وأيضاً من ناحية كون الدال اللفظي مفرداً أو مركباً وكذلك معناه. إضافة إلى الإشارة إلى أنواع الدال.

المحور الرابع: يتناول مباحث الكلي والجزئي، وأنواع المفاهيم الكلية، لا سيما الماهوية، وكذلك أوصاف الكلي أقسامه. المحور الخامس: يبحث التعريف من ناحية كونه ذا المقدمة الذي لأجله تدرس الكثير من الدروس، وكذلك يعرض بعض إشكاليات التعريف كإمكانية الوصول إلى الحد التام؟ وفي هذا المحور تبحث القسمة كملحق بالتعريف.

الجزء الثاني، وفيه ثلاثة محاور: المحور الأول: يتناول القضايا من ناحية بنيتها، وأقسامها، الحملية والشرطية وتقسيمات كل منهما. وكذلك يشير إلى كون هذا المحور مقدمة للمحور الثاني. المحور الثاني: يطرح الاستدلال المباشر فيجري الكلام فيه عن أنواعه وهي التناقض وملحقاته، والعكس المستوى، وعكس النقيض المخالف والموافق، وكذلك النقض التام والموضوع والمحمول.

المحور الثالث: يتناول الاستدلال غير المباشر، فيبحث القياس بقسميه الاقتراني والاستثنائي، ويفصل في الاقتراني من ناحية أقسامه وأشكاله وضروبه وبراهين الضروب، وربطاً بالقياس من ناحية المادة يتناول صناعتين: الأول صناعة البرهان والأخرى صناعة المغالطة، نظراً لأهميتها، دون أن يتعرض لصناعة الجدل والخطابة والشعر، لإمكانية الحديث في الأول في باب المغالطة ولاستقلالية الخطابة والشعر.

ومعهد المعارف الحكمية كونه يهدف إلى تسييل التراث الفكري، ناظراً في ذلك إلى الجانب التعليمي-التعلمي، عمل على تأليف سلسلة من المتون الدراسة المنهجية التي تشتمل على عدة علوم منها: المنطق، والعقيدة، ونظرية المعرفة، وفلسفة الدين، ومناهج البحث الديني...

وهذا الكتاب واحد من تلك السلسلة تمت مواكبته تدريساً وتأليفاً، فهو حصيلة مرحلة تدريسية من خلال منهج تربوي محدد لوحظت فيه الأمور التالية: أولاً: وضع لكل درس أساسي عدة أهداف، وهذه الأهداف يتحقق معظمها في الدروس، وبعضها في التمارين، وبعضها خلال الشرح، وبهذا يعرف الطالب ما هو المطلوب من كل درس. ثانياً: في مقدمة كل درس تقسيم بياني بنية الدرس بشكل شبكي مشجر. وهذا يسهل الدرس، ويجعله سريع التناول والعرض. ثالثاً: أضيفت عدة نظريات في مسائل منطقية للسهروردي، وغيره من المناطقة، من باب التنويع في العرض وإغناء الطالب بالآراء المنطقية، وتم ذلك من خلال مستندات. رابعاً: استبدلت معظم الأمثلة التي كانت تطرح في الأبواب بأمثلة مستقاة من الآيات أو الأحاديث أو الحكم... تم ذلك في الدروس والتمارين. في هذه النقطة أيضاً طرحت أمثلة من عدة علوم وفي ذلك دمج للتأسيس المنطقي بباقي العلوم، وهذا يتناسب مع كون المنطق منطق العلوم. خامساً: في كل درس أساسي بعد المشجر، يوضع قائمة "تحديدات" وهذه تشتمل على أهم المصطلحات التي ستتداول أثناء العرض. وكان تحديدها غالباً مبنياً على المعنى اللغوي والاصطلاحي. وهذه الفقرة تغني الطالب بالكثير من المصطلحات التي لها بعد فلسفي أو معرفي أو كلامي... سادساً: بعض الدروس وضعت بتمامها بشكل مشجر وذلك تسهيلاً للدارس، وتسريعاً في الشرح، وتمكيناً للعرض على السلايد. سابعاً: زود بتمارين من الفقه والفلسفة والعقيدة والأصول وغيرها، تلك التمارين وظفت فيها قواعد المنطق، فكان المطلوب من الطالب أن يكشف هذا التداخل ليفهم كيف يوظف المنطق في العلوم الأخرى وكيف يمكن توظيفه؟